اللهم صل على محمد و آل محمد الطيبين الطاهرين الاشراف و عجل فرجهم يا كريم
قرآنية قد جرت في يوم الغدير وهي :
(...الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلاَمَ دِينًا ...)(المائدة/3).
إنّ كلمة الدين كانت جارية خلال آلاف السنين ضمن الشرائع الأربعة ، فحان الوقت لجريان أكمل الأديان ليتجلى اسم المهيمن (هُوَ اللَّهُ الَّذِي لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلاَمُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ)(الحشر/23). ومن خلال ذلك يتحقق الدين المهيمن على سائر الأديان (وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنْ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ ...)(المائدة/48).
والسرّ في ذلك عدم تمكّن سائر الأنبياء من تحقيق ذلك ، ولتوضيح هذا الأمر نتوسّل بمثال :
أنت تتمكّن من أخذ كرة قطرها 10 سانتيمتر و تغطسها إلى عمق البحر لا أكثر ، ولكن من الصعوبة أن تغطس كرة القدم فالسؤال هو : من يتمكّن من أن يغطس في الماء كرة قطرها مترٌ واحد ؟ ليس من يتمكن ذلك .
هناك عناصر كبيرة للدين ، ولفرط عظمتها ولطافتها لم يتمكّن أحد من الناس أن ينزّلها في عمق العوالم ، فسيدنا الرسول الأكرم محمّد صلى الله عليه وآله تمكّن من ذلك في خلال 23 سنة حتى وصل إلى يوم الغدير فأنزل آخر مقولة من الدين فأكمل الدين :
(...الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ) و تتبع ذلك النعمات التي جرت حينها (وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي) وأيضاً صار الإسلام حينها مرضيّاً (وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلاَمَ دِينًا ...)(المائدة/3).
السؤال الذي يطرح نفسه هو:
أيّ النعمات قد وصلت إلينا ؟ وما الفرق الذي حصل في المجتمع الإسلامي ؟ وما هي آثار ذلك؟
الواقع أنّه بدلاً من التقدّم كان تراجعاً واضحاً في ذلك ، فماذا يعني قوله تعالى :
(وَ أَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي ) ؟
أقول : أنّ في يوم الغدير قد انفتحت أبواب جميع النعمات إلينا نحن ، وبعد الغيبة الطويلة سوف تظهر تلك النعمات وذلك حوالي ظهور الإمام الحجّة عليه السلام.
ما هي تلك النعم؟
(قال اميرالمومنين(ع): سيأتي الله بقوم يحبهم و يحبونه و يملك من هو بينهم غريب، فهو المهدي، أحمر الوجه، بشعره صهوبة، يملأ الارض عدلا بلاصعوبة يعتزل في صغره عن أمه و أبيه، و يكون عزيزا في مرباه، فيملك بلاد المسلمين بأمان، و يصفو له الزمان، و يسمع كلامه و يطيعه الشيوخ والفتيان، و يملأ الارض عدلا كما ملئت جورا، فعند ذلك كملت أمامته، و تقررت خلافته، و الله يبعث من في القبور، فأصبحوا لا يري الا مساكنهم. و تعمر الارض و تصفو و تزهو بمهديها و تجري به أنهارها و تعدم الفتن و الغارات و يكثر الخير و البركات..) وهذه النعمات هي التي نؤكّد عليه في الصلاة (إهدنا الصراط المستقيم، صراط الذين أنعمت عليهم)
(وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلاَمَ دِينًا) رغم أنّ الدين المرضي قد طرح في يوم الغدير ولكن سيتحقق بعد الظهور وقد ورد هذا القسم من الآية في سورة النور حيث قال تعالى (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لاَ يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ)(النور/55).
مثال :
درج له ثلاث مراحل قد نصب في يوم الغدير بشكل عمودي ، يرفع الأمّة إلى الأعلى ولكن حيث أنّ الناس قد خالفوا العهد فوضع بشكل عمودي في مسير الزمن ، ولذلك حوالي الظهور سوف يحسّ الناس بهذه الأدراج ويتعايشون معها ويرونها في عمق العالم ، فيحس الناس باتمام النعمات ثمّ بالإسلام المرضي ، وقد نصب هذا السلّم في ظرف يتمثّل في وجود أمير المؤمنين عليه السلام ولو كان الناس يتسايرون معه لارتفعوا إلى مستوى الفضل والرفعة وكانوا يصعدون إلى الأعلى ولذلك يؤكّد سبحانه على ذلك في الآية التي هي قبل آية الغدير حيث يقول:
(وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ)(المائدة/66).
(وَلَوْلاَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ رَءُوفٌ رَحِيم)(النور/20). (محمد بن الفضيل عن العبد الصالح قال: الرحمة رسول الله (ص) و الفضل علي بن أبي طالب (ع) )
دور أهل البيت عليهم السلام:
حيث أنّهم كانوا قريبين من المبدأ من ناحية الزمان كانوا دائماً يتعايشون مع (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ) حتى وصل الأمر الى الصادقين عليهما السلام ، فكانا يدعمان قواعد الدين وعماده حتّى يكون قيّما ففي الحديث
قال رسول الله ص: لكل شيء عماد و عماد هذا الدين الفقه
عندما تقول صراط اللذين أنعمت عليهم يعني أنّه تقول: إلهي أنا أطلب ظهور الإمام عليه السلام باعتبار أنّ في ذلك الزمان ستجري النعمات المختلفة .
([إقبال الأعمال] مِنْ كِتَابِ النَّشْرِ وَ الطَّيِّ عَنِ الرِّضَا ع فِي خَبَرٍ طَوِيلٍ فِي فَضْلِ يَوْمِ الْغَدِيرِ قَالَ وَ فِي يَوْمِ الْغَدِيرِ عَرَضَ اللَّهُ الْوَلَايَةَ عَلَى أَهْلِ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ فَسَبَقَ إِلَيْهَا أَهْلُ السَّمَاءِ السَّابِعَةِ فَزَيَّنَ بِهَا الْعَرْشَ ثُمَّ سَبَقَ إِلَيْهَا أَهْلُ السَّمَاءِ الرَّابِعَةِ فَزَيَّنَهَا بِالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ ثُمَّ سَبَقَ إِلَيْهَا أَهْلُ السَّمَاءِ الدُّنْيَا فَزَيَّنَهَا بِالْكَوَاكِبِ ثُمَّ عَرَضَهَا عَلَى الْأَرَضِينَ فَسَبَقَتْ إِلَيْهَا مَكَّةُ فَزَيَّنَهَا بِالْكَعْبَةِ ثُمَّ سَبَقَتْ إِلَيْهَا الْمَدِينَةُ فَزَيَّنَهَا بِالْمُصْطَفَى مُحَمَّدٍ ص ثُمَّ سَبَقَتْ إِلَيْهَا الْكُوفَةُ فَزَيَّنَهَا بِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ع وَعَرَضَهَا عَلَى الْجِبَالِ فَأَوَّلُ جَبَلٍ أَقَرَّ بِذَلِكَ ثَلَاثَةُ أَجْبَالٍ الْعَقِيقُ وَ جَبَلُ الْفَيْرُوزَجِ وَ جَبَلُ الْيَاقُوتِ فَصَارَتْ هَذِهِ الْجِبَالُ جِبَالَهُنَّ وَ أَفْضَلَ الْجَوَاهِرِ وَ سَبَقَتْ إِلَيْهَا جِبَالٌ أُخَرُ فَصَارَتْ مَعَادِنَ الذَّهَبِ وَ الْفِضَّةِ وَ مَا لَمْ يُقِرَّ بِذَلِكَ وَ لَمْ يَقْبَلْ صَارَتْ لَا تُنْبِتُ شَيْئاً وَ عُرِضَتْ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ عَلَى الْمِيَاهِ فَمَا قَبِلَ مِنْهَا صَارَ عَذْباً وَ مَا أَنْكَرَ صَارَ مِلْحاً أُجَاجاً وَ عَرَضَهَا فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ عَلَى النَّبَاتِ فَمَا قَبِلَهُ صَارَ حُلْواً طَيِّباً وَ مَا لَمْ يَقْبَلْ صَارَ مُرّاً ثُمَّ عَرَضَهَا فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ عَلَى الطَّيْرِ فَمَا قَبِلَهَا صَارَ فَصِيحاً مُصَوِّتاً وَ مَا أَنْكَرَهَا صَارَ أَحَرَّ أَلْكَنَ إِلَى آخِرِ الْخَبَرِ)
التحليق بالجناحين:
وهما الدين الكامل والنعم التامّة وبهما يتمكّن الإنسان أن يطير إلى مستوى(وَ رَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً)فيصل الإنسان إلى الحكومة الحقّة الإلهية
علماً بأن هذا السلّم قد وضعناه على سطح أفقي فليس هو سلّم إذن بل هو طريق وصراط مستقيم له ثلاثة مقاطع فتقول (إهدنا الصراط المستقيم) وحيث أنّ هذا الصراط مليء بالنعمات فنقول (صراط اللذين أنعمت عليهم)
الرسل هم المخاطّبون في الآية:
لأنّهم هم الذين قد تحمّلوا المصاب وهم المنتظرون حقّاً ، فالآية تسليهم وتبشّرهم بأنّ الله قدّ أكمل دينه وأتمّ نعمته و سيعيّشهم في جو الإسلام المرضي ، والذّي يستفيد منه أكثر من غيره هو عيسى بن مريم فالغدير في الدرجة الأولى هو لعيسى عليه السلام .
منقول