2013
كتابة وتوثيق: رواء الجصاني
في خلاصات ومحطات سريعة تهدف للتوثيق بشكل رئيس، وإلى رصد وتأرخة بعض يسير من بحر لواعج الجواهري العظيم، ومواجهاته… نجهد في التالي من “مختارات” لنغطي كماً آخر من نماذج ذات صلة، ومن مجموعة قصائد عديدة… وان اختلفت الأغراض والتفاصيل والسياقات، وحتى الأزمنة:
فقد جاء في قصيدة “شباب يذوي” التي نظمت عام 1931:
ذوى شبابيَ لم ينعم بسراء ِ
كما ذوى الغصن ممنوعاً من الماء ِ
سَدت عليّ مجاري العيش صافية
كف الليالي ، واجرتها باقذاء ِ
ومن رائية الشاعر الكبير التي حملت عنوان “المحرّقة” عام 1931 نقتطف:
أحاول خرقاً في الحياة فما اجرا
وآسف ان اروح ولم أبق لي ذكرا …
لبست لباس الثعلبين مكرها ،
وغطيت نفساً انما خلقت نسرا …
وما أنت بالمعطي التمرد حقه ،
إذا كنت تخشى أن تجوع وان تعرى
وفي تعبير عن لواعج مباشرة، يكتب الجواهري قصيدته “معرض العواطف” عام 1935 وجاء في مقدمتها:
أبرزت قلبي للرماة معرضا
وجلوت شعري للعواصف مَعرضا
ابرمت ما ابرمته مستسهلاً
ان حان موعدُ نقضهِ ان يُنقضا…
ومدحت من لا يستحق ، وراق لي ،
تكفيرتي بهجائه عما مضى …
ووجدت في هتك الرياء مخاضة ً
وحلفت ابرح ما استطعت مخوضا
أما في عام 1944 فينشر الجواهري قصيدته الموسومة “إلى الرصافي” وفي عمومها اذكاء للتقدير، وتقريع للجحود:
تمرست “بالأولى” فكنت المغامرا
وفكرت “بالأخرى” فكنت المجاهرا …
واني اذ اهدي اليك تحيتي ،
أهز بك الجيل العقوق المعاصرا
أهز بك الجيل الذي لا تهزه
نوابغهُ ، حتى تزور المقابرا
وبعيد وثبة كانون الثاني عام 1948، وإذ يتحرش نهّازون وتجار سياسة بمواقف الشاعر الوطنية، يرد الجواهري بقصيدة “غضبة” العنيفة، ومما جاء فيها:
عرت الخطوبُ وكيف لا تعرو ، وصبرت انت ودرعك الصبرُ …
عرت الخطوب فما خفضت لها ، من جانح ٍ وكذلك النسر
ومضيت تنتهب السما صعداً ، لك عند غر نجومها وكر …
عرت الخطوب وكيف لا تعرو وطريق مثلك ، صامداً، وعر
عدت الضباع عليك عاوية ، ظناً بأنك مأكل جزرُ
فتذوقتك فقال قائلها: ان الغضَـنفر لحمه مرُّ …
حسدوك انك دست هامهمُ متجبراً ، ولنعلك الفخر…
مثل اللصوص يلم شملهم خيط الدجى ، ويحله الفجرُ
ومرة أخرى، ولن تكون أخيرة بالتأكيد في حياة الجواهري “العامرة” باللواعج، والمواجهات، يتعرض الشاعر الرمز عام 1952 لتطاول جديد، فينال الادعياء بعد ذلك جزاءً “خالداً” بالتعبير المجازي:
غذيت بشتمك – سيد الشعراء -
ديدانُ أوبئة ٍ بغير ِ غذاء ِ
علقت زواحفها بمجدك مثلما
طمع العليق ُ بدوحة علياء ِ …
نفسي الفداء لمخلص متعذب ٍ
اما الدعيّ ففدية لحذائي
ويمر الشاعر عام 1954 بأزمة نفسية “طارئة” بسبب تجاوزات “طارئين” على السياسة والثقافة، فراح يخاطب الذات مستنهضاً الهمم والعزائم الجواهرية، معيباً الاستسلام والتردد، فقال:
خبت للشعر أنفاس ، أم اشتط بك الياس …
أم الفكر باظلاف الوحوش الغبر ينداس ُ …
نَعَوْك كأنما منعاك للغربان أعراس …
ترفق ان جُرح “القوم” قتالٌ وحساس …
وياصلّ الرمال السمر لا يرهبك نسناس …
فما أنت وأقفاص ، بها يزحف خنّاسُ …
وفي عام 1960، حين كان الجواهري في آن واحد: أول رئيس لاتحاد الأدباء العراقيين، وأول نقيب للصحفيين في البلاد، تسف صحف لئيمة، وأقلام أجيرة، وبتحريض زعامات رسمية وسياسية، فتتصدى لها بائية ثائرة، أدت الغرض بأبيات أربعة وحسب:
سيسبُ الدهرُ والتأريخ ُ من اغرى بسبي
لا أُولى سبوا ، فهم عبدان عبدان ٍ لربِّ
يا لخزي المشتلي كلباً لسب المتنبي ،
عرض كافور تهرى ، وله مليون كلب ِ
… وهكذا، ومع ثورة التنوير التي بقي الجواهري يواصلها ما عاش، يترافقُ تطاول هنا، ومحاولة تجاوز هناك، يترفع عنها الشاعر الكبير مرة، ويتجاهل غيرها مرة ثانية، ثم ليطلق عنان غضبه مرات أخر… ولنا عند ذلك وقفات اخريات ..