آية الولاية
هناك آيات كثيرة تدلُّ على إمامة أمير المؤمنين عليه السلام نكتفي بآية الولاية وهي قوله تعالى:
(إِنَّمَا وَلِيُّكُمْ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ) (المائدة/55).
هذه الآية من جملة الأدلَّة الواضحة على إمامته صلوات الله وسلامه عليه بعد النبي بلا فصل وقد جاءت في سياق الحصر بإنَّما وهي تقيد التخصيص قطعاً .
والاستدلال بالآية يتوقف على مقدمتين :
1- معنـى الولـيّ :
وهو بمعنى الأولى، والولاية فيها تعني الأولوية في التصرف وأحقيَّة القيام بالأمر وهي كولاية الله ورسوله وهذا مقتضى العطف بالواو وقد شاع هذا الاستعمال في القرآن الكريم كقوله:
(وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتْ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا) (مريم/5،6).
والمقصود هو من يكون أولى بحيازة الميراث والتصرُّف فيه.
قال شيخ الطائفة الطوسي رضوان الله تعالى عليه في التبيان:
“إن الله تعالى نفى أن يكون لنا ولي غير الله وغير رسوله والذين آمنوا بلفظة “إنما “ولو كان المراد به الموالاة في الدين لما خص بها المذكورين لان الموالاة في الدين عامة في المؤمنين كلهم قال الله تعالى “وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ” (التوبة/71)."
2-”الذين آمنوا...”
لا يشمل إلا شخصاً واحداً وهذا واضح أيضاً ، إثباتاً لذلك قال الشيخ رحمه الله:
“ويدل أيضا على أن الولاية في الآية مختصة أنه قال: "وليُّكم" فخاطب به جميع المؤمنين ودخل فيه النبي صلى الله عليه وآله وسلم وغيره ثم قال ورسوله فاخرج النبي صلى الله عليه وآله وسلم من جملتهم لكونهم مضافين إلى ولايته فلما قال "والذين آمنوا" وجب أيضا أن يكون الذي خوطب بالآية غير الذي جعلت له الولاية. وإلا أدى إلى أن يكون المضاف هو المضاف إليه وأدى إلى أن يكون كل واحد منهم ولي نفسه وذلك محال. وإذا ثبت أن المراد بها في الآية ما ذكرناه".
قال الشهيد مطهَّري رضوان الله تعالى عليه:
“عندما نعود إلى أحكام الإسلام لا نجد فيها ما يدل على وجوب أن يأتي المسلم الزكاة وهو راكع، حتى نقول أن هذا الحكم عام يشمل الجميع ولا يفيد الحصر والتخصيص. وهذا يعني أن الآية تشير إلى واقعة حدثت في الخارج مرة واحدة"
فما هي هذه الواقعة إذاً:
إنَّ الواقعة معروفة بين المسلمين كالشمس في رابعة النهار نشير إلى بعض مصادرها بين العامة والخاصة، قال في تأويل الآيات:
“ونقل ابن طاووس في الكتاب الذي ذكرناه: أن محمد بن العباس روى حكاية نزول الآية الكريمة والولاية العظيمة من تسعين طريقا بأسانيد متصلة كلها من رجال المخالفين لأهل البيت عليهم السلام ثم عدد الرواة وسماهم . ثم نقل ثلاثة أحاديث منها بلفظها:
أحـدها: عن أبي رافع وفيه مناقب جليلة ومواهب جزيلة.
والثاني: ينتهي إسناده إلى عمر أنه قال: أخرجت من مالي صدقة يتصدق بها عني وأنا راكع أربعا وعشرين مرة على أن ينزل في ما نزل في علي عليه السلام فما نزل.
والثالثة: تتضمن أن الخاتم الذي تصدق به أمير المؤمنين عليه السلام حلقة فضة منقوش عليها “الملك لله”.
أقـول:وقد رواه ابن أبي حاتم من طريق سلمة بن كهيل قال: تصدَّق علي بخاتمه و هو راكع، فنزلت "إنما وليكم الله و رسوله" ولإبن مردويه من رواية سفيان الثوري عن ابن سنان عن الضحاك عن ابن عباس قال: كان علي قائماً يصلِّي، فمرَّ سائل وهو راكع فأعطاه خاتمه فنزلت. وروى الحاكم في علوم الحديث من رواية عيسى بن عبد الله ابن عمر بن علي حدثنا أبي عن أبيه عن جده عن علي بن أبي طالب قال: نزلت هذه الآية "إنما وليكم الله ورسوله…الآية" فدخل رسول الله المسجد والناس يصلُّون بين قائم وراكع وساجد وإذا سائل فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أعطاك أحد شيئاً قال:لا إلا هذا الراكع يعني علياً أعطاني خاتمه. رواه الطبراني في الأوسط في ترجمة محمد بن علي الصائغ وعن ابن مردويه من حديث عمّار بن ياسر"(انظر هامش تفسير الكشاف للزمخشري ج1 ص636)
هـذا: والروايات من طرقنا نحن كثيرة نكتفي ببعضها:
"في أصول الكافي الحسين بن محمد عن معلى بن محمد عن أحمد بن محمد عن الحسين بن محمد الهاشمي عن أبيه عن احمد بن عيسى عن أبي عبد لله عليه السلام في قول الله عز وجل: "إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا" قال: إنما يعني أولى بكم أي أحق بكم وبأموركم وأنفسكم وأموالكم، الله ورسوله والذين آمنوا يعني عليا وأولاده الأئمة عليهم السلام إلى يوم القيامة، ثم وصفهم الله عز وجل فقال: "الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون" وكان أمير المؤمنين عليه السلام في صلاة الظهر وقد صلى ركعتين وهو راكع وعليه حلة قيمتها ألف دينار، وكان النبي صلى الله عليه وآله كساه إياها، وكان النجاشي أهداها له، فجاء سائل فقال: السلام عليك يا ولي الله وأولى بالمؤمنين من أنفسهم، تصدق على مسكين، فطرح الحلة إليه وأومأ بيده إليه أن احملها: فأنزل الله عز وجل فيه هذه الآية وصيَّر نعمة أولاده بنعمته فكل من بلغ من أولاده مبلغ الإمامة، يكون بهذه النعمة مثله فيتصدقون وهم راكعون، والسائل الذي سأل أمير المؤمنين عليه السلام من الملائكة، والذين يسألون الأئمة من أولاده يكونون من الملائكة".
وأيضا ما ذكره أبو علي الطبرسي (ره) عن عباية بن ربعي عن أبي ذر وهو في المسجد الحرام حيث قال: أيها الناس من عرفني فقد عرفني ومن لم يعرفني فأنا جندب بن جنادة البدري أبو ذر الغفاري إلى أن قال أما إني صليت مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوما من الأيام صلاة الظهر فسأل سائل في المسجد فلم يعطه أحد شيئا ....إلى آخر الحديث.
وأيضاً ما رواه الشيخ الصدوق محمد بن بابويه (ره) عن علي بن حاتم عن أحمد بن محمد قال : حدثنا جعفر بن عبد الله قال : حدثنا كثير بن عياش عن أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام.
قال الشهيد مطهَّري
"وقد اتفق الشيعة والسنة على نقلها ليس ثمة من يختلف من الشيعة والسنة في أن عليا عليه السلام أعطي خاتمه وهو في الصلاة، وأن الآية نزلت بشأنه. كما نعرف أن ليس في أحكام الإسلام ما يدل على وجوب الإنفاق في حال الركوع، ليصح أن يقال أن بعضهم -غير من خصته الآية وهو الإمام علي- عمل به إذا الآية تشير في قوله "ويؤتون الزكاة وهم راكعون" إلى ما من فعل ذلك في تلك الواقعة المعروفة، أي فيها إشارة وكناية.“
إشــكالان:
وقد أورد على ما ذكرنا من معنى الآية المباركة إشكالات أهمُّها هي:
1- إنَّ إطلاق الجمع و إرادة الواحد في قوله “وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ” خلاف الفهم اللغوي، كيف يمكن أن تخصَّص الآية بعلي عليه السلام.
2- إنَّ كلمة الزكاة في الشريعة لا تطلق على الصدق وعلى ما قيل يلزم أن يكون المقصود من الزكاة هو التصدُّق بالخاتم.
الجـواب على الإشـكال الأول:
قال العلامة في تفسير هذه الآية:
“أنه فرق بين إطلاق لفظ الجمع و إرادة الواحد واستعماله فيه، و بين إعطاء حكم كلي أو الإخبار بمعرف جمعي في لفظ الجمع لينطبق على من يصح أن ينطبق عليه، ثم لا يكون المصداق الذي يصح أن ينطبق عليه إلا واحدا فردا واللغة تأبى عن قبول الأول دون الثاني على شيوعه في الاستعمالات”
وقال في تفسير آية المباهلة:
“إنَّ المراد من لفظ الآية أمر والمصداق الذي ينطبق عليه الحكم بحسب الخارج أمر آخر، وقد كثر في القرآن الحكم والوعد والوعيد للجماعة ومصداقه بحسب شأن النزول واحد“.
أقـول وقد وردت في القرآن موارد كثيرة من هذا القبيل نذكر بعضها:
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنْ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ)(الممتحنة/1).
في مجمع البيان نزلت في حاطب بن أبى بلتعة عندما أعطى سارة مولاة أبى عمرو وهي كافرة كتاباً لتوصله إلى أهل مكة : أن رسول الله صلى الله عليه وآله يريدكم فخذوا حذركم .
(يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لاَ يَعْلَمُونَ)(المنافقون/8).
وقد نزلت في عبد الله ابن أبي قال في مجلس سمعه زيد بن أرقم وكان غلاما مراهقاً، فجاء زيد فأخبر الرسول بما قال عبد الله بن أبي، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : لعلك وهمت يا غلام ؟ قال : لا والله ما وهمت، قال: فلعلك غضبت عليه؟ قال: لا والله ما غضبت عليه، قال: فلعله سفه عليك؟ فقال: لا والله، فجاء عبد الله بن أبي إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فحلف له أنه لم يقل ذلك وأنه يشهد أن لا اله إلا الله وأنك لرسول الله، وأن زيدا قد كذب علي فنزلت سورة المنافقون:
(الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلاَنِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ)(البقرة/274).
وقد ورد أن المنفق كان عليـّاً إلى غير ذلك من الموارد الكثيرة.
وأعجب من الجميع قوله تعالى:
(فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِم يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنفُسِهِمْ نَادِمِينَ)(المائدة/52).
والقائل هو عبد الله بن أبي، على ما رووا في سبب نزوله وتلقوه بالقبول، ومن الجدير بالذكر أنَّ الآية واردة في سورة المائدة قبل آية الولاية بثلاث آيات.
(الَّذِينَ قَالَ لَهُمْ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ)(آل عمران/173).
هو رجل واحد وهو نعيم بن مسعود الأشجعي.
(قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ*الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلاَّ اللاَّئِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنْ الْقَوْلِ وَزُورًا وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ)(المجادلة/1،2).
في الحديث مسنداً عن أبى جعفر عليه السلام قال: إن امرأة من المسلمات أتت النبي صلى الله عليه وآله واشتكت من زوجها أنَّه قال لها أنت على حرام كظهر أمي، وقد أخرجها من منزلها، فأرادت من النبي أن ينظر في أمرها وجعلت تبكى وتشتكى ما بها إلى الله عز وجل والى رسول الله صلى الله عليه وآله وانصرفت فنزل ”قد سمع ....إلى قوله غفور”، قال: فبعث رسول الله صلى الله عليه وآله إلى المرأة فأتته فقال لها: جيئي بزوجك فأتت به، فقال له: أقلتَ لامرأتك هذه: أنت حرام كظهر أمي؟ فقال: قد قلت لها ذاك، فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله: قد أنزل الله تبارك وتعالى فيك وفى امرأتك قرآنا وقرأ الآيات.
علــيٌّ أمَّـــة:
ويبقى سؤال وهو:
ما هو السر في هذا النوع من الاستعمال من ناحية الفصاحة والبلاغة؟
قال العلامَّة: ”ولتكن النكتة هي الإشارة إلى أن أنواع الكرامات الدينية –ومنها الولاية المذكورة في الآية- ليست موقوفة على بعض المؤمنين دون بعض وقفا جزافيا وإنما يتبع التقدم في الإخلاص والعمل لا غير“.
أقـول:
إنَّ السر يكمن في أمر آخر وهو:
إنَّه تعالى بصدد بيان مقام أمير المؤمنين عليه السلام وأنَّه هو المؤمن بمعنى الكلمة بل هو الإيمان كما ورد في شأنه قول الرسول صلى الله عليه وآله في مواجهة علي عليه السلام عمرو بن عبد ودّ: ”برز الإيمان كلُّه إلى الشرك كلِّه” وأيضاً قال تعالى في شأن إبراهيم الخليل عليه السلام:
(إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ)(النحل/120).
فكأنَّه تعالى يريد القول بأن ”الذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون“ يتجسَّد في رجلٍ واحد وهو أمير المؤمنين عليه السلام.
الجـواب على الإشـكال الثـاني:
وأما قضية إطلاق الزكاة على التصدُّق فجوابه واضح وهو أنَّ كلمة الزكاة في اللغة غير كلمة الزكاة في عرف المتشرعة.
قال في المفردات في معنى الزكاة لغة:
“زكا: أصل الزكاة النمو الحاصل عن بركة الله تعالى ويعتبر ذلك بالأمور الدنيوية والأخروية ...ومنه الزكاة لما يخرج الإنسان من حق الله تعالى إلى الفقراء وتسميته بذلك لما يكون فيه من رجاء البركة أو لتزكية النفس أي تنميتها بالخيرات والبركات أولهما جميعا فإن الخيرين موجودان فيها.”
فالزكاة التي تأتي مع الصلاة تعني “إنفاق المال لوجه الله”.
ولذلك ورد في شأن الأنبياء:
(وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلاَةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ)(الأنبياء/73).
وقال تعالى في عيسى:
(وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلاَةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا)(مريم/31).
وقال تعالى في إسماعيل:
(وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاَةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا)(مريم/55).
والجدير بالذكر أنَّ الكلمة وردت في عدد من السور التي نزلت في مكَّة قبل تشريع الزكاة كقوله:
(الَّذِينَ لاَ يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بالآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ)(فصلت/7).
وقوله:
(وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ)(المؤمنون/4).
قال العلامَّة الطباطبائي:
“بل آية الزكاة أعني قوله تعالى: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاَتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)(التوبة/103). تدل على أن الزكاة من أفراد الصدقة، و إنما سميت زكاة لكون الصدقة مطهرة مزكية مطلقا، وقد غلب استعمالها في الصدقة المصطلحة“.
والحـاصـل:
“فلا إشكال في إطلاق الزكاة وإرادة الإنفاق في سبيلالله.”
والجدير بالذكر ما ورد بعد هذه الآية حيث يقول:
(وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمْ الْغَالِبُونَ)(المائدة/56).
ولا شك أنَّ “اللام" في"الذين آمنوا” للعهد وهو إِشارة إلى الآية السابقة.
وأيضـاً:
لسائل أن يسأل فما هو السرّ في عدم ذكر اسم الإمام أمير المؤمنين عليه السلام في الآية؟
وجـوابـه:
أولاً:أنَّ القرآن الكريم ليس بصدد ذكر أسماء إلا بالنسبة إلى بعض من مضوا من الرسل والأولياء كما هو واضح لمن له أدنى تطلُّع ولذلك لم يذكر اسم الرسول إلا في موارد ثلاثة وذلك حيث كان يريد بيان رسالته، فلم يكن محيص من ذكر اسمه قال:
(مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا)(الأحزاب/40).
وثانياً:سنشرح إن شاء الله في تفسير آية التطهير حول هذا الأمر وأنَّه لو كان يذكر اسمه مع كثرة خصمه لما بقيت تلك الآيات الدالة على إمامته وقد أشار الحديث التالي إليه:
((في كتاب الاحتجاج للطبرسى (ره) عن أمير المؤمنين عليه السلام حديث طويل وفيه فقال المنافقون: هل بقى لربك علينا بعد الذي فرض علينا شئ آخر يفترضه فتذكره ولتسكن أنفسنا إلى أنه لم يبق غيره؟ فأنزل الله في ذلك: (قل إنما أعظكم بواحدة) يعنى الولاية فأنزل الله: (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلوة ويؤتون الزكوة وهم راكعون) وليس بين الأمة خلاف أنه لم يؤت الزكوة يومئذ أحد منهم وهو راكع غير واحد، ولو ذكر اسمه في الكتاب لأسقط ما أسقط))
ثالثاً:ندعي أنَّ اسمه مذكور في القرآن ولكن على صورة لا يصل إليها إلا من له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد كما أثبتنا ذلك في المجلَّد الأول من كتاب المعين في تفسير القرآن الكريم.
وأمّا :
كيف يتصدَّق عليٌّ عليه السلام وهو في الصلاة؟
فجـوابـه:
واضح لكلِّ من شمَّ رائحة العرفان حيث أنَّ القضيتين منطلقهما واحد ولا كثرة فيهما بل هما متحدِّان عيناً والحديث التالي يشير إلى هذه الحقيقة:
((بإسناده إلى محمد بن على الباقر عليهما السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله في حديث طويل: وقد أنزل الله تبارك وتعالى بذلك آية من كتابه : (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلوة ويؤتون الزكوة وهم راكعون) وعلى بن أبى طالب عليه السلام أقام الصلوة وآتى الزكوة وهو راكع، يريد الله عز وجل في كل حال)).
وفي الحقيقة قد حقق عليه السلام المصداقية البارزة للآيات التي تقرن إيتاء الزكاة بإقامة الصلاة بأحسن وجه وآية الولاية إنَّما تثبت هذا الاتحاد بين العبادتين فتأمَّل لتعرف السرّ في ما ورد في تفسير قوله تعالى:
(وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلاَةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ)(الأنبياء/73).
وقـوله:
(رِجَالٌ لاَ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاَةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ)(النور/37).
منقول