ما شربت كأساً علقميّة إلا كانت ثمالتها عسلاً ..
وما صعدت عقبة حرجة إلاّ بلغت سهلاً أخضر ..
وما أضعت صديقاً في ضباب السماء إلا وجدته في جلاء الفجر ..
وكم مرّة سترت ألمي وحرقتي برداء التجلّد متوهّماً أن في ذلك الأجر والصلاح ..
ولكنّني لما خلعت الرداء رأيت الألم قد تحوّل إلى بهجة والحرقة قد انقلبت برداً وسلاماً ..
وكم سرت ورفيقي في عالم الظهور فقلت في نفسي ما أحمقه وما أبلده ..
غير أنّني لم أبلغ عالم السّر حتى وجدتني الجائر الظالم وألفيته الحكيم الظريف ..
وكم سكرت بــ خمرة الذات فــ حسبتني وجليسي حملاً وذئباً ..
حتى إذا ما صحوت من نشوتي رأيتني بشراً ورأيته بشراً ..
أنا وأنتم أيّها النّاس مأخوذون بما بان من حالنا .. متعامون عمّا خفي من حقيقتنا ..
فإن عثر أحدنا قلنا هو الساقط .. وإن تماهل قلنا هو الخائر التلف..
وإن تلعثم قلنا هو اللأخرس .. وإن تأوّه قلنا تلك حشرجة النزع فهو مائت ..
انا وأنتم مشغوفون بــ قشور(أنا) وسطحيات (أنتم) ..
لذلك لا نبصر ما أسرّه الروح إلى (أنا) وما أخفاه الروح في (أنتم) ..
"
لـِ جبران خليل جبران