علم الإمام الجواد ( عليه السلام )

بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلِ على محمد وآله محمد الطيبين الطاهرين


علم الإمام الجواد ( عليه السلام )لا فضيلة كالعلم ، فإنّ به حياة الأمم وسعادتها ، ورقيّها وخلودها ،
وبه نباهة المرء وعلو مقامه وشرف نفسه .
ولا غرابة لو كان العلم أفضل من العبادة أضعافاً مضاعفه ، لأنّ العابد صالح على طريق نجاة ، قد استخلص نفسه فحسب ،
ولكن العالم مصلح يستطيع أن يستخرج عوالم كبيرة من غياهب الضلال ، وصالح في نفسه أيضاً ، وقد فتح عينيه في طريقه ،
ومن فتح عينه أبصر الطريق .
وقد جاء في السنّة الثناء العاطر على العلم ـ القدر المتيقّن منه علم الدين ـ وأهله ،
كما جاء في الكتاب آيات جمّة في مدحه ومدح ذويه ، وهذا أمر مفروغ عنه ، لا يحتاج إلى استشهاد واستدلال .
علم الأنبياء والأوصياء إلهامي :إنّ علم الدين إِلهامي وكسبي ، والكسبي يقع فيه الخطأ والصواب ، والصحّة والغلط ،
وغلط العالم وخطأه يعود على العالم كلّه بالخطأ والغلط ، لأنّ الناس أتباع العلماء في الأحكام والحلال والحرام ،
والله جلّ شأنه لا يريد للناس إِلاّ العمل بالشريعة التي أنزلها ، والأحكام التي شرّعها ،
فلابد إِذن من أن يكون في الناس عالم لا يخطأ ولا يغلط ، ولا يسهو ولا ينسى ، ليرشد الناس إلى تلك الشريعة المنزلة منه جلّ شأنه ،
والأحكام المشرّعة من لدنه سبحانه ، فلا تقع الأُمّة في إشراك الأخطاء وحبائل الأغلاط ،
ولا يكون ذلك إِلاّ إذا كان علم العالم وحياً أو إِلهاماً.
فمن هنا كان حتماً أن يكون علم الأنبياء وأوصيائهم من العلم الإِيحائي أو الإِلهامي صوناً لهم وللأُمم من الوقوع في المخالفة خطأً .
علم الإمام الجواد عليه السلام :إنّ الإمام الجواد ( عليه السلام ) انتهت إليه الإمامة وهو ابن سبع ، ونهض بأعبائها ،
وقام بما قام به آباؤه من التعليم والإرشاد ، وأخذ منه العلماء خاضعين مستفيدين ، وما وجدت فيه نقصاً عن علوم آياته ،
وهذا علي بن جعفر ـ شيخ العلويين في عهده سنّاً وفضلاً ـ إذا أقبل الجواد ( عليه السلام ) يقوم فيقبّل يده ،
وإِذا خرج يسوّي له نعله .
وسئل عن الناطق بعد الإمام الرضا ( عليه السلام )
فقال : أبو جعفر ابنه ، فقيل له : أنت في سنّك وقدرك وأبوك جعفر بن محمّد تقول هذا القول في هذا الغلام ،
فقال : ما أراك إِلاّ شيطاناً ، ثمّ أخذ بلحيته ، وقال : فما حيلتي إِن كان الله رآه أهلاً لهذا ،
ولم ير هذه الشيبة لها أهلاً .
هذا ، وعلي بن جعفر أخ الكاظم ( عليه السلام ) ، والكاظم جدّ الجواد ، فماذا ترى بينهما من السن ،
وعلي أخذ العلم من أبيه الصادق وأخيه الكاظم وابن أخيه الرضا ( عليهم السلام ) ،
فلو كان علمهم بالتحصيل لكان علي أكثر تحصيلاً ، أو الإمامة بالسنّ ، لكان علي أكبر العلويين سنّاً .
على أنّ الإمام الجواد ( عليه السلام ) قد فارقه أبوه يوم سافر إلى خراسان وهو ابن خمس ،
فمن الذي كان يؤدّبه ويثقّفه بعد أبيه حتّى جعله بتلك المنزلة العالية لو كان ما عندهم عن تعلّم وتأدّب ؟
ولم لا يكون المعلّم والمثقف هو صاحب المنزلة دونه .
واستشهد الإمام الجواد ( عليه السلام ) وهو ابن خمس وعشرين سنة ،
وأنت تعلم أن ابن هذا السنّ لم يبلغ شيئاً من العلم لو أنفق عمره هذا كلّه في الطلب ، فكيف يكون عالم الأُمّة ومرشدها ،
ومعلّم العلماء ومثقّفهم ، وقد رجعت إِليه الشيعة وعلماؤها من يوم وفاة أبيه الإمام الرضا ( عليه السلام ) .
فالجواد ( عليه السلام ) كسائر الأئمّة ( عليهم السلام ) ، لم يكن علمه كسبياً وأخذاً من أفواه الرجال ومدارستهم ،
ولو كان فممّن أخذ وعلى مَن تخرّج ؟ وليس في تأريخ واحد من الأئمّة ( عليهم السلام )
أنّه تتلمذ أو قرأ على واحد من الناس حتّى في سنّ الطفولة ، فلم يذكر في تأريخ طفولتهم أنّه دخلوا الكتاتيب ،
أو تعلّموا القرآن على المقرئين ، كسائر الأطفال من الناس ،
فما عِلمُ الإمام إِلاّ وراثة عن أبيه عن جدّه عن الرسول عن جبرائيل عن الجليل تعالى