أسباب وخلفيات الأحداث في تركيا
ان الاحداث التي تدور في تركيا هذه الايام هي ذات خلفيات متعددة، سياسية وثقافية واقتصادية ومذهبية، وهي انتقلت الى الشارع بعد ان عجز الشعب عبر وسائل الاعلام من احداث اي خرق، مع تشبث حزب العدالة والتنمية بمواقفه. وهذه الخلفيات تجمعت تحت عنوان واحد هو الصراع بين من يريد الحفاظ على علمانية تركيا كونها تحتوي على العديد من الطوائف والمذاهب والاعراق، وبين من يريد اسلمة تركيا تحت عنوان العثمانية الجديدة.
ان هذا الصراع بدأ يتمظهر ابان الانتخابات الاخيرة التي عادت بحزب أردوغان الى السلطة، ولكن هذه المرة بأصوات أبناء الطائفة الكبرى، خلافا للدورة التي سبقتها واتت بحزب العدالة الى السلطة من خلال قاعدة شعبية تمثل جميع اطياف المجتمع التركي. وقد اعتبر المحللون بعد الانتخابات الاخيرة ان سياسة حزب العدالة والتنمية أدت دورا سلبيا في تركيا جعلت الانقسام فيها عاموديا أثر على نسيجها وتركيبتها الاجتماعية.
رغم العديد من النجاحات السياسية والاقتصادية لحزب العدالة ، الا ان هذا الانقسام بدأ بالبروز والاتساع اكثر فأكثر مع إمعان اردوغان بسياساته التي لم تاخذ بعين الاعتبار المخاطر التي تسبب بها ، لا بل زاد من اصراره عليها .
فهو قد حصر نشاطه الاقتصادي في مناطق دون اخرى وبخلفية مذهبية. واستفز العلويين بالعديد من المواقف، ليس اخرها تسمية الجسر الجديد باسم السلطان سليم قاتل العلويين وعدم مبالاته باحتجاجتهم. كما انه لم يراع الداخل التركي في مواقفه من الاحداث في سوريا، ولم يحاول ان يبرر للعلوين والاكراد ولعموم الاتراك مذهبة الحرب فيها، لا بل كانت كل مواقفه تزيد من حدة التوتر المذهبي . تعاطى مع البلديات التي لا يراسها حزب العدالة بحصار اقتصادي لا مثيل له، ومدينة ازمير السياحية هي خير دليل على ذلك، اي انه استخدم سلطته ليمنع نجاح الاخرين. تعاطى مع الملف الكردي كونه مشكلة حزب وليس قضية شعب مظلوم داخل تركيا. تعامل مع العادات الاجتماعية في بلد شديد العلمانية بطريقة فجة لم تتقبلها كافة فئات الشعب.
أما في السياسة الخارجية فهو كان يفتخر بأن سياسته الخارجية المنفتحة ستجعل تركيا في صفر مشاكل ، بحسب نظرية احمد داوود أوغلو منظر حزب العدالة والتنمية، الا انه حولها إلى دولة لديها مشاكل مع كل جيرانها، ما عدا اسرائيل التي حاول ان يظهر للدول العربية والاسلامية انه يعاديها ويتعامل معها بنديّة، الا انه تبين انها الدولة الاقرب اليه والاسهل في حل المشاكل معها من غيرها من البلدان.
وبدل ان يقوم اردوغان بالتحرك الايجابي لاستيعاب الشارع واتخاذ اجراءات كفيلة بتهدئته ، تحرك بطريقة معاكسة تنم عن غرور واستعلاء وعدم اعتبار لرأي الناس، متهما المتظاهرين بانهم لصوص ، لا بل وهددهم بأنه يستطيع انزال اكثر من مليون شخص بوجههم، وقد فهم المتظاهرون انه يقصد بذلك تحويل الصراع الى صراع مذهبي من خلال تحريض الجمهور السني ضد المتظاهرين.
فلا هذا الحراك هو حراك عفوي ومؤقت، ولا اردوغان عرف كيف يتعامل معه حتى الان، وبالتالي فإن الازمة مقبلة الى مزيد من التأزم فيما لو لم يعيد اردوغان وحزبه حساباتهم السياسية.