مفهوم الوحدة
إن مفهوم الوحدة قد يلتبس في أذهان بعض الناس، وكأن الوحدة إلغاء لخصوصيات طرف لحساب طرف، أو ذوبان جهة في أخرى، أو أنها تعني تنازل هذه الفئة عن شيء من قناعاتها من أجل الفئة الأخرى. وهذا الفهم الخطأ للوحدة هو الذي جعلها سرابًا لا يمكن تحقيقه في واقع المسلمين؛ لأن البعض يتصور الوحدة تطابقًا تامًّا على كل تفاصيل العقيدة والتشريع، وفي الآراء والتوجهات، وهذا يخالف طبيعة البشر، فما دامت لهم آراء ومصالح متعدّدة فالاختلاف وارد حتى ضمن العائلة الواحدة والمجتمع الواحد. إننا حينما نربط بين الوحدة وبين التوافق والاتفاق على كل شيء، فإننا بذلك نبحث عن سراب الوحدة التي لا تتحقق، أما حينما ننظر إلى الوحدة على أساس التمحور حول القواسم المشتركة، والمصالح العامة، والانضواء تحت إطار يستوعب الجميع، ويحترم حقوق الجميع، ويعطي مجال التعبير عن الرأي, فإن هذه الوحدة يمكن أن تتحقق. وقد حققتها الشعوب الأخرى، فها هم الأمريكيون والأوربيون واليابانيون والماليزيون والهنود والأمم الأخرى، قد حققوا درجات متقدمة من الوحدة, من دون أن يلغوا خصوصيات بعضهم بعضًا، أو أن يكون هناك حيف أو جور من جهة على أخرى، أو وصاية من طرف على آخر. وهذا هو الأمر الطبيعي الذي ينبغي أن يكون، ونحن عندما نتحدث عن الوحدة نتحدث عنها بهذا المفهوم.