بسم الله الرحمن الرحيم
(وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ) أي في شكّ ، والخطاب للمشركين (مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا) محمّد (فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ) يعني من مثل القرآن فصاحة وبلاغة (وَادْعُواْ شُهَدَاءكُم) جمع شهيد وهو الجليس الذي تراه وتجالسه ، والمعنى : وادعوا أصنامكم التي تجلسون عندها وتنظرون إليها ، ومن كانت هذه صفته فليس بإله ؛ فإنّ الله تعالى لا تجالسه البشر ولا تراه العيون ، وقوله (مِّن دُونِ اللّهِ) أي التي اتّخذتموها بدلاً عن الله مع كونِها حقيرة، والتقدير : وادعوا شهداءكم من دون الله فليستجيبوا لكم (إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) في دعواكم بأنّ الأصنام آلهة تدعونَها فتستجيب .
24 – (فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ وَلَن تَفْعَلُواْ) يعني فإن لم تأتوا بسورة من مثله وعجزتم عن ذلك ولن يستجيب لكم شهداؤكم عند دعائكم لهم ، إذاً (فَاتَّقُواْ النَّارَ) بإيمانكم ، أي صدّقوا محمّداً كي تتّقوا النار ولا تتعذّبوا فيها تلك (الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ) يعني تكون الناس لَها مقام الحطب (وَالْحِجَارَةُ) هي نار البراكين والأحجار المبيضة من شدة الحرارة التي تقذف بِها البراكين من جوف الأرض ، وقد سبق تفسيرها في كتابنا (الكون والقرآن) ، (أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ) أي هيّئت لهم .
آراء المفسّرين
لقد اختلف المفسّرون في كلمة { شُهَدَاءكُم} فظنّوها جمع شاهد ، ولذلك لم يفهموا معنى الآية وإليك أقوالهم عن [مجمع البيان] صفحة 62: " { وادعوا شهداءكم } قال ابن عباس يعني أعوانكم وأنصاركم الذين يظاهرونكم على تكذيبكم وسمى أعوانهم شهداء لأنهم يشاهدونهم عند المعاونة والشهيد يكون بمعنى المشاهد كالجليس والأكيل ويسمى الشاهد على الشيء لغيره بما يحقق دعواه بأنه شهيد أيضاً وقولـه: { من دون الله } أي من غير الله كما يقال ما دون الله مخلوق يريد وادعوا من اتخذتموهم معاونين من غير الله: { إن كنتم صادقين } في أن هذا الكتاب يقولـه محمد من نفسه. وقال الفراء: أراد وادعوا آلهتكم وقال مجاهد وابن جريج: أراد قوماً يشهدون لكم بذلك ممن يقبل قولـهم وقول ابن عباس أقوى لأن معناه استنصروا أعوانكم على أن يأتوا بمثله لأن الدعاء بمعنى الإستعانة كما قال الشاعر:
فَلَمَّا الْتَقَتْ فرْسانُنا وَرِجالُنَا __________________ دَعَوْا يا لَكَعْبٍ واعْتَزَيْنَا لِعامِرِ
وقال آخر:
وَقَبْلَكَ رُبَّ خَصْمٍ قَدْ تَمالُوا __________________ عَلَيَّ فَما جَزَعْتُ وَلاَ دَعَوْتُ
وأما قول مجاهد فلا وجه له لأن الشاهدين لا يخلو إما أن يكونوا مؤمنين أو كفاراً فالمؤمنون لا يكونون شهداء للكفار والكفار لا بّد أن يسارعوا إلى إبطال الحق أو تحقيق الباطل إذا دعوا إليه فمن أي الفريقين يكون شهداؤهم ولكن ينبغي أن يجري ذلك مجرى قولـه تعالى:
{ قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً }
[الإِسراء: 88] وقال قوم إن هذا الوجه جائز أيضاً صحته لأن العقلاء لا يجوز أن يُحملوا نفوسهم على الشهادة بما يفتضحون به في كلام أنه مثل القرآن ولا يكون مثله كما لا يجوز أن يُحملوا نفوسهم على أن يعارضوا ما ليس بمعارض على الحقيقة." .
من كتاب المتشابه من القرآن