النتائج 1 إلى 5 من 5
الموضوع:

جماليات اللغة العربية

الزوار من محركات البحث: 297 المشاهدات : 2304 الردود: 4
جميع روابطنا، مشاركاتنا، صورنا متاحة للزوار دون الحاجة إلى التسجيل ، الابلاغ عن انتهاك - Report a violation
  1. #1
    صديق مؤسس
    صاحبة الامتياز
    تاريخ التسجيل: January-2010
    الدولة: البصرة
    الجنس: أنثى
    المشاركات: 27,178 المواضيع: 3,882
    صوتيات: 103 سوالف عراقية: 65
    التقييم: 5826
    مزاجي: هادئة
    أكلتي المفضلة: مسوية رجيم
    موبايلي: Iphon 6 plus
    آخر نشاط: 5/August/2024
    مقالات المدونة: 77

    جماليات اللغة العربية


    جماليات اللغة العربية

    قال الشاعر :

    لغتي الجمال وأنت صرح باذخ = بك يعرف الإنسان والأوطان

    أهواك في نطق الحروف فصيحة= نبراتهـا في مسمعي ألحـان

    يعتــز باللغة الكريمة مؤمن= وكتابــه في حبهــا القــــرآن

    من ضيع الفصحى يضيع ذاته = أم اللغات بها الشعوب تصان
    اللغة هي رموز يعبر بها كل قوم عن أغراضهم ، والعربية لغة ثرة إذ تحوي مفرداتها أكثر من مليون كلمة ، ولكل مصدر فيها خمس عشرة كلمة مشتقة منه، فضلا عن المجازات التي تعد في حد ذاتها وسيلة إغناء لها .

    وهذا الاتساع والثروة اللغوية الهائلة تمكن الأديب العربي من سبك عباراته في أحسن وقع لها وانسجام .

    ولقد مرت العربية في أطوار تخلصت خلالها من ثقل اللفظ ، وهذبت لتكون صالحة لنزول القرآن الكريم بها بأروع بيان وأجمل إيقاع ، ولو نظرنا إلى العربية الأولى لرأيناها تجري على شاكلة قولهم فيها :

    " تي نفس مر القيس بن عمرو ملك العرب كله ، ذو أسر التج ، وملك الأسدين ونزرو وملوكهم ،وهرب مذحجو عكدي في حبج نجران مدينة شمر وملك معدو " ومعناه : هذا قبر امرئ القيس بن عمرو ملك العرب كلهم الذي عقد التاج وملك الأسدين وقبيلة نزار وملوكهم ، وهرب مذحجا بالقوة ، وجاء بانتصار في مشارف نجران مدينة شمر وملك معدا "

    وكان لسوق عكاظ واجتماع القبائل العربية في مواسم الحج أثرهما في تخلي العرب عن كثير من لهجاتهم ، وتنقية لغتهم من ثقل اللهجات ، ثم نزل القرآن الكريم فوحد العرب على لغة تخلت عن الشاذ والغريب ، ووصف القرآن الكريم بأنه السهل الممتنع ، فهو سهل يفهم ولكن لايقدر أحد على الإتيان بمثله على الرغم من التحدي ، ولهذا لما سأل معاوية بن أبي سفيان : من أفصح العرب ؟ قيل له : " قوم ارتفعوا عن لخلخانية([1]) الفرات ، وتيامنوا عن عنعنة تميم([2]) ، وتياسروا عن كسكسة ([3])بكر ، ليست لهم غمغمة([4]) قضاعة ، ولا طمطمانية([5]) حمير، قال من هم ؟ قال : قريش ؟ قال

    ممن أنت ؟ قال من جرم .

    فلغة قريش اختارت من الكلام العربي أبينه ، وراعت أرشقه ، واعتمدت أصفاه ، وكانت عزلتها عن الشعوب الأعجمية خير ميزة حفظت لها شخصيتها اللغوية ، ولولا جمال العربية وسحرها لما اختارها الله سبحانه لكتابه العزيز .

    وقد قدم القرآن الكريم للعرب نماذج من القول لاتبارى ، هي فوق الشعر والنثر ، حتى قال جوستاف جرونيباوم في اللغة العربية: (ليست منزلتها الروحية هي وحدها التي تسمو بها على ما أودع الله في سائر اللغات من قوة وبيان ، ومن يتبع جميع اللغات لايجد لغة تضاهي العربية في جمال أصواتها وغنى مفرداتها.

    ويبدو هذا الجمال في أصوات الحروف العربية وميزانها الصرفي خاصة :

    1- أصوات الحروف العربية

    فأصواتها ثابتة لأن مدرجها الصوتي واسع ، وهي تشتمل على جميع الأصوات الإنسانية ومخارجها ، قال د. محمد المبارك : " إن أول مايبدو من صفات الحروف العربية توزعها في أوسع مدرج صوتي عرفتها اللغات وذلك بين الشفتين وأقصى الحلق ، وهذا التوزع يؤدي إلى التوازن والانسجام بين الأصوات . قد تجد في لغات أخرى غير العربية حروفا أكثر عددا ، ولكنها محصورة في نطاق ضيق ، وقد تجدها متكاثرة بين الشفتين وما والاها من الفم أو الخيشوم في اللغات كثيرة الغنة ، أو تجدها متزاحمة في جهة الحلق ، وفي هذا فقدان لحسن الانسجام الصوتي بسبب سوء توزيع الحروف .

    2- الميزان الصرفي

    تطرأ على الميزان الصرفي تغيرات كثيرة طلبا للخفة والرشاقة وذلك بانتقاء الأصوات المنسجمة والتخلي عن الثقيل فيها، وهذا ماتدركه الأذن الخبيرة التي تتذوق المخارج والصفات ، وهذا الانتقاء والتغيير يظهر في مواطن كثيرة منها :

    أ‌- الإعلال والإبدال :

    ففي وزن افتعل مثلا تقلب التاء طاء إذا سبقت بالضاد أو الظاء أو الصاد ، وذلك لثقل التاء بعد هذه الحروف مثل اضطر ، واظطلم واصطحب واصطرخ ، قال تعالى " وهم يصطرخون فيها " .

    كما تقلب التاء دالا في وزن افتعل إذا سبقت بالذال والزاي لأن الدال معهما ألطف وآنق كما في اذدكر وازدهر ، ويجوز في الأولى أن يقال اذَّكر أو ادكر لأنهما ألذ في السمع من توالي حرفي الذال والدال .

    وفي وقى تقلب الواو في وزن افتعل تاء وتدغم في التاء الثانية فتصير اتقى ، وهي أخف وأرشق من اوتقى .

    والواو المتحركة المفتوح ماقبلها تقلب ألفا وكذلك حال الياء مثل قَوَل وبَيَع تصيران قال وباع وذلك طلبا للأخف من الكلام.

    وفي وزن مفعول تحذف الواو من معتل العين فنقول في مقوول : مقول لخفتها وفي مبيوع مبيع بعد عدة تحولات لتكون الكلمة أخف وأرق . أما في المعتل الآخر فتقلب الواو ياء وتدغم في الياء في مثل مرضوي إذ تصير مرضي لأنه إذا التقت واو وياء الأولى منهما

    ساكنة قلبت الواو ياء وأدغمت في الياء الثانية ، وكذلك في وزن فيعل من هان هيون ثم تصير (هين ) وساد سيود ثم سيد .

    ومن إبدال الصحيح بالعلة كلمة نبيء من النبأ على لغة تميم ، وقد كرهها الرسول صلى الله عليه وسلم بحسه المرهف وأبدلها بما هو أجمل منها فصارت الهمزة ياء وأدغمت في الياء الثانية في ( نبي ) .

    ومن طلب الخفة والرشاقة أيضا أنه إذا جاءت همزتان في أول الكلام إبدلت الثانية حرف علة من جنس حركة ماقبلها كما في إيمان بدلا من إأمان ، وأوثر بدلا من أُؤثر ، وآدم بدلا من أَأدم وهذا التغيير كان للعذوبة والرشاقة .

    والأمثلة على التغييرات الصرفية طلبا للجمال أكثر من أن تحصى .

    وبناء على هذا التغيير في اللغة العربية حدد الدخيل على العربية من الفصيح لأنه لايجتمع في لفظ عربي ( ج ط ) كما في طازج ، أو ( ط ض ) أو ( ط ذ ) لأن العربية لغة موسيقية تحفل بإيقاع الكلمة . وقد ينقص ويغير من حروف الدخيل أيضا ليكون أرشق وأجود مثل فردوس أصلها برادايس .

    ب – الإدغام :

    وهو أيضا من جماليات اللغة العربية لأنه يقرب صوتا من صوت حتى يغدوا صوتا واحدا ينبو عنه اللسان نبوة واحدة ، ولولاه لاحتجنا إلى وقفة عند الحرف الأول ، وبه تزول الوقفة فيكون اللفظ أسهل وأخف، فكلمة ( استقر ) نرى النطق فيها أعذب من ( استقرر ) .

    ج- نقل حركة حرف إلى ماقبله طلبا للخفة والجمال كما في يزْيِد تصير يزيد بنقل الكسرة إلى الساكن الصحيح قبلها ليصير وقع الكلمة ألطف .

    3- الحذف

    ويكون للحركة والحرف والكلمة والجملة ، وذلك كله لتحقيق الجمال الموسيقي للفظة والعبارة مما يجعل اللغة شاعرية في نغمتها .

    أ‌- فمن حذف الحركة : حذف الضمة من آخر المعتل بالواو والياء في حالة الرفع كما في يرميُ تصير يرمي ، ويدنوُ تصير يدنو ، بينما تظهر حركة الفتحة عليهما لخفتها فنقول ( لن نرميَ – لن ندنوَ ) .

    ب‌- ومن حذف الحرف : حذف ألف ما الاستفهامية إن اتصل بها حرف جر كما في قوله تعالى ( عم يتساءلون ) ، أو كانت أداة الاستفهام ( متى ) وقد جمعا في قول الشاعر :

    إلام الخلف بينكم إلاما؟ وهذه الضجة الكبرى علاما؟

    والأصل إلى متى؟ ،على ما يكون الاختلاف ؟ والألف في إلام وعلام للإطلاق في الشعر .

    ومن حذف الحرف حذف ياء المتكلم للخفة واللطافة كما في قوله تعالى ( الذي خلقني فهو يهدينِ ، والذي هو يطعمني ويسقينِ ، وإذا مرضت فهو يشفينِ ، والذي يميتني ثم يحيينِ ) فهذا الحذف أفاد انسجاما صوتيا للفواصل مع ماقبلها وما بعدها .

    ومن حذف الحرف أيضا أو صوته حذف التنوين ونوني المثنى والجمع عند الإضافة طلبا للرشاقة كما في قولنا ( يدٌ – يد الله فوق أيديهم )(يدان ، تبت يدا أبي لهب وتب ) .

    وكذلك حذف حرف في النسبة طلبا للخفة في وزن فعيلة : فعَلي مثل طبيعة طبَعي .

    وبديهة : بدَهي .

    وحذف حرف في آخر الكلمة لثقله مثل بنو : يصير ابن ، ودمو يصير دم ، ويدي يصير يد .

    وحذف حرف من الفعل للخفة والجرس الموسيقي الناغم مثل أكرم يكرم بدلا من يؤكرم ، ووقف يقف بدلا من يُوْقف .

    وحذف ياء المنقوص في الرفع والجر وإبقاؤها في النصب مثل وادٍ بدلا من وادي في قوله تعالى : ( رب إني أسكنت من ذريتي بوادٍ غير ذي زرع ) وحذفها في جمع المذكر السالم للتسهيل في النطق فنقول قاضون وقاضين بدلا من قاضيون وقاضيين .

    ج- حذف كلمة وقد تكون هذه الكلمة جملة كما في أسلوب التحذير والإغراء والاختصاص ، من ذلك قولنا : إنا – مسلمي العالم – نحتج على الرسوم المسيئة للرسول صلى الله عليه وسلم ، أي أخص مسلمي العالم . الصدق الصدق فإنه منجاة ، أي الزم الصدق ، إياك والخيانة أي أحذر إياك واجتنب الخيانة .

    وتحذف الكلمة في الفواصل القرآنية أو في السجع لتحقيق النغمة الطربة كما في قوله تعالى ( ماودعك ربك وما قلى ) أي وما قلاك ،حذف المفعول به من قلاك .

    وفي البسملة إذ حذف الفعل قبلها وتقديره ( أبدأ ببسم الله )

    وفي القسم نحذف أحيانا الفعل كقول الرسول صلى الله عليه وسلم ( لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليوشكن الله أن يرسل عليكم عقابا من عنده ...)أي والله لتأمرن بالمعروف ...

    وقد يحذف الفعل أو الكلمة لدلالة السياق عليه كما في قوله تعالى ( قالوا سلاما قال سلام ) أي قالوا نسلم سلاما ، ولا تخفى الخفة في هذا الحذف .

    وفي الأجوبة نحذف الفعل كأن نقول : من جاء؟فيجيب واحد : محمد.أي جاء محمد ، وفي هذا التقليل من الحروف رشاقة ولطافة .

    د- حذف جملة مكونة من أكثر من كلمة :

    ويكثر هذا في القصص والإخبار ، كما في قوله تعالى ( وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين ) أي أذكر لك يامحمد قصة البشرية حين أخذ ربك ...

    وفي : شهدنا أن تقولوا يوم القيامة أي قال لهم فعلت هذا لئلا تقولوا يوم القيامة ... وهذا المحذوف مفهوم من السياق لاحاجة لذكره ، والبلاغة في الإيجاز ، والجمال في الكلام البليغ .

    والضمائر من علامات الإيجاز طلبا للخفة والعذوبة فحينما نقول ( كتبت ) نستعيض بها عن ( كتب شخصي ) .

    4- زيادة حرف

    ويتحقق الجمال أحيانا بزيادة حرف أو أكثر ، كما في زيادة هاء السكت في قوله تعالى ( فأما من أوتي كتابه بيمينه فيقول هاؤم اقرؤوا كتابيه ، إني ظننت أني ملاق حسابيه ، فهو في عيشة راضية ) فقد زيدت هاء السكت لإحداث نغمة موسيقية عذبة بتحقيق التجانس الصوتي والنغمي في رؤوس الآيات .

    ومن ذلك أيضا تشديد حرف لتقوية المعنى كما في قوله تعالى ( مالكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض ) فكلمة اثاقلتم أقوى من تثاقلتم .وقوله تعالى ( وهم يصطرخون فيها ) أقوى من يصرخون .وبهذا الإيقاع الموسيقي القوي يزداد المعنى قوة وبيانا .

    ومن ذلك أيضا زيادة الألف لمناسبة الإيقاع ولإحداث الترنم كما في قوله تعالى ( إن الله لعن الكافرين وأعد لهم سعيرا ، خالدين فيها أبدا لايجدون وليا ولا نصيرا ، يوم تقلب وجوههم في النار يقولون ياليتنا أطعنا الله وأطعنا الرسولا ، وقالوا ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا ) فزيادة الألف لتكون النغمة حلوة الجرس عذبة الرنين . وقد أثبت حفص والكسائي هذه الألف في ( الرسولا – السبيلا ) في الوصل والوقف لتتحقق نغمة توائم نغمة الفواصل القرآنية قبلهما فلا يحدث نشاز في الإيقاع الموسيقي .

    5- قضايا تحسينية

    وتظهر هذه في تجويد القرآن الكريم خاصة كالغنة والقلقلة والمدود ، وفي الترقيق والتفخيم وغير ذلك من قضايا التجويد التي كانت لتحسين النغمة الموسيقية ، وإضفاء العذوبة على التراكيب لتكون أكثر تأثيرا في النفس .

    من ذلك قوله تعالى ( قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين ) فالقلقلة والغنة والمد قد حققت جرسا عذبا ونغمة طربة . ومثلها في قوله تعالى " ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله وهو في الآخرة من الخاسرين " ولا سيما في المد العارض للسكون، والمدود في قوله تعالى " ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك هم الخاسرون ) ، ويقول سيبويه : " إن العرب إذا ترنموا يلحقون الألف والياء والواو ماينون وما لاينون لأنهم أرادوا مد الصوت ويتركون ذلك إذا لم يترنموا " ولذلك نراهم يضيفون ألف الإطلاق أو واو الوصل أو ياءه في قوافي الأبيات نحو :

    إذا رأيت الهوى في أمة حكما فاحكم هنالك أن العقل قد ذهبا

    وفي اجتماع ساكنين في كلمة ( تحاضّون ) نرى أن المد في المثقل الكلمي في ( كلا بل لاتكرمون اليتيم ولا تحاضون على طعام المسكين ... ) ساعد في التخلص من الثقل وأعطى نغمة شجية .

    وفي تفخيم بعض الحروف وترقيقها مجانسة صوتية كالتفخيم في قرطاس وفي ( والله ) تالله كما في قوله تعالى ( تالله لتسألن عما كنتم تعملون ) وعظمة الموقف ناسبها التفخيم بينما نرقق في" بسم الله الرحمن الرحيم" للدلالة على رقة القلب حين نبدأ بذكر الله سبحانه .

    6- التضمين

    وهو من أسباب الجمال النغمي وذلك بأن تعطى كلمة حكم كلمة أخرى للمجانسة اللفظية كما في قوله تعالى : ( وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لاتفقهون تسبيحهم إنه كان حليما غفورا . وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لايؤمنون بالآخرة حجابا مستورا ) أي ساترا ، عدل عن اسم الفاعل إلى اسم المفعول لتحقيق التجانس مع الفاصلة السابقة طلبا للجمال والنغمة العذبة .

    7- قضايا بلاغية جمالية

    كما في التكرار ورد العجز على الصدر والتفويف والتنغيم ...لأن هذه كلها تضفي على العبارة جمالا وخفة ونغما طربا :

    أ- فمن التكرار مانراه في سورة الرحمن إذ يكرر الله سبحانه ( فبأي آلاء ربكما تكذبان ) ، وفي سورة المرسلات كرر التاء ثم جاء بـ ( ويل يومئذ للمكذبين ) ثم كرر النون وعاد إلى اللازمة ( ويل يومئذ للمكذبين ) وكأن هذا التكرار استراحة موسيقية تحدث إيقاعا جميلا ، ولنقرأ قوله تعالى في سورة المرسلات : ( فإذا النجوم طمست ، وإذا السماء فرجت ، وإذا الجبال نسفت ، وإذا الرسل أقتت ، لأي يوم أجلت ، ليوم الفصل وما أدراك ما يوم الفصل ويل يومئذ للمكذبين ، ألم نهلك الأولين ثم نتبعهم الآخرين كذلك نفعل بالمجرمين ويل يومئذ للمكذبين ) ويقول الأستاذ محمد الحسناوي رحمه الله في كتابه الفاصلة القرآنية إن الفواصل المكررة وتغيير النهايات فيها بين التاء والنون ثم تكرار اللازمة القرآنية ساهمت في تعليم الشعراء جمال النغم المتغير مما أثر في ظهور الموشحات وما على شاكلتها من المسمطات .

    ب- ومن رد العجز على الصدر : كما في قوله تعالى ( ولقد استهزئ برسل من قبلك فحاق بالذين سخروا منهم ماكانوا به يستهزئون ) فتكرار الاستهزاء أضفى نغمة موسيقية شاركت في ترسيخ المعنى بجرسها الموسيقي .

    ج- التفويف : كما في قول المتنبي :

    الخيل والليل والبيداء تعرفني والسيف والرمح والقرطاس والقلم

    وقول آخر :

    الدين يسر والخلافة بيعة والأمر شورى والحقوق قضاء

    فهذا التقطيع الموسيقي والوقفات بعد كل نغمة أضفت على البيتين نغمة طربة وإيقاعا عذبا .

    د- التصريع : كما في قول أحمد شوقي :

    ولد الهدى فالكائنات ضياء وفم الزمان تبسم وثناء

    فكأن تكرار المد في العروض والضرب صناجة تضرب بعد كل شطر

    هـ- التنغيم :

    كما في قوله تعالى " قال إني جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي ؟ قال لاينال عهدي الظالمين " فإشارة الاستفهام لاتسجل في القرآن الكريم وإنما تتحقق بالنغمة . ومثلها في قوله تعالى ( أومن كان مؤمنا كمن كان فاسقا ، لايستوون )

    8- قضايا عروضية

    كالتسبيغ والتذييل في العروض والضرب ، وكألف الإطلاق والردف والتأسيس والدخيل،

    وحروف الوصل والخروج والتقييد في القوافي وكالضرورات الشعرية التي جيء بها لتحقيق النغمة والجمال .

    من ذلك قول أحمد شوقي في قافية مردوفة :

    ياأيها المسرى به شرفا إلى ما لا تنال الشمس والجوزاء

    الله هيأ من حظيرة قدسه نزلا لذاتك لم يجزه علاء

    وفي ألف التأسيس وحرف الدخيل جمال أيضا كما في قول الشاعر يوسف العظم :

    ففلسطين لاتحب السكارى وربى القدس لاتريد النياما

    قد أطاعوا الهوى فضلت دروب سلكوها وقد أباحوا الحراما

    وفي التسبيغ والتذييل في القافية عذوبة على نحو قول الشاعر الذي جاء على ( متفاعلن متفاعلاتن ) بالتسبيغ :

    المجد ليس يناله إلا المخاطر في طلابه

    وإذا انبرى لك شاتم فاربأ بنفسك عن جوابه

    وفي تقييد القافية نغمة طربة أيضا كما في قول الشاعر يوسف العظم :

    أحديث اللسان يجدي وينفع ؟ وحديث العدو سيف ومدفع ؟

    ودوي الرشاش يسمع في الكو ن ، وقول الخطيب ماعاد يسمع

    والضرورة الشعرية كانت لتحقيق النغمة والجرس العذب ، من ذلك ماورد من تنوين كلمة ( أندلس ) الممنوعة من الصرف في قول أحمد شوقي :

    ياأخت أندلسٍ عليك سلام هوت الخلافة عنك والإسلام

    وهذه اللغة الشاعرية جعلت الشعراء يعلقون قصائد المعلقات في الجاهلية على أستار الكعبة فيما يقال اعترافا بجمالها وإيقاعاتها الطربة ، بل كان أبو جهل وأبو سفيان على عداوتهما للرسول صلى الله عليه وسلم يقفان على باب بيته ليسمعا نغمات القرآن الكريم الشجية الساحرة ، ويداوى اليوم بعض الأمراض النفسية بتلاوة القرآن الكريم عند أصحابها ، ويكفي دليلا على جمال اللغة العربية قول الرسول صلى الله عليه وسلم ( إن من البيان لسحرا) ، وأي سحر أعظم من قوله تعالى :

    ( كهيعص . ذكر رحمة ربك عبده زكريا . إذ نادى ربه نداء خفيا . قال رب إني وهن العظم مني واشتعل الرأس شيبا ولم أكن بدعائك رب شقيا . وإني خفت الموالي من ورائي وكانت امرأتي عاقرا فهب لي من لدنك وليا . يرثني ويرث من آل يعقوب واجعله رب رضيا .)

    فهذه الياء المشددة المطلقة ألا تسحر القلوب بجرسها الفاتن ؟

    وفي قوله تعالى في سورة ( ق ) : ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه ونحن أقرب إليه من حبل الوريد . إذ يتلقى المتلقيان عن اليمين وعن الشمال قعيد . مايلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد . وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ماكنت منه تحيد . ونفخ في الصور ذلك يوم الوعيد . وجاءت كل نفس معها سائق وشهيد . لقد كنت في غفلة من هذا فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد .)

    أي جمال وإيقاع هذا الذي يضرب على أوتار القلوب فيحركها من غفلتها بجرسه القوي الأخاذ ؟

    ومن الشعر نقرأ الإيقاع العذب القوي في قول الشاعر عمر بهاء الدين الأميري :

    فجر اللهم في عزمي من نورك نورا

    واصطنعني لغد الإنسان في الآفاق صورا

    فأنا للحق كالبرهان لايترك زورا

    وعلى الباطل كالبركان ويلا وثبورا

    إن دولاب الهدى في الكون دوني لن يدورا

    وما أحلى هذا الإيقاع في مناجاة حسن إسماعيل لربه سبحانه :

    رب إني لك عدت من سراب فيه تهت

    وعلى وجهي شظايا ندم فيه انتهيت

    هي نفسي وهي شيطاني الذي منه هربت

    وإلى الله بنوحي وعذاباتي اتجهت

    أرأيتم أعذب وألطف من هذه الألحان ، ولهذا يقول د. شوقي ضيف : ( العربية قهرت بعذوبة لسانها وبيانها جميع اللغات التي التقت بها ونحتها عن ديارها وحلت محلها في الألسن ) ، ويقول المستشرق رينان : ( العربية فاقت أخواتها بكثرة مفرداتها ودقة معانيها وحسن نظام مبانيها ) ، ويقول رفائيل بتي الذي درس تسع لغات من بينها العربية ( ليس للعربية أن تقارن إلا بالموسيقى لما فيها من انسجام وتناغم بين حروفها لمن أحسن استخدامها والنطق بها ) . وتقول المستشرقة زيغرد هونكة : ( كيف يستطيع الإنسان أن يقاوم هذه اللغة ومنطقها السليم وسحرها الفريد ، فجيران العرب أنفسهم سقطوا صرعى أمام سحر تلك اللغة ، ولقد اندفع الناس الذين بقوا على دينهم يتكلمون العربية بشغف ) .

    9- جمال الخط العربي

    يترنم الشاعر محمد الأبرش بجمال الخط العربي فيقول :

    أهواك في الخط الجميل براعة في لوحة قد زانها الإتقان

    ويبدو جمال الخط العربي في زخارف المساجد والأماكن الأثرية المزينة بنقوش من آيات القرآن الكريم خاصة .

    إن حروف اللغة العربية تجمعها وحدات متشابهة هي :

    ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز و س ش ص ض ط ظ ع غ ف ق

    ك ل م ن هـ ي

    ومعظم هذا الاختلاف في الحنيات فحسب

    ولو قارنا بين الخط العربي والأجنبي لرأينا بونا شاسعا :

    فـ ( أ ) تكتب بالأجنبية في شكلين وب تكتب فيها بشكلين أيضا وكذلك التاء والميم والنون والراء و...

    والثاء تكتب بالإنكليزية بحرفين ، والحركات لاتكتب عندنا إلا عند اللبس في القراءة ، ولو كتبنا بالعربية كلمة ( دخل ) لاحتجنا إلى ثلاثة حروف ، بينما تكتب بالحروف الإنجليزية بست حروف ،

    فضلا عن أن صوت الخاء غير موجود في اللغة الأجنبية ، وعلى أي حال فكتابتنا موجزة وحروفها أسهل وأوضح ، ولهذا قال أستاذ اللغة الشرقية بجامعة إستانبول إن العربية أسهل اللغات وأوضحها ، ومن العبث ابتكار طرق أخرى لتسهيل السهل وتوضيح الواضح ، إن الطلبة كانوا يكتبون الحروف العربية بسرعة لأنها مختزلة بطبيعتها ، أما الطلبة اليوم فيكتبون بالحروف اللاتينية فيتأخرون لأنها حروف معقدة .

    هذا غيض من فيض يكشف عن بعض جماليات اللغة العربية نطقا وكتابة فهل يعي الجيل الناهض هذه الحقيقة فيسعى للتشبث بها والرد على أعدائها.


    ([1] ) اللخلخانية هي حذف بعض الحروف اللينة مثا مشاء الله بدلا من ماشاء الله .

    ([2] ) العنعنة هي إبدال الهمزة عينا مثا إن تصير عِن

    ([3] ) الكسكسة هي وضع سين بعد كاف الخطاب في المذكر دون المؤنث مثل رأيتكَس ، أما في المؤنثة فتوضع السين بدلا من الكاف مثل أخوسٍ بدلا من أخوك

    ([4] ) الغمغمة هي كلام مبهم لعدم تمييز الحروف وتوضيحها

    ([5] ) الطمطمانية هي إبدال ال التعريف همزة وميما كقول الرسول صلى الله عليه وسلم يجيب وفدا من اليمن " ليس من امبر امصيام في امسفر " . وهناك لهجات أخرى مثل التلتلة وهي كسر حرف المضارعة ، والشنشنة وهي وضع الشين بدلا من الكاف مثل " لبيش اللهم لبيش " ، والعجعجة وهي جعل الياء جيما مثل تميمج بدلا من تميمي ، والفحفحة وهي جعل الحاء عينا مثل عتى عين بدلا من حتى حين ، وهذه اللهجات كلها نأى عنها القرآن الكريم .



  2. #2
    من المشرفين القدامى
    تاريخ التسجيل: July-2010
    الدولة: العراق بلد الانبياء
    الجنس: ذكر
    المشاركات: 5,846 المواضيع: 443
    صوتيات: 0 سوالف عراقية: 4
    التقييم: 883
    مزاجي: متفائل
    المهنة: معلم جامعي
    أكلتي المفضلة: الحلويات
    موبايلي: صيني
    آخر نشاط: 31/August/2022
    الاتصال:
    لغتي الجمال وأنت صرح باذخ = بك يعرف الإنسان والأوطان

    أهواك في نطق الحروف فصيحة= نبراتهـا في مسمعي ألحـان

    يعتــز باللغة الكريمة مؤمن= وكتابــه في حبهــا القــــرآن

    من ضيع الفصحى يضيع ذاته = أم اللغات بها الشعوب تصان
    احسنت اختيار الموضوع مشكورة على الطرح المتميز
    تحياتي

  3. #3
    صديق مؤسس
    صاحبة الامتياز
    العفو استاذنا بعض ما عندكم ... شكرا لمرورك

  4. #4
    مدير المنتدى
    تاريخ التسجيل: January-2010
    الدولة: جهنم
    الجنس: أنثى
    المشاركات: 84,930 المواضيع: 10,515
    صوتيات: 15 سوالف عراقية: 13
    التقييم: 87190
    مزاجي: متفائلة
    المهنة: Sin trabajo
    أكلتي المفضلة: pizza
    موبايلي: M12
    آخر نشاط: منذ ساعة واحدة
    مقالات المدونة: 18
    تسلمين دالي لروعة الموضوع وحسن االانتقاء

  5. #5
    صديق مؤسس
    صاحبة الامتياز
    مروركِ اروع غاليتي ... دمتِ بالف خير

تم تطوير موقع درر العراق بواسطة Samer

قوانين المنتديات العامة

Google+

متصفح Chrome هو الأفضل لتصفح الانترنت في الجوال