3- أجرة ام رشوة

وفي ختام هذا الحوار الذي يُتعظ به مع الرجل المجهول, تداعى إلى السيد وقوع أهل زقاقه ومنطقته في هذه البلية في بعض الدوائر الحكومية, وقال: اذن قيام بعض موظفي الحكومة بالتظاهر أمام الناس بصورة مباشرة أو غير مباشرة بأنهم يقومون بتمشية معاملاتهم ويأخذون أجرة أزاء تلك الخدمة, هل هو رشو؟

فقال: أنا أئن من بؤسي وأحترق ولا أعلم بأية نوايا يعمل الناس. ان كل انسان يعلم ماذا يفعل ويحاسب يوما مثلي على عمله في محضر الله. وأعلم أن الموظف الحكومي يأخذ راتباً شهرياً من الحكومة ومن بيت المال أزاء عمله. فإذا كانت المعاملات قانونية فيجب أن ينجزها وإذا كانت غير قانونية فإن انجازها مخالف لمصلحة المجتمع, اذن في كل الأحوال يحق له بأية ذريعة أن يأخذ من الناس شيئاً أزاء انجاز عملهم ولأن هذا النوع من الأخذ يتم لغرض مسبق لذلك يسمى العرف العام باسماء مختلفة مثل اجرة, هدية وغيرها. وكل هذه الاتاوات مهما كان اسمها تؤدي إلى فساد الثقافة الاجتماعية, وفي اطار الرشوة, عمل حرام وتستوجب العقوبة في محضر الله لكلا الطرفين.

فقال السيد باستعجال: اذن أين مورد الهدية؟

فقال الرجل المجهول: ان الهدية تعني تحفة واعطاء شيء بلا عوض وهي تعطى بين الناس وخاصة الاصدقاء والاقرباء من اجل زيادة الارتباط والمحبة وليس لغرض آخر ثم تحتل الانسان أهمية في مثل هذه الموارد. وفي مورد واحد فقط إذا قدم صاحب العمل هدية إلى موظف حكومي في نهاية عمل تم في مجرى صحيح وقانوني لغرض تثمين حسن عمله من دون تواطوء أو غرض مسبق, لعله لا يعتبر رشوة, وان كان تشخيص حدود هذين العملين حساس جدا ومن الافضل تجنب دفع واستلام هذا النوع من التقدير بغية الابتعاد عن مظان التهمة.

وقال السيد مع نفسة: بلى, صحيح ان هذا النوع من اخذ المال من الناس رشوة. ولا يمكن للموظف الحكومي المرتشي ان ياخذ من الناس اتاوة إذا لم يكن لديه تبرير لا عماله. تارة يتظاهر ان طلب صاحب العمل خلاف للقانون ولأنه ممثل القانون فلا يحق له ان بعمل خلافا للقانون! ويعترض الناس المساكين إلى معاناة نتيجة اثارة الاشكالات هذه ويصرون ملتمسين على ان يجد طريقا قانونيا باي شكل كان لئلا يصلوا غلى طريق مسدود وتتوقف معاملاتهم. وفي ذلك الوقت يقوم هذا الشخص ممثل القانون بالمنة على صاحب المعاملة ثم يقوم من خلال منصب منفذ القانون, بحل مشكلته بمقدار المبلغ الذي يأخذه منه.

الويل لهكذا موظف حكومي وممثل القانون! حقا كم يبلغ الإنسان من الحقارة والضعف حتى يقوم في زي القانون بالتظاهر بعدم قانونية معاملة شخص, وبعد ذلك يجد (جنابه) حلا قانونيا لتلك المعاملة الغير القانونية كي يستطيع ان ياخذ رشوة من الناس ازاء ذلك العمل ويسميها اجرة. ان كثيرا من الناس يعانون يوميا من هذا النوع من الموظفين العالمين في الدوائر الحكومية والشركات. انهم بمثابة حشرات تمتص دماء الناس, ويسمون عملهم هذا أداء وظيفة. ويتوقع الموظفون من هذا القبيل أن يثمن الناس جهودهم ويحترمونهم.

وطريقة تفكيرهم عادة هي ان المعيشة تتطلب انفاقا وينبغي الحصول على المال كي يعيشوا عيشة جيدة ولا يهمهم من اي طريق كان وينسى بعضهم حق الناس بمجرد أن يصل غلى منصب وينهب من بيت المال بذرائع مختلفة وبالرغم من ان الحياة كلها موعظة, لكنهم لا يريدون ان يفهموا انهم سيعاقبون يوماً. ومن الممكن انهم يتهربون عدة ايام من المؤاخذة ولا يعاقبون أحيانا في جهاز الحكومة المفتوح والواسع من خلال الحيلة, بيد أنهم لا يقبلون ان هناك سبب في عدم وجود بركة في كل ما يحصلون عليه. هل انهم سألوا أنفسهم ولو مرة واحدة هل يمكنهم ان يتوقعوا أن يكون لهم ولد صالح وهم يقومون بامرار معاشهم بأموال الناس هذه؟ انعم يغرمون في دنياهم باشكال مختلفة.

ورغم الهم الذي كان يؤذي كيان الرجل المجهول, فإنه تكلم وقال: مع من تتكلم؟

توقف السيد قليلا وقال: لا أعلم, معك , مع اولئك, مع نفسي! ولكني أعلم ان طبع الانسان هو انه يبرر بشكل عام كل أعماله وفقا لرغبة نفسه كي لا يقع في مشقة. ان اكثر الناس يفسرون كل شيء بالشكل الذي يريدونه ويرون الحياة بنظاراتهم الشخصية ويصرون على اظهار قبح أعمالهم بمظهر حسن, من دون أن ينتبهوا إلى ان كل فعل يتطلب رد فعل. وقد وقع مرارا أن وصل امثال هؤلاء الناس إلى طريق مسدود ولكنهم لم يسألوا أنفسهم أبدا عن سبب هذا الاضطراب في حياتهم, مثلا لماذا يعانون من ضيق المعيشة او يواجهون مشاكل اخرى, بالرغم من هذا الدخل الذي لديهم.

فقال الرجل المجهول انهم نتيجة الشباك الغليظة التي لفوها حولهم لا يدركون أبدا المعنى الصحيح للحياة حتى يحين الموت وتغلق ملفات حياتهم في الدنيا المادية. وبعد الموت يفهون ماذا جرى.

4- طول الأمل

ولما سمع المجهول الهمس الواعي للسيد إلى هذا المقطع وكان يحترق في عذاب الحسرة على الماضي ورؤية المشهد المرعب عدة ذنوب كبيرة, صاح: الويل لي ولطول أملي أيها القلب الغافلو لماذا كانت الماديات وزخارف الحياة هدفي؟ أيتها النفس سيئة الحظ هل تذكرين اني كنت اغبط دائما الذين كانوا يعيشون عيشة مترفة هل تذكرين كيف كنت اتمنى دائما ان يكون لدي منزلا نموذجيا وسيارة فخمة وأثاثا متطورا ومواد كمالية كما كانت لديهم. ولكن ليس فقط أني لم أحصل عليها- ومن حسن الحظ اني لم أحصل عليها- بل ان التفكير بطلب الدنيا ادى إلى بؤسي وبمقدار ما جمعته من مال الدنيا وتعلقت به أتعرض الآن إلى عذاب خاص أضافة إلى المحاسبة اللاحقة على حلالها وحرامها.

أجل, أفهم الآن أن الزينة المادية للدنيا . لا تفيد إلا في الحياة الدنيا وتنعكس بطالبها في سفر الأخرة على ضوء نظرته اليها كوسيلة أم هدف. وقد أضعت الحياة الاخروية بسبب تلك التعلقات النفسانية. لماذا أضعت حياتي الابدية من اجل سعادة وهمية في الحياة الفانية؟ اني أعلم ان عذابي شديد نتيجة ذنوبي الكبيرة, وقد سد طريق النجاة بوجهي تقريبا بسبب الرشاوى التي أخذتها من الناس.

وكرر ما قاله سابقا وخاطب زوجته على شكل نداء بلا جدوى وقال: زوجتي المضحية, ارحمي حالي, وتنازلي عن حقك لعل عذابي يخففز لقد تعرضت في الليلة الاولى بعد الموت إلى ضغط القبر بمقدار كاف, والآن أفهم انك كنتِ على حق. لقد كنت امرأة صالحة حيث يصدر عنك رد فعل على سلوكي الحاد وسبي وكنت تقولين بصبر خاص: (( يا أحمد, الله يحكم بيني وبينك)).

وفي هذه الأثناء ضُرب مرة أخرى بأشعة حمراء على رأسه ووجهه وصاح آه! الهي ارحمني. كم عملت سوء حتى اجزي بسوء الآن!

هذا الى هنا وساعود لكم بتتمة القصه مع مشهد آخر لأمرأه في هذا العالم الغيبي الغريب فيا ترى ماذا قصة هذه المراه؟؟ما ذنبها؟؟ وما حصل مع السيد صادق ؟؟

هذا وصلى الله على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين

وابعدنا عن آفات الدنيا يا رب العالمين

تحياتي