السـيدة نجـاة
***********************
السيدة نجاة سيدة لطيفة مهذبة من بقايا أسرة ارستقراطية عريقة .. تسكن قبالتي تمامًا .. هى وحيدة ، وأنا ـ لا مؤاخذة ـ وحيد .. علاقتي بها شريفة جدًّا : " صباح الخير يا ست نجاة .. صباح النور يا شاعر " .. كنت أفاجأ بها قدامي واقفة على بسطة السُّلَّم .. تبتسم ابتسامة خفيفة ، وتبادلني نظرة أو نظرتين قبل أن تدلف إلى شقتها وترد الباب .
أحيانًا كانت تناولنى طبقًا من الكعك أو البسبوسة أو الـ.... ، آخذ منها الطبق وأدخل إلى شقتي .. كنت أعيده إليها فى اليوم التالى فارغًا .
قالت مرة إنها تحب الشعر ؛ لذلك بدأت أضع لها قصيدة أو قصيدتين فى الطبق .
لست أدرى لماذا أصابنى التوتر فى الفترة الأخيرة ، وبدأت الوحدة تؤرقني ؛ وربما لهذا بدأت أفكر فى السيدة نجاة .
هى معها ـ لا مؤاخذة ـ فلوس ، وحنان ، وخبرة فى الأكل والذى منه .. وأنا ـ لا مؤاخذة ـ عندي الرجولة وثلاثة دواوين شعر واسمي معروف .
صحيح هى تكبرني بعشرين عامًا ، لكنها لاتزال تحتفظ بنضارة وحيوية البنات الصغيرات ، سأتزوجها ونستأذن مالك العمارة فى إزالة الحائط الذى يفصل شقتينا ، وأجعل من شقتى بكاملها مكتبة وصالون أدبي ، ونعيش فى شقتها .. فكرت وتجرأت وفاتحتها بالأمس فى الموضوع .
لست أدرى لماذا ظلت صامتة لمدة ثلاث دقائق تقريبا ، محدقة في وجهي دون أن تظهر على وجهها أية علامات رفض أو قبول ، إلي أن فاجأتني بعد ذلك بقولها :
" امشِ يا شـ ..... "
. هكذا قالت : " يا شـ .... : ولم تكمل ،
وتراجعتْ خطوتين إلى الخلف وتوارت في شقتها وردَّت الباب .
أحسست ببرودة تسري في جسدي وتراجعت للخلف خطوتين ، ودَلَفتُ إلى شقتي وأغلقت الباب .
حاولت النوم مبكرًا على غير العادة ، ولكنى ـ لا مؤاخذة ـ لم أنم حتى الصباح .. بقيت طوال الليل أفكر فى حرف الشين .. ماذا كانت تقصد السيدة نجاة ؟ ، ورحت أزاوج بين حرف الشين وحروف أخرى , وأرَكِّب الحروف على الحروف : شم ... شحـ ... شخـ ... شر.. شاعر .. شحط .. شحات.. شُرَّابة خُرج ...
ـ يا إلهى .. ماذا كانت تقصد السيدة نجاة ؟! .
*****************
للقاص والروائي والشاعر واستاذ اللغة العربية
المصري
عبد الجواد خفاجي