مظلومية الزهراء(ع) في أحاديث اهل السنة





تعدّ حياة الابنة الوحيدة للرسالة المثلى والقدوة الكبرى لنساء العالمين وسيدتهم فاطمة الزهراء عليها السلام صفحة خالدة على طول التاريخ ، حيث نقرأ فيها الذروة العليا من مبادىء العفاف والطهارة والاستقامة والعظمة ، تلك التي ما لا يمكن لاَيّة أُنثى في صفحات الوجود أن تبلغه ، ولقد تجلّت فيها خصائص فريدة وتحلّت بها (ع) ، حيث كانت أفضل نساء الكونين علماً وأدباً وفصاحةً وبياناً وخلقاً رفيعاً وعبادةً ومكارم أخلاق.

*

فهي سلام الله عليها غرس النبوة وشجرة الامامة الباسقة التي نمت على أنغام كلمات الوحي من فم الصادق الأمين صلى الله عليه وآله وسلم. وقد قالت عنها عائشة : ما رأيت قطّ أفضل من فاطمة غير أبيها صلى الله عليه وآله وسلم (المعجم الأوسط /الطبراني 3 : 349 /2742 . والإصابة 4 : 378 ، وقال : سنده صحيح على شرط الشيخين . ومجمع الزوائد 9 : 201 . وإتحاف السائل : 28).

وقال الرسول الأكرم محمد المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم في حقها الكثير الكثير وهو الذي شهد له الخالق المتعال في القرآن الكريم " وما ينطق عن الهوى ، ان هو الا وحي يوحى ، علمه شديد القوى" النجم 3-5 ، ومما قال (ص) :" فاطمة بضعة مني يؤذيني من آذاها ويغضبني من اغضبها" رواه البخاري وصحيح مسلم : 2 / 376 وكثيرين آخرين .

وقال (ص) مخاطبا فاطمة (ع) :"إنّ الله يغضب لغضبك ويرضى لرضاك" *جاء في (المعجم الكبير 22 : 401 /1001 . ومستدرك الحاكم 3 : 154. واُسد الغابة 5 : 522 . وذخائر العقبى : 39 . ومقتل الحسين عليه السلام/ الخوارزمي 1 : 52. ومجمع الزوائد 9 : 203. والصواعق المحرقة : 175 ـ باب 11 ـ فصل 1 ـ المقصد 3 و... .

كما قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :" إنّما ابنتي فاطمة بضعة مني ، يريبني ما أرابها ، ويؤذيني ما آذاها" *رواه (المعجم الكبير 22 : 404 / 1010 و 1011 . وسنن البيهقي 7 : 64 و 10 : 201 . ومشكاة المصابيح / التبريزي 3 : 1732 . وفيض القدير 4 : 241 . حلية الأولياء 2 : 40 . والصواعق المحرقة : 190 . والاصابة 4 : 378 . ومصابيح السنة 4 : 85 . ورواه ابن شاهين في فضائل فاطمة عليها السلام : 42 / 21 . والكنجي في كفاية الطالب: 365 ولفظه : "إنما فاطمة بضعة مني ، يؤذيني ما آذاها ، ويغضبني ما اغضبها".

ولكن ما حل ببضعة المصطفى (ص) هذه وروحه التي بين جنبيه ووديعته الوحيدة للمسلمين من بعده خاصة اولئك الذين يدعون الصحابة ويتشدق بهم الكثير من المسلمين اليوم متجاهلين ما فعلوه من اجرام وتدنيس للمقدسات الاسلامية وانتهاكات للمحرمات الألهية بعد رحيل خاتم الرسل والانبياء محمد بن عبد الله (ص) حتى جعلوا وريثته الوحيدة ووديعته عندهم تموت وهي واجدة عليهم ومنعتهم حتى من السير في تشييع جثمانها الطاهر أو الصلاة عليه وحتى انها أخفت عليهم وعلى احفادهم واتباعهم قبرها الشريف كي لا يلتمسوها العذر والسماح بعد حياتها حيث رفضت كل الرفض اعذارهم والتماسهم في حياتها الشريفة . وقد روي في غالبية كتب العامة "أنّ فاطمة (عليها السلام) ماتت وهي واجدة (غضبانة) على أبي بكر وعمر" ( صحيح البخاري : 5 / 177 ط دار إحياء التراث العربي ـ بيروت ، السنن الكبرى للبيهقي : 6 6 ـ مروج الذهب : 3 / 86 ، 2 / 301.

فلقد تفنن القوم في ايذاء فاطمة الزهراء عليها السلام وأهل بيتها وبعلها وشيعتها ومن حولها وكانوا يتلذذون بذلك كأنهم يطالبون بثارات قتلاهم في بدر واحد وخيبر والخندق وغيرها ، حيث احرقوا دارها واسقطوا جنينها وسلبوها نحلتها ومنعوها إرثها وإرث عميد بيتها أمير المؤمنين عليه السلام وارث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ووصيه وولي المؤمنين من بعده ، حتى ودّعت الحياة وهي غضبى على أُمّة تكالبت على تراث والدها محمد (ص) وهو في المحتضر ، متجاهلة كلّ نصّ ووصية ، ومتنكرةً لتعاليم السماء ووحيها ووصايا نبيها (ص) .

وقد انقلبت تلك الأمة الباغية على عقبيها كما صوره لنا من قبل قوله تعالى:"وما محمد إلاّ رسول قد خلت من قبله الرسل أفان مات أو قتل أنقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئاً" آل عمران : 3 -144. ولاريب أنّ موت النبي صلى الله عليه وآله وسلم ليس موتاً لمبادئه ووصاياه ، فمن ينقلب على تلك المبادىء والوصايا بمجرد موته ، فهو بمثابة من أنكر نبوته وكذّب وحيه .

وسجّل بعض الصحابة أرقاماً فاقت حدّ التصور في الإحداث والانقلاب بعد الرسول (ص) فكانوا مصاديق لقوله (ص) :" ليردنّ عليّ الحوض رجالٌ ممّن صحبني ورآني ، حتى إذا رفعوا الى ورأيتهم اختلجوا دوني ، فلاَقولنّ : ربّ أصحابي ، فيقال : إنّك لا تدري ما أحدثوا بعدك ، انهم ارتدوا على أعقابهم القهقري"، وفي لفظ آخر :" فيقال : إنّ هؤلاء لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم" (مسند أحمد 3 : 140 و 281 و5 : 48 و 50 و 333 و 388 و 400 . وراجع صحيح البخاري 6 : 108 / 147 و 179 /261 ـ كتاب التفسير و8 : 196 / 113 و 214 / 157 و 216 / 163 ـ 166 ـ كتاب الرقاق و 9 : 83 / 2 ـ كتاب الفتن . وصحيح مسلم 4 : 1794 / 28 و 1795 / 29 و1796 / 32 و 1800 / 40 ـ كتاب الفضائل ".

ويؤكد انقلابهم على أعقابهم ما أخرجه الواقدي ومالك من حديثه صلى الله عليه وآله وسلم حين صلّى على شهداء أُحد فقال :" أنا على هؤلاء شهيد" . فقال أبو بكر : ألسنا يا رسول الله بإخوانهم ، أسلمنا كما أسلموا ، وجاهدنا كما جاهدوا؟ فقال صلى الله عليه وآله وسلم : "بلى ، ولكن لا أدري ما تُحدِثون بعدي"( المغازي / الواقدي 1 : 310 . والموطأ / مالك 2 : 462 / 32 ـ كتاب الجهاد).

وكان عميد البيت النبوي وسيدته سيدة نساء العالمين عليهما السلام الضحية الاُولى لاُولئك المُحدِثين والمنقلبين ، لاَنّهما القطب الذي تدور عليه المعارضة والوجه الذي يحاكي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خُلقاً وأخلاقاً ومنطقاً وهدياً ، ويذكّر الاُمّة بسنته وكتاب ربّه ، فضلاً عن أنّ الزهراء (ع) تمثل أحد الجناحين اللذين يطير بهما وصي النبي (ص) وسلم أمير المؤمنين (ع) وأحد الركنين اللذين يستند إليهما ، فركن رسول الله (ص)وركن فاطمة الصديقة الطاهرة (ع) .

وقد اندفع القوم على بيت فاطمة بنت رسول الله (ص) ولم يرعوا لها حرمة ، ولا لاَبيها المصطفى (ص) ذمّة ، ورافق هجومهم البربري والوحشي على الدار أحداث بشعة بعيدة كل البعد ومخالفة للشرع والدين والضمير والوجدان والأعراف والسجايا الانسانية ، وكلّها مصاديق تحكي قصة الانقلاب على الأعقاب والإحداث بعد غياب الرسول الأعظم (ص) ، فقد روي أنّهم جمعوا الحطب الجزل حول بيت الزهراء عليها السلام ، وأضرموا النار في بابه ، حتى أخذت النار في خشب الباب (الهداية الكبرى / الخصيبي : 407 . وبحار الأنوار 43 : 197 /29 ، و 53 : 18. تلخيص الشافي / الطوسي 3 : 76 . إثبات الوصية / المسعودي : 124 *.

وكان ذلك حين بعث أبو بكر بعمر بن الخطاب ليخرج الذين تخلفوا عن بيعته من بيت فاطمة (ع) ، وقال له : إن أبوا فقاتلهم . فأقبل بقبسٍ من نار على أن يضرم عليهم الدار ، فلقيته فاطمة (ع) فقالت : يابن الخطاب أجئت لتحرق دارنا؟ قال : نعم ، أو تدخلوا فيما دخلت فيه الاُمّة (العقد الفريد / ابن عبد ربه 5 : 12 . والمختصر في أخبار البشر / أبو الفداء 2 : 64) وغيره في الكثيرمن الكتب المعتبرة للعامة .

كما ان القوم لم يكتفوا بذلك وكأن غليل سخطهم وحقدهم البغيض والدفين على بيت النبوة والرسالة لم ينطفيء بعد ، فقد تعرّضوا لفاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالضرب ممّا أدى إلى إسقاط جنينها ، فشكت من أثر ذلك الضرب حتى التحقت بربها شهيدة مظلومة ، وقد استفاضت الروايات بذلك (الموفقيات / الزبير بن بكار : 581 عن محمد بن إسحاق . وشرح ابن أبي الحديد 6 : 21 و20 : 147 .ومروج الذهب / المسعودي 3 : 77 . ومقاتل الطالبين / أبو الفرج : 315.والاحتجاج /الطبرسي : 83 . وكتاب سُليم : 38 و 40 . ودلائل الإمامة / الطبري : 134 . وبحار الأنوار 43 : 170 و 198 | 29 ).

وعن إبراهيم بن سيار النظام ، قال : إنّ عمر ضرب بطن فاطمة (ع) يوم البيعة حتى ألقت الجنين من بطنها ، وكان يصيح : احرقوا دارها بمن فيها ، وما كان في الدار غير علي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام (الوافي بالوفيات/ الصفدي 6 : 17 . والملل والنحل / الشهرستاني 1 : 57).