خانقين في دموع الوند أغنية تبكيني
مدينة خانقين كثر فيها الموت والخراب والدمار والترحيل على أيادي ازلام حزب البعث خلال فترة سطوته على الحكم في العراق ، ونـُفـذ في تلك الفترة مخطط تدميري على المدينة ونواحيها وقراها بهدف تغيير ديموغرافية المدينة من طابعها الكوردي ، وفرض حصار جائر ( إقتصادي ثقافي إجتماعي ) عليها لتزيد من محنته اهلها ، وما رافقها من زج للالاف من ابناء المدينة فى غياب السجون والمعتقلات وكان لها في كل سجن ومعتقل سفير ، فاستعمل العنف والعنصرية ضد اهلها التي روت حقل النضال الوطني والقومي من دماء شهداءها الابرار، وبتحديهم للبعث الفاشي رسموا ابنائها بدمائهم الزكية طريق الحرية والإنسانية ، وقام النظام البائد بالسلب والنهب خيرات المدينة ، بعد أن جردوا اهلها من أراضيهم وبيوتهم وممتلكاتهم ، وعاشوا بعيدا عن مدنهم وقراهم وبيوتهم ، ، وبعد رحيل نظام البعث لم تزل شواخص اجرامه وتخريبه للمدينة ماثلة للعيان .
خانقين أكتب عنكِ بلوعة الغربة والمنفي ، وأنكِ الأجمل بنظري لما تحمل لي من ذكريات عشتها فيها لفترة طويلة من العمري ، وما زال ذكراكِ خالدة في عقلي وشرياني ، لهيب عشقكِ يحرقني واهات شوقكِ تناديني ، وفي كل ساعة يأخذني الحلم بالحنان لأيام جميلة لعبق ذكراها وطبيعتها الخلابة .. مدينتي اكتب هذه الكلمات وتنزل دموعى من عيني وتبكي بكاء النوح على سنين ضاعت من عمرى في الغربة ، وقلبي ينزف من الجرح لآلامكِ ومعاناتِك ، لقد كنت مدينة تنعم بالهدوء ، وبهجة للنفس ، تعبق بعطر زهورها وورودها وجمال مناظرها الخلابة وشذى بساتينها اليانعة ، ووداعة نهرها الوند الخالد لسحر شاطئيها ، والآن يا حبيبتي المثخنة بالجراح والآلام والخراب .
مدينتي الحزينة من حقي ان أنفض عنكِ شيء من تراكمات التي حدثت في العهود الماضية والتي جثم على صدركِ وآلام الحاضر التي تدمى لها العيون قبل القلوب ، لاني احبكِ مثل عاشق ولهان ، لا زال اسمكِ مكتوبة وسط قلبي واني غطيتكِ بكل نبضي وكل نبض لكِ حرّاس ، ، وذبت في لياليكِ الجميلة على اضواء جسر الوند الذي يقطع المدينة الى صوبين من الحب والعذوبة.
مدينتي المنكوبة لك حق علي أن اسلط الضوء على ألامكِ ومعاناتكِ ، تزداد المراره .. وتزداد الحرقه .. كلما تذكرتكِ ، لان الحزن والأسى يلفكِ ، لايريد ان يفارقكِ !! وضاعت ملامحك الجميلة ، واصبحت شاحبة وجهك متجعدة ، واختفت بساتينكِ الوديعة بعد ان تحولت أشجارها الباسقة الى حطب للمدفئة ، وجف نهرك الوند الخالد الذي أكحل عين المدينة به ، وطيوركِ رحلت ويتوارى عن النظر ، وحيواناتكِ البرية هجرت ، حتى الفراشات الرقيقة الملونة لم تجد لها مأوى تتكاثر فيه !! وأطرافكِ من القرى والنواحي الجميلة التي فقدت زرعها وبدأت تغرق في رمال الصحراء ... نعم يا مدينتي الحزينة وأرى الحزن على وجهكِ يثقل جفنيكِ لمأساة ومعاناة ابنائكِ ، لقد جفت دموع عينيكِ من كثرة البكاء ، كما جف نهر الوند ، نعم أعرف أنكِ تعانين منذ سنين عديدة من اهمال متعمد ومن قلة الخدمات العامة ، نعم ادري البطالة منتشرة بين صفوف ابنائكِ القادرين على العمل والعطاء .. نعم اصبحت في طي النسيان من قبل حكومة اقليم كوردستان ولم تقبل باحضانكِ ولم تطلب استرجاعكِ الى احضان كوردستان .. حالها ايقظ ضميري لكتابة هذا الرثاء ، لان أشياء عديدة نقشت في ذاكرتي أود تسطيرها حتى لا تمحى من الذاكرة ، أن طال الزمن وتقادم العمر .
نعم يا مدينتي !! أوجعك كثرة الموت لأبنائكِ الشهداء الأحبه وهم في عنفوان شبابهم ، بمختلف الأشكال والأنواع من وسائل التعذيب والقتل ، نعم أحزنك تشريد الآف من أبنائك الى ديار مجهولة بعد أن كنت مأوى وملاذا أمنا من يلجأ اليكِ وفتحتِ له قلبكِ وذراعيكِ كمحب ومضيف !! فكم من عائلة جاءت طلبا للرزق والعيش الكريم ووجدت فيكِ خير عون وصديق ، والان اصبحت كأم انتزع منها فلذة كبدها .. اصبحت كطفل سُرق منه حلمه المنشود والجميل .
الزمن يمضي والعمر معه ما زالت مدينتي خانقين كثرة الأزمات تسيطرعلى أجوائها وتشغل بال أهلها . وما زلت صامدة أمام هول وهيجان الأعصارالجديدة والام جراحها الماضية لم تلتثم ، وما زالت خراب شوارعها وازقتها باقية ، والعمل جاري على قدم وساق لأزالة أشجارها وأهمال حدائقها وحرق بساتينها ، وتهديم العديد من معالمها القديمة الجميلة مستمرة واخرها معالم سينما النصر ، وللاسف هناك الوعاظين من المثقفين يحاولون بتغطية هذه الاعمال الاجرامية التي تحدث بحقها في عهد حالي !! اخذت تتوسلِ الى كل زائراً اليكِ كي يضمنكِ بين حناياه ويمسح دموع وجهكِ ويزيل عنكِ هموم روحكِ وضمد جراحكِ حتى تشعر بالاطمئنان والحنان .. ولكن للأسف رأيتهم يتاجرون بيكِ ، وثم يتواعدونكِ على الانتظار .
مدينتي الحبيبة : لا تيأسي والهامكِ في خلد المثقفين ، وارجعي لذكريات ايامكِ الماضية الزاهية ، وعليكِ ان تحافظ على هويتكِ القومية كمقلة العيون من المسخ والتغيير ، وعودي إلى نسيم لياليكِ العليلة لمعانقة ظمأ بساتنكِ وصباحاتكِ الجميلة المشرقة ، لان عزيمة أبنائكِ قد أصبحت أقوى ساعدا واشد مراسا ، لان يصغون بعزائمهم وعقولهم حياةً جديدة وشمسا ساطعا تستمد منها الآجيال شعاع معاني تجذرها في الارض مثل شجرة البلوط . لا تيأسي يا مقلد عيني فالوند لا بد ان يعيد يوما الى مجراهه ، ويطيب لابناءكِ العيش والسكن بجواره وهديره ينغم قلوبهم ، لا تيأسي لا بد ان شموسكِ مشرقة ونجومكِ ساطعة ان تعود وتمسح دموعكِ وتداوي جروحكِ . وتعود ابناءكِ الى التطلع للمعرفة والعلم والمحبة مرة اخرى ، وتعود ناسك واهلك إلى الألفة الإجتماعية والعلاقات الإنسانية النبيلة .. بالله عليك يا مدينتي لا تتركِ لليأس والحزن تسيطرعليكِ فرغم ما حل بكِ وبأبنائكِ من موت وخراب ، فجمالكِ لازال يسحر الألباب وصوت البلابل بساتنكِ يطرب النفوس !!
وعلينا ان نتركي اليأس والركود ولنأخذ من هذه الصفحة المؤلمة من تأريخ الدروس والعبر .... ولنبدأ بصفحة مشرقة جديدة ولننهض بمدينتنا خانقين من خلال حبنا لها وحقها علينا !! ونرجع الى سفرات الاحباب في ايام الربيع والاعياد ، والفرح مع الاحبة على نسائم الوند العليلة .ونتحدث عنها هي ككل مدن كوردستانية جميلة التي تغمرها الطيبة والحب والخير
منقول