معصية الخمر
..................

أيها الاخوة دعونا نتحدث عن ظاهرة خطيرة , ظاهرة مثيرة , ظاهرة كانت منتشرة بشكل واسع جهاراً نَهاراً في سبعينيات القرن الماضي فحانات الخمر كانت حاضرة في كل مكان , وقلّ تعاطيها والاهتمام بها فيما بعد لسنوات مضت , حتى عادت هذه الظاهرة من جديد لكنها انتشرت وبشكل مثير بين الشباب كانت خمرا فأصبحت خمراً ومخدرات ... وانتشرت حانات الخمر خارج المدينة وعلى أطرافها حيث يخرج اليها الشباب بل حتى بدؤا يشربونها في الطرقات وحفلات الاعراس وفي البيوت دون خوف من الله ودون احترام لمشاعر الناس , اذاً حديثنا سيكون عن داء كبيرة من الكبائر من صنوف الخبائث , بل أم الخبائث , أنها الخمر والمسكرات والمخدرات والتي ما أنتشرت في مجتمع من المجتمعات فسكتوا عن انكارها الا وكتب لذلك المجتمع الانهيار والنهاية , ونحن وقد زاد علينا الكرب وضاق بنا السبل لا ينقصنا الا هذه الخبائث أيها الناس , شرب الخمر معصية عظيمة نهى الله سبحانه عنها وحذر منها وحرمها على المسلمين , فالخمر مذهبة لعقل الانسان , يستوي الانسان عند شربها بالبهائم , ويفعل ما لا يمكن ان يفعله قبل شربها , لهذا حرمها الله ورفضتها الفطرة السوية , فالانسان السوي عندما يرى ما تفعله الخمر بشاربها فأنه ينفر منها حتى ولو لم يعلم تحريمها ,
يروي ابن كثير أن عاصم المِنقَري وهو من سادات العرب في الجاهلية . حرم على نفسه الخمر قبل الاسلام , وذلك لانه سَكَرَ يوما فهجم على ذات محرم منه فهربت منه , فلما أصبح قيل له ذلك فحرم على نفسه الخمر
وقال :
رأيت الخمر منقصةُ وفيها مقابح تفضح الرجل الكريما
فلا والله أشربـــــــها حياتي ولا أَشفي بها ابداً سقيماً


فالخمر اذاً منقصة , يدرك هذا كل ذي فطرة سوية , وقد سُميتْ خمرا لانها تخامر العقل وتحجِبه , فهي ساترة للعقل الذي هو ميزة الانسان , لهذا فأنه يدخل تحت مسمى الخمر كل ما أستحدث من مسكرات ومخدرات مهما تغير اسمها وتلطف شكلها , وقد جاء الاسلام فحرم هذا الشراب المذهب للعقل , لان الاسلام جاء ليُكرم الانسان وليحفظ المجتمعات من الآثار السيئة لكثير من المعاصي والجرائم ,

يقول الله سبحانه :
(
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ) المائدة 90, 91

قال القرطبي : قوله :
فأجتنبوه يقتضي الاجتناب المطلق الذي لا ينتفع معه بشيء بوجه من الوجوه , لا بشرب ولا ببيع ولا تخليل ولا مداواة ولا غير ذلك " وبذلك . سد القرآن منافذ الخمر وحرم استعمالاتها حتى يُحسم هذا الامر , وحتى لا يحوم حول الخمر مسلم , وكذلك فعل رسول الله حيث بين أن أي تعاط أو اكتساب او استفادة من الخمر محرم ,
يقول فيما أخرجه الطبراني من حديث ابن عباس : (
أتاني جبريل فقال: يا محمد , ان الله عز وجل لعن الخمر وعاصرها ومعتصرها وشاربَها وحاملَها والمحمولة اليه وبائعها ومبتاعها وساقيها ومسقيها ) هكذا يحسم اسلامنا السمح الحنيف الامر حسماً جازماً , ويرفع العذر عن أي مسلم يقع فريسة في يد هذه الآفة الخطيرة حين يحرم عليه كل الطرق التي تقربه من هذه المادة المحرمة .
وللخمر كثير من الآثار النفسية والجسدية السيئة كالامراض وغيرها وآثار اجتماعية ايضا كالتفكك الاسري وحالات الطلاق وضياع الابناء , وقد حذرنا ديننا الحنيف أيما تحذير من الخمر بل لقد سماها رسول الله بأسماء سيئة زيادة في التنفير منها .
فسماها : أم الخبائث وهي أم الخبائث حقاً , وقال عنها أنها مفتاح كل شر , وذلك لان شاربها يفقد وعيه ورشده فيرتكب أية معصية اذا شربها , فهي تجر الى السب والشتم وتجر الى السرقة , وتجر الى الزنا والقتل ,

يقول عليه الصلاة والسلام : (
لا تشربوا الخمر فأنها مفتاح كل شر ) أخرجه أبن ماجه
روي البهيقي بأسناد صحيح عن عثمان بن عفان أنه قال : كان رجل فيمن خلا قبلكم يتعبد ويعتزل الناس و فأحبته امرأة غوية , فأرسلت اليه جاريتها أن تدعوه لشهادة , فجاء البيت ودخل معها فكانت كلما دخلت باباً أغلقته دونه حتى وصل الى امرأة وضيئة ( أي حسناء جميلة ) جالسة , عندها غلام وأناء خمر , فقالت له : انها ما دعته لشهادة وانما دعته ليقع عليها او يقتل الغلام او يشرب الخمر , فلما رأى انه لابد له من أحد هذه الامور تهاون بالخمر فشربه فسكر ثم زنا بالمرأة وقتل الغلام .
قال أمير المؤمنين عثمان : فأجتنبوا الخمر فأنها لا تجتمع هي والايمان أبدا الا أوشك أحدهما ان يَخرَجَ صاحبه .
عن عبدالله بن عمر , قال: قال رسول الله صل الله عليه وسلم (
من شرب الخمر وسَكِر , لم تُقبل له صلاةُ اربعين صباحا , فان مات دخل النار , فان تاب , تاب الله عليه , وان عاد, فشرب , فسكِر, لن تُقبل له صلاة اربعين صباحا , فان مات دخل النار , فن تاب , تاب الله عليه , وان عاد , كان حقا على الله ان يسقيه من ردغة الخَبال يوم القيامة ) قالوا: يا رسول الله وما ردغة الخَبال ؟ قال: عُصارة أهل النار.
فهل بعد هذا التحذير تحذير ؟" وهل بعد هذا النكير نكير ؟" فكيف يسمح مسلم بعد هذا ان يجعل من بطنه مكاناً لهذه المادة الخبيثة , ومن فمه ممراً لهذا الشراب المنتن
لقد سمع أصحاب رسول الله نهي الله سبحانه عن الخمر وهي في أيديهم وعلى شفاههم فأقلعوا عنها وتابوا منها , بل واهرقوها فورا ولم يسعوا حتى الى التأكد من التحريم أو الاحتفاظ بها لعلهم يستفيدون منها بشيء ,
عن أنس قال: ما كان لاهل المدينة شراب حيث حرمت الخمر أعجبُ اليهم من التمر والبُسر , فأني لاسقي اصحاب رسول الله وهم عند أبي طلحة مر رجل فقال : ان الخمر قد حُرمت فما قالوا: متى ؟ أو حتى ننظر . قالوا: يا أنس , أهرقها . اخرجه البخاري في الادب المفرد بأسناد صحيح .
هكذا يكون الامتثال وهكذا تكون الفطرة السليمة , بل ان من الصحابة من كان ينتظر تحريم الخمر على احر من الجمر , لانه كان يعلم أثرها على سلوك الانسان وعلى صلاته وعبادته , ذلكم هو فاروق الامة عمر بن الخطاب , يروي النَسائي عن عمر أنه كان يدعوا الله : اللهم بين لنا في الخمر بيانا شافيا , فنزلت الاية التي في البقرة , فدعي عمر فقرئت عليه , فقال عمر : اللهم بين لنا في الخمر بيانا شافيا فنزلت الاية التي في النساء(
يا ايها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وانتم سكارى ) النساء 43
فكان منادي رسول الله اذا أقام الصلاة نادى :لا تقربوا الصلاة وانتم سكارى , فدعي عمر فقرئت عليه فقال : اللهم بين لنا في الخمر بيانا شافيا فنزلت الآية التي في المائدة , فدعي عمر فقرئت عليه فلما بلغ فهل أنتم منتهون , (المائدة 91)
قال عمر: انتهينا .
هذه الكلمة العظيمة : انتهينا انتهينا قالها عمر وقالها صحابة رسول الله حينما سمعوا قوله تعالى : فهل انتم منتهون , قالوها صادقين ممتثلين لامر الله عز وجل , فمتى – يا عباد الله – نقول هذه الكلمة صادقين ؟ متى نقول : انتهينا عن الكذب , انتهينا عن الفسق , انتهينا عن الزنا , انتهينا عن الربا , انتهينا عن الخمر ؟
متى نقول: انتهينا انتهينا امتثالا لامر الله واتباعا لسلف الامة الصالحين ؟
وشارب الخمر- اخوة الايمان – مُعَرضُ لغضب الله سبحانه فوق ما يصيبه في هذه الدنيا من هموم وغموم وكوارث , فالعجب كل العجب ممن تحكمت فيه الخمر ففقد صوابه , ولم يصده عنها لا آثارها الدنيوية ولا عقوباتها الاخروية , يقول عليه الصلاة والسلام (
لا يدخل الجنة مدمن خمر ) أخرجه أبن ماجه عن أبي الدرداء , ويقول فيما أخرجه مسلم من حديث ابن عمر : ( كل مُسكِر خمر , وكل مسكر حرام , ومن شرب الخمر في الدنيا فمات وهو يدمنها لم يتب لم يشربها في الآخرة )
ومن هذا الوعيد أن شارب الخمر يلقى الله سبحانه وتعالى كعباد الاوثان والعياذ بالله , فكما كان في الدنيا عبدا لهذا الشراب الخبيث عاكفا عليه حشر يوم القيامة كغيره من عباد الاوثان ,
يقول: (
من مات وهو مدمن خمر لقي الله وهو كعابد وثن ) أخرجه الطبراني

روي القرطبي في تفسيره أن رجلا شرب الخمر فسكر فبال , فجعل يأخذ بوله ويغسل به وجهه ويقول : اللهم أجعلني من التوابين , وأجعلني من المتطهرين .
ويقول الحسن البصري رحمه الله : لو كان العقل يشترى لتغالى الناس في ثمنه , فالعجب كل العجب فيمن يشتري بماله ما يفسده .
يقول الامام ابن كثير عن الانسان : كرمه الله فجعله يمشي قائما منتصبا على رجليه ويأكل بيديه , وغَيره من الحيوانات يمشي على أربع ويأكل بفمه , وجعل له سمعاً وبصرا وفؤادا يفقه بذلك كله وينتفع به ,
فمن تعاطى هذه المخدرات والمسكرات فقد لحق بأمة الحيوانات ولم يكرم نفسه التي كرمها الله ؟
اخوة الايمان , على أولياء الامور مراقبة أبنائهم ومنعهم من رفقة السوء , فأن الرفيق السوء يُفسد الاولاد فكثير من الاولاد خرجوا عن الطريق السوي بعد مرافقتهم لاصدقاء السوء .... وان كثيرا من شبابنا ممن يقع في هذه الهاوية حينما تسأله عن سبب ذلك , فيتكلم لك عن رفقة سار معهم حتى أوصلوه الى حافة الهلاك , يكلمك عن أب أطعمه وسقاه وكساه وأسكنه , لكنه غفل عنه ولم يسأل عن حاله , بل قد تمضي الايام وهو لا يراه , فأتقوا الله عباد الله وابتعدوا عن هذه القاذورات والنجاسات , وأمروا بالمعروف وأنهوا عن المنكر , تفقدوا أغراض أولادكم بين الفينة والأُخرى , تفقدوا رفقائهم وأحوالهم , تجنبوا اعطاءهم أموالا فوق حاجتهم , لان الترف وكثرة المال الزائد يؤدي بالشاب الذي لا يعرف خوف الله ولا يصلي الى الانحراف والعياذ بالله .
وفي الختام أناشد من أبتلي بهذا الخبث أن يتوب الى الله قبل أن يفاجئه الموت , وأن يسأل الله السداد والهدى , وان يعمل بالصالحات فيما بقي من العمر لعل الله ان يتوب عليه ويغفر له .
فأتق الله يا شارب الخمر ومتعاطي المخدرات , اتق الله ولا تكن احدوثة الناس , أتق الله فأن الله ناظر اليك وهو سبحانه يمهل ولا يهمل , أتق الله وتب الى رشدك قبل أن يأخذك الله على ذنبك فتذوق العذاب الهون بما كنت تعمل .
هذا وصلوا وسلموا على على نبيكم محمد بن عبد الله , فقد أمركم ربكم بهذا في كتابه فقال – عز من قال – (
ان الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما ) الاحزاب 56

**********************
...
من تجميعي ...