«عصفور في اليد ولا عشرة على الشجرة»،
تأملت هذا المثل كثيراً، وفكرت فيه ملياً، فقد يكون هذا العصفور صفقة رابحة، أو مشروعاً تجارياً،
أو فرصة عمل، أو استكمال دراسة، وقد يكون زواجاً، أو رحلة، أو شراء سيارة أو منزل، وأياً كان نوع هذا العصفور؛ فإني أتساءل: تُرى كم من العصافير التي طارت منا في مشوار حياتنا وندمنا بعدها؟ وكم منها ماتت أمام أعيننا دون أن نتمكن من أن نسعفها؟ وكم منها تجاهلناها بإرادتنا؟ وكم منها كانت في أيدينا وضربنا بها عُرض الحائط؟ وكم قتلنا منها في لحظة غضبنا وانفعالنا؟
وكم منها حبسناها في القفص وأخرى أهملناها، وكنا نأمل وننتظر أن يأتينا الأفضل؟ ومنها من ساومنا وماطلنا؛ حتى ملَّت منا، وسئمت، وغادرتنا من تلقاء نفسها.
أعود وأقول:
هل العصفور الذي باليد لو كان مقصوص الجناحين، أو من فصيلة الطيور الجارحة أفضل من العصفور الواقف فوق الشجرة؟ وهل من الضروري الاحتفاظ به؛ حتى لو ليس له نفع، أو ليس له عمل سوى الانتقال من فرع لآخر بكل بساطة وخفة ومرح؟
هل نضمن أن العصفور الواقف فوق شجرتنا بمنظره البديع والفريد،
ونسمعه يغرد بصوته العذب، قد يكون أفضل من غيره، بمعنى هل كل عصفور هو عصفور حقاً، أم أن هناك فصيلة معينة تستحق المجازفة وسعة الصدر والصبر للوصول إليها؟
وهل يا تُرى ستكون فرصة اقتناصها متاحة للجميع؟ أم أن هناك متخصصين في الصيد، وفئة أخرى وظيفتها فقط أن تتأمل، وتشاهد العصافير عن بعُد.... وبما أن لي طموحات كباقي البشر، فأنا لا أنكر أني كنت أنتظر واحداً منها أن يطير؛ ليقف عند نافذتي برغبته وإرادته، أريده أن يأتيني طوعاً، وليس كرهاً، حباً وليس عنفاً، أريده ليريحني لا ليشقيني؛ ولينير حياتي، لا ليظلمها، أريده عزة،
وليس ذلاً، أريد من العصفور أن يحط على نافذتي في أوقات دوامه الرسمي، وفي وضح النهار،
ولا يهبط عليَّ تحت أستار الليل، قد أفسر عجزي بشموخي، فقلة حيلتي أمام التنازلات، وعجز فكري عن التخطيط،
أو فشلي في معرفة كيفية الاقتناص، أعود وأقول: قد أكون خسرت كل العصافير التي كانت متاحة أمامي لاقتناصها،
وخسرت حتى العصافير التي كانت بين يديّ؛ إلا أن ما بأعماقي أكبر بكثير من الفرص الضائعة، وهو إيماني بأني لم أخسر أهم ما أمتلكه وهو ضميري....
مِما راق لـسمائي
تحياتي وقوافل مِن إحترام ..