لما انتهى الرسول (ص) من آخر حجَّةٍ حَجَّها قَفلَ راجعاً إلى المدينة المنورة وحينما انتهى موكبه إلى غدير خَم هبطَ عليه أمين الوحي يحمل رسالة من السماء بالغة الخطورة, وكانت هذه الرسالة تحتم عليه بأن يحطَّ رِحالَهُ ليقوم بأداء هذه المهمة الكبرى وهي تنصيب الإمام أمير المؤمنين (ع) خليفة ومرجعاً للأمة من بعده (ص), وكان أمر السماء بذلك يحمل طابعاً من الشدَّة ولزوم الإسراع في إذاعة ذلك بين المسلمين, فقد نزل عليه الوحي بهذه الآية: (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَم تَفْعَل فـما بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللهُ يَعصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) فقد أُنذِرَ النبي (ص) بأنه إن لم ينفِّذ إرادة الله ذهبت أتعابه, وضاعت جهوده، وتبدَّدَ ما لاقَاهُ من العناء في سبيل هذا الدين, فانبرى (ص) بعزم ثابت وإرادة صلبة إلى تنفيذ إرادة الله فوضع أعباء المسير وحَطَّ رِحاله في رمضاء الهجير وأمر القوافل أن تفعل مثل ذلك وكان الوقت قاسياً في حرارته حتى كان الرجل يضع طرف ردائه تحت قدميه لِيَتَّقِي به من الحَر ثم أمَرَ (ص) باجتماع الناس فَصلَّى بهم وبعد ما انتهى من الصلاة أمر أن توضع حدائج الإبل لتكون له منبراً ففعلوا له ذلك فاعتلى عليها وكان عدد الحاضرين - فيما يقول المؤرخون - مِائة ألف, أو يَزيدونَ على ذلك وأقبلوا بقلوبهم نحو الرسول (ص) ليسمعوا خطابه فأعلن (ص) ما لاقاه من العناء والجهد في سبيل هدايتهم وإنقاذهم من الحياة الجاهلية إلى الحياة الكريمة التي جاء بها الإسلام كما ذكر (ص) لهم كَوكَبَة من الأحكام الدينية وألزمهم بتطبيقها على واقع حياتهم ثم قال لهم: (انظُروا كَيفَ تُخَلِّفُوني في الثقلين) فناداهُ منادٍ من القوم: ما الثقلان يا رسول الله؟ فقال (ص): (الثقل الأكبر كتابُ الله طَرفٌ بِيَدِ اللهِ عَزَّ وَجلَّ وَطرفٌ بِأَيديكُم فَتَمَسَّكُوا به لا تَضلُّوا والآخر الأصغر عِترَتي وإنَّ اللَّطيفَ الخَبيرَ نَبَّأَنِي أنَّهُمَا لن يَفتِرقا حَتى يَرِدَا عَلَيَّ الحَوض فَسَألتُ ذلك لَهما رَبِّي فلا تُقَدِّمُوهُمَا فَتهلَكُوا ولا تُقَصِّرُوا عَنهُمَا فَتَهلَكُوا), ثم أخذ (ص) بيد وَصيِّه وباب مدينة علمه الإمام علي (عليه االسلام) لِيَفرضَ ولايته على الناس جميعاً حتى بَانَ بَياضُ إِبطَيْهِمَا, فنظر إليهما القوم ثم رفع (ص) صوتُه قائلاً: (يَا أَيُّهَا النَّاس, مَنْ أولَى النَّاس بِالمؤمنين مِن أَنفُسِهم ؟) فأجابوه جميعاً: اللهُ ورسولُه أعلم فقال (ص): (إنَّ الله مولاي, وأنا مولى المؤمنين, وأنا أولَى بهم من أنفسِهِم, فـمن كنتُ مَولاه فَعَلِيٌّ مَولاهُ) قال ذلك ثلاث مرات أو أربع, ثم قال (ص): (اللَّهُمَّ وَالِ مَن وَالاَهُ وَعَادِ مَن عَادَاهُ, وَأَحِبَّ مَن أَحبَّهُ وَأبغضْ مَن أبغَضَهُ, وانصُرْ مَن نَصَرَه واخْذُل مَن خَذَلَهُ, وَأَدِرِ الحَقَّ مَعَهُ حَيثُ دَار, أَلا فَلْيُبَلِّغِ الشاهِدُ الغَائِبَ) وبذلك أنهى (ص) خطابه الشريف الذي أَدَّى فِيه رسالة الله, فَنَصَّبَ أمير المؤمنين (ع) خليفة, وأقامه عَلَماً للأمة، وقَلَّدَهُ مَنصب الإمامة.
فأقبل المسلمون يهرعون وهُم يُبَايِعُون الإمام علياً (ع) بِالخِلافَة, وَيُهَنِّئُونَهُ بِإِمْرَةِ المُسلمين وأمر النبي (ص) أُمَّهَات المؤمنين أَنْ يَسُرْنَ إِليهِ وَيُهَنِّئْنَه, فَفَعَلْنَ ذلك وعندها انبرى حَسَّان بن ثابت فاستأذن النبي (ص) بتلاوة ما نظمه من الشعر
المعروف في هذه المناسبة العظيمة ونزلت في ذلك اليوم الخالد في دنيا الإسلام هذه الآية الكريمة: (اليَومُ أَكمَلتُ لَكُم دِينَكُمْ
وَأَتْمَمْتُ عَلَيكُمْ نِعمَـتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسلامَ دِيناً)
فقد كمل الدين بولاية أمير المؤمنين (ع), وتَمَّتْ نعمة الله على المسلمين بِسُمُوِّ أحكامِ دينِهم, وَسُمُوِّ قِيادتهم التي تُحَقِّق آمالَهم في بلوغ الحياة الكريمة وقد خطا النبي (ص) بذلك الخطوة الأخيرة في صيانة أُمَّتِه من الفتن والزيغ فلم يترك (ص) أمرها فوضى – كما يزعمون – وإنما عَيَّن لها القائد والموجه الذي يهتمُّ بأمورها الاجتماعية والسياسية وإن هذه البيعة الكبرى التي عقدها الرسول العظيم (ص) إلى الإمام علي (ع) من أوثق الأدلَّة على اختصاص الخلافة والإمامة به (ع) وقد احتجَّ بها الإمام الحسين(ع) في مكة لمعارضة حكومة معاوية وشجب سياسته فقد قال (ع) للحاضرين: (أُنشِدُكُم اللهَ أَتعْلَمُونَ أنَّ رَسولَ اللهِ نَصَّبَهُ – يعني علياً (ع) – يوم غدير خُم فنادى (ص) له (ع) بالولاية وقال (ص): لِيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الغَائِبَ )فقال الحاضرون: اللَّهُمَّ نَعم السلام عليكة ياابى الحسنين وتحياتي لكل اعضاء المنتدى