موقف القانون العراقي وقوانين بعض الدول العربية
عالج المشرع العراقي موضوع الطلاق في المواد ( 34 – 46 ) من قانون الأحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959 المعدل ولم يرد فيه أي نص يتطرق إلى موضوع الإشهاد على الطلاق . فما هو الحكم إذن مع هذا الاختلاف الفقهي في حكم الإشهاد على الطلاق ؟ نصت المادة الأولى من القانون المذكور على أنه (( 1 – تسري النصوص التشريعية في هذا القانون , على جميع المسائل التي تناولتها هذه النصوص في لفظها أو في فحواها . 2 – أذا لم يوجد نص تشريعي يمكن تطبيقه فيحكم بمقتضى مبادئ الشريعة الإسلامية الأكثر ملائمة لنصوص هذا القانون . 3 – تسترشد المحاكم في كل ذلك بالأحكام التي اقرها القضاء والفقه الإسلامي في العراق وفي البلاد الإسلامية الأخرى التي تتقارب قوانينها مع القوانين العراقية .)) . يتضح لنا من نص الماد ة الأولى والنصوص التي تناولت موضوع الطلاق في المواد من (34 – 46 ) من قانون الأحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959 المعدل أن المشرع العراقي لم يتبن أيا من الرأيين اللذين استقر عليهما الحال في الفقه الإسلامي , وإنما ترك الأمر إلى القضاء العراقي الذي سنتعرف على موقفه في المطلب الثاني من هذا المبحث . موقف القانون المصري : - اشترط القانون المصري رقم 25 لسنة 1929 المعدل بالقانون رقم 100 لسنة1985 في المادة 5 منه والمادة 23 من القانون 100 لسنة 1985 على المطلق أن يوثق طلاقه لدى الموثق المختص خلال ثلاثين يوما من تاريخ الطلاق , ويرى شراح القانون في مصر أن التوثيق إجراء شكلي ليس له أثر على واقعة الطلاق , لأنه يقع من تاريخ النطق به من قبل الزوج ويجوز إثباته بكافة طرق الإثبات ولا يشكل التوثيق قيدا على ذلك , ولا يترتب على عدم التوثيق عدم سماع دعوى الطلاق , بل تسمع , وكل ما يترتب على عدم قيام الزوج بتوثيق الطلاق أن الآثار المالية للطلاق في حالة إخفاء الزوج واقعة الطلاق على زوجته ( مطلقته ) لا تبدأ إلا من تاريخ علمها بالطلاق , فضلا عن الجزاءات الأخرى التي نص عليها القانون , ولكن ما هو الحكم في مصر بعد صدور قانون تنظيم بعض أوضاع وإجراءات التقاضي في مسائل الأحوال الشخصية رقم 1 لسنة 2000 الذي نص في المادة 21 منه على عدم الاعتداد في إثبات الطلاق عند الإنكار إلا بالإشهاد والتوثيق ؟ وللإجابة على هذا التساؤل نقول أن المحكمة الدستورية في مصر قضت بعدم دستورية النص المذكور في حكمها الصادر في القضية رقم 113 لسنة 26 قضائية المحكمة الدستورية العليا بتاريخ 15 يناير 2006 الذي جاء فيه (( بتاريخ 10 مايو 2004 ورد إلى قلم كتاب المحكمة ملف الدعوى رقم 1299 لسنة 2003 شرعي كلي شبين الكوم بعد أن قضت محكمة شبين الكوم الكلية للأحوال الشخصية نفس , بوقفها وإحالة ألأوراق إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل في دستورية نص المادة (21) من قانون تنظيم بعض أوضاع وإجراءات التقاضي في مسائل الأحوال الشخصية الصادر بالقانون رقم 1 لسنة 2000 . وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت فيها الحكم برفض الدعوى . وبعد تحضير الدعوى , أودعت هيئة المفوضين تقريرا برأيها . ونظرت الدعوى على الوجه المبين بمحضر الجلسة , وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم "المحكمة" بعد الاطلاع على الأوراق والمداولة . حيث إن الوقائع ( على ما يبين من حكم الإحالة وسائر ألأوراق ) تتحصل في أن المدعية كانت قد أقامت الدعوى رقم 1299 لسنة 2003 شرعي كلي أمام محكمة شبين الكوم الكلية للأحوال الشخصية نفس , بطلب الحكم بإثبات طلاقها من المدعى عليه طلاقا بائنا بينونة كبرى المكمل للثلاث طلقات اعتبارا من شهر مايو سنة 2003 قولا منها بأنها تزوجت من المدعى عليه بالعقد الصحيح بتاريخ 15\12\1971 , ودخل بها وعاشرها معاشرة الأزواج وأنجب منها ذكورا وإناثا وانه دأب على طلاقها ومراجعتها من نفسه دون توثيق الطلاق رغم وقوعه شرعا , إلى أن قام في غضون شهر مايو سنة 2003 بطلاقها الطلقة الثالثة التي غدا بها طلاقها منه بائنا بينونة كبرى , وقد أعترف بذلك أمام شهود عدول , وأفتت دار الإفتاء المصرية في مواجهته بأن المدعية أصبحت محرمة عليه شرعا لطلاقها المكمل لثلاث , بحيث لا تحل له إلا أن تنكح زوجا غيره , دون أن تكون هناك فتوى مكتوبة , وعلى أثر ذلك انتقلت المدعية للإقامة مع ذويها , غير أن المدعى عليه رفض توثيق الطلاق , مما حدا بها إلى إقامة دعواها المشار إلها توصلا للقضاء لها بطلباتها المتقدمة . وأثناء نظر الدعوى قررت المحكمة ضم الدعوى رقم 1449 لسنة 2003 شرعي كلي شبين الكوم ( المقامة من المدعية ضد المدعى عليه للاعتراض على إنذار الطاعة الموجه منه لها ) إلى الدعوى للارتباط وليصدر فيهما حكم واحد , وبجلسة 31\3\2004 قضت المحكمة بوقف الدعوى 1299 لسنة 2003 شرعي كلي شبين الكوم وإحالتها إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل في دستورية نص المادة (21 ) من القانون 1 لسنة 2000 لما تراءى لها من مخالفته للمادتين (2 , 12 ) من الدستور , وفي الدعوى رقم 1449 لسنة 2003 شرعي كلي شبين الكوم بوقف الاعتراض وقفا تعليقيا لحين الفصل في موضوع الدعوى رقم 1229 لسنة 2003 شرعي كلي شبين الكوم بإثبات طلاق المعترضة بحكم نهائي . وحيث أن المادة (21) من القانون رقم 1 لسنة 2000 المشار إليه تنص على أن " لايعتد في إثبات الطلاق عند الإنكار إلا بالإشهاد والتوثيق , وعند طلب الإشهاد عليه وتوثيقه يلتزم الموثق بتبصير الزوجين بمخاطر الطلاق , ويدعوهما إلى اختيار حكم من أهله وحكم من أهلها للتوفيق بينهما , فأن أصر الزوجان معا على إيقاع الطلاق فورا , أو قررا معا أن الطلاق قد وقع , أو قرر الزوج أنه أوقع الطلاق , وجب توثيق الطلاق بعد الإشهاد عليه . وتطبق جميع الأحكام السابقة في حالة طلب الزوجة تطليق نفسها إذا كانت قد احتفظت لنفسها بالحق في ذلك في وثيقة الزواج . ويجب على الموثق إثبات ما تم من إجراءات في تاريخ وقوع كل منها على النموذج المعد لذلك , ولا يعتد في إثبات الطلاق في حق أي من الزوجين إلا إذا كان حاضرا إجراءات التوثيق بنفسه أو بمن ينوب عنه أو من تاريخ إعلانه بموجب ورقة رسمية" . وحيث أن المسائل الدستورية التي تقضي محكمة الموضوع بإحالتها مباشرة إلى المحكمة الدستورية العليا عملا بالبند (أ) من المادة (29 ) من قانونها الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979 , لازمها أن تبين النصوص القانونية التي تقدر مخالفتها للدستور , ونصوص الدستور المدعى بمخالفتها , ونطاق التعارض بينهما , وان يكون قضاؤها هذا دالا على انعقاد إرادتها على عرض المسائل الدستورية التي ارتأتها مباشرة على المحكمة الدستورية العليا استنهاضا لولايتها بالفصل فيها , وهو ما يتعين على هذه المحكمة تحريه في ضوء ما قصدت إليه محكمة الموضوع وضمنته قضاؤها بالإحالة , وصولا لتحديد نطاق المسائل الدستورية التي تدعى المحكمة للفصل فيها . وحيث أن المصلحة الشخصية المباشرة ( وهي شرط لقبول الدعوى الدستورية ) مناطها أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة في الدعوى الموضوعية , وذلك بأن يكون الفصل في المسائل الدستورية لازما للفصل في الطلبات الموضوعية المرتبطة بها والمطروحة على محكمة الموضوع . وحيث أن الثابت من الاطلاع على الأوراق , أن نطاق الإحالة كما قصدت إليه محكمة الموضوع , وضمنته أسباب حكمها بالإحالة , إنما ينصب على ما تضمنه نص المادة ( 21 ) المطعون فيه من قصر الاعتداد في إثبات الطلاق عند الإنكار على الإشهاد والتوثيق دون غيره من طرق الإثبات المقررة , وهو الشق من النص الطعين الذي تتحقق المصلحة الشخصية المباشرة بالنسبة له , بحسبان أن مبنى النزاع الموضوعي هو طلب الحكم بإثبات الطلاق لامتناع المدعى عليه المطلق عن إثباته طبقا للنص المشار إليه , وان القضاء في مدى دستورية هذا النص سيكون له أثره وانعكاسه على الطلب الموضوعي سالف الذكر , وقضاء محكمة الموضوع فيه , ومن ثم فأن نطاق الدعوى الراهنة والمصلحة فيها تكون قائمة بالنسبة للنص المذكور في حدود اطاره المتقدم , ولا تمتد إلى غير ذلك من الأحكام التي وردت بنص المادة ( 21 ) المطعون فيه . وحيث أن حكم الإحالة ينعى على هذا النص الطعين محددا نطاقا على النحو المتقدم مخالفته لنص المادتين ( 2, 12 ) من الدستور , على سند من أن هذا النص بقصره إثبات الطلاق عند الإنكار على الإشهاد والتوثيق خلافا للأصل المقرر شرعا من جواز إثبات الطلاق بكافة طرق الإثبات من بينة وإقرار ويمين , يترتب عليه نتائج يأباها الشرع ويتأذى لها الضمير , وذلك إذا ما وقع الطلاق بالتلفظ بألفاظه الدالة عليه صراحة أو ضمنا , رغم عدم إمكان إثباته بغير الدليل الذي حدده النص الطعين , بما مؤداه اعتبار العلاقة الزوجية قائمة ومستمرة قانونا , رغم ما يشوبها من حرمة شرعية وهو ما يخالف أحكام الدستور .وحيث أن المقرر في قضاء هذه المحكمة أن حكم المادة الثانية من الدستور ( بعد تعديلها في 22 من مايو سنة 1980 يدل على أن الدستور أوردها ليفرض بمقتضاها – اعتبارا من تاريخ العمل بهذا التعديل – قيدا على السلطة التشريعية يلزمها فيما تقره من النصوص القانونية , بألا تناقض أحكامها مبادئ الشريعة الإسلامية في أصولها الثابتة – مصدرا وتأويلا – والتي يمتنع الاجتهاد فيها , ولا يجوز الخروج عليها , أو الالتواء بها عن معناها , ولا كذلك الأحكام الضنية غير المقطوع بثبوتها أو بدلالتها أو بهما معا , ذلك أن دائرة الاجتهاد تنحصر فيها ولا تمتد لسواها , وهي بطبيعتها متطورة تتغير بتغير الزمان والمكان لضمان مرونتها وحيويتها . وإذا كان الاجتهاد في الأحكام الضنية وربطها بمصالح الناس عن طريق الأدلة الشرعية ( النقلية منها والعقلية ) حقا لأهل الاجتهاد , فأولى أن يكون هذا الحق مقررا لولي الأمر ينظر في كل مسألة بخصوصها بما يناسبها , وبمراعاة أن يكون الاجتهاد دوما واقعا في إطار الأصول الكلية للشريعة لا يجاوزها , ملتزما ضوابطها الثابتة , متحريا منهاج الاستدلال على الأحكام العملية والقواعد الضابطة لفروعها , كافلا صون المقاصد الكلية للشريعة , بما تقوم عليه من حفاظ على الدين والنفس والعقل والعرض والمال , مستلهما في كل ذلك حقيقة أن المصالح المعتبرة هي تلك التي تكون مناسبة لمقاصد الشريعة ومتلاقية معها ومن ثم كان حقا على ولي الأمر عند الخيار بين أمرين مراعاة أيسرهما ما لم يكن إثما , وكان واجبا كذلك ألا يشرع حكم يضيق الناس أو يرهقهم في أمرهم عسرا , وإلا كان مصادما لقوله تعالى " ما يريد الله ليجعل عليكم في الدين من حرج " وحيث أن الطلاق قد شرع رحمة من الله بعباده , وكان الطلاق هو من فرق النكاح التي ينحل الزواج الصحيح بها بلفظ مخصوص صريحا كان أم كناية , ولذلك حرص المشرع في القانون رقم 25 لسنة 1929 الخاص ببعض أحكام الأحوال الشخصية وتعديلاته ( وفقا لما أفصحت عنه المذكرة الإيضاحية للقانون رقم 100 لسنة 1985 بتعديل بعض أحكام قوانين الأحوال الشخصية ) على عدم وضع قيد على جواز إثبات الطلاق بكافة طرق الإثبات المقررة , غير أن المشرع قد إنتهج في النص الطعين نهجا مغايرا في خصوص إثبات الطلاق عند الإنكار , فلم يعتد في هذا المجال بغير طريق واحد هو الإشهاد والتوثيق معا , بحيث لا يجوز الإثبات بدليل أخر مع تسليم المشرع في ذات الوقت ( كما جاء بالمذكرة الإيضاحية للقانون رقم 1 لسنة 2000 المشار إليه ) بوقوع الطلاق ديانة وهذا النص وان وقع في دائرة الاجتهاد المباح شرعا لولي الأمر إلا انه ( في حدود نطاقه المطروح في الدعوى المماثلة ) يجعل المطلقة في حرج ديني شديد , يرهقها من أمرها عسرا ,إذا ما وقع الطلاق وعلمت به وأنكره المطلق , أو امتنع عن إثباته إضرارا بها مع عدم استطاعتها إثبات الطلاق بالطريق الذي أوجبه النص المطعون فيه , وهو ما يتصادم مع ضوابط الاجتهاد , والمقاصد الكلية للشريعة الإسلامية , فضلا عما يترتب على ذلك من تعرض المطلقة لأخطر القيود على حريتها الشخصية وأكثرها تهديدا ومساسا بحقها في الحياة , التي تعتبر الحرية الشخصية أصلا يهيمن عليها بكل أقطارها , تلك الحرية التي حرص الدستور على النص في المادة 41 منه على انها من الحقوق الطبيعية التي لا يجوز الإخلال بها أو تقييدها بالمخالفة لأحكامه , والتي يندرج تحتها بالضرورة تلك الحقوق التي لا تكتمل الحرية الشخصية في غيبتها , ومن بينها حقي الزواج والطلاق وما يتفرع عنهما , وكلاهما من الحقوق الشخصية التي لا تتجاهل القيم الدينية أو الخلقية أو تقوض روابطها , ولا تعمل بعيدا أو انعزالا عن التقاليد التي تؤمن بها الجماعة , بل تعززها وتزكيها بما يصون حدودها ويرعى مقوماتها , ومن اجل ذلك جعل الدستور في المادة ( 1\9 ) منه قوام الأسرة الدين والأخلاق , كما جعل رعاية الأخلاق والقيم والتقاليد والحفاظ عليها والتمكين لها التزاما دستوريا على عاتق الدولة بسلطاتها المختلفة والمجتمع ككل , ضمنه المادتين (2\9 , 12 ) من الدستور , الذي غدا إلى جانب الحرية الشخصية قيدا على السلطة التشريعية فلا يجوز لها أن تأتي عملا يخل بهما , ذلك أنه وان كان الأصل في سلطة المشرع في موضوع تنظيم الحقوق أنها سلطة تقديرية , إلا أن المشرع يلتزم بما يسنه من قوانين باحترام الأطر الدستورية لممارسته لاختصاصاته , وان يراعي كذلك أن كل تنظيم للحقوق لا يجوز أن يصل في منتهاه إلى إهدار هذه الحقوق أو أن ينتقص منها , ولا أن يرهق محتواها بقيود لا تكفل فاعليتها ألأمر الذي يضحى معه هذا النص فيما تضمنه من قصر الاعتداد في إثبات الطلاق عند الإنكار على الإشهاد والتوثيق دون غيرهما من طرق الإثبات المقررة , مخالفا للمواد ( 2 , 9 , 12 , 14 ) من الدستور . فلهذه الأسباب حكمت المحكمة بعدم دستورية نص المادة 21 من قانون تنظيم بعض أوضاع وإجراءات التقاضي في مسائل الأحوال الشخصية الصادر بالقانون رقم 1 لسنة 200 فيما تضمنه من قصر الاعتداد في إثبات الطلاق عند الإنكار على الإشهاد والتوثيق .))