قيس بغداد.. قصيدة: عادل الشرقي
بكيتُ على بغداد من مهجتي دما
ومن فرط ما عانيت أسرى بي الـعمى
يقولون لي : بغداد لاتسمع البـُكا
ولم تستطعْ منذ ارتحلتَ التكــــــــلــّـما
فقلتُ لهم هذي ضلوعي رصفتها
سأجعلها جسرا ً إليها وسُلـــَّـــــــــــــمـا
فقالوا أما تدري بأن فؤادهـــــــا
جريحٌ يهيلُ الدمع ، يشكو ا لتــــــألـّــمــا
فقلتُ لهم إن جفَّ ريقُ حبيبتي
أيا ليتني والله متّ من الظمـــــــــــــــــــــ ا
فقالوا أتهواها وتبكي لبعدها
فقلتُ لقد مُزِّقتُ روحا ً وأعظمـــــــــــــــــا
فقالوا: جناحُ الليل أخفى نجومَها
وأضحتْ فضاءً كالحَ الأفق ِ مظلمــــــــــــــا
فقلتُ لهم بغداد تزهو بنورها
فهل تحبسُ الآلام والليلُ أنجمــــــــــــــــــــا
فقالوا لقد أحنى لها الدهرُ قامة ً
ودارتْ بها الأيام والليل غمغمــــــــا
فقلتُ لهم بغداد تمشي كأنها
جبالٌ وإن خاضتْ لألف ٍ ملاحمـــــــا
فقالوا سرتْ فيها وجوهٌ غريبة
فما كان إلا أن أحيلتْ جماجـــــــــــما
فقلتُ لهم والله سعفُ نخيلها
إذا غضبت بغداد يغدو صوارمــــــــــا
فقالوا رأيناها تنوح لأنهـــا
تـُداري صغارا ً في الملماتِ يُتـَّمـا
فقلتُ لهم إن الذي مسَّ قلبها
سيجرعُ يوما من يد الله علقمـــــا
فقالوا رأيناها بكل مدينة ٍ
تقيم عزاءً للضحايا ومأتمـــــــــــــا
فقلتُ لهم إن الشهيد مآلـــهُ
جنانٌ وعند الله يلقى التكرُّمـــــــــــا
فقالوا لفرط الحزن صارت عقيمة ً
وقد أطبقَ الحزنُ العميقُ وخيـَّــــمـا
فقلتُ لهم بغداد تبقى ولودة ً
ستنجبُ أبطالاً تذودُ عن الحمى
فقالوا أما أبصرتْ موتَ شبابها
فهذا غرابُ البين في الأفق حوَّمـــا
فقلتُ لهم كم داهمتها نوائبٌ
ولكن غول الموت قد فرَّ مرغمــــــا
فقالوا أما حاولت ترنو لغيرها
فتهدي لها شعرا ً يفيضُ تبسُّمـــــــــــــــا
فقلتُ وهل في الأرض وجهٌ كوجهها
يليقُ به بيتُ القصيد ترنــــُّمــــــــــــــا
وقالوا لقد هيضت وأطفيء نورها
وما كان فيها من بهاءٍ فقد همــــــــــى
فقلتُ لهم إن السماوات بيتها
فهل تطفيء الأقدار من بيته السَّمـــــا
فقالوا لقد أضحت خطاها كليلة ً
وقد أشبعتْ من حاسديها تهكّمــــــــــا
فقلتُ لهم بغداد تسمو بأهلها
ولم تبتئس يوما ً إذا الليلُ أظلمـــــــــا
فقالوا لقد شاخت لفرط عذابها
وقد أوشكت أسوارُها أن تـُهدَّمـــــــــا
فقلتُ لهم بغداد مذ هلَّ نجمها
غدتْ وسط هذي الأرض رمزا ً ومعلمـــا
لقد أشعلوا النيران قالوا بغصنها
فأضحى هشيما ً ذاويا ً متفحِّمــــــــــــا
فقلتُ لهم بغداد يزدان عودُها
بهاءً إذا فيها اللظى قد تضرمــــــــــا
وقالوا أتدري أنها قد تبددتْ
وإن الذي قد حلَّ فيها فقلــَّمــــــــــا
فقلتُ لهم إن بدد الكفرُ ماءها
تفيضُ فلا تبقي على الأرض آثما
فقالوا لقد شُلـَّتْ وأحنتْ جبالها
رياحٌ سرتْ فيها فزادتْ تجهُّمــــا
فقلتُ لهم لاتأبه الريحَ حلوتي
وإن هبَّ موجُ الريح فيها ودمدما
فقالوا لقد قيدتْ إلى حيث موتها
وقد كُبــِّلتْ بالقيد ساقا ً ومعصمــــــا
فقلتُ لهم بغداد سجنٌ لمن أتى
يكبلها، تغدو جحيما ً، جهنَّمــــــــا
فقالوا رماها البعض بالنار والدما
وصارتْ بلا مأوىً وتشكو التأزمــا
فقلتُ لهم إن الإله هو الذي
لمن كان يرمي بيت بغداد قد رمـى
فقالوا لقد جاؤوا إليها من الردى
بكل دعي ِّ كان في القول أبكمــا
فقلت ُ لهم باءتْ نوايا عدوها
ومن كان في أحلامه متلثــِّمــا
فقالوا لقد ذاقتْ شرابا ً مذاقه
مريرٌ كطعم النار قد كان علقمــا
فقلت لهم بغداد تسقي عطاشها
عذابا ً لمن آذى البرايــــا وأجرمــا
فقالوا لقد ضاعتْ وزادت تشاؤما
فقد مـُد َّ جنحُ الليل فيها وخيـَّما
فقلت لهم بغداد لم تعرف الونا
ولا عرفتْ مهما استبيحتْ تشاؤما
فقالوا لقد هـُدتْ وقـُصَّ جناحـُها
وماجَ المدى المحزون فيها وغيَّما
فقلتُ لهم إن أطفأ الغدرُ نجمة ً
لبغداد تغدو الناس في الأفق أنجما
فقالوا أما أيقنتْ أنك واهمٌ
أما أدركتْ عيناك هذا التوهّمــــــــا
فقلتُ لهم بغداد تبقى حبيبتي