أبو الطيب المتنبي : وأبيات الحب الطهري
أبو الطيب المتنبي : وأبيات الحب الطهري من الهوى الصافي العفيف الأفلاطوني !
October 6, 2013 at 7:58am
هل من تفسير لإمتداد هذا الصوت فينا ــ مخترقاً العصور والأحقاب ، طاوياً الأماكن والبلاد والأمة كلها ضاجة منتفضة بجماهيرها العربية الغفيرة رافضةً نظم الإستبداد الشرقي العتيق والدكتاتوريات المتسلطة على رقاب الشعوب العربية . الشعوب الزاخرة المؤمنة بحقها في الحياة الحرة الكريمة حياة التحرر الوطني ، والدمقراطية الشعبية ، ونبذ الإستبداد والطغيان الفاشي وتحقيق العدالة الإجتماعية بين الحكّام والمحكومين ، واحترام كرامة الإنسان وتكريم انسانيته ليكون منتجاً خلاّقاً خالياً من العسف والأرهاب قادراً بموهبةٍ عالية على الإسهام بالحضارة العالمية ، وتحريم كل اسلحة الدمار الشامل في العالم قاطبة وتقديم المجرمين الطغاة إلى المحاكم الدولية لإحلال منظمومة العدالة الإنسانية ومعاقبة المجرمين وإصدار قرارات التجريم بحقهم قصاصاً لما أقترفوه في إغتصابهم حقوق شعوبهم المناضلة ــ سوى أنه الصوت المفتقد في زمن الهزائم والتراجع ، الصوت المدوي والمجلجل في زمن الخرّس والسكوت ، الصوت البليغ المحكم في زمن العجمة والرطانة والسوقية ، الصوت الجامع لحكمة النفس البشرية في اعتصارها للخبرت والتجارب والمواقف والأحوال في زمن خواء النفس وتهافت الروح ؟
أجل ، هذا هو صوت أبي الطيب المتنبي ، أحمد بن الحسين ، من الكوفة في العراق الجريح {303 ــ 354 هـ } لم يرزق شاعر في حياته وبعد مماته من الشهرة وبُعد الصّيت ما رزقه المتنبي ، فأما في حياته فقد سار شعره ورُويتْ قصائده في كل أرض عربية ، وكثر الرواة لشعره ، منهم المتعصّب له ومنهم المتعصّب عليه .
وأما بعد مماته فقد بقي الخلاف على أشدّه ، فناسٌّ تناولوا شعره حفظاً ونقلاً ونقداً وشرحاً حتى زادت شروح ديوانه على الأربعين شرحاً ، وكم مٍن منقِّب عن سرقاتهِ ومشدّد عليه النكير كالصاحب بن عبّاد في كتابه " الكشف عن مساوىء شعر المتنبي " حتى صار للمتنبي وحده أدبٌ خاص قائم بنفسه وكُتب عنه ما لم يُكتب عن غيره في عصور الأدب العربي . وحقاً كان المتنبي شاعراً من شعراء العرب العظام ..
جَـهـدُ الصبابة أن تكون كما أرى عينٌ مسهّدة وقلب يخفُقُ
ما لاح برقٌ أو ترنمّ طـائرٌ إلا أنثنيتُ ولـي فـؤاد شـيّق
جربت مـن نار الهـوى مـا تنطفي نـارُ الغَضـا وتكَِـلّ عمـا يُحرِق
وعذلتُ أهل العشق حتى ذقته فعجبتُ كيف يموت من لا يعشق
ويقول أيضاً :
إذا غـَدَرتْ حسـناءُ وفََّـتْ بعهدِها فمِن عهـدِها ألا يدومَ لهـا عَهْـدُ
0 0 0
ولِلْخَوْدِ منّـي سـاعةٌ ثم بيننا فلاةٌ إلى غيـر اللقاء تُجـابُ
وما العشق إلا غِرَّةٌ وطماعةٌ يُعَـرِّض قَلـبُّ نفسـه فيُصابُ
تركنا لأطراف القنا كلَّ شـهوةٍ فليس لنا إلا بهـنّ لِعابُ
0 0 0
ولكنْ لا ننكر أن للمتنبي قدرةً على صهر ما يقتبسـه في بوتقة عبقريتـه فيبدو غزله رائعاً جميـل الوقع في النفس . ومن أجود غزله الذي تبدو فيه مهارة الرسام ودقّة المصور قوله :
نَثَرتْ ثلاثَ ذوائبٍ من شعرِها في ليلةٍ فـأرَتْ لياليَ أربعا
واسقبلَتْ قمر السماء بوجهها فأرتنيَ القمرين في وقتٍ معا
على أن بعض النقاد يذهبون إلى أن الأشعار الغزلية نفسها هي التي تدل على احساسه الرقيق في الأبيات التي عبّر فيها عن هواه ولم يستطع أن يخفي هذه الحقيقة ، ومع أن صور الغزل عنده بدوية الأوصاف والملامح ، فلسفية المعاني أحياناً ، إلا أن روح العشق مشت في الفاظها وقوافيها . ومن هذا القبيل أيضاً نشرنا مجموعته الأولى من الأبيات كقوله :
جَهـدُ الصبابة أن تكون كما أرى عينٌ مسـهّدة و قلـب يخفُقُ
و لا نستطيع الإحاطة بموضوع الوصف في شعر المتنبي لأنه متناثر وظاهر في معظم قصائده . وما أصدقَ كلمة الدكتور طـه حسـين في حديثه عن وصف المتنبي : " كان مشغولاً عن الطبيعة بنفسـه و بالناس . وهو كان يرفع بصره إلى السماء أحياناً إذا جـنّـه الليل وأرّقـه الحـزن واليـأس ، فيـرى النجـوم ، وربما وصـف النجـوم فأحسـن الوصف ، وربما صـوّر الليـل فأحسـن التصوير ، وربما أبدع في وصـف شـعب بوان وربما راع في وصف بحـيرة طـبرية ، ولـكـنه في هذا كـلّه لم يكن يـقصد إلى الوصف من حيث هـو فـنٌّ يُطلب لنفسه ، ويُتَّخَـذُ إلى الجمال الخالص ، و إنما كـان يَتَّخِذُ الوصف وسيلةً إلى ما يثور في نفسه من العواطف والأهواء " .
على أن المتنبي تناول بعض الأوصاف المعنوية وعواطف النفوس فَشخَّـصَها وأنطقها كما في وصف الـحمّى . وهذه القصيدة غنيَّـة بـنفسـها عـن التعليق ، فقد خدعنا المتنبي عن أنفسنا حيـن تصـوّرنا غادةً حسـناءَ تزوره على استحياء وتتخذ من الليل لباساً خـوفاً من أعين الرقباء ، ثم نُفاجأ أخيراً بأن هذه الزائرة هي الحمّى عـينُها ، ونجتزىء بقوله منها :
وزائـرتي كـأن بها حيـاءً فليس تزورُ إلا في الظـلامِ
بـذلـتُ لها المطارف والحشايا فـعافتـها وباتـت في عظامي
أراقـب وقتًها من غيرِ شـوقٍ مراقبة المَشـُوقِ المستهامِ
أبنـتَ الـدهر عنـدي كلُّ بنـتٍ فكيف وصلتِ أنتِ من الزِّحامِ ؟
ملاحظة : أقرأ التعليقات وكَوّنْ فكرةً لأني نشرت بعض المقتطفات من أشعاره وحياته مأخوذة من
من كتاب " ابو الطيب المتنبي " تأليف محمود فاخوري ــ وديوان المتنبي ـ وبعض كتّاب الأدب والنقّاد ــ وشرح ديوان المتنبي للشّاعر الفيلسوف أبو العلاء المعري الذي سـماه " مُعْجِز أحمد " . إنْ أردتَ أيها القارىء الكريم التعليقَ على أبي الطيب المتنبي أحد الشّعراء العرب العظام ، فأهلاً بك في صفحة التعليقات ...