يجمع المؤرخون والجغرافيون العراقيون على ان الفرات في العراق القديم كان اذا جاز هيت والانبار ينشق منه فرع من لدن الرضوانية يسيل على بطاح ووهاد شمال شرقي كربلاء حتى ينتهي الى مكان قريب من مرقد أبي الفضل العباس (عليه السلام) .
ثم الى نواحي الهندية ثم ينحدر فيقترن بعمود الفرات في شمال غربي قرية ذي الكفل (الكوثى القديمة).
ويذكر ان هذا الفرات الصغير كان قد حفر بأمر الملك البابلي بخت نصر، ويرى الدكتور احمد سوسة في كتابه (وادي الفرات ج 2 ص87) ان نهر العلقمي قد اخذ مجرى نهر مارسس القديم الذي كان قد اضمحل فاعيد احياؤه في زمن العرب حيث حفر هذه القناة التي كادت ان تنطمر رجل من بني علقمة في نهاية القرن الثاني الهجري.
وعلقمة بطن من قبيلة تميم التي كانت تسكن كربلاء قبل الاسلام. جدهم علقمة بن زرارة بن عيسى فسمي النهر بالعلقمي، وفي سنة 479هـ امر عماد الدولة سرهنك بكري بحفر نهر العلقمي الذي اندثر لمدة من الزمن واستمرت المياه تجري في هذا النهر حتى القرن العاشر الهجري.
وفي (التنبيه والاشراف ص47) للمسعودي: ان عمود الفرات اذ جاز هيت والانبار (يقابل الثاني الاول في الضفة الغربية) فيتجاوزهما فينقسم قسمين: قسم يأخذ نهر المغرب قليلا المسمى بـ(العلقمي) الى ان يصل الى الكوفة، اما عن آثار العلقمي فيقول صاحب كتاب (بغية النبلاء في تاريخ كربلاء) وآثار العلقمي الباقي منه اليوم على ما وقفت عليه اذا انتهى الى شمال ضريح (عون) اتجه الى الجنوب حتى يروي الغاضرية لبني اسد، والغاضرية على ضفته الشرقية- وبمحاذاة الغاضرية شريعة الامام جعفر بن محمد (عليه السلام) على الشاطئ الغربي من العلقمي وقنطرة الغاضرية تصل بينه وبين الشريعة ثم ينحرف الى الشمال الغربي فيقسم الجانب الشرقي من مدينة كربلاء بسفح ضريح أبي الفضل العباس (عليه السلام) فاذا جاوزه انعطف الى الجنوب الشرقي من كربلاء مارا بقرية نينوى وهناك يتصل النهران (نينوى والعلقمي) فيرويان ما يليهما من ضياع فيتمايلان بين جنوب تارة وشرق اخرى حتى اذا بلغا خان الحماد منتصف الطريق بين كربلاء والغري- اتجها الى الشرق تماما وقطعا شط الهندية بجنوب برس او حرقة- واثرهما هناك مرئي ومشهود- حتى يسقيان شرقي الكوفة وجاء في كتاب (جغرافية انهار كربلاء ص86): ان العلمقي اخذ الجزء الاكبر من قناة المارسارس (فرات كربلاء) الذي يمتد من جنوب نهر محدود وتلال الودي، وقد فتحت قناة صغيرة لا يتجاوز طولها الثلاثة كيلو مترات بين قرية الودي وشريعة العباس (عليه السلام) لتحويل مجرى هذا النهر الى وادي قناة كري سعدة والذي سمي العلقمي ايضا، اما الفرع المتبقي من نهر المارسارس الذي يربط قرية الودي بالحيرة وبحر النجف فقد انطمر نهائيا.
وتأسيسا على ما تقدم فان العلقمي هو فرات كربلاء زمن استشهاد الامام الحسين (عليه السلام). وسمي بهذا الاسم في القرن الثاني الهجري نسبة الى علقمة التميمي وقد ذهب اثره بعد القرن العاشر الهجري.
* المياه... ما سر تجمعها حول القبر الشريف ؟
بعد هذه الفكرة الموجزة عن نهر العلقمي نتساءل مثل الكثير غيرنا:
ترى من اين جاء هذا الماء السلسبيل المحيط بقبر العباس بن علي (عليه السلام)؟
اهو من بقايا مجرى العلقمي الذي يأبى مفارقة صاحبه الشهيد؟
ام هو من المياه الجوفة التي اتخذت من السرداب المنخفض مجالا للتجمع؟
حملنا تساؤلنا وتوجهنا به الى المهندس محمد حسن كاظم رئيس لجنة المشاريع والصيانة في الروضتين المطهرتين الحسينية والعباسية (هذا هو منصبه قبل خمس سنوات تقريباً قبل فصل قسم الشؤون الهندسية ةالفنية في العتبة العباسية المقدسة عن نظيره في العتبة الحسينية المقدسة والذي أصبح رئيسه المهندس المذكور) فاجاب قائلا:
ان المياه المتجمعة في السرداب الذي يضم قبر سيدنا العباس (عليه السلام) هي مياه جوفية حيث ان الحرم العباسي يقع في ارض منخفضة فلو كانت المياه من بقايا نهر العلقمي المنطمر لكانت ترى جارية وغير راكدة.
* لكن المياه الراكدة تتعفن عادة وتنمو فيها الطحالب على عكس المياه المحيطة بالقبر الشريف ؟
- حقا انها مياه عذبة وطيبة الطعم وذات نكهة خاصة زكية. كل ذلك ببركات ملامستها للقبر الشريف. لو كانت مياه نهر جار لاخذت مستوى واحدا لكنها في الحقيقة ليست كذلك فهي تارة تعلو وتارة تنحسر.
* كم يبلغ ارتفاع المياه في السرداب ؟
- ان معدل ارتفاعها هو متر واحد.
* هل سببت هذه المياه تصدعا او تخسفا في بناء الضريح ؟
- لم تحدث تصدعات ولا تخسفات فالسرداب والقبر مغلفان بالمرمر كذلك أرضية السرداب للحفاظ على اسس البناء.
يقول السيد عبد الامير عزيز القريشي مدير اعلام الروضة العباسية (منصبه آنذاك وهو الآن عضو مجلس إدارتها) يصف سرداب القبر: ان طراز بناء السرداب الذي يضم القبر الشريف قديم على شكل (طاق رومي) والمسالك الموصلة الى القبر ضيقة لا تسمح بمرور اكثر من شخص واحد قصير القامة فالطريق المؤدية اليه ملتوية ومتعرجة ومساحة القبر 1×2م وارتفاعه عن الارض 140سم وهو ملاصق للجدار من الجهة الخلفية من أحد جانبيه.
* هل تعتقد ان المياه المتجمعة في السرداب هي من بقايا مجرى نهر العلقمي ؟
- لا اعتقد ذلك بل هي مياه جوفية .. لكنها عذبة وصافية ورائحتها زكية وتستعمل لشفاء المرضى.
* من اين اكتسبت قدسيتها ؟
- من ملامستها للقبر الشريف بلاشك فبفضل احتضان المياه للقبر الشريف تحصل البركة. اما نهر العلقمي فليس له وجود اليوم فقد ذهب اثره.
* هل ان منسوب المياه الجوفية في السرداب ثابت ام متغير؟
- منسوب المياه مرة يرتفع حتى يصل الى حافة القبر العليا ومرة ينخفض.
* وهل يترسب منها غرين ؟
- لا يوجد غرين فالماء نقي وعذب ونحن نهدي منه الى من يريد التبرك به (استمر الأمر من 9/4/2003 حتى 1/1/2008 بسبب مشروع تطوير وتقوية أسس العتبة المقدسة المستلزم لقطع تدفق الماء لإكمال المشروع وحقن ألأسس بالمواد السامة لقتل الحشرات الضارة مما يؤدي لتلوث الماء فلزم قطعه حتى يتم إكمال المشروع وطرد الماء الملوث بعدها) .
* الا تتوقعون انهيار البناء العلوي للضريح بسبب الرطوبة ؟
- تأثير المياه نسبي ولا يخشى منه على الضريح، لان الجدران والارض والقبر. الكل مغلف بالمرمر.
* كيف حال المياه في سراديب البيوت المحيطة بالحرم ؟
- مياهها آسنة وذات رائحة كريهة فهي مياه جوفية راكدة ومتعفنة.
يشاطرنا الحديث عن الموضوع سماحة السيد احمد الصافي ممثل مكتب المرجع الديني الأعلى السيد علي الحسيني السيستاني فيقول:
يستبعد ان يكون الماء عائدا لنهر العلقمي فان بعض الدراسات التاريخية تؤكد اندثار وزوال النهر. نعم هو ماء اخر محيط بالقبر الشريف من جميع جوانبه ولا يخلو من كرامة لمن تأمل فيه بعد ان ينزل الى داخل المكان، والتجربة تشهد بكرامته في شفاء المرضى.
واضاف السيد احمد الصافي: اذا كانت هذه الامور من الاسرار فلا طريق لمعرفة كنهها الا من خلال المآثر الجليلة للأئمة الاطهار (عليهم السلام) ولا مانع من وجود حكمة قابلة للفهم كأن يكون وجود الماء اشارة الى العلاقة الحميمة بين العباس (عليه السلام) والماء في واقعة الطف فلعل المشيئة الالهية ميزت هذا القبر الشريف بهذا الماء
فيما يقول فضيلة الشيخ احمد الحائري امين مكتبة الروضة الحسينية(سابقاً): لدي يقين بان مياه الروضة العباسية هي مياه نهر العلقمي لانها نقية وعذبة ورائحتها زكية وبعكسها مياه سراديب البيوت المحيطة بالحرم والتي هي غير صالحة وآسنة ومتعفنة، فاذا كانت هذه المياه المحيطة بالقبر الشريف جوفية كما يقول البعض فلماذا لم تتعفن وتتلوث ؟ ولماذا خلت من الطحالب والديدان ؟ لقد روي عن الامام الصادق (عليه السلام) انه عندما جاء الى كربلاء لزيارة جده الحسين وعمه العباس (عليه السلام) خاطب نهر العلقمي: اما تستحي تجري وقد قتل ابن رسول الله عطشانا ؟ قيل فنضب ماء العلقمي بعد هذا الخطاب فيحتمل انه عندما اختفى ماء العلقمي ظهر في مكان اخر هو تحت الروضة العباسية وحول القبر الشريف تكريما لسيدنا العباس (عليه السلام) وانا شخصيا تشرفت بالنزول الى السرداب وشربت من مائه فكان طيبا وصافيا مما يدل على انه ماء جار وهو امتداد لنهر العلقمي فلو كان الماء راكدا لتغير لونه وطعمه ورائحته في حين انني وجدته زلالا عذبا وله رائحة كأنها رائحة المسك.
فضيلة الشيخ هاشم الزبيدي يقول: اعطى الله تعالى للانبياء (عليهم السلام) كرامات مشهودة واعطى كذلك للائمة كرامات من نوع اخر فمثلما أيد الله جد العباس (صلى الله عليه وآله وسلم) بماء زمزم وجعله متدفقا الى الابد فانه سبحانه اكرم سيدنا العباس (عليه السلام) بماء الفرات العذب الجاري ليظهر للناس قدر ومنزلة اهل البيت (عليهم السلام) عنده ولينبههم بأنهم اولياؤه الصالحون الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون فليس لمياه الروضة العباسية علاقة بالمياه الجوفية، وحلاوتها ونقاؤها وعطرها دليل على انها مياه مباركة فيها شفاء للمرضى. وقد اثبتت التحليلات المختبرية صلاحيته للشرب .
رد مع اقتباس
