التبرك بالمقدسات من الأمور الجيدة الممدوحة عقلاً ونقلاً، وقد جرت عليه سيرة المسلمين قديماً وحديثاً، ففي تركيا وباكستان ومصر والهند وتونس وغيرها نجد المراقد المحترمة للأولياء والأتقياء مقدسة موقرة يتبرك بها الناس،
أفترى هؤلاء كلهم مشركين أو يقومون بأفعال الشرك؟
القرآن الكريم كتاب الله سبحانه يتبرك به الناس فيقبلونه ويضعونه على أعينهم دون أن يرى أحدٌ في فعلهم غضاضة أو خطأ.
فما هذه الشنشنة من بعض الناس المعترضة على التبرك بالأضرحة وتقبيلها وغير ذلك.
روى البخاري كتاب اللباس، ج7، ص199 هذا الحديث:
باب القبّة الحمراء من أدم: حدّثنا محمد بن عرعرة قال حدثني عمر بن أبي زائدة عن عون بن أبي جحيفة عن أبيه قال أتيت النبي (عليه السلام) وهو في قبة حمراء من أدم، ورأيت بلالاً أخذ وضوء النبي (صلّى الله عليه وآله) والناس يبتدرون الوضوء فمن أصاب منه شيئاً تمسّح به، ومن لم يصب منه شيئاً، أخذ من بلل يد صاحبه.
هذا الحديث دل على جواز التبرك، بمُلابس أحد الأطهار كماء وضوئه، وتقرير النبي (صلّى الله عليه وآله) وسكوته حجة على الجواز. يتمادى البعض فينهي عن التبرك بالكعبة وتقبيل حيطانها ويخصص التقبيل بالحجر الأسود فقط مستدلاً بقول بعض الصحابة مخاطباً للحجر:
إني أعلم أنك حجر لا تضرّ ولا تنفع ولولا أني رأيت رسول الله يقبلك ما قبّلتك.
والجواب عن هذا واضح: وهو إن كان هذا حجراً لا يضر ولا ينفع فلماذا قبّله رسول الله؟ أفتراه فعله عبثاً؟ حاشا رسول الله عن ذلك، لماذا لم يقبّل رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أحجار الشوارع، وما أكثرها وما أجملها لو قيست بالحجر الأسود؟ عندما يقبل البعض العلم (علم البلاد) وهو خرقة ملوّنة لا يلام على فعلته، أما إذا قبّل ضريح رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أو أحد الأطهار من أهل بيته يلام، إن هذا لعجب!
ثم إن القاعدة الفقهية في الأمور التي لم يرد فيها نهي هي الحلّ، كل شيء لك حلال حتى تعلم أنه حرام، وهذا أمر متّفق عليه، فلو قلت لشخص: لبس النظارة حرام، لقال لك: ما الدليل على الحرمة مع أن الأصل الإباحة؟ كذلك تقبيل الأضرحة الأصل فيه الحل، فكل من يدّعي التحريم عليه إقامة الدليل، وإلا كان قوله افتراءً على الدين والشرع.
الحرمة حكم شرع كالوجوب والاستحباب والكراهة تحتاج إلى دليل فمن ادّعاها من دون دليل فهو مفترٍ على الله عزّ وجلّ.