بسم الله الرحمن الرحيم
نبذة عن حياة المعصومين عليهم السلام
تأليف:والدة السيد محمد حسين الشيرازي
الفصل السادس
الإمام علي بن الحسين
زين العابدين (عليه السلام)


الإمام زين العابدين (عليه السلام) في سطور
الاسم: علي (عليه السلام).
الأب: الإمام الحسين (عليه السلام).
الأم: شاه زنان(1) بنت يزدجرد بن شهريار بن كسرى، وقيل: إن اسمها (شهربانو)(2).
الكنية: أبو محمد، والخاص: أبو الحسن، ويقال: أبو القاسم(3).
الألقاب: زين العابدين، سيد الساجدين، سيد العابدين، الزكي، الأمين، السجاد، ذو الثفنات(4).
بعض الأوصاف: أسمر دقيق.
نقش الخاتم: وما توفيقي إلا بالله(5).
مكان الولادة: المدينة المنورة.
زمان الولادة: يوم الخميس 15 جمادى الآخرة، وقيل: يوم الخميس لتسع خلون من شعبان، سنة 38 للهجرة، قبل وفاة أمير المؤمنين (عليه السلام) بسنتين. وقيل: سنة 37، وقيل: سنة 36، فبقي مع جده أمير المؤمنين (عليه السلام) أربع سنين ومع عمه الحسن (عليه السلام) عشر سنين ومع أبيه عشر سنين. وقيل: مع جده سنتين ومع عمه اثنتي عشرة سنة، ومع أبيه ثلاث عشر سنة(6).
مدة العمر: 57 عاماً.
زمان الشهادة: 25/ محرم/ 95 هـ، وقيل: سنة 94 هـ(7).
مكان الشهادة: المدينة المنورة.
القاتل: هشام بن عبد الملك حيث سمّه بأمر الوليد بن عبد الملك(8).
المدفن: البقيع الغرقد في المدينة المنورة مع عمه الإمام الحسن(عليه السلام) (9)، حيث مزاره الآن، وقد هدم الوهابيون هذه البقاع الطاهرة.

الأخلاق الكريمة
وقف على الإمام علي بن الحسين (عليهما السلام) رجل فأسمعه وشتمه، فلم يكلمه، فلما انصرف قال لجلسائه: �قد سمعتم ما قال هذا الرجل، وأنا أحب أن تبلغوا معي إليه حتى تسمعوا ردي عليه�.
فقالوا له: نفعل ولقد كنا نحب أن تقول له ونقول.
قال: فأخذ نعليه ومشى وهو يقول: ( والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين) (10)، فعلمنا أنه لا يقول له شيئاً، فخرج حتى أتى منزل الرجل فصرخ به فقال: �قولوا له هذا علي بن الحسين�.
قال: فخرج إلينا متوثباً للشر وهو لا يشك أنه إنما جاءه مكافئاً له على بعض ما كان منه.
فقال له علي بن الحسين (عليهما السلام): �يا أخي إنك كنت قد وقفت عليّ آنفاً فقلت وقلت، فإن كنت قلت ما فيَّ فاستغفر الله منه، وإن كنت قلت ما ليس فيَّ فغفر الله لك�.فقبّل الرجل بين عينيه وقال: بل قلت فيك ما ليس فيك وأنا أحق به(11).
وورد أيضاً أنه قد انتهى الإمام (عليه السلام) ذات يوم إلى قوم يغتابونه، فوقف عليهم فقال: �إن كنتم صادقين فغفر الله لي، وإن كنتم كاذبين فغفر الله لكم�(12).

عفو وموعظة
عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: �كان بالمدينة رجل بطال يضحك الناس منه، فقال: قد أعياني هذا الرجل أن أضحكه، يعني علي بن الحسين(عليه السلام).
قال: فمرّ علي (عليه السلام) وخلفه موليان له، فجاء الرجل حتى انتزع رداءه من رقبته ثم مضى، فلم يلتفت إليه علي(عليه السلام)، فاتبعوه وأخذوا الرداء منه فجاءوا به فطرحوه عليه، فقال لهم: من هذا؟
فقالوا له: هذا رجل بطّال يضحك أهل المدينة.
فقال: قولوا له: إن لله يوماً يخسر فيه المبطلون�(13).
خدمة الرفقة
عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه قال: �كان علي بن الحسين (عليه السلام) لا يسافر إلا مع رفقة لا يعرفونه، ويشترط عليهم أن يكون من خدم الرفقة فيما يحتاجون إليه، فسافر مرة مع قوم فرآه رجل فعرفه فقال لهم: أتدرون من هذا؟
قالوا: لا.
قال: هذا علي بن الحسين (عليهما السلام).
فوثبوا فقبلوا يده ورجله وقالوا: يا بن رسول الله أردت أن تصلينا نار جهنم، لو بدرت منا إليك يد أو لسان، أما كنا قد هلكنا آخر الدهر، فما الذي يحملك على هذا؟
فقال: إني كنت سافرت مرة مع قوم يعرفونني فأعطوني برسول الله (صلى الله عليه و آله)
ما لا أستحق، فإني أخاف أن تعطوني مثل ذلك فصار كتمان أمري أحب إليّ�(14).
مع الفقراء
روي: أن الإمام زين العابدين (عليه السلام) كان يخرج في الليلة الظلماء فيحمل الجراب على ظهره وفيه الصرر من الدنانير والدراهم، وربما حمل على ظهره الطعام أو الحطب حتى يأتي باباً باباً، فيقرعه، ثم يناول من يخرج إليه، وكان يغطي وجهه إذا ناول فقيراً لئلا يعرفه.
فلما توفي (عليه السلام) فقدوا ذلك، فعلموا أنه كان علي بن الحسين (عليه السلام).
ولما وُضع (عليه السلام) على المغتسل نظروا إلى ظهره وعليه مثل ركب الإبل مما كان يحمل على ظهره إلى منازل الفقراء والمساكين�(15).
وعن الإمام الباقر (عليه السلام) انه قال: �لقد كان علي بن الحسين (عليهما السلام) يعول مائة أهل بيت من فقراء المدينة، وكان يعجبه أن يحضر طعامه اليتامى والأضراء والزمنى والمساكين الذين لا حيلة لهم، وكان يناولهم بيده، ومن كان لهم منهم عيال حمله إلى عياله من طعامه، وكان لا يأكل طعاماً حتى يبدأ فيتصدق بمثله�(16).

الرفق بالحيوان
قال الإمام الباقر (عليه السلام): �لقد حج الإمام زين العابدين (عليه السلام) على ناقة
له عشرين حجة فما قرعها بسوط، فلما توفت أمر بدفنها لئلا تأكلها
السباع�(17).
في عبادته (عليه السلام)
أفلا أكون عبداً شكورا
أتت فاطمة بنت علي بن أبي طالب(عليه السلام) إلى جابر بن عبد الله فقالت له: يا صاحب رسول الله (صلى الله عليه و آله)، إن لنا عليكم حقوقاً، ومن حقنا عليكم إذا رأيتم أحدنا يهلك نفسه اجتهاداً أن تذكروه الله وتدعوه إلى البقيا على نفسه، وهذا علي بن الحسين (عليه السلام) بقية أبيه الحسين (عليه السلام) قد انخرم أنفه ونقبت جبهته وركبتاه وراحتاه، أذاب نفسه في العبادة.
فأتى جابر إلى بابه واستأذن، فلما دخل عليه وجده في محرابه، قد أنصبته العبادة، فنهض علي (عليه السلام) فسأله عن حاله سؤالاً خفياً، أجلسه بجنبه.
ثم أقبل جابر يقول: يا بن رسول الله، أما علمت أن الله خلق الجنة لكم ولمن أحبكم، وخلق النار لمن أبغضكم وعاداكم، فما هذا الجهد الذي كلفته نفسك؟
فقال له علي بن الحسين(عليه السلام): �يا صاحب رسول الله، أما علمت أن جدي رسول الله (صلى الله عليه و آله) قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فلم يدع الاجتهاد له، وتعبّد هو بأبي وأمي حتى انتفخ الساق وورم القدم، وقيل له: أتفعل هذا وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟! قال: أفلا أكون عبداً شكوراً!�.
فلما نظر إليه جابر وليس يغني فيه قول، قال: يا بن رسول الله، البقيا على نفسك، فإنك من أسرة بهم يستدفع البلاء، وتستكشف اللأواء، وبهم تستمسك السماء.
فقال: �يا جابر، لا أزال على منهاج أبوي مؤتسياً بهما حتى
ألقاهما�.
فأقبل جابر على من حضر فقال لهم: ما رئي من أولاد الأنبياء مثل علي بن الحسين (عليه السلام) إلا يوسف بن يعقوب(عليه السلام)، والله، لذرية علي بن الحسين أفضل من ذرية يوسف(18).
من يقوى على عبادة علي (عليه السلام)
روي عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه قال: �لقد دخل ابنه أبو جعفر (عليه السلام) عليه
ـ أي على الإمام السجاد (عليه السلام) ـ فإذا هو قد بلغ من العبادة ما لم يبلغه أحد، فرآه قد اصفرّ لونه من السهر، ورمضت عيناه من البكاء، ودبرت جبهته، وانخرم أنفه من السجود، وورمت ساقاه وقدماه من القيام في الصلاة، قال أبو جعفر (عليه السلام): فلم أملك حين رأيته بتلك الحال البكاء، فبكيت رحمة له، وإذا هو يفكر، فالتفت إليّ بعد هنيهة من دخولي وقال:
يا بنيّ، أعطني بعض تلك الصحف التي فيها عبادة علي بن أبي طالب (عليه السلام) فأعطيته فقرأ فيها شيئاً يسيراً، ثم تركها من يده تضجراً وقال: من يقوى على عبادة علي بن أبي طالب (عليه السلام)�(19).
خوفاً من الله
وعن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام): �كان علي بن الحسين (عليهما السلام) إذا قام في الصلاة تغير لونه فإذا سجد لم يرفع رأسه حتى يرفض عرقاً�(20).
ألف ركعة
عن الإمام الباقر (عليه السلام): �كان علي بن الحسين (عليهما السلام) يصلي في اليوم والليلة ألف ركعة...
وكان إذا قام في صلاته غشي لونه لونا آخر.
وكان قيامه في صلاته قيام العبد الذليل بين يدي الملك الجليل.
كانت أعضاؤه ترتعد من خشية الله.
وكان يصلي صلاة مودع يرى أنه لا يصلي بعدها أبداً�(21).
سيد الساجدين
عن الإمام الباقر (عليه السلام): �إن أبي علي بن الحسين (عليهما السلام) ما ذكر نعمة الله عليه إلا سجد.
ولا قرأ آية من كتاب الله عزوجل فيها سجود إلا سجد.
ولا دفع الله تعالى عنه سوءً يخشاه أو كيد كايد إلا سجد.
ولا فرغ من صلاة مفروضة إلا سجد.
ولا وفق لإصلاح بين اثنين إلا سجد.
وكان أثر السجود في جميع مواضع سجوده، فسمي السجاد لذلك�(22).
أين زين العابدين؟
عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: �قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): إذا كان يوم القيامة نادى مناد أين زين العابدين؟ فكأني انظر إلى ولدي علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهم السلام) يخطر بين الصفوف�(23).
ذو الثفنات
عن الإمام الباقر (عليه السلام) انه قال: �لقد كان يسقط منه كل سنة سبع ثفنات من مواضع سجوده؛ لكثرة صلاته وكان يجمعها فلما مات دفنت معه�(24).
وقال الإمام محمد بن علي الباقر (عليهما السلام): �كان لأبي (عليه السلام) في موضع سجوده آثار ناتية، وكان يقطعها في السنة مرتين في كل مرة خمس ثفنات فسمي ذا الثفنات لذلك�(25).

بين يدي الله عزوجل
عن الإمام الباقر (عليه السلام): �لقد صلى ـ علي بن الحسين(عليه السلام) ـ ذات يوم، فسقط الرداء عن أحد منكبيه فلم يسوّه حتى فرغ من صلاته، فسأله بعض أصحابه عن ذلك؟
فقال: ويحك أتدري بين يدي من كنت، إن العبد لا تقبل من صلاته إلا ما أقبل عليه منها بقلبه.
فقال الرجل: هلكنا.
فقال: كلا إن الله عز وجل متمم ذلك بالنوافل�(26).
سيد الزاهدين
عن أبي جعفر(عليه السلام) قال: �ولقد سألت عنه ـ الإمام السجاد (عليه السلام) ـ مولاة له، فقالت: أطنب أو اختصر؟
فقيل: بل اختصري.
فقالت: ما أتيته بطعام نهاراً، ولا فرشت له فراشاً ليلاً قط�(27).
بين السجاد والخليل (عليهما السلام)
عن الإمام الباقر (عليه السلام) قال: �قال علي بن الحسين(عليه السلام) مرضت مرضاً شديداً فقال لي أبي (عليه السلام): ما تشتهي؟
فقلت: أشتهي أن أكون ممن لا أقترح على الله ربي سوى ما يدبره لي.
فقال لي: أحسنت، ضاهيت إبراهيم الخليل (عليه السلام) حيث قال له جبرئيل(عليه السلام): هل من حاجة؟ فقال: لا أقترح على ربي بل حسبي الله ونعم الوكيل�(28).
في صحراء عرفات
عن الإمام الباقر (عليه السلام) قال: �نظر علي بن الحسين (عليهما السلام) يوم عرفة إلى قوم يسألون الناس، فقال: ويحكم أغير الله تسألون في مثل هذا اليوم؟!، إنه ليرجى في مثل هذا اليوم لما في بطون الحبالى أن يكون سعيداً�(29).
الحب في الله
قال له رجل: إني لأحبك في الله حباً شديداً، فنكس (عليه السلام) رأسه ثم قال: �اللهم إني أعوذ بك أن أحب فيك وأنت لي مبغض� ثم قال له: �أحبك للذي تحبني فيه�(30).

مدرسة الدعاء
إن الإمام زين العابدين (عليه السلام) كان حاضراً في يوم عاشوراء، وقد شاء الله عزوجل أن تحفظ ذرية رسوله (صلى الله عليه و آله) وأن لا تخلو الأرض من الحجة، فأصيب الإمام (عليه السلام) بمرض شديد لا يقوى على الحركة والقيام، فلم يتمكن من الدفاع عن أبيه الإمام الحسين (عليه السلام) والشهادة في سبيله، إلا أنه كان السر في إحياء واقعة عاشوراء وعدم طمسها.
فقد بدأ الإمام (عليه السلام) بعد واقعة عاشوراء بتوعية الأمة، وفضح بني أمية، وذلك عبر مدرسة الدعاء والبكاء.
فالصحيفة السجادية تشتمل على عشرات الأدعية المأثورة عن الإمام علي ابن الحسين (عليه السلام) في مختلف المجالات، وهي مدرسة متكاملة توجب وعي الأمة وسوقها إلى الإيمان والفضيلة والتقوى.
البكاء ثورة
أما البكاء، فهو سلاح المظلوم، وقد كان بكاء الإمام زين العابدين (عليه السلام) ثورة في وجه الطغاة، حيث كان الإمام (عليه السلام) يبكي وبشدة على ظلامة أبيه الحسين (عليه السلام) في كل موقف وعند كل مناسبة وأمام جميع الناس وكان يذكّرهم بأن أباه الحسين (عليه السلام) قتل عطشاناً مظلوما.
قال الإمام الباقر (عليه السلام): �ولقد كان(عليه السلام) بكى على أبيه الحسين (عليه السلام) عشرين سنة، وما وضع بين يديه طعام إلا بكى، حتى قال له مولى له: يا ابن رسول الله، أما آن لحزنك أن ينقضي؟
فقال له: ويحك، إن يعقوب النبي (عليه السلام) كان له اثنا عشرة ابناً، فغيب الله عنه واحداً منه، فابيضّت عيناه من كثرة بكائه عليه، وشاب رأسه من الحزن، واحدودب ظهره من الغم، وكان ابنه حياً في الدنيا، وأنا نظرت إلى أبي
وأخي وعمي وسبعة عشر من أهل بيتي مقتولين حولي فكيف ينقضي حزني؟�(31).
كيف لا أبكي
وكان (عليه السلام) إذا أخذ إناء ليشرب الماء ـ تذكر عطش أبيه الحسين (عليه السلام) ومن معه ـ فيبكي حتى يملأها دمعاً.
فقيل له في ذلك.
فقال: �وكيف لا أبكي وقد منع أبي من الماء الذي كان مطلقاً للسباع والوحوش�(32).

ثواب البكاء
وكان الإمام (عليه السلام) يحث الناس على البكاء على أبيه الحسين (عليه السلام) ويبين لهم ثواب ذلك.
قال الإمام الباقر(عليه السلام): �كان علي بن الحسين (عليه السلام) يقول: أيما مؤمن دمعت عيناه لقتل الحسين (عليه السلام) حتى تسيل على خده بوأه الله تعالى في الجنة غرفا يسكنها أحقاباً، وأيما مؤمن دمعت عيناه حتى تسيل على خده فيما مسنا من الأذى من عدونا في الدنيا بوأه الله منزل صدق، وأيما مؤمن مسه أذى فينا فدمعت عيناه حتى تسيل على خديه من مضاضة أو أذى فينا صرف الله من وجهه الأذى وآمنه يوم القيامة من سخط النار�(33).
تربية المجتمع
وكان الإمام علي بن الحسين (عليه السلام) يقوم بشراء العبيد والإماء، ثم كان يربيهم تربية إسلامية حسنة ويثقفهم بالمعارف الدينية والأحكام الشرعية، ويعلّمهم أخلاق رسول الله (صلى الله عليه و آله) وتفسير القرآن، ثم يعتقهم في سبيل الله عزوجل،فكانوا نواة الخير في المجتمع آنذاك والناس يرجعون إليهم في معرفة أحكام الدين والقرآن.

من كراماته (عليه السلام)
حجر أسود
عن أبي الخير علي بن يزيد أنه قال: كنت مع علي بن الحسين (عليه السلام) عندما انصرف من الشام إلى المدينة، فكنت أحسن إلى نسائه، أتوارى عنهم إذا نزلوا وأبعد عنهم إذا رحلوا، فلما نزلوا المدينة بعثوا إليّ بشيء من الحلي، فلم آخذه وقلت: فعلت هذا لله ولرسوله..
فأخذ علي بن الحسين (عليه السلام) حجراً أسود صماً فطبعه بخاتمه وقال: �خذه واقض كل حاجة لك منه�.
قال: فوالله الذي بعث محمداً بالحق لقد كنت أجعله في البيت المظلم فيسرج لي، وأضعه على الأقفال فتفتح لي، وآخذه بيدي وأقف بين أيدي الملوك فلا أرى إلا ما أحب(34).
هذا ابن فاطمة
روي: أنه حج هشام بن عبد الملك فلم يقدر على الاستلام ـ استلام
الحجر ـ من الزحام، فنصب له منبر فجلس عليه وأطاف به أهل الشام، فبينما هو كذلك إذ أقبل علي بن الحسين (عليه السلام) وعليه إزار ورداء من أحسن الناس وجها وأطيبهم رائحة، بين عينيه سجادة كأنها ركبة عنز، فجعل يطوف فإذا بلغ إلى موضع الحجر تنحى الناس حتى يستلمه هيبة له.
فقال شامي: من هذا يا أمير؟
فقال: لا أعرفه، لئلا يرغب فيه أهل الشام.
فقال الفرزدق وكان حاضرا: لكني أنا أعرفه.
فقال الشامي: من هو يا أبا فراس؟
فأنشأ:
يا سائلي أين حل الجــود والكرم*** عنـــــدي بيان إذا طـــــلابه قدموا
هذا الذي تعرف البــطحاء وطأته*** والبيـــــت يعرفه والـــحل والحرم
هذا ابن خير عــــــــباد الله كلهم*** هذا التقــــــــي النقي الطاهر العلم
هذا الذي أحــــــمد المختار والده*** صلى علـــــيه إلهي ما جرى القلم
لو يعلم الركـــن من قد جاء يلثمه*** لخر يلـــــثم منه ما وطـــــي القدم
هذا علي رســــــول الله والـــــده*** أمســـــت بنور هداه تهتدي الأمم‏
هـــــذا الــــذي عمه الطيار جعفر*** والمقتول حـــــمزة لـيث حبه قسم
هذا ابن سيدة النـــــسوان فـاطمة*** وابن الوصــي الذي في سيفه نقم‏
إذا رأته قـــــريــش قال قائـــــلها*** إلى مكارم هذا ينتـــــهي الكـــــرم‏
يكاد يمـــــسكه عــــــرفان راحته*** ركن الحـــــــطيم إذا ما جاء يستلم‏
ولـيــــــس قولك من هذا بضائره*** العرب تــــعرف من أنكرت والعجم‏
ينـمي إلى ذروة العز التي قصرت*** عن نـــــيلها عرب الإسلام والعجم
يــغضي حياء ويُغضى من مهابته*** فما يـــــــكلم إلا حين يبـــــتســـــم‏
ينجاب نور الدجى عن نور غرته*** كالشمس ينجاب عن إشراقها الظلم‏
بكفه خـــــيزران ريـــــحــه عبق*** من كــــف أروع في عرنـينه شمم‏
ما قال لا قـــــط إلا فـــــي تشهده*** لولا التشـــــهد كانــــت لاؤه نعـــم‏
مشتقة من رسول الله نـــــبـــعته*** طابت عناصـــــره والخــيم والشيم‏
حمال أثـــــقال أقوام إذا فدحـــــوا*** حلو الشـــــمائل تحــــلو عنده نعم‏
إن قال قال بما يهوى جميــــــعهم*** وإن تكـــــلم يومـــــا زانه الــــكلم‏
هذا ابن فاطمة إن كنت جــــــاهله*** بجده أنـــــبياء الله قـــــد خــــتموا
الله فــــــضله قـــــدما وشـــــرفه*** جـــــرى بذاك له فــــي لوحه القلم
من جده دان فضــــــل الأنبياء له*** وفضـــــل أمـــــــته دانت لها الأمم
عم البرية بالإحسان وانقشـــــعت*** عـــــنها العماية والإمــلاق والظلم‏
كلتا يديه غيـــــاث عم نفــــــعهما*** يســـــتوكفان ولا يــــعروهما عدم
سهل الخليفة لا تخـــــشى بوادره*** يزينه خصـــــلتان الحـــــلم والكرم
لا يخلف الوعد ميــــــمونا نقيبته*** رحب الفـــــناء أريـــب حين يعترم
من معشر حبهم دين وبغضـــــهم*** كفر وقــــــربهم منجى ومـــــعتصم
يستدفع السوء والبــــلوى بحبهم*** ويســـــتزاد به الإحســــــان والنعم
مقـــدم بـــــعد ذكر الله ذكـــــرهم*** في كل فرض ومختـــــوم به الـــكلم
إن عد أهل التـــــقى كانوا أئمتهم*** أو قيل من خير أهل الأرض قيل هم
لا يستطــــــــيع جواد بعد غايتهم*** ولا يـــــدانيهم قـــــــوم وإن كرموا
هم الغيوث إذا ما أزمـــــة أزمــت*** والأسد أسد الشرى والبأس مـحتدم
يأبى لهم أن يحل الذم ساحـــــتهم*** خـــــيم كريم وأيـــــد بالندى هضـم‏
لا يقبض العسر بســطا من أكفهم*** سيـــــان ذلك إن أثروا وإن عدموا
إن القـــــبائل ليست في رقابـــهم*** لأوليـــــة هـــــذا أو لـــــه نعــــــم
من يعرف الله يـــــعرف أولـية ذا*** فالدين مـــــن بـــيت هذا ناله الأمم
بيوتهم في قريــــش يستضاء بها*** في النائبات وعند الحـكم إن حكموا
فجده من قـــــريش في أرومـــتها*** محـــــمد وعلي بـــــعـــده عـــــلم
بدر له شاهد والشــــــعب من أحد*** والخندقان ويوم الفــــتح قد علموا
وخـــــيبر وحنين يشـــــــهدان له*** وفـــــي قريظة يوم صـــــيلم قتــم
مواطن قد علـــــت في كل نائـــبة*** عـــــلى الصحابة لم أكتم كما كتموا
فغضب هشام ومنع جائزته وقال: ألا قلت فينا مثلها؟!
قال: هات جداً كجده، وأبا كأبيه، وأما كأمه، حتى أقول فيكم مثلها.
فحبسوه بعسفان بين مكة والمدينة، فبلغ ذلك علي بن الحسين(عليه السلام) فبعث إليه باثني عشر ألف درهم وقال: �أعذرنا يا أبا فراس، فلو كان عندنا أكثر من هذا لوصلناك به�.
فردها وقال: يا ابن رسول الله، ما قلت الذي قلت إلا غضبا لله ولرسوله، وما كنت لأرزأ عليه شيئا.
فردها إليه وقال: �بحقي عليك لما قبلتها فقد رأى الله مكانك وعلم نيتك فقبلها�(35).
فأين ربك؟
خرج علي بن الحسين (عليه السلام) إلى مكة حاجاً حتى انتهى إلى بين مكة والمدينة، فإذا هو برجل يقطع الطريق، فقال لعلي بن الحسين (عليهما السلام): أنزل.
قال(عليه السلام): �تريد ماذا؟�.
قال: أريد أن أقتلك وآخذ ما معك.
قال (عليه السلام): �فأنا أقاسمك ما معي وأحللك�.
قال: فقال اللص: لا.
قال: �فدع معي ما أتبلّغ به�.
فأبى.
قال: �فأين ربك؟�.
قال: نائم!.
قال: فإذا أسدان مقبلان بين يديه فأخذ هذا برأسه وهذا برجليه.
قال: �زعمت إن ربك عنك نائم�(36).
حينما تشكو الظبية
روي: بينا علي بن الحسين (عليهما السلام) كان جالساً مع أصحابه إذ أقبلت ظبية من الصحراء حتى قامت بحذاه وضربت بذنبها وحمحمت، فقال بعض القوم: يا ابن رسول الله، ما تقول هذه الظبية؟
قال: �تزعم أن فلان بن فلان القرشي أخذ خشفها بالأمس وإنها لم ترضعه منذ أمس شيئاً�، فوقع في قلب رجل من القوم شيء.
فأرسل علي بن الحسين (عليهما السلام) إلى القرشي فأتاه، فقال له: �ما لهذه الظبية تشكوك؟�.
قال: وما تقول؟
قال: �تقول: إنك أخذت خشفها بالأمس في وقت كذا وكذا، وإنها لم ترضعه شيئاً منذ أخذته، وسألتني أن أبعث إليك فأسألك أن تبعث به إليها لترضعه وترده إليك�.
فقال الرجل: والذي بعث محمداً (صلى الله عليه و آله) بالحق لقد صدقت عليّ.
قال: فأرسل إلى الخشف فجيء به.
قال: فلما جاء به أرسله إليها، فما رأته حمحمت وضربت بذنبها ثم رضع منها..
فقال علي بن الحسين (عليهما السلام) للرجل: �بحقي عليك إلا وهبته لي�.
فوهبه له.
ووهبه علي بن الحسين (عليهما السلام) لها، وكلمها بكلامها.
فحمحمت وضربت بذنبها وانطلقت وانطلق الخشف معها.
فقالوا: يا ابن رسول الله ما الذي قالت؟
قال: �دعت لكم وجزتكم خيراً�(37).

شهادته (عليه السلام) وسبب ذلك
كانت شهادة الإمام زين العابدين (صلوات الله وسلامه عليه) في يوم 25 من شهر محرم الحرام عام 94 للهجرة (38).
وقيل: كانت يوم السبت لأحد عشر ليلة بقيت من المحرم أو لاثنتي عشرة سنة خمسة وتسعين للهجرة، وله يومئذ (57 سنة) وقيل: (59 سنة) وقيل: (54 سنة)(39).
وقد سمّه وليد بن عبد الملك، فقضى نحبه مسموماً شهيداً، ودفن في البقيع الغرقد(40) حيث مزاره الآن، وقد هدم الوهابيون تلك المزارات الطاهرة.

الوصية
روي عن الإمام الباقر (عليه السلام) قال: �لما حضرت علي بن الحسين (عليه السلام) الوفاة ضمني إلى صدره، ثم قال: يا بني أوصيك بما أوصاني به أبي(عليه السلام) حين حضرته الوفاة، وبما ذكر أن أباه أوصاه به، قال: يا بنيّ إياك وظلم من لا يجد عليك ناصراً إلا الله�(41).
وعن الإمام الرضا (عليه السلام) قال: �لما حضر علي بن الحسين (عليه السلام) الوفاة، أغمي عليه ثلاث مرات، فقال في المرة الأخيرة: ] الحمد لله الذي صدقنا وعده وأورثنا الأرض نتبوأ من الجنة حيث نشاء فنعم أجر العاملين[ (42) ثم توفي(عليه السلام)�(43).

درر من كلماته (عليه السلام)
الدنيا قنطرة
قال الإمام زين العابدين (عليه السلام) يوماً لأصحابه: �إخواني، أوصيكم بدار الآخرة، ولا أوصيكم بدار الدنيا؛ فإنكم عليها حريصون وبها متمسكون، أما بلغكم ما قال عيسى بن مريم (عليه السلام) للحواريين، قال لهم: الدنيا قنطرة فاعبروها ولا تعمروها، وقال: أيكم يبني على موج البحر داراً، تلكم الدار الدنيا فلاتتخذوها قراراً�(44).
أحبكم إلى الله
عن أبي حمزة الثمالي قال: إن علي بن الحسين (عليه السلام) كان يقول لأصحابه: �إن أحبكم إلى الله عزوجل أحسنكم عملاً.
وإن أعظمكم عند الله عملا أعظمكم فيما عند الله رغبة.
وإن أنجاكم من عذاب الله أشدكم خشية لله.
وإن أقربكم من الله أوسعكم خلقاً.
وإن أرضاكم عند الله أسبغكم على عياله.
وإن أكرمكم عند الله جل وعز أتقاكم لله تعالى�(45).

الموت عند المؤمن والكافر
قيل له (عليه السلام): ما الموت؟
قال (عليه السلام): �للمؤمن كنزع ثياب وسخة قملة، وفك قيود وأغلال ثقيلة، والاستبدال بأفخر الثياب وأطيبها روائح وأوطأ المراكب وآنس المنازل، والكافر كخلع ثياب فاخرة، والنقل عن منازل أنيسة، والاستبدال بأوسخ الثياب وأخشنها، وأوحش المنازل وأعظم العذاب�(46).
فلان وفلان؟
وقال (عليه السلام): �ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم: من جحد إماماً من الله، أو ادعى إماماً من غير الله، أو زعم أن لفلان وفلان نصيباً في الإسلام�(47).
كل الخير
وقال (عليه السلام): �فقد رأيت الخير كله قد اجتمع في قطع الطمع عما في أيدي الناس، ومن لم يرج الناس في شيء وردّ أمره في جميع أموره إلى الله تعالى استجاب الله له في كل شيء�(48).

حقوق الأخوان
وقال (عليه السلام): �يغفر الله للمؤمن كل ذنب ويطهره منه في الدنيا والآخرة ما خلا ذنبين: ترك التقية، وتضييع حقوق الإخوان�(49).
الصبر
وقال (عليه السلام) في جملة وصاياه (عليه السلام) لابنه: �يا بني اصبر على النوائب، ولاتتعرض للحقوق، ولا تجب أخاك إلى الأمر الذي مضرته عليك أكثر من منفعته له�(50).
بين الدنيا والآخرة
وقال (عليه السلام): �إن الدنيا قد ارتحلت مدبرة، وإن الآخرة قد ارتحلت مقبلة، ولكل واحدة منهما بنون، فكونوا من أبناء الآخرة ولا تكونوا من أبناء الدنيا.
ألا وكونوا من الزاهدين في الدنيا، الراغبين في الآخرة.
ألا إن الزاهدين في الدنيا اتخذوا الأرض بساطاً والتراب فراشاً والماء طيباً وقرضوا من الدنيا تقريضاً.
ألا ومن اشتاق إلى الجنة سلا عن الشهوات، ومن أشفق من النار رجع عن المحرمات، ومن زهد في الدنيا هانت عليه المصائب.
ألا إن لله عباداً كمن رأى أهل الجنة في الجنة مخلدين، وكمن رأى أهل النار في النار معذبين، شرورهم مأمونة، وقلوبهم محزونة، أنفسهم عفيفة، وحوائجهم خفيفة، صبروا أياماً قليلة، فصاروا بعقبى راحةٍ طويلة، أما الليل فصافّون أقدامهم، تجري دموعهم على خدودهم، وهم يجأرون إلى ربهم، يسعون في فكاك رقابهم، وأما النهار فحكماء علماء، بررة أتقياء، كأنهم القداح، قد براهم الخوف من العبادة، ينظر إليهم الناظر فيقول مرضى، وما بالقوم من مرض، أم خولطوا فقد خالط القوم أمر عظيم من ذكر النار وما فيها�(51).
لا تصحبن خمسة
عن الإمام محمد الباقر (عليه السلام) قال: �أوصاني أبي، فقال: يا بني، لاتصحبنّ خمسة، ولا تحادثهم ولا ترافقهم في طريق.
فقلت: جعلت فداك يا أبة من هؤلاء الخمسة؟
قال: لا تصحبن فاسقاً، فإنه يبيعك بأكلة فما دونها.
فقلت: يا أبة وما دونها؟
قال: يطمع فيها ثم لا ينالها.
قال: قلت: يا أبة ومن الثاني؟
قال: لا تصحبن البخيل، فإنه يقطع بك في ماله أحوج ما كنت إليه.
فقلت: ومن الثالث؟
قال: لا تصحبنّ كذاباً، فإنه بمنزلة السراب يبعد منك القريب ويقرب منك البعيد.
قال: فقلت: ومن الرابع؟
قال: لا تصحبنّ أحمق، فإنه يريد أن ينفعك فيضرّك.
قال: قلت: يا أبة من الخامس؟
قال: لا تصحبن قاطع رحم فإني وجدته ملعوناً في كتاب الله في ثلاثة مواضع�(52).
أربع أعين
وقال (عليه السلام): �ألا إن للعبد أربع أعين، عينان يبصر بهما أمر دينه ودنياه، وعينان يبصر بهما أمر آخرته، فإذا أراد الله بعبد خيراً فتح له العينين اللتين في قلبه، فأبصر بهما الغيب وأمر آخرته، وإذا أراد به غير ذلك ترك القلب بما فيه�(53).
احذر الأحمق
وقال (عليه السلام): �كَف الأذى رفض البذاء، واستعن على الكلام بالسكوت فإن للقول حالات تضر، فاحذر الأحمق�(54).
الصدق والوفاء
وقال (عليه السلام): �خير مفاتيح الأمور الصدق، وخير خواتيمها الوفاء�(55).
مسكين ابن آدم
جاء رجل إلى علي بن الحسين (عليهما السلام) يشكو إليه حاله، فقال (عليه السلام): �مسكين ابن آدم، له في كل يوم ثلاث مصائب لا يعتبر بواحدة منهن، ولو اعتبر لهانت عليه المصائب وأمر الدنيا، فأما المصيبة الأولى: فاليوم الذي ينقص من عمره.
قال: وإن ناله نقصان في ماله اغتم به، والدرهم يخلف عنه والعمر لا يرده شيء.
والثانية: أنه يستوفي رزقه فإن كان حلالا حوسب عليه، وإن كان حراما عوقب عليه،
قال: والثالثة أعظم من ذلك�.
قيل: وما هي؟
قال: �ما من يوم يمسي إلا وقد دنا من الآخرة مرحلة لا يدري على الجنة أم على النار�(56).
أكبر ما يكون ابن آدم
وقال(عليه السلام): �أكبر ما يكون ابن آدم اليوم الذي يلد من أمه�.
قالت الحكماء: ما سبقه إلى هذا أحد(57).
ثلاث خصال
وقال(عليه السلام): �لا يهلك مؤمن بين ثلاث خصال: شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وشفاعة رسول الله(صلى الله عليه و آله)، وسعة رحمة الله� (58).
الخوف والحياء
وقال(عليه السلام): �خف الله تعالى لقدرته عليك واستحي منه لقربه منك� (59).

لا للعداوة
وقال(عليه السلام): �لا تعادين أحدا وإن ظننت أنه لا يضرك، ولا تزهدن في صداقة أحد وإن ظننت أنه لا ينفعك؛ فإنه لا تدري متى تخاف عدوك ومتى ترجو صديقك، وإذا صليت فصل صلاة مودع� (60).
الشرف في التواضع
وقال(عليه السلام): �لا تمتنع من ترك القبيح وإن كنت قد عرفت به، ولا تزهد في مراجعة الجميل وإن كنت قد شهرت بخلافه، وإياك والرضا بالذنب فإنه أعظم من ركوبه، والشرف في التواضع والغنى في القناعة�(61) .