الزخرفة .. هي مجموعة نقاط و خطوط و أشكال هندسية و رسوم حيوانات و نباتات و كلمات متداخلة و متناسقة فيما بينها ، تعطي شكلاً جميلاً و تُستعمل لتزيين المبانيو الأواني و الملابس و الجوامع و الكنائس و المدافن و النقود و العملات و القصور و بعض أعلام الدول ..
و قد عرفها الإنسان منذ أقدم العصور ، و تعتبر [ مرآة الحضارات ] ؛ فهي تعكس طبيعة حياة الشعوب و عاداتهم و تقالديهم ، و اعتبرت الزخرفة وسيلة للتعرف على فكرالأمم السابقة و تعمقهم الديني و مدى تحضرهم !
عرف الإنسان الزخرفة منذ القدَم ، و قد كان في العصور القديمة يسيراً [ أي الإنسان ] ، لذا فقد كان يهتم فقط بما فيه حياته و بقاءه من طعام و شراب و ملجأ ، و لذلك فقد كانت الزخارف في ذلك الوقت بسيطة جداً كالخطوط و النقاط ..
و مع الزمن ، بدأ يتطور الإنسان و يتطور [ فكره ] ، فأصبح يعرف الحيوانات و يعرف الكائنات الحية ، مما أدى إلى تغير شكل الزخرفة و رسم الحيوانات و الأشجار ..
و مع تقدم الزمن و تطور الفكر الإنساني و طبيعة الحياة ، أصبح لا بد على الإنسان أن يحدث تغييرات على الزخرفة البسيطة ، فاستعمل الزخرفة في تزيين الملابس ، و النقش على الجدران ، و أدوات الطعام بقصد التجميل و التزيين !
اتجه الفن الإسلامي إلى أشياء جديدة ، فابتعد عن رسم الأشخاص ، و عن محاكاة الطبيعة ، و هنا ظهر إبداعه و برزت عبقريته و عمل خياله ، و حِسه المرهف ، وذوقه الأصيل ، فكان من هذه العوالم عالم الزخرفة ..
و لأن صناعة الجمال هي من مزايا الفن الإسلامي ، فإن الوسيلة المناسبة لصنع هذا الجمال هي [ الزخرفة ] أو [ فن الزخرفة ] ، فالزخرفة وُجِدَت لتكون زينة للأشكال و الرسومات ، و هنا يلتقي شكل العمل الفني بمضمونه ليكونا وحدة متماسكة و يشكلا تحفة فنية ، و هذا ما لا نجده في كل أنواع الفنون !
إن نشأة الزخرفة الإسلامية تعود لبداية عهد الخليفة عمر بن الخطاب و الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنهما ، اللذين كانا منشغلين بالفتوحات الإسلامية، التي تبعها بعد ذلك الخلاف بين علي بن أبي طالب رضي الله عنه و معاوية رضي الله عنه ؛ لهذه الأسباب كان التفكير متجهًا نحو بناء دور العبادة بمثل التي بُنيت في بلاد فارس.
ويُعْتَبَرُ عبد الملك بن مروان أوَّل مَن اهتمَّ بالزخرفة الإسلامية؛ وذلك عندما اعتنى بقبة الصخرة في القدس وأعطاها جُلَّ اهتمامه، لتكون رمزًا معماريًّا يحتوي على أرقىالزخارف الإسلامية، التي كما قلنا تبتعد عن تصوير كل ما به رُوح، حتى ورقة الشجرة كانت تُجَزَّأ إلى نصفين؛ لتَظْهَر بشكل جامد لا حياة فيه، فأسند الإشراف على بناء قبة الصخرة عام (72 هـ) إلى رجاء بن حياة الكندي و يزيد بن سلام ، اللذين بذلا كل ما لديهما من فنٍ لإخراج القبة بهذا الشكل الذي لا يضاهيه فنٌّ حتى يومنا هذا؛ من حيث الروعة و الدقَّة في المعمار.
إن الزخرفة الفارسية هي أساس الزخرفة الإسلامية؛ وذلك من خلال تأثير العناصر الفارسية التي دخلت الإسلام، و كانت الزخرفة الفارسية تعتمد في غالبها على الابتعادعن أي صورة لأي كائن حيٍ ، فاتخذت النباتات و أوراق الشجر عناصر أساسيَّة متداخلة مع بعضها؛ لإعطاء لوحة زخرفية في نهاية الأمر، وقد استُخْدِم هذا الفنُّ فيتزيين المساجد و قصور الأمراء وبعض الدواوين .
كان لـ فن الزخرفة الإسلامية خصائص تميزه عن غيره و تبرز المظهر الحضاري لنهضة المسلمين ، و ازدهرت الزخرفة الإسلامية و تطورت سواءً في تصميمها و شكلها وإخراجها أو في موضوعاتها و أساليبها ..
و استخدم التقنيون المسلمون خطوطًا زخرفية رائعةَ المظهر و التكوين ، و جعلوا من المجموعات الزخرفيَّة نماذج انطلق فيها خيالهم إلى اللانهاية و التكرار و التجدُّد والتناوب و التشابك ، و ابتكروا المضلَّعَات النجمية و أشكال التوريق ، و أشكال التوشح العربي ..
و لا يزال هذا النسق العربي في الزخرفة منتشراً في بعض البلدان من بعد ظهوره لأول مرة في الزخرفة الفاطمية في مسجد الأزهر ..
و تعد العناصر النباتية و الزخارف الورقية و الهندسية مقومات أساسية في بناء هذا الفن .. و من خصائص الزخرفة الإسلامية :
1- العناية بالتجديد و الابتكار، والاعتماد على التطوير المباشر دون النقل.
2- البُعْد عن التقليد و التصنع في العديد من الأعمال الزخرفية المختلفة في العمارة و المجالات الأخرى.
3- الأصالة في أغلبية الأعمال ، و هي تُعْتَبَرُ من الأعمال الفطريَّة لدى الرسام و الفنان المسلم.
4- المبالغة في استعمال الألوان الفطريَّة دون الدمج بينهما إلا في بعض الحالات القليلة.
5- التأثُّر الواضح بالعقيدة الإسلامية السمحة؛ حيث نلاحظ - ولله الحمد - عدم وجود الرسوم الزخرفية التي تشمل ذوات الأرواح و عموم الكائنات الحيَّة، و خاصَّة في الرسوم التي بداخل المساجد.
6- البُعْد عن التجسيم؛ حيث لا تستهدف الزخرفة الإسلامية البُعْد الثالث كما هو الحال في بعض الزخارف في الفنون الأخرى، و لكنها تركِّز على بُعْدٍ آخر، وهو البُعْدُ أوالعمق الوجداني، والذي نشاهده بصفة دائمة تقريبًا في زخرفة الأبواب الإسلامية المنتشرة في الكثير من المساجد و القصور القديمة، و أيضًا الحديثة .
و بإعمال الفنان المسلم خيالَه استطاع أن يبتعد بفنِّه عن تقليد الطبيعة ، فجاءت توريقاته عملاً هندسيًّا ، ساد فيه مبدأ التجريد ، و قد انتشر استعمال هذه الزخارف فيتزيين الجدران و القباب ، و في التحف المختلفة (نحاسيَّة و زجاجية و خزفية) ، و في تزيين صفحات الكتب و تجليدها !
1- الزخرفة النباتية : و تقوم على زخارف مشكلة من أوراق النباتات المختلفة ، و الزهور المتنوعة ، و قد أُبْرِزَتْ بأساليب متعدِّدَة من إفراد و مزاوجة و تقابُل و تعانق ، و في كثير من الأحيان تكون الوحدة في هذه الزخرفة مؤلَّفة من مجموعة من العناصر النباتية متداخلة و متشابكة و متناظرة ، تتكرَّرُ بصورة منتظمة ..
2-الزخرفة الهندسية : و هي النوع الآخر من الزخرفة الإسلامية ، حيث أبدع المسلمون في استعمال الزخارف و الأشكال الهندسية و صياغتها لتكون أشكال فنية رائعة ، فظهرت المضلعات المختلفة ، و استعملت الأشكال النجمية ، و الدوائر المتداخلة ، و قد زينت هذه الزخرفة المباني و دخلت في صناعة الأبواب و زخرفة السقوف ، مما يدل على النهضة العلمية في الجانب الهندسي عند المسلمين آنذاك ..
و قد استخرج المسلمون أشكالاً هندسية متنوِّعة من الدائرة ، كـ المسدس و المثمن و المعشر، و بالتالي المثلث و المربع و المخمَّس ، و من تداخُل هذه الأشكال معبعضها و ملء بعض المساحات و ترك بعضها فارغًا نحصل على ما لا حصر له من تلك الزخارف البديعة ، التي تستوقف العين ، لتنتقل بها رويدًا رويدًا من الجزء إلىالكل ، و من كُلٍّ جزئيٍّ إلى كُلٍّ أكبر ..
و قد كان أكثر ما يهم الفنان المسلم هو ابتكار تكوين جديد يتتولد من مزاوجة الأشكال أو اشتباكات قواطع الزوايا ، لتحقيق المزيد من الجمال و الروعة على العمل الفني أو الزخرفة الفنية !
3- زخرفة تنبع من الدين والتراث: للزخرفة الإسلامية مزاياها وأشكالها الخاصة التي تميزها عن سواها من زخرفة غربية أو آسيوية أو أفريقية ، ولا غروَ و إن هذه الزخرفةالمستمدة من تراث شرقي-عربي قديم، غلب عليها منذ مجيء الإسلام الطابع الديني و ما زال حتى يومنا ، و هذا الطابع لا يخضع لمنظومة موحدة، خصوصًا و أنه تطبعبالأشكال والألوان والمواد المستعملة التي كانت سائدة في العالم الذي دخله الإسلام، و هذا العالم كبير يمتد من الصين حتى الأطلسي .
حيث ترتكز الزخرفة الإسلامية على أسس عميقة الجذور تنبع من الدين و التقاليد المتوارثة ، و قد هدف البناؤون و الفنانون المسلمون في أعمالهم، إلى إبراز خصوصيةهذه التقاليد التي غلب عليها الإسلام منذ أن جاء ، من هنا نرى العلاقة الحميمة بين الإسلام و فن العمارة و الزخرفة و بناء المدن - رغم الاختلافات السطحية التي نشاهدها - فهي بمجملها تعكس روح الدين و الخطوط الكبرى التي رسمها لحياة المسلم إجمالاً و العربي تحديدًا .
وكلها تعتمد على ما أسماه بعض مؤرخي الفن الإسلامي؛ السكينة و الراحة الروحية و الجسدية و التأمل و البساطة ، و من هنا نرى كم اعتمد فن الزخرفة الإسلامي على الألوان و الضوء و وسع المساحات .
فالزخارف الإسلامية الهندسية بلغت ذروة نضوجها الفني بين القرنين الثاني عشر و الخامس عشر الميلاديين، حيث كانت موضع دراسة علمية نشرت في مجلة "العلم و الحياة" الفرنسية ملخصًا عنها في شهر أبريل من عام 2007 ، و استنادًا إلى تلك الدراسة التي أعدها العالمان "بيتر لومن" من جامعة هارفرد و "بول ستاينهاردت" من جامعة برنستون، فإن الفنانين المسلمين اعتمدوا في تصميم هذه الزخارف على حسابات هندسية لم يتوصل إليها العلماء الغربيون إلا في سبعينيات القرن العشرين.
ورأى العالمان الأمريكيان، أن الانطلاق من شكل هندسي بسيط في رسم امتدادات له، تتقاطع و تتشابك لتشكل جملة أشكال لا تتكرر أكثر من مرة في رسم، يبقى محافظًاعلى وحدته و تجانسه.
ولقد كان "هنري فوسيون" دقيق التعبير عميق الملاحظة حينما قال: "ما أخال شيئًا يمكنه أن يجرد الحياة من ثوبها الظاهر وينقلنا إلى مضمونها الدفين، مثل التشكيلاتالهندسية للزخارف الإسلامية ، فليست هذه التشكيلات سوى ثمرة لتفكير قائم على حساب دقيق قد يتحول إلى نوع من الرسوم البيانية لأفكار فلسفية و معان روحية، غير أنه ينبغي ألا يفوتنا أنه خلال هذا الإطار التجريدي، تنطلق حياة متدفقة عبر الخطوط فتؤلف بينها تكوينات تتكاثر و تتزايد، متفرقة مرة و مجتمعة مرات، و كأن هناك روحًا هائمة هي التي يصلح لأكثر من تأويل يتوقف على ما يصوب عليه المرء نظره و يتأمله منها و جميعها تخفى و تكشف في الواحد عن سر ما تتضمنه من إمكانات و طاقات بلا حدود".
- الطراز الأمَوِيّ :
نشأ الفنُّ الإسلامي في عصر بني أمية، وكان الطراز الأموي المعروف باسمهم أوَّل الطرز أو المدارس في الفن الإسلامي، فلما جاءت الفتوحات العربية ، و امتدت الدولة الإسلامية و اتسع نطاقها، و اختلط العرب بأمم ذات حضارة زاهية - أثَّرُوا في هذه الأمم كما تأثَّروا بهم.
وقد اتخذ بنو أمية مدينة دمشق عاصمة للعالم الإسلامي، و كانت السيادة الفنية في عصرهم للبيزنطيين و السوريين، و غيرهم من رجال الفنِّ و الصناعة الذين أخذ عنهمالعرب الفاتحون ، و قام على أكتاف الجميع الطراز الأموي في الفنِّ الإسلامي؛ و بذلك فهو طراز انتقل من الفنون المسيحية في الشرق الأدنى إلى الطراز العباسي، على أن هذا الطراز كان متأثِّرًا إلى حدٍّ ما بالأساليب الفنية الساسانية التي كانت مزدهرة في الشرق الأدنى عند ظهور الإسلام.
- الطراز العباسي :
ويُنْسَبُ هذا الطراز إلى الدولة العباسيَّة التي قامت في العراق؛ و بذلك انتقلت السيادة في العالم الإسلامي منذ ذلك الحين إلى العراق، فكان من الطبيعي أن يَتَّخِذ الفنُّالإسلامي اتجاهًا جديدًا.
و يُعْتَبَرُ هذا الطراز أوَّل مرحلة واضحة في تاريخ الفنِّ الإسلامي، الذي أخذ الكثير من أصوله عن الفنِّ الساساني، و تُشِير الحفائر التي أُجْرِيتْ بمدينة سامرَّاء عاصمةالخلافة في الفترة من (2-276هـ/ 836-889م) إلى منجزات هذا الطراز الذي بلغ أوج عظمته في القرن الثالث الهجري (9م)، و ظهر أثره في الإنتاج الفني في مختلفالأقطار الإسلامية في القرنين الثالث و الرابع بعد الهجرة (9-10م) .
و يمتاز الطراز العباسي - كما تمتاز الأساليب الفنية المأخوذة عنه، ومنها الطراز الطولوني في مصر - بنوع من الخزف له بريق معدني، كانت تُصْنَعُ منه آنية يتَّخِذُهاالأغنياء عوضًا عن أواني الذهب و الفضة، و التي كان استعمالها مكروهًا في الإسلام؛ لما تدلُّ عليه من البذخ و الترف المخالِفَيْنِ لرُوح الدين الإسلامي ، و يمتاز الطرازالعباسي أيضًا بكثرة استخدام الجصِّ في تهيئة الزخارف، حتى أصبح من الموادِّ ذات الصدارة في هذا الطراز الإسلامي، بالإضافة إلى التحف التي تُنْسَبُ إلى هذا الطراز التي كانت متأثِّرة إلى حدٍّ ما بالأساليب الفنية الساسانية، و يظهر هذا التأثير في التحف المعدنيَّة و المنسوجات التي كانت تُصْنَعُ في العراق و إيران في القرنين الثاني و الثالثالهجريين .
1- قصر إشبيلية.
2- مئذنة الحلوية (تلمسان).
3- مئذنة المنصورة.
4- باب المنصور (مكناس)
5- قصر الحير الشرقي والغربي في سوريا.
6- جامع الزيتونة.
7-مدرسة القرويين.
8- محراب الجامع الكبير (قرطبة).
9- المئذنة الحدباء.
10- جامع المتوكل.
الترصيع ، التكفيت ، التلبيس ، التعشيق ، التطعيم ، التجصيص ، القرنصة ، التزويق ، التصفيح ، التوشيع ..
و من أبرز المواد المستخدمة فيها :
الرخام ، الجصُّ ، الخشب ، المعادن ، الآجُرّ ، الفسيفساء ، القاشاني ، الخزف !
غير أنه ينبغي ألاَّ يفوتنا أنه خلال هذا الإطار التجريدي تنطلق حياةٌ متدفِّقة عَبْرَ الخطوط ، فتؤلّف بينها تكوينات تتكاثر و تتزايد ، متفرِّقة مَرَّة و مجتمعة مَرَّات ، و كأن هناك رُوحًا هائمة هي التي تمزج تلك التكوينات و تُبَاعِدُ بينها ، ثم تُجَمِّعُهَا من جديد ، فكلُّ تكوين منها يَصْلُح لأكثرَ من تأويل ، يتوقَّفُ على ما يُصَوِّبُ عليه المَرْءُ نظرَه و يتأَمَّلُه منها ، و جميعها تُخْفِي و تكشف في آنٍ واحد عن سِرِّ ما تَتَضَمَّنُه من إمكانات و طاقات بلا حدود" !
و لقد كان الناقد الفرنسي هنري فوسيون (H. Faucillon) دقيق التعبير عميق الملاحظة حينما قال: "ما إخالُ شيئ يمكنه أن يجرِّد الحياة من ثوبها الظاهر ، و ينقلنا إلى مضمونها الدفين مثل التشكيلات الهندسية للزخارف الإسلامية ؛ فليست هذه التشكيلات سوى ثمرة لتفكير قائم على الحساب الدقيق ، قد يتحول إلى نوع من الرسومالبيانية لأفكار فلسفية و معانٍ رُوحية ..
و عن فنِّ الزخرفة و بيان غايته و خصائصه يقول روجيه جارودي : "إنَّ فنَّ الزخرفة العربي يتطلَّع إلى أن يكون إعرابًا نمطيًّا عن مفهوم زخرفي ، يَجْمَعُ بآنٍ واحد بينالتجريد و الوزن ، و إن معنى الطبيعة الموسيقي ، و معنى الهندسة العقلي ، يُؤَلِّفَان دومًا العناصر المقوّمَة في هذا الفنِّ" !