السید السيستاني والوحدة الإسلامية كتب الاستاذ نصر المجالي ، موضوعا، قال فيه، يعتبر البيان الصحافي الذي أصدره مكتب المرجع الديني الكبير سماحة السيد علي السيستاني عن أوضاع العراق والمنطقة من أهم البيانات التي صدرت من قبل المرجعية العليا في العراق، والتي أجد نفسي مرغماً على التوقف عندها، نظراً الى ما حوته من خطاب وحدوي وعصري مستنير تسوده لغة التسامح، قل نظيره هذه الأيام!
فنحن اليوم في أمسّ الحاجة لسماع صوت العقل والحكمة بعد أن بات الخطاب الطائفي البغيض هو السائد، وبعد أن باتت الفتنة الطائفية المقيتة تهدد الجميع من الدخول في أتون حرب أهلية طاحنة مع تصاعد حالة التمرس المذهبي والاصطفاف الطائفي في المنطقة نتيجة لتزايد أعمال العنف الطائفي في العراق خلال الأشهر الماضية، وتحديداً بعد الحادث الإرهابي الاجرامي الآثم الذي استهدف مرقد الإمامين علي الهادي والحسن العسكري عليهما السلام في سامراء.
ابتداء يشير سماحة السيد السيستاني الى أهمية نبذ الفرقة بين المسلمين وضرورة الابتعاد عن النعرات الطائفية، بالقول: "إن الأمة الاسلامية تمر بظروف عصيبة وتواجه أزمات كبرى وتحدّيات هائلة تمس حاضرها وتهدد مستقبلها، ويدرك الجميع مدى الحاجة الى رص الصفوف ونبذ الفرقة والابتعاد عن النعرات الطائفية والتجنب عن إثارة الخلافات المذهبية".
ثم يضيف سماحته: أن الخلافات المذهبية التي مضى عليها مئات الأعوام لا يمكن أن نجد لها حلاً جذرياً في زماننا هذا، لكن هذا لا يعني، بحسب السيد السيستاني، عدم مناقشة تلك الخلافات المذهبية، إنما بشرط أن يتم النقاش في إطار البحث العلمي وبعيداً عن الإثارة! ويوضح سماحته "أن تلك الخلافات التي مضى عليها قرون طوال ولا يبدو سبيل الى حلّها بما يكون مرضيّاً ومقبولاً لدى الجميع، فلا ينبغي إذاً إثارة الجدل حولها خارج إطار البحث العلمي الرصين، ولا سيما أنها تمس أصول الدين وأركان العقيدة"! وهنا يتطرق السيد السيستاني إلى المشتركات التي يتفق عليها المسلمون جميعاً، والتي يصفها سماحته بأنها السبيل الوحيد لتحقيق الوحدة الإسلامية، بالقول: "إن الجميع يؤمنون بالله الواحد الأحد وبرسالة النبي المصطفى (ص) وبالمعاد وبكون القرآن الكريم الذي صانه الله تعالى من التحريف، مع السنة النبوية الشريفة مصدراً للأحكام الشرعية وبمودة أهل البيت ، ونحو ذلك مما يشترك فيها المسلمون عامة ومنها دعائم الإسلام: الصلاة والصيام والحج وغيرها". ويتابع سماحته: "إن هذه المشتركات هي الأساس القويم للوحدة الإسلامية، فلا بدّ من التركيز عليها لتوثيق أواصر المحبة والمودة بين أبناء هذه الأمة، ولا أقل من العمل على التعايش السلمي بينهم مبنياً على الاحترام المتبادل وبعيداً عن المشاحنات والمهاترات المذهبية والطائفية أيّاً كانت عناوينها".
بعد ذلك ينتقل سماحة السيد السيستاني بالحديث الى الأشخاص والجهات "المشبوهة" التي تسعى الى استغلال حالة الاحتقان السياسي في المنطقة لنشر الفرقة بين المسلمين من خلال اللعب على وتر الطائفية، محذراً من الانجرار لتلك الدعوات المشبوهة! ويقول سماحته: "للأسف أن بعض الأشخاص والجهات يسعون الى تكريس الفرقة والانقسام وتعميق هوة الخلافات الطائفية بين المسلمين، وقد زادوا من جهودهم في الآونة الأخيرة بعد تصاعد الصراعات السياسية في المنطقة واشتداد النزاع على السلطة والنفوذ فيها، فقد جدّوا في محاولاتهم لإظهار الفروق المذهبية ونشرها، بل والإضافة عليها من عند أنفسهم مستخدمين أساليب الدسّ والبهتان لتحقيق ما يصبون اليه من الإساءة الى مذهب معين والتنقيص من حقوق أتباعه وتخويف الآخرين منهم"!
أما عن الاتهامات التي سعى البعض الى إثارتها في وسائل الإعلام خلال الأيام الماضية عن مزاعم إصدار السيد السيستاني لفتوى تسيء الى أبناء المذهب السني، فقد كان للبيان موقف واضح وصريح منها بالقول "إنه في إطار هذا المخطط، نشرت بعض وسائل الإعلام فتاوى غريبة تسيء إلى بعض الفرق والمذاهب الإسلامية وتنسبها إلى سماحة السيد دام ظله في محاولة واضحة للإساءة الى موقع المرجعية الدينية وبغرض زيادة الاحتقان الطائفي وصولاً الى أهداف معينة"! ويمضي البيان بالقول إن "فتاوى سماحة السيد دام ظله، إنما تؤخذ من مصادرها الموثوقة، ككتبه الفتوائية المعروفة الموثقة بتوقيعه وختمه، وليس فيها ما يسيء الى المسلمين من سائر الفرق والمذاهب أبداً، ويعلم من له أدنى إلمام بها كذب ما يقال وينشر خلاف ذلك"!
أما بخصوص أعمال العنف الجارية حالياً في العراق، فقد شدد البيان على حرمة دم كل مسلم سنياً كان أم شيعياً، بالقول: "لقد أوصى سماحة السيد السيستاني أتباعه ومقلّديه في العراق بالتعامل مع إخوانهم من أهل السنة بالمحبة والاحترام، وأكّد مراراً على حرمة دم كل مسلم سنياً كان أو شيعياً وحرمة عرضه وماله والتبرؤ من كل من يسفك دماً حراماً أياً كان صاحبه".
وعليه، فإن البيان الأخير الذي أصدره سماحة السيد السيستاني والنقاط المهمة التي تضمنها، نجده قد عكس حكمة السيد وسداد رؤيته في كيفية تعاطيه مع موضوع الفتنة الطائفية التي تعصف هذه الأيام بالمنطقة من خلال موقفه الحريص على حقن دماء العراقيين خصوصاً والمسلمين عموماً بغض النظر عن انتماءاتهم وطوائفهم! وليس هذا الأمر بالجديد على سماحته، إذ لا يزال يتذكر الجميع الدور الرئيسي والمحوري الذي قام به سماحته، والذي أدى الى حقن دماء مئات الآلاف من العراقيين عندما حرم أعمال الثأر والقصاص من البعثيين إلا وفق القانون، وكذلك موقفه الشهير من "أزمة النجف"، والذي أنقذ بلاد الرافدين من بحر دموي وشيك بعد أن أثبت للجميع أنه طوق النجاة الوحيد والآمن من الغرق في بحور الدماء والذي يضع مصلحة الشعب العراقي فوق كل اعتبار!
إنّ على الجميع اليوم، وتحديداً رجال الدين، أن يتخلصوا من نظرتهم الطائفية أو القومية الضيقة، وأن ينظروا إلى ما تقتضيه المصلحة الإسلامية العامة بشكل عاقل ومتزن وواع، بعيداً عن الخطابات الطائفية والشحن المذهبي، وذلك على خطى "سيستاني العراق"، حتى نجتاز جميعاً هذه المرحلة الحرجة التي باتت تهدد بيضة الإسلام!
صوت الجالية العراقية
2013 - 10 - 20