دعاء الامام الحسين عليه السلام يوم عرفة
- المجلسي : قال الكفعمي في حاشية البلد الأمين المذكور على أول هذا الدعاء : وذكر السيد الحسيب النسيب رضي الدين علي بن طاووس ( قدس الله روحه ) في كتاب مصباح الزائر قال : روى بشر وبشير الأسديان أن الحسين بن علي ابن أبي طالب خرج عشية عرفة يومئذ من فسطاطه متذللا خاشعا فجعل يمشي هونا هونا حتى وقف هو وجماعة من أهل بيته وولده ومواليه في ميسرة الجبل مستقبل البيت ، ثم رفع يديه تلقاء وجهه كاستطعام المسكين ثم قال : الحمد لله الذي ليس لقضائه دافع . . . قلت : معنى هونا أي مشيا رويدا رفيقا يعني بالسكينة والوقار ، قاله العزيزي .
انتهى ما في حاشية البلد الأمين .
- السيد ابن طاووس : ومن الدعوات المشرفة في يوم عرفة دعاء مولانا الحسين بن علي صلوات الله عليه :

الحمد لله الذي ليس لقضائه دافع ، ولا لعطائه مانع ، ولا كصنعه صنع صانع ، وهو الجواد الواسع ، فطر أجناس البدائع ، وأتقن بحكمته الصنائع ، لا يخفى عليه الطلايع ، ولا تضيع عنده الودائع ، أتى بالكتاب الجامع ، وبشرع الاسلام النور الساطع ، وهو للخليقة صانع ، وهو المستعان على الفجائع ، جازي كل صانع ، ورائش كل قانع ، وراحم كل ضارع ، ومنزل المنافع ، والكتاب الجامع ، بالنور الساطع ، وهو للدعوات سامع ، وللدرجات رافع ، وللكربات دافع ، وللجبابرة قامع ، وراحم عبرة كل ضارع ، ودافع ضرعة كل ضارع ، فلا إله غيره ، ولا شىء يعدله ، وليس كمثله شيء وهو السميع العليم ، البصير اللطيف الخبير ، وهو على كل شىء قدير .
أللهم إني أرغب إليك وأشهد بالربوبية لك مقرا بأنك ربي ، وأن إليك مردي ، ابتدأتني بنعمتك قبل أن أكون شيئا مذكورا ، وخلقتني من التراب ، ثم أسكنتني الأصلاب ، آمنا لريب المنون واختلاف الدهور ، فلم أزل ظاعنا من صلب إلى رحم ، في تقادم الأيام الماضية والقرون الخالية ، لم تخرجني لرأفتك بي ولطفك لي [ بي ] وإحسانك إلى في دولة أيام الكفرة ، الذين نقضوا عهدك وكذبوا رسلك ، لكنك أخرجتني رأفة منك وتحننا على للذي سبق لي من الهدى الذي فيه يسرتني وفيه [ له ] أنشأتني ، ومن قبل ذلك رؤفت بي بجميل صنعك وسوابغ نعمتك فابتدعت خلقي من مني يمنى ، ثم أسكنتني في ظلمات ثلاث ، بين لحم وجلد ودم ، لم تشهرني بخلقي ، ولم تجعل إلى شيئا من أمري ، ثم أخرجتني إلى الدنيا تاما سويا ، وحفظتني في المهد طفلا صبيا ، ورزقتني من الغذاء لبنا مريا [ طريا ] ، وعطفت علي قلوب الحواضن ، وكفلتني الأمهات الرحائم ، وكلأتني من طوارق الجان ، وسلمتني من الزيادة والنقصان ، فتعاليت يا رحيم يا رحمن ! حتى إذا استهللت ناطقا بالكلام أتممت على سوابغ الانعام ، فربيتني زائدا في كل عام ، حتى إذا كملت فطرتي واعتدلت سريرتي أوجبت علي حجتك بأن ألهمتني معرفتك ، وروعتني بعجائب فطرتك ، وأنطقتني لما ذرأت في سمائك وأرضك من بدائع خلقك ، ونبهتني لذكرك وشكرك وواجب طاعتك وعبادتك ، وفهمتني ما جاءت به رسلك ، ويسرت لي تقبل مرضاتك ومننت علي في جميع ذلك بعونك ولطفك ، ثم إذ خلقتني من حر الثرى لم ترض لي يا إلهي ! بنعمة دون أخرى ورزقتني من أنواع المعاش وصنوف الرياش ، بمنك العظيم علي وإحسانك القديم إلي ، حتى إذا أتممت على جميع النعم ، وصرفت عنى كل النقم ، لم يمنعك جهلي وجرأتي عليك أن دللتني على ما يقربني إليك ، ووفقتني لما يزلفني لديك ، فإن دعوتك أجبتني ، وإن سئلتك أعطيتني ، وإن أطعتك شكرتني ، وإن شكرتك زدتني ، كل ذلك إكمالا لأنعمك على ، واحسانك إلي ، فسبحانك سبحانك من مبدئ معيد ، حميد مجيد ، وتقدست أسماؤك ، وعظمت آلاؤك ، فأي أنعمك يا إلهي ! أحصي عددا ، أو ذكرا أم أي عطاياك أقوم بها شكرا ، وهي يا رب ! أكثر من أن يحصيها العادون ، أو يبلغ علما بها الحافظون ، ثم ما صرفت وذرأت عني . أللهم من الضر والضراء أكثر مما ظهر لي من العافية والسراء ، وأنا أشهد يا إلهي ! بحقيقة إيماني ، وعقد عزمات يقيني ، وخالص صريح توحيدي ، وباطن مكنون ضميري ، وعلائق مجاري نور بصرى ، وأسارير صفحة جبيني ، وخرق مسارب نفسي ، وحذاريف [ خذاريف ] مارن عرنيني ، ومسارب صماخ سمعي ، وما ضمت وأطبقت عليه شفتاي ، وحركات لفظ لساني ، ومغرز حنك فمي وفكي ، ومنابت أضراسي ، وبلوغ حبائل بارع عنقي ، ومساغ مطعمي [ مأكلي ] ومشربي ، وحمالة أم رأسي ، وجمل حمائل حبل وتيني ، وما اشتمل عليه تامور صدري ، ونياط حجاب قلبي ، وأفلاذ حواشي كبدي ، وما حوته شراسيف أضلاعي ، وحقاق مفاصلي ، وأطراف أناملي ، وقبض عواملي ودمي وشعري وبشري وعصبي وقصبي وعظامي ومخي وعروقي وجميع جوارحي ، وما انتسج على ذلك أيام رضاعي ، وما أقلت الأرض مني ونومي ويقظتي وسكوني وحركتي وحركات ركوعي وسجودي أن لو حاولت واجتهدت مدى الأعصار والأحقاب لو عمرتها أن أؤدى شكر واحدة من أنعمك ما استطعت ذلك إلا بمنك ، الموجب على شكرا آنفا جديدا وثناء طارفا عتيدا ، أجل ولو حرصت والعادون من أنامك أن نحصي مدى إنعامك سالفة وآنفة لما حصرناه عددا ، ولا أحصيناه أبدا ، هيهات أنى ذلك وأنت المخبر عن نفسك في كتابك الناطق والنبأ الصادق ( وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها ) صدق كتابك .
اللهم ونباؤك وبلغت أنبياؤك ورسلك ما أنزلت عليهم من وحيك وشرعت لهم من دينك .
غير أني [ يا إلهي ! ] أشهد بجدي وجهدي ومبالغ طاقتي ووسعي وأقول مؤمنا موقنا الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا فيكون موروثا ، ولم يكن له شريك في الملك فيضاده فيما ابتدع ، ولا ولى من الذل فيرفده فيما صنع ، سبحانه سبحانه سبحانه ( لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا ) وتفطرتا ، فسبحان الله الواحد الحق الاحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد ، الحمد لله حمدا يعدل حمد ملائكته المقربين وأنبيائه المرسلين ، وصلى الله على خيرته من خلقه محمد خاتم النبيين وآله الطاهرين المخلصين .
ثم اندفع في المسألة واجتهد في الدعاء وقال : - وعيناه تكفان دموعا - .
أللهم اجعلني أخشاك كأني أراك وأسعدني بتقواك ، ولا تشقني بمعصيتك ، وخرلي في قضاءك ، وبارك لي في قدرك ، حتى لا أحب تعجيل ما أخرت ولا تأخير ما عجلت .
أللهم اجعل غناي في نفسي ، واليقين في قلبي ، والاخلاص في عملي ، والنور في بصري ، والبصيرة في ديني ، ومتعني بجوارحي ، واجعل سمعي وبصرى الوارثين مني ، وانصرني على من ظلمني ، وارزقني مآربي وثاري ، وأقر بذلك عيني .
أللهم اكشف [ لي ] كربتي ، واستر عورتي ، واغفر لي خطيئتي ، واخسأ شيطاني ، وفك رهاني ، واجعل لي يا إلهي ! الدرجة العليا في الآخرة والأولى . أللهم لك الحمد كما خلقتني فجعلتني سميعا بصيرا ، ولك الحمد كما خلقتني فجعلتني حيا سويا ، رحمة بي وكنت عن خلقي غنيا ، رب بما برأتني فعدلت فطرتي ، رب بما أنشأتني فأحسنت صورتي ، يا رب ! بما أحسنت بي وفي نفسي عافيتني رب بما كلأتني ووفقتني ، رب بما أنعمت على فهديتني ، رب بما آويتني ومن كل خير آتيتني وأعطيتني ، رب بما أطعمتني وسقيتني ، رب بما أغنيتني وأقنيتني ، رب بما أعنيتني وأعززتني ، رب بما ألبستني من ذكرك الصافي ويسرت لي من صنعك الكافي صل على محمد وال محمد ، و أعني على بوائق الدهر وصروف الأيام والليالي ونجني من أهوال الدنيا وكربات الآخرة واكفني شر ما يعمل الظالمون في الأرض . أللهم ما أخاف فاكفني ، وما أحذر فقني ، وفي نفسي وديني فاحرسني ، وفي سفري فاحفظني ، وفي أهلي ومالي وولدي فاخلفني ، وفيما رزقتني فبارك لي ، وفي نفسي فذللني ، وفي أعين الناس فعظمني ، ومن شر الجن والإنس فسلمني ، وبذنوبي فلا تفضحني ، وبسريرتي فلا تخزني ، وبعملي فلا تبسلني ، ونعمك فلا تسلبني ، وإلى غيرك فلا تكلني ، إلى من تكلني إلى القريب يقطعني ، أم إلى البعيد يتهجمني ، أم إلى المستضعفين لي ، وأنت ربي ومليك أمري ، أشكوا إليك غربتي ، وبعد داري وهواني على من ملكته أمري . أللهم فلا تحلل بي غضبك ، فان لم تكن غضبت على فلا أبالي سواك ، غير أن عافيتك أوسع لي ، فأسئلك بنور وجهك الذي أشرقت له الأرض والسموات ، وانكشفت به الظلمات ، وصلح عليه أمر الأولين والآخرين ، أن لا تميتني على غضبك ، ولا تنزل بي سخطك ، لك العتبى حتى ترضى من قبل ذلك ، لا إله إلا أنت رب البلد الحرام ، والمشعر الحرام ، والبيت العتيق الذي أحللته البركة ، وجعلته للناس أمنة . يا من عفى عن العظيم من الذنوب بحلمه ، يا من أسبغ النعمة بفضله ، يا من أعطى الجزيل بكرمه ، يا عدتي في كربتي ، ويا مونسي في حفرتي ، يا ولى نعمتي ، يا إلهي وإله آبائي إبراهيم وإسمعيل وإسحق ويعقوب ورب جبرئيل وميكائيل وإسرافيل ورب محمد خاتم النبيين ، وآله المنتجبين ، و منزل التورية ، والإنجيل والزبور والقران العظيم ، ومنزل كهيعص وطه ويس والقران الحكيم ، أنت كهفي حين تعييني المذاهب في سعتها ، وتضيق على الأرض بما رحبت ، ولولا رحمتك لكنت من المفضوحين ، وأنت مؤيدي بالنصر على الأعداء ، ولولا نصرك لي لكنت من المغلوبين .
يا من خص نفسه بالسمو والرفعة ، وأوليآؤه بعزه يعتزون ، يا من جعلت له الملوك نير المذلة على أعناقهم فهم من سطواته خائفون ، يعلم [ تعلم ] خائنة الأعين ، وما تخفى الصدور ، وغيب ما تأتي به الأزمان والدهور ، يا من لا يعلم كيف هو إلا هو ، يا من لا يعلم ما هو إلا هو ، يا من لا يعلم ما يعلمه إلا هو ، يا من كبس الأرض على الماء وسد الهواء بالسماء ، يا من له أكرم الأسماء ، يا ذا المعروف الذي لا ينقطع أبدا ، يا مقيض الركب ليوسف في البلد القفر ومخرجه من الجب ، وجاعله بعد العبودية ملكا ، يا راد يوسف على يعقوب بعد أن ابيضت عيناه من الحزن ، فهو كظيم ، يا كاشف الضر والبلاء عن أيوب ، يا ممسك يد إبراهيم عن ذبح ابنه بعد أن كبر سنه وفنى عمره ، يا من استجاب لزكريا فوهب له يحيى ولم يدعه فردا وحيدا ، يا من أخرج يونس من بطن الحوت ، يا من فلق البحر لبني إسرائيل فأنجاهم وجعل فرعون وجنوده من المغرقين ، يا من أرسل الرياح مبشرات بين يدي رحمته ، يا من لا يعجل على من عصاه من خلقه ، يا من استنقذ السحرة من بعد طول الجحود وقد غدوا في نعمته يأكلون رزقه ويعبدون غيره وقد حادوه ونادوه وكذبوا رسله ، يا الله ، يا بدئ لا بدء لك [ دائما ] ، يا دائما لا نفاد لك ، يا حي يا قيوم ، يا محيى الموتى ، يا من هو قائم على كل نفس بما كسبت ، يا من قل له شكري فلم يحرمني ، وعظمت [ عندي ] خطيئتي فلم يفضحني ، ورآني على المعاصي فلم يخذلني ، يا من حفظني في صغري ، يا من رزقني في كبرى ، يا من أياديه عندي لا تحصى ، يا من نعمه عندي لا تجازي ، يا من عارضني بالخير الاحسان وعارضته بالإسائة والعصيان ، يا من هداني بالايمان قبل أن أعرف شكر الامتنان ، يا من دعوته مريضا فشفاني ، وعريانا فكساني ، وجائعا فاطعمني ، وعطشانا فأرواني ، وذليلا فاعزني ، وجاهلا فعرفني ، ووحيدا فكثرني ، وغائبا فردني ، ومقلا فأغناني ، ومنتصرا فنصرني ، وغنيا فلم يسلبني ، وأمسكت عن جميع ذلك فابتدأتني .
فلك الحمد يا من أقال عثرتي ، ونفس كربتي ، وأجاب دعوتي ، وستر عورتي ، وغفر ذنوبي ، وبلغني طلبتي ، ونصرني على عدوي ، وإن أعد نعمك ومننك وكرائم منحك لا أحصيها . يا مولاي أنت الذي أنعمت ، أنت الذي أحسنت ، أنت الذي أجملت ، أنت الذي أفضلت ، أنت الذي مننت ، أنت الذي أكملت ، أنت الذي رزقت ، أنت الذي أعطيت ، أنت الذي أغنيت ، أنت الذي أقنيت ، أنت الذي آويت ، أنت الذي كفيت أنت الذي هديت ، أنت الذي عصمت ، أنت الذي سترت ، أنت الذي غفرت ، أنت الذي أقلت ، أنت الذي مكنت ، أنت الذي أعززت ، أنت الذي أعنت ، أنت الذي عضدت ، أنت الذي أيدت ، أنت الذي نصرت ، أنت الذي شفيت ، أنت الذي عافيت ، أنت الذي أكرمت تباركت ربنا [ ربى ] وتعاليت ، فلك الحمد دائما ولك الشكر واجبا . ثم أنا يا إلهي المعترف بذنوبي فاغفرها لي ، أنا الذي أخطات ، أنا الذي أغفلت ، أنا الذي جهلت ، أنا الذي هممت ، أنا الذي سهوت ، أنا الذي إعتمدت ، أنا الذي تعمدت ، أنا الذي وعدت ، أنا الذي أخلفت ، أنا الذي نكثت ، أنا الذي أقررت ، [ أنا ] يا إلهي أعترف بنعمك عندي وأبوء بذنوبي فاغفرلي ، يا من لا تضره ذنوب عباده وهو الغنى عن طاعتهم ، والموفق من عمل منهم صالحا بمعونته ورحمته ، فلك الحمد إلهي أمرتني فعصيتك ، ونهيتني فارتكبت نهيك ، فأصبحت لا ذا براءة فأعتذر ، ولاذا قوة فأنتصر ، فبأي شىء أستقيلك يا مولاي ، أبسمعي أم ببصري أم بلساني أم بيدي أم برجلي ، أليس كلها نعمك عندي وبكلها عصيتك ؟ يا مولاي فلك الحجة والسبيل على ، يا من سترني من الآباء والأمهات أن يزجروني ، ومن العشائر والاخوان أن يعيروني ، ومن السلاطين أن يعاقبوني ، ولو اطلعوا يا مولاي على ما اطلعت عليه مني إذا ما أنظروني ، ولرفضوني وقطعوني ، فها أنا ذا بين يديك يا سيدي خاضعا ذليلا حصيرا حقيرا لا ذو براءة فاعتذر ولا ذو قوة فانتصر ولا حجة فاحتج بها ولا قائل لم أجترح ولم أعمل سوءا ، وما عسى الجحود لو جحدت يا مولاي ! ينفعني ، و كيف وأنى ذلك وجوارحي كلها شاهدة على بما قد عملت [ علمت ] يقينا غير ذي شك ، أنك سائلي من [ عن ] عظائم الأمور ، وأنك الحكيم العدل الذي لا يجور وعدلك مهلكي ومن كل عدلك مهربي ، فإن تعذبني فبذنوبي يا مولاي [ يا إلهي ] بعد حجتك على ، وإن تعف عني فبحلمك وجودك وكرمك . لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين ، لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من المستغفرين ، لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الموحدين ، لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الوجلين ، لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الراجين الراغبين ، لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من السائلين ، لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من المهللين المسبحين ، لا إله إلا أنت ربي ورب آبائي الأولين . اللهم هذا ثنائي عليك ممجدا ، وإخلاصي [ لك ] موحدا ، وإقراري بآلائك معددا ، وإن كنت مقرا أني لا أحصيها لكثرتها وسبوغها وتظاهرها وتقادمها إلى حادث ما لم تزل تتغمدني به معها مذ خلقتني وبرأتني من أول العمر ، من الاغناء بعد الفقر ، وكشف الضر ، وتسبيب اليسر ، ودفع العسر ، وتفريج الكرب ، والعافية في البدن ، والسلامة في الدين ، ولو رفدني على قدر ذكر نعمك علي جميع العالمين من الأولين والآخرين لما قدرت ، ولا هم على ذلك تقدست ، وتعاليت من رب عظيم كريم رحيم ، لا تحصى آلاؤك ، ولا يبلغ ثناؤك ، ولا تكافى نعماؤك ، صل على محمد وآل محمد ، وأتمم علينا نعمتك ، وأسعدنا بطاعتك ، سبحانك لا إله إلا أنت .
[ أللهم إنك ] تجيب دعوة المضطر إذا دعاك ، وتكشف السوء ، وتغيث المكروب ، وتشفي السقيم ، وتغني الفقير ، وتجبر الكسير ، وترحم الصغير ، وتعين الكبير ، وليس دونك ظهير ، ولا فوقك قدير ، وأنت العلى الكبير ، يا مطلق المكبل الأسير ، يا رازق الطفل الصغير ، يا عصمة الخائف المستجير ، يا من لا شريك له ولا قدير [ وزير ] صل على محمد وآل محمد ، وأعطني في هذه العشية أفضل ما أعطيت وأنلت أحدا من عبادك من نعمة توليها ، وآلاء تجددها ، وبلية تصرفها ، وكربة تكشفها ، ودعوة تسمعها ، وحسنة تتقبلها ، وسيئة تغفرها ، إنك لطيف خبير ، وعلى كل شىء قدير .
أللهم إنك أقرب من دعي ، وأسرع من أجاب ، وأكرم من عفا ، وأوسع من أعطى ، وأسمع من سئل ، يا رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما ، ليس كمثلك مسؤول ولا سواك مأمول ، دعوتك فأجبتني ، وسألتك فأعطيتني ، ورغبت إليك فرحمتني ، ووثقت بك فنجيتني ، وفزعت إليك فكفيتني . أللهم صل على محمد عبدك ورسولك ونبيك وعلى آله الطيبين الطاهرين أجمعين ، وتمم لنا نعماءك ، وهنئنا عطاءك ، واجعلنا لك شاكرين ، ولآلائك ذاكرين ، آمين رب العالمين .
أللهم يا من ملك فقدر ، وقدر فقهر ، وعصى فستر ، واستغفر فغفر ، يا غاية رغبة الراغبين ، ومنتهى أمل الراجين ، يا من أحاط بكل شيء علما ، ووسع المستقيلين رأفة ورحمة وحلما .
أللهم إنا نتوجه إليك في هذه العشية التي شرفتها ، وعظمتها بمحمد نبيك ورسولك وخيرتك وأمينك على وحيك .
أللهم فصل على البشير النذير السراج المنير الذي أنعمت به على المسلمين وجعلته رحمة للعالمين . أللهم فصل على محمد وآله كما محمد أهل ذلك ، يا عظيم فصل عليه وعلى آل محمد المنتجبين الطيبين الطاهرين أجمعين وتغمدنا بعفوك عنا ، فإليك عجت الأصوات بصنوف اللغات ، واجعل لنا في هذه العشية نصيبا في كل خير تقسمه ، ونور تهدى به ، ورحمة تنشرها ، وعافية تجللها ، وبركة تنزلها ، ورزق تبسطه ، يا أرحم الراحمين . أللهم أقلبنا في هذا الوقت منجحين مفلحين مبرورين غانمين ، ولا تجعلنا من القانطين ، ولا تخلنا من رحمتك ، ولا تحرمنا ما نؤمله من فضلك ، ولا تردنا خائبين ، ولا عن [ من ] بابك مطرودين ، ولا تجعلنا من رحمتك محرومين ، ولا لفضل ما نؤمله من عطاياك قانطين ، يا أجود الأجودين ، ويا أكرم الأكرمين . أللهم إليك أقبلنا موقنين [ مؤمنين ] ، ولبيتك الحرام آمين قاصدين ، فأعنا على منسكنا ، وأكمل لنا حجنا ، واعف أللهم عنا ، وعافنا فقد مددنا إليك أيدينا ، وهى بذلة الاعتراف موسومة .
أللهم فأعطنا في هذه العشية ما سألناك ، واكفنا ما استكفيناك فلا كافي لنا سواك ، ولا رب لنا غيرك ، نافذ فينا حكمك ، محيط بنا علمك ، عدل فينا قضاؤك ، إقض لنا الخير ، واجعلنا من أهل الخير . أللهم أوجب لنا بجودك عظيم الأجر ، وكريم الذخر ، ودوام اليسر ، واغفر لنا ذنوبنا أجمعين ، ولا تهلكنا مع الهالكين ، ولا تصرف عنا رأفتك برحمتك يا أرحم الراحمين .
أللهم اجعلنا في هذا الوقت ممن سألك فأعطيته ، وشكرك فزدته ، وتاب إليك فقبلته ، وتنصل إليك من ذنوبه فغفرتها له ، يا ذا الجلال والاكرام . أللهم وفقنا وسددنا ، وأعصمنا ، واقبل تضرعنا ، يا خير من سئل ويا أرحم من استرحم ، يا من لا يخفى عليه إغماض الجفون ، ولا لحظ العيون ، ولا ما استقر في المكنون ، ولا ما إنطوت عليه مضمرات القلوب ، ألا كل ذلك قد أحصاه علمك ، ووسعه حلمك ، سبحانك وتعاليت عما يقول الظالمون علوا كبيرا ، تسبح لك السموات السبع ، والأرض ومن فيهن ، وإن من شىء إلا يسبح بحمدك ، فلك الحمد والمجد وعلو الجد ، يا ذا الجلال والاكرام والفضل والانعام ، والأيادي الجسام ، وأنت الجواد الكريم ، الرؤوف الرحيم ، أوسع علي من رزقك ، وعافني في بدني ، وديني ، وآمن خوفي ، وأعتق رقبتي من النار .
أللهم لا تمكر بي ، ولا تستدرجني ، ولا تخذلني ، وادرأ عني شر فسقة الجن والإنس . قال بشر وبشير : ثم رفع صوته وبصره إلى السماء وعيناه قاطرتان ، كأنها مزادتان ، وقال : يا أسمع السامعين ، ويا أبصر الناظرين ، ويا أسرع الحاسبين ، ويا أرحم الراحمين ، صل على محمد وآل محمد ، وأسألك أللهم [ يا إلهي ] حاجتي التي إن أعطيتنيها لم يضرني ما منعتني ، وإن منعتنيها لم ينفعني ما أعطيتني ، أسألك فكاك رقبتي من النار ، لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك ، لك الملك ، ولك الحمد ، وأنت على كل شيء قدير ، يا رب يا رب يا رب .
قال بشر وبشير : فلم يكن له جهد ، إلا قوله : يا رب يا رب بعد هذا الدعاء ، وشغل من حضر ممن كان حوله وشهد ذلك المحضر عن الدعاء لأنفسهم ، وأقبلوا على الاستماع له ، والتأمين على دعائه ، قد اقتصروا على ذلك لأنفسهم ، ثم علت أصواتهم بالبكاء معه ، وغربت الشمس ، وأفاض ، وأفاض الناس معه .
إلهي ! أنا الفقير في غناي فكيف لا أكون فقيرا في فقري ! ؟ إلهي أنا الجاهل في علمي فكيف لا أكون جهولا في جهلي ! ؟ إلهي إن اختلاف تدبيرك وسرعة طواء مقاديرك منعا عبادك العارفين بك عن السكون إلى عطاء واليأس منك في بلاء ، إلهي ! مني ما يليق بلومي ، ومنك ما يليق بكرمك ، إلهي وصفت نفسك باللطف والرأفة لي قبل وجود ضعفي ، أفتمنعني منهما بعد وجود ضعفي ؟ إلهي إن ظهرت المحاسن مني فبفضلك ولك المنة علي ، وإن ظهرت المساوي مني فبعدلك ، ولك الحجة على ، إلهي كيف تكلني وقد توكلت لي ؟ وكيف أضام وأنت الناصر لي ؟ أم كيف أخيب وأنت الحفى بي ؟ ها أنا أتوسل إليك بفقري إليك ، وكيف أتوسل إليك بما هو محال أن يصل إليك ؟ أم كيف أشكو إليك حالي وهو لا يخفى عليك ؟ أم كيف أترجم بمقالي وهو منك برز إليك ؟ أم كيف تخيب آمالي وهى قد وفدت إليك ؟ أم كيف لا تحسن أحوالي وبك قامت . يا إلهي ! ما ألطفك بي مع عظيم جهلي ؟ وما أرحمك بي مع قبيح فعلى ؟ إلهي ما أقربك مني وقد أبعدني عنك ؟ وما أرأفك بي فما الذي يحجبني عنك ؟ ! إلهي ! علمت باختلاف الآثار وتنقلات الأطوار أن مرادك مني أن تتعرف إلى في كل شىء حتى لا أجهلك في شىء ، إلهي كلما أخرسني لؤمي أنطقني كرمك ، وكلما آيستني أوصافي أطمعتني مننك ، إلهي من كانت محاسنه مساوي فكيف لا تكون مساويه مساوي ؟ ومن كانت حقائقه دعاوى فكيف لا تكون دعاويه دعاوى ؟ إلهي ! حكمك النافذ ومشيتك القاهرة لم يتركا لذي مقال مقالا ، ولا لذي حال حالا ، إلهي ! كم من طاعة بنيتها وحالة شيدتها هدم اعتمادي عليها عدلك ، بل أقالني منها فضلك ، إلهي إنك تعلم أني وإن لم تدم الطاعة مني فعلا جزما فقد دامت محبة وعزما ، إلهي ! كيف أعزم ، وأنت القاهر وكيف لا أعزم ، وأنت الأمر . إلهي ! ترددي في الآثار يوجب بعد المزار فاجمعني عليك بخدمة توصلني إليك ، كيف يستدل عليك بما هو في وجوده مفتقر إليك ؟ أيكون لغيرك من الظهور ما ليس لك حتى يكون هو المظهر لك متى غبت حتى تحتاج إلى دليل يدل عليك ! ؟ ومتى بعدت حتى تكون الآثار هي التي توصل إليك عميت عين لا تراك [ لا تزال ] عليها رقيبا ، وخسرت صفقة عبد لم تجعل له من حبك نصيبا .
إلهي ! أمرت بالرجوع إلى الآثار فارجعني إليك بكسوة الأنوار وهداية الاستبصار ، حتى أرجع إليك منها كما دخلت إليك منها مصون السر عن النظر إليها ، ومرفوع الهمة عن الاعتماد عليها ، إنك على كل شىء قدير .
إلهي ! هذا ذلي ظاهر بين يديك ، وهذا حالي لا يخفى عليك ، منك أطلب الوصول إليك ، وبك أستدل عليك فاهدني بنورك إليك ، وأقمني بصدق العبودية بين يديك . إلهي ! علمني من علمك المخزون ، وصني [ بسرك ] بسترك المصون ، إلهي ! حققني بحقايق أهل القرب ، واسلك بي مسلك أهل الجذب ! إلهي ! [ أقمني ] أغنني بتدبيرك عن تدبيري ، و [ اختيارك ] باختيارك لي عن اختياري وأوقفني على مراكز اضطراري ، إلهي أخرجني من ذل نفسي ، وطهرني من شكى وشركي قبل حلول رمسي ! بك أنتصر فانصرني ، وعليك أتوكل فلا تكلني ، وإياك أسئل فلا تخيبني ، وفي فضلك أرغب فلا تحرمني ، وبجنابك أنتسب فلا تبعدني ، وببابك أقف فلا تطردني ! إلهي ! تقدس رضاك أن تكون له علة منك ، فكيف يكون له علة منى ؟ إلهي ! أنت الغنى بذاتك أن يصل إليك النفع منك ، فكيف لا تكون غنيا عني ؟ إلهي ! إن القضاء والقدر يمنيني ، وإن الهوى بوثائق الشهوة أسرني ، فكن أنت النصير لي حتى تنصرني وتبصرني وأغنني بفضلك حتى أستغني بك عن طلبي [ طلبتي ] ! أنت الذي أشرقت الأنوار في قلوب أوليائك حتى عرفوك ووحدوك ، وأنت الذي أزلت الأغيار عن قلوب أحبائك حتى لم يحبوا سواك ولم يلجئوا إلى غيرك ، أنت المونس لهم حيث أو حشتهم العوالم ، وأنت الذي هديتهم حيث استبانت لهم المعالم .
ماذا وجد من فقدك ! ؟ وما الذي فقد من وجدك ؟ ! لقد خاب من رضى دونك بدلا ، ولقد خسر من بغى عنك متحولا ! كيف يرجى سواك وأنت ما قطعت الاحسان ! ؟ وكيف يطلب من غيرك وأنت ما بدلت عادة الامتنان ؟ يا من أذاق أحباءه حلاوة المؤانسة فقاموا بين يديه متملقين ! ويا من ألبس أولياءه ملابس هيبته فقاموا بين يديه مستغفرين ! أنت الذاكر قبل الذاكرين ، وأنت البادي بالاحسان قبل توجه العابدين ، وأنت الجواد بالعطاء قبل طلب الطالبين ، وأنت الوهاب ثم لما وهبت لنا من المستقرضين ! إلهي ! أطلبني برحمتك حتى أصل إليك واجذبني بمنك حتى أقبل عليك إلهي ! إن رجائي لا ينقطع عنك وإن عصيتك كما أن خوفي لا يزايلني وإن أطعتك فقد رفعتني العوالم إليك وقد أوقعني علمي بكرمك عليك .
إلهي ! كيف أخيب وأنت أملي ؟ أم كيف أهان وعليك [ أنت ] متكلي ؟ إلهي ! كيف أستعزو في الذلة أركزتني ؟ أم كيف لا أستعز وإليك نسبتني ؟ إلهي ! كيف لا أفتقر وأنت الذي في الفقراء أقمتني ؟ أم كيف أفتقر وأنت الذي بجودك أغنيتني ؟ وأنت الذي لا إله غيرك ، تعرفت لكل شىء فما جهلك شىء ، وأنت الذي تعرفت إلى في كل شىء فرأيتك ظاهرا في كل شىء ، وأنت الظاهر لكل شىء ! يا من استوى برحمانيته فصار العرش غيبا في ذاته ، محقت الآثار بالآثار ومحوت الأغيار بمحيطات أفلاك الأنوار ! يا من احتجب في سرادقات عرشه عن أن تدركه الابصار ، يا من تجلى بكمال بهائه فتحققت عظمته الاستواء ، كيف تخفى وأنت الظاهر ؟ أم كيف تغيب وأنت الرقيب الحاضر ؟ إنك على كل شىء قدير ، والحمد لله وحده