النتائج 1 إلى 10 من 10
الموضوع:

حياة الشاعر ابو القاسم الشابي

الزوار من محركات البحث: 1566 المشاهدات : 5412 الردود: 9
جميع روابطنا، مشاركاتنا، صورنا متاحة للزوار دون الحاجة إلى التسجيل ، الابلاغ عن انتهاك - Report a violation
  1. #1
    من أهل الدار
    تاريخ التسجيل: January-2010
    الدولة: بلد الائمة
    الجنس: أنثى
    المشاركات: 4,426 المواضيع: 190
    التقييم: 311
    مزاجي: هادئة
    آخر نشاط: 17/September/2012
    مقالات المدونة: 7

    حياة الشاعر ابو القاسم الشابي


    ابو القاسم الشابي


    ليست الرومانطيقية وقفا على عصر او امة او مجتمع او فئة في مجتمع ، وانما هي تيار شعري _ فكري ، ينساق فيه افراد ذوو امزجة خاصة في مرحلة من مراحل التطور الاجتماعي ، ويسوقون فيه من حولهم ، الى ان يعم او ينتشر ... فكل من يضع الجمال فوق المنفعة في تقديره لشؤون الحياة يكون رومانطيقيا ، وكل من يأبى الاذعان للعقل حين يقتضيه التضحية بعواطفه ، وكل من يتمرد على القيود الاجتماعية ، ويهوى العزلة ، ويمجد الحب ، وينشد عنف الاهواء ، ويستسيغ الكأبة ، ويمقت الواقع ، ويفرح بالأحلام يكون في حقيقة امره رومانطقي الاتجاه..
    وما كان للرومانطيقية العربية ان تتمثل ، في ابدع صورها ، واجلى مظاهرها ، واقوى اندفاعاتها ، كما تمثلت في سيرة ابي القاسم الشابي وشاعريتة وحياته وادبه .
    كان ابو القاسم رومانطقي النزعة اول منزلة ، ثم بحكم شاعريته في المنزلة الثانية ، واخيرا بحكم عصره وتمرسه بحياة عصره وثقافته ، وهذا يعني انه لم يقلد احدا في شيئ مما اعطى وانتج ، وانما سار مع طبيعته كشاب ، واصغى الى فؤاده ووجدانه كشاعر .

    عالم شعري



    ولد ابو القاسم الشابي في قرية اسمها (الشابة) على مقربة من توزر ، في منطقة الجريد _ ومناها بلاد النخيل _ من جنوب توبس ، في يوم الاربعاء الواقع في 24شباط (فبراير) عام 1909 . ومنطقة الجريد في الجنوب التونسي عبارة عن اربع واحات هي :توزر ، نفتا ، العديان ، والحمة ، وكلها تقع في البرزخ الذي يفصل السبختين الكبيرتين : الجريد وغرسة ، على تحوم الصحراء وقفارها المترامية . وهذه الواحات الاربع تلفت الانظار، وتستهوي الافئدة لما هي عليه من سعة ، وما تتمتع به قراها الكبيرة من اهمية اذ ان مياهها غزيرة وافرة ، ونباتاتها واشجارها باسقة رائعة ، ومواقعها جميلة اخاذة .
    هذا هو العالم الذي نشأ فيه ابو القاسم ، وذلك مسرح شاعريته ، وميدان خياله ، وتلك هي مغاني حداثته .
    انه جزء من تلك الطبيعة ، وشعره صورة عنها فاللون فيه تونس الخضراء بل لون غاباتها واشجارها ، والنغم عنده هونغم ينابيعها . فهو في رقته جدول او ينبوع من ينابيع الجريد ، وهو في ثورته عاصفة رملية من عواصف الصحراء القائمة على تخوم الجريد . ثم هو كـأنسان شبيه بالمنطقة الجغرافية التي نشأ فيها ، اي واحة قامت وسط السباخ والرمال ، ارجع الى الالفاظ التي تتكرر على لسانه وترددها اشعاره نجد ان للطبيعة فيها النصيب الاوفى :

    فجر ، انشودة ، ليل ، صباح ، شوك ، غابة ، جدول ، نهر ، واد ، عصفور ، ظلال ، أزهار ، غيوم ، امواج ، ضباب ، ربيع ، جبل ، طيور ، نسيم ، انواء ، ضحى ، نجوم ... والكلمة الوحيدة التي هي من صنع الانسان ويكثر الشابي من ذكرها ، هي كلمة ( هيكل ) . هذه الالفاظ لم ترد على لسان الشابي لأنه انتقاها او فكر فيها ، بل لأنها هي ( العالم ) الذي احدق به ونشأ في اطاره ..


    ثقافة روحية خالصة


    نشأ ابو القاسم في اسرة دينية ، ومعنى ذلك ان والده ينتمي الى تلك الطبقة او الفئة من فئات المجتمع الاسلامي التي تنصرف الى الشؤون الروحية والفقهية وتجعل همها في الحياة ( الامر بالمعروف والنهي عن المنكر ) وارشاد الناس من حولها الى اصول العبادات ، وقواعد الشريعة في المعاملات . وقد عين ابوه قاضيا شرعيا في العام نفسه الذي ولد فيه، وراح ينتقل به في عواصم الجريد وغير الجريد من مناطق الجمهورية _ وكانت آنذاك المملكة التونسية . وعندما بلغ سن الدراسة الابتدائية ، ارسله والده الى ((الكتاب)) وهو عبارة عن مكان يجتمع فيه ابناء الحي ، يتعلمون قراءة القرأن ، وكتابة الحروف العربية ، ولكن دراسة ابي القاسم كانت تتحقق على يد ابيه في اول منزلة ، وعنه اخذ اصول اللغة ، وقواعد النحو والصرف كما تلقن هاتيك الروح الصوفية التي سادت الاوساط الدينية في بلاد المغرب العربي عامة ، ثم كان ان وجهه والده _ وهوفي الحادية عشرة _ الى جامع الزيتونة في تونس ، واوصى زملاءه من المشايخ ورجال الدين ان يبذلوا له عنايتهم ، وبهذا انتقل الشيخ الصغير من اجواء الجريد الى فضاء المدينة ، واقام سبع سنوات هناك يدرس ، ويطالع ، ويحتك بالاوساط الثقافية ، الى ان نال الاجازة النهائية للجامع ، اي اصبح عالما دينيا وهو في عامه الثامن عشر .


    ولم يكتف والده بهذا القدر من الثقافة وانما حضه على دراسة الحقوق ، فأقبل عليها وراح في اثنائها يمارس الادب ويقرض الشعر ، ويتصل بأدباء العاصمة التونسية ، اذ انضم الى _ النادي الادبي _ الذي كان يجتمع في مقر _ جمعية قدماء الصادقية ( المدرسة ) _

    ومحاضرات ايقضت الناس على صاحبها . كانت باكورة اعماله في الحقل الادبي محاضرة القاها في النادي الادبي عنوانها ( الخيال الشعري عند العرب ) ، ونشرها زين العابدين السونسي في كتيب خاص ، اهداء المؤلف الى والده بهذه العبارات :
    الى حضرة الوالد الكريم الشيخ سيدي محمد بن بلقاسم الشابي الذي رباني صغيرا ، وثقفني كبيرا ، وافهمني معاني الرحمة والحنان ، وعلمني ان الحق خير ما في هذا العالم ، واقدس ما في هذا الوجود ، اتقدم بهذه الصفحات التي هي اول عمل اخرجته للناس . وانا ارجوا ان اكون قد توخيت فيها صراحة الصدق وجمال الحقيقة ...

    هذا الاهداء يكشف عن عمق تأثيره بالثقافة الروحية الخالصة التي اخذها عن بيئته، وحلب من تراثه الاجتماعي ، وكان من شأن هذا التراث الذي تمثله ان جعله مثالي النزعة ، وحاله في ذلك حال كل من يعيش في وسط متدين ، ويثقف على ايدي المتدينين ، وقد ذكر عنه بعض كاتبي سيرته انه حفظ القرأن وهوفي التاسعة من عمره .. ثم كان من شأن هذه المثالية التي حلت في طباع الشابي ، وسيطرت على تفكيره ان قادته الى _ الكآبة _


    هذا يعني ان كآبة الشابي تضرب في نسبها البعيد الى مثاليته الروحانية التي ترى ( ان الحق خير مافي هذا العالم ، واقدس ما في الوجود ) ...

    وبذلك يكون موقفه شبيها كل الشبه بموقف افلاطون ، او المعري ...

    ولكن ابا القاسم كان شاعرا ، وشاعرا رومانطيقيا لم يسلك سبل الفلاسفة والمفكرين في تناول قضايا الحياة ومشاكل الوجود البشري _ او ربما مجاله الزمني ضاق فلم يتح له ان يسلك هاتيك السبل _ وعاش ينوء بأثقال عواطفه ، وسمو اخلاقه ، ورقة طبعه _

    واليوم احيا مرهق الاعصاب ........ مشبوب الشعور

    متأ جج الاحساس احفل ............. بالعظيم وبالحقير

    تمشي على قلبي الحياة ................ ويزحف الكون الكبير

    ويصف عذاب نفسه ، في مقام اخر ، على نحو نحس معه بالفاجع المفجع مما يدور في داخل سريرته ، ويشجيك برقة احساسه ...

    انقذيني من الاسى فلقد امسيت ....... لااستطيع حمل وجودي

    في شعاب الزمان والموت امشي ......... تحت عبء الحياة جم القيود

    واماشي الورى ونفسي كالقبر .............. وقلبي كالعالم المهدود

    ظلمة ما لها ختام ، وهول ................. شائع في سكونها الممدود


    التجربة الكبرى


    ... وهناك في حياة ابي القاسم تجربة قاسية كبرى ، قل ان يمر بها انسان دون ان تجعله شاعرا ، فكيف اذا مر بها شاعر مثله ، الا وهي تعلقه بفتاة ماتت وهي تحبه ، ماتت وهي برعم لم يتفتح ، وكان من اثر هذه الفاجعة في كيانه ، ان تفجرت في حناياه بواعث العذاب ، وانطوى قلبه على اسى لاسبيل فيه الى عزاء ، واضطرم فكره بمعنى _ الموت _ وما يواكب هذا المعنى من وحشة وهول وضلام وفراغ واكتئاب وقلق وتبرم بالوجود من الفه الى يائه :

    بالأمس قد كانت حياتي كالسماء الباسمة

    واليوم قد امست كأعماق الكهوف الواجمة !

    قد كان لي مابين احلامي الجميلة جدول

    يجري به ماء المحبة طاهرا يتسلسل !


    هو جدول قد فجرت ينبوعه في مهجتي

    اجفان فاتنة ارتنيها الحياة لشقوتي !


    اجفان فاتنة تراءت لي فجر الشباب

    كعروسة من غانيات الشعر في شفق السحاب !


    ثم اختفت خلف السماء وراء هاتيك الغيوم

    حيث العذارى الخالدات يمسن ما بين النجوم !


    ثم اختفت اواه ! طائرة بأجنحة المنون

    نحو السماء وها انا في الارض تمثال الشجون !


    ويبدو ان هذه الصدمة ، اساءت ابلغ الاساءة الى مصيره كله ، فأضطر اهله ال تزويجه في سن مبكرة لينصرف عن اوهامه وتأملاته الحزينه ، وقبل هذا الحل الاصطناعي لمشكلة كونية . ولكن المشكلة كانت تزداد في نفسه تعقدا ، فلم يهنأ في زواجه ..

    ثم فاجأه الموت ثانية بفقد ابيه ، وتحولت التبعات التي كان يحملها ابوه الى كاهله ، فأثقلته وهو الذي كان بنوء بما يحمل ،فرزح ، واعتلت صحته ، واصيب كما قرر الاطباء بأنتفاخ في القلب جعله ينتقل من مكان الى الخر طلبا للشفاء ..


    نهاية وشهرة

    لم يكن من شأن العذاب الذي كابده ابو القاسم ان يقضي الى غير غليته ي المحتومة ، وهي المرض ، ثم لم يكن من شأن الداء الذي اصابه _ انتفاخ القلب _ ان يقضي الى غير الموت ، فأضطر الى دخول المستشفى ، بعد ان تنقل في مختلف البلدان انتجاها للعافية ، ولكن الطب عجز عن مقاومة دائه ، وقضى نحبه في صباح يوم الاثنين 9تشرين الاول عام 1934، وفي مساء ذلك اليوم حمل جثمانه الى توزر الجريد التي كان يرسل منها قصائده الى مجلة ( ابولو ) ، ودفن هناك ....

    وساد الصمت برهة حول اسمه ، سوى اصداء كانت ترتفع هنا وهناك من انحاء العالم الادبي في دنيا العرب ، ومقالات تكتبها عنه الصحف العربية بين الفترة والفترة . وسر ذلك الصيمت كان يكمن في الاحداث المتلاحقة التي مر بها العالم جملة والعالم العربي خاصة ، من حرب ، الحبشة ، وثورة فلسطين عام 1936الى اندلاع الحرب العالمية الثانية عام 1939، الى ثورة العراق وسوريا ولبنان في فترة 1944_ 1941..... حتى انتهت الحرب الثانية واستعادت الدنيا بعض هدوئها ، تألفت عام 1946لجنة في تونس لاقامة ضريح لأبي القاسم ،ونقل جثمانه في حفل عظيم يوم الجمعة 13ايار ( مايو ) .

    الى الضريح الجديد ، وتوالى على تأبينه 17خطيبا و9 شعراء ....

    وفي عام 1952اصدر ابو القاسم محمد كرو الطبعة الاولى من كتابه...

    ( الشابي ) : حياته _ شعره _ فتلقفه ابناء العربيه بشوق ولهفة ، وتوالت على الاثر الدراسات والمؤلفات التي تتناول ابا القاسم ، وقد يكون ابرزها :

    ( مع الشابي ... لمحمد الحليوي )

    ( شاعران معاصران .. لعمر فروخ )

    ( ابو القاسم الشابي : حياته .. ادبه .. لزين العابدين السونسي )

    ( شاعر الشباب والحرية ... لسرور )

    وقد انقسم دارسوه وناقدوه حول عدد من القضايا والشؤون التي تصل بشاعرية الشابي وطباعه وسيرته ، فهناك من يرى انه كان متفائلا ، واخر يرى انه كان مغرقا في تشائمه ، وهناك من يحسب ان حبه كان خياليا ، بينما يرى غيره ان هذا الحب كان واقعيا ، وهناك من حسبه حاقدا ، لما يظهر في بعض قصائده من نقمة على الشعب وتبرم بمسالكه ، في الوقت الذي يحسب غيره انه كان في نقمته يعبر عن اشفاق وحب ، غير ان الاجماع انعقد على انه كان من افذاذ الالفن الشعري في عصره ...

    اثار الشابي

    اشهر ماعرف للشابي من اثار ، اثنان الاول ديوانه الشعري (
    اغاني الحياة ) والثاني كتابه النثري ( الخيال الشعري عند العرب ) والى الاول استند معظم الذين درسوا شعره ، وتحدثوا عن مواهبه وعبقريته ، وكان هو المصدر الوحيد الذي رجعت اليه السيدة نعمات فؤاد في كتابها ( شعب وشاعر ) .. ويروي الاستاذ زين العابدين السونسي _ صديق ابي القاسم الحميم _ ان الشابي كان قد اختار قصائده في الاشهر الاولى من سنة 1934عندما كان يستجم في حامة الجريد ، واه اعده ليرسل به الى مصر ليتولى الوقوف على طبعة الدكتور احمد زكي ابو شادي صاحب مجلة ( ابولو ) ....

    اما اثاره الاخرى فهي

    1.
    . ( جميل بثينة ) _وقصص اخرى _ظلت مسودة بين يدي اخيه معالى الاستاذ محمدالامين الشابي وزير المعارف في الحكومة الدستورية الاولى ..

    2.
    . ( شعراء المغرب )_ دراسة اعدها ليلقيها في النادي الادبي ، ولكنه لم يلق في النادي من يستمع اليه ، فتركها مخطوطة في يد صديقه المحامي بصفاقس ، الاستاذ ابراهيم بو رقعة..

    3.
    . ( مذكرات )_ بدأ بتدوينها في كانون الثاني عام 1930..

    4.
    . ( قصة الهجرة النبوية )_ نشرتها مجلة العالم في تونس ..

    5.
    . ( الادب العربي في العصر الحاضر ) _ دراسة قصيرة قدم بها ديوان ( الينبوع ) للشاعر ابي شادي ..

    6.
    . ( رسائل ) _ توجه بها ابو القاسم لعدد من اصدقائه :

    البشروش ، الحليوي ، ابو شادي ، ابراهيم ناجي ، وعلي الناصر.... وقد ذكرها بالتفصيل الاستاذ محمد الحليوي في ختام كتابه ( مع الشابي ) ..


    7.. (
    في المقبرة ) _ رواية ( ذكرها الاستاذ كرو ) ..

    8.. (
    صفحات دامية )..

    9.. (
    السكير ) مسرحية ..

    10.. (
    مقالات مختلفة ) ..

    وهذا الانتاج يعتبر ضخما ، اذ قيس بالأعوام القليلة التي اتيح لذلك العبقري ان يحياها ، وكان من شأن هذا الانتاج ان حقق نبوءة الشابي يوم قال :


    سأعيش رغم الداء والاعداء ............ كالنسر فوق القمة الشماء

    وقد وفق الى ( العيش ) في القلوب ، وفي العقول ، على احسن مايكون التوفيق ..


    عذرا لطول الموضوع وقد حاولت جاهدة الاختصار قدر المستطاع

    اتمنى لكم متعة القراءة
















  2. #2
    مدير المنتدى
    تاريخ التسجيل: January-2010
    الدولة: جهنم
    الجنس: أنثى
    المشاركات: 84,930 المواضيع: 10,515
    صوتيات: 15 سوالف عراقية: 13
    التقييم: 87190
    مزاجي: متفائلة
    المهنة: Sin trabajo
    أكلتي المفضلة: pizza
    موبايلي: M12
    آخر نشاط: منذ 46 دقيقة
    مقالات المدونة: 18
    إذا الشـــعبُ يومًــا أراد الحيــاة
    فــلا بــدّ أن يســتجيب القــدرْ
    ولا بــــدَّ لليـــل أن ينجـــلي
    ولا بــــدّ للقيـــد أن ينكســـرْ
    ومــن لــم يعانقْـه شـوْقُ الحيـاة
    تبخَّـــرَ فــي جوِّهــا واندثــرْ
    فــويل لمــن لــم تَشُــقهُ الحيـا
    ة مــن صفْعــة العــدَم المنتصـرْ
    كـــذلك قــالت لــيَ الكائنــاتُ
    وحـــدثني روحُهـــا المســـتترْ
    *****
    ودمــدمتِ الــرِّيحُ بيــن الفِجـاج
    وفــوق الجبــال وتحـت الشـجرْ:
    إذا مـــا طمحــتُ إلــى غايــةٍ
    ركــبتُ المُنــى, ونسِـيت الحـذرْ
    ولــم أتجــنَّب وعــورَ الشِّـعاب
    ولا كُبَّـــةَ اللّهَـــب المســـتعرْ
    ومــن لا يحــبُّ صعـودَ الجبـال
    يعش أبَــدَ الدهــر بيــن الحــفرْ
    فعجَّــتْ بقلبــي دمــاءُ الشـباب
    وضجَّــت بصـدري ريـاحٌ أخَـرْ...
    وأطـرقتُ, أصغـي لقصـف الرعـودِ
    وعــزفِ الريــاحِ, ووقـعِ المطـرْ
    *****
    وقـالت لـي الأرضُ - لمـا سـألت:
    أيــا أمُّ هــل تكــرهين البشــرْ?
    أُبــارك فـي النـاس أهـلَ الطمـوح
    ومــن يســتلذُّ ركــوبَ الخــطرْ
    وألْعــنُ مــن لا يماشــي الزمـانَ
    ويقنـــع بــالعيْشِ عيشِ الحجَــرْ
    هــو الكــونُ حـيٌّ, يحـبُّ الحيـاة
    ويحــتقر المَيْــتَ, مهمــا كــبُرْ
    فـلا الأفْـق يحـضن ميْـتَ الطيـورِ
    ولا النحــلُ يلثــم ميْــتَ الزهـرْ
    ولــولا أمُومــةُ قلبِــي الــرّؤوم
    لَمَــا ضمّــتِ الميْـتَ تلـك الحُـفَرْ
    فــويلٌ لمــن لــم تشُــقه الحيـا
    ة, مِــن لعنــة العــدم المنتصِـرْ!
    *****
    وفــي ليلــة مـن ليـالي الخـريف
    مثقَّلـــةٍ بالأســـى, والضجـــرْ
    ســكرتُ بهـا مـن ضيـاء النجـوم
    وغنَّيْــتُ للحُــزْن حــتى ســكرْ
    سـألتُ الدُّجـى: هـل تُعيـد الحيـاةُ,
    لمـــا أذبلتــه, ربيــعَ العمــرْ?
    فلـــم تتكـــلّم شــفاه الظــلام
    ولــم تــترنَّمْ عــذارى السَّــحَرْ
    وقــال لــيَ الغــابُ فــي رقَّـةٍ
    مُحَبَّبَـــةٍ مثــل خــفْق الوتــرْ:
    يجــئ الشــتاءُ, شــتاء الضبـاب
    شــتاء الثلــوج, شــتاء المطــرْ
    فينطفــئُ السِّـحرُ, سـحرُ الغصـونِ
    وســحرُ الزهــورِ, وسـحرُ الثمـرْ
    وســحرُ السـماءِ, الشـجيُّ, الـوديعُ
    وســحرُ المـروجِ, الشـهيُّ, العطِـرْ
    وتهـــوِي الغصــونُ, وأوراقُهــا
    وأزهــارُ عهــدٍ حــبيبٍ نضِــرْ
    وتلهــو بهـا الـريحُ فـي كـل وادٍ
    ويدفنُهَــا الســيلُ, أنَّــى عــبرْ
    ويفنــى الجــميعُ كحُــلْمٍ بــديعٍ
    تـــألّق فـــي مهجــةٍ واندثــرْ
    وتبقــى البــذورُ, التــي حُـمِّلَتْ
    ذخــيرةَ عُمْــرٍ جــميلٍ, غَــبَرْ
    وذكــرى فصــولٍ, ورؤيـا حيـاةٍ
    وأشــباحَ دنيــا, تلاشــتْ زُمَـرْ
    معانقــةً - وهـي تحـت الضبـابِ
    وتحــت الثلـوجِ, وتحـت المَـدَرْ -
    لِطَيْــفِ الحيــاةِ الــذي لا يُمَــلُّ
    وقلــبِ الــربيعِ الشــذيِّ الخـضِرْ
    وحالمـــةً بأغـــاني الطيـــورِ
    وعِطْــرِ الزهــورِ, وطَعـمِ الثمـرْ
    *****
    ويمشـي الزمـانُ, فتنمـو صـروفٌ
    وتــذوِي صــروفٌ, وتحيـا أُخَـرْ
    وتُصبِـــحُ أحلامُهـــا يقظَـــةً
    مُوَشَّـــحةً بغمـــوضِ السَّــحَرْ
    تُســائل: أيــن ضبـابُ الصبـاحِ
    وسِــحْرُ المسـاء? وضـوء القمـرْ?
    وأســرابُ ذاك الفَــراشِ الأنيــق?
    ونحــلٌ يغنِّــي, وغيــمٌ يمــرْ?
    وأيـــن الأشـــعَّةُ والكائنــاتُ?
    وأيــن الحيــاةُ التــي أنتظــرْ?
    ظمِئـتُ إلـى النـور, فـوق الغصونِ!
    ظمِئـتُ إلـى الظـلِ تحـت الشـجرْ!
    ظمِئـتُ إلـى النَّبْـعِ, بيـن المـروجِ
    يغنِّــي, ويــرقص فـوقَ الزّهَـرْ!
    ظمِئــتُ إلــى نَغَمــاتِ الطيـورِ
    وهَمْسِ النّســيمِ, ولحــنِ المطــرْ
    ظمِئـتُ إلـى الكـونِ! أيـن الوجـودُ
    وأنَّـــى أرى العــالَمَ المنتظــرْ?
    هـو الكـونُ, خـلف سُـباتِ الجـمودِ
    وفـــي أُفــقِ اليقظــاتِ الكُــبَرْ
    *****
    ومـــا هــو إلا كخــفقِ الجنــا
    حِ حــتى نمــا شــوقُها وانتصـرْ
    فصَـــدّعت الأرضَ مــن فوقهــا
    وأبْصــرتِ الكـونَ عـذبَ الصُّـوَرْ
    وجـــاء الـــربيعُ, بأنغامِـــه
    وأحلامِـــه, وصِبـــاه العطِــرْ
    وقبَّلهـــا قُبَـــلاً فــي الشــفاهِ
    تعيــدُ الشــبابَ الــذي قـد غَـبَرْ
    وقــال لهــا: قـد مُنِحْـتِ الحيـاةَ
    وخُــلِّدْتِ فــي نســلكِ المُدّخَــرْ
    وبـــاركَكِ النُّـــورُ, فاســتقبلي
    شــبابَ الحيــاةِ وخِــصْبَ العُمـرْ
    ومَــن تعبــدُ النــورَ أحلامُــه
    يُبَارِكُـــهُ النّــورُ أنّــى ظهــرْ
    إليــكِ الفضــاءَ, إليــكِ الضيـاءَ
    إليــك الــثرى, الحـالمَ, المزدهـرْ!
    إليــكِ الجمــالَ الــذي لا يَبيــدُ!
    إليــكِ الوجـودَ, الرحـيبَ, النضِـرْ!
    فميـدي - كمـا شئتِ - فوق الحقولِ
    بحــلوِ الثمــارِ وغــضِّ الزّهَــرْ
    ونــاجي النســيمَ, ونـاجي الغيـومَ
    ونــاجي النجــومَ, ونـاجي القمـرْ
    ونـــاجي الحيـــاةَ وأشــواقَها
    وفتنــةَ هــذا الوجــود الأغــرْ
    *****
    وشـفَّ الدجـى عـن جمـالٍ عميـقٍ
    يشُــبُّ الخيــالَ, ويُــذكي الفِكَـرْ
    ومُــدّ عـلى الكـون سِـحرٌ غـريبٌ
    يُصَرّفــــه ســـاحرٌ مقتـــدرْ
    وضـاءت شـموعُ النجـومِ الوِضـاءِ
    وضــاع البَخُــورُ, بخـورُ الزّهَـرْ
    ورفــرف روحٌ, غــريبُ الجمـال
    بأجنحــةٍ مــن ضيــاء القمــرْ
    ورنَّ نشـــيدُ الحيـــاةِ المقـــدّ
    سُ فــي هيكـلٍ, حـالمٍ, قـد سُـحِرْ
    وأعْلِــنَ فــي الكـون: أنّ الطمـوحَ
    لهيـــبُ الحيــاةِ, ورُوحُ الظفَــرْ
    إذا طمحـــتْ للحيـــاةِ النفــوسُ
    فــلا بــدّ أنْ يســتجيبَ القــدر


    هذه ايضا من روائع قصائدة حبيت ادرجها ضمن موضوعك لان كولش اعتز بيها سلمت لروعة انتقائك والك احلى تقييم

  3. #3
    من أهل الدار
    مشكورة اختي العزيزة سوزان على هذه الأضافة الرائعة وعلى احساسك الجميل وتواصلك الدائم لك مني كل الود والتقدير مرورك احلى تقيم

  4. #4
    صديق مؤسس
    صاحبة الامتياز
    تاريخ التسجيل: January-2010
    الدولة: البصرة
    الجنس: أنثى
    المشاركات: 27,178 المواضيع: 3,882
    صوتيات: 103 سوالف عراقية: 65
    التقييم: 5826
    مزاجي: هادئة
    أكلتي المفضلة: مسوية رجيم
    موبايلي: Iphon 6 plus
    آخر نشاط: 5/August/2024
    مقالات المدونة: 77
    احسنتِ الانتقاء نور الهدى ,,, موضوع غاية الروعة وكلنا نحفظ اذا الشعب يوما اراد الحياة عن ظهر قلب
    وهي دستور للعرب وضعه هذا الشاعر ورحل شكرا لك وتقيمي

  5. #5
    من أهل الدار
    شكرا عزيزتي دالين ع المتابعة للموضوع وشكرا للتقيم ياوردة

  6. #6
    من المشرفين القدامى
    تاريخ التسجيل: July-2010
    الدولة: العراق بلد الانبياء
    الجنس: ذكر
    المشاركات: 5,846 المواضيع: 443
    صوتيات: 0 سوالف عراقية: 4
    التقييم: 883
    مزاجي: متفائل
    المهنة: معلم جامعي
    أكلتي المفضلة: الحلويات
    موبايلي: صيني
    آخر نشاط: 31/August/2022
    الاتصال:
    مشكورة نور الهدى على ترجمة هذا الشاعر الحزين المثقل بالام والمرض خط مجده بيديه رغم قصر عمره
    واشكر الاخت سوزان لما اضافت للموضوع قصيدة له هي من اروع قصائده
    تحية وشكر

  7. #7
    من أهل الدار
    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة مازن مشاهدة المشاركة
    مشكورة نور الهدى على ترجمة هذا الشاعر الحزين المثقل بالام والمرض خط مجده بيديه رغم قصر عمره
    واشكر الاخت سوزان لما اضافت للموضوع قصيدة له هي من اروع قصائده
    تحية وشكر
    ممتنة لمرورك اخ مازن ولك التحايا

  8. #8
    من أهل الدار
    زوزو
    تاريخ التسجيل: January-2010
    الدولة: KUT
    الجنس: أنثى
    المشاركات: 3,631 المواضيع: 82
    التقييم: 80
    مزاجي: كويس
    المهنة: STUDENT
    أكلتي المفضلة: البيتزا -- المعكرونة
    موبايلي: nokia n 95
    آخر نشاط: 18/August/2016
    شكراا على المجهود

  9. #9
    باقية في قلوبنا ما حيينا
    ☜ no LOVE no PAIN ☞
    تاريخ التسجيل: September-2011
    الدولة: Rented house in Mars
    الجنس: أنثى
    المشاركات: 8,463 المواضيع: 692
    صوتيات: 2 سوالف عراقية: 9
    التقييم: 559
    مزاجي: Not ur business
    موبايلي: sgh-c270 & HTC HD2
    مقالات المدونة: 5
    لاعدمنا من تميزك الرائع

    مودتي

  10. #10
    من أهل الدار
    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة زهر الربيع مشاهدة المشاركة
    شكراا على المجهود
    الف شكر على المرورالكريم اختي زهر..

تم تطوير موقع درر العراق بواسطة Samer

قوانين المنتديات العامة

Google+

متصفح Chrome هو الأفضل لتصفح الانترنت في الجوال