تتواصل فعاليات الدورة الثانية لمهرجان أفلام حقوق الإنسان في تونس بمشاركة 59 فيلما دوليا، وهي تظاهرة سينمائية تلقي الضوء على قضايا تتعلق بانتهاكات حقوق الإنسان التي كان تناولها فنيا وسياسيا قبل سقوط النظام السابق من المحظورات.
وإضافة إلى المشاركة التونسية، تتنافس على التتويج بجوائز المهرجان الرمزية أفلام عربية وأفريقية وأجنبية من 19 بلدا، منها مصر وسوريا وفلسطين والأردن وكينيا وفرنسا وإيطاليا وسويسرا وتركيا وألمانيا وأميركا والهند.
وافتتح المهرجان بفيلم تونسي عرض لأول مرة بعنوان "الشهيد السعيد" وهو للمخرج التونسي الحبيب المستيري والذي يحكي قصة المعارض الراحل شكري بلعيد، الذي اغتيل في فبراير/شباط الماضي ولا يزال ملفه يثير ضجة كبيرة لحدّ الآن.
سيرة شهيد
الحبيب المستيري: اغتيال بلعيد جزء لا يتجزأ من قضايا حقوق الإنسان (الجزيرة)
ويوثق المخرج على امتداد ساعة ونصف الساعة حياة الزعيم الراحل لحزب الوطنيين الديمقراطيين الموحد بداية من طفولته، مرورا بسنوات شبابه ونضاله السياسي، إلى آخر أيام حياته ورحيله الغامض، دون أن يغوص في تساؤلات عن الجهة المتورطة في قتله.
وعن سبب اختيار هذا الفيلم ليوم الافتتاح، يقول مدير المهرجان إلياس بكار للجزيرة نت إن "الشريط يتماشى مع أجندات وروح المهرجان باعتباره يلقي الضوء على جديد الإنتاج المحلي الذي يقرأ الحدث والتاريخ المعاصر من خلال الرؤية السينمائية".
ويؤكد أن الفيلم –الذي ارتكز على شهادات عائلة بلعيد وأصدقائه ووثائقه وخطاباته- يندرج ضمن قضايا حقوق الإنسان باعتبار أنه يخوض في الجانب الإنساني لشخصية شكري بلعيد الذي "دافع عن قضايا المظلومين ونشر قيم حقوق الإنسان".
من جانبه يقول المخرج الحبيب المستيري للجزيرة نت إنّ اغتيال بلعيد "جزء لا يتجزأ" من قضايا حقوق الإنسان، مؤكدا أنه كان مدافعا شرسا عن حرية التعبير والفكر، ويرى أن من اغتاله "أراد اغتيال إحدى الركائز الأساسية لحقوق الإنسان وهي حرية الكلمة".
و"الشهيد السعيد" يعرض للمرّة الأولى في المهرجان إلى جانب أربعة أفلام تونسية وهي "على هذه الأرض" لعبد الله يحيى، و"في بلاد القوقو" للطيفة الدغري، و"نساء صحافيات" لكمال بن وناس، و"الربيع العربي" للمنتج التونسي عماد لسود.
ويقول إلياس بكار إن القاسم المشترك بين الأفلام خوضها في القضايا العاكسة لحقوق الإنسان وهموم الشعوب وتجاربها، مشيرا إلى أنها تساهم بشكل فعال، إلى جانب فضح الانتهاكات، في نشر ثقافة الحقوق الكونية.
الثقافة الحقوقية
إلياس بكار: المهرجان يحاول أن يوصل فكرته وفعالياته للجميع (الجزيرة)
ولا تقتصر الدورة الثانية لمهرجان أفلام حقوق الإنسان –الذي تأسس العام الماضي- على الأفلام الروائية والوثائقية، بل تتضمن عروضا تثقيفية للأطفال وندوات نقاش حول قضايا تتعلق بالعنف وحقوق المرأة والطفل والأقليات.
كما لن يكون المهرجان حبيس قاعات السينما بل سيتجاوزها ليتسلل وراء أسوار بعض السجون التونسية ليعرض أفلام حقوق الإنسان أمام المساجين، وهو أمر كان مستحيلا إنجازه قبل الثورة في زمن النظام السابق.
ويقول بكار "نحن نحاول قدر الإمكان أن نوصل فعاليات هذا المهرجان للجمهور، ومهم أن يكون السجين ضمن أهدافنا باعتباره منقطعا عن العالم الخارجي وبالتالي نسعى لإعطائه متنفسا جديدا".
وحسب بكار سجل افتتاح المهرجان -الثلاثاء الماضي بقاعة الكوليزي بالعاصمة- إقبالا مكثفا حيث حضره 1200 متفرج، مشيرا إلى أنه يراهن على بلوغ أكثر من خمسة آلاف مشاهد خصوصا من الشباب.
ورغم ضعف إمكانياته، استطاع مهرجان أفلام حقوق الإنسان أن يتخطى هذا الحاجز ليحمل على عاتقه جزءا من مسؤولية نشر ثقافة حقوق الإنسان وتوعية الناس بحقوقهم وفضح الانتهاكات التي لا تزال متجذرة في بعض العقليات بعد الثورة، حسب بكار.