إن هناك فكرة مصيرية ومؤثرة في حياتنا، وهي أن تعاملنا مع الغير يكون من خلال الصورة الذهنية للآخرين.. نحن لا نعلم بواطن الأشخاص، ولا نعلم ما في النفوس.. لكل منا ريشة يرسم بها صورة الأشخاص في ذهنه.. هنا تتدخل عوامل الشر، وتأخذ دورا مهما في الرسمة.. يحاول الشيطان أن يوسوس للإنسان، ويلقنه أن هذه الصورة هي الصورة الصحيحة.. مثلا: إنسان يتعامل مع مؤمن تقي ورع، ولكن الشيطان يجسده له على أنه شخص فاسق.. إنسان له زوجة صالحة إجمالا، ولكن في ذهنه أنها سيئة، وهكذا بالعكس.. فإذن، إن كلمة يوسوس فعل مضارع؛ تعني أن هذه العملية مستمرة.
من موجبات رسم الصورة القبيحة:
- سوء الظن: كأن يرى الإنسان من أحدهم فعلا؛ يقبل التفسير الصالح، ويقبل التفسير الطالح.. مثلا: يرى مؤمنا مع امرأة، ولا يعلم: هل هذه أجنبية، أم زوجة لهذا الشخص!.. إذن هناك احتمالان: احتمال أنه عقد عليها، واحتمال أنها علاقة غير شرعية.. فلماذا يرجح جانب السوء على جانب الخير؟!..
-الاستماع إلى شياطين الإنس: هناك قوم لا يريدون إلا الشر للآخرين، وإذا رأوا حسنة حسدوا صاحبها؛ فهؤلاء أيضا لهم دور الوسوسة.. ولهذا في سورة الناس رب العالمين يقول: {الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ * مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ}.. هؤلاء دورهم دور الشياطين تماما في أنهم يوسوسون في الصدور.
كيف نبطل هذا الكيد؟..
أولا: الاستعانة بالله عز وجل.. قبل أن تفكر في شخص، وقبل أن تفكر في أمر، وقبل أن تفكر في قرار؛ قل: يا رب!.. سددني، خذ بيدي، لا تكلني إلى نفسي طرفة عين أبدا!.. وخاصة في القرارات المصيرية، إذا أردت أن تقوم بعمل هام جدا، صلّ ركعتين، وقل: يا رب خر لي، واختر لي في عملي هذا!.. وصورة الاستخارة هذه، هي التي يتفق عليها جميع المسلمين، حيث أن هناك استخارة بالمصحف، واستخارة بالسبحة، وهناك استخارة بمعنى أن يلقي في القلب وفي الروع ما فيه الصلاح.
ثانيا: الحمل على الأحسن.. وكذلك من موجبات كيد الشياطين، والنفس الأمارة بالسوء، ومن يوسوس من الناس: هناك قاعدة إسلامية تقول: (إحمل فعل أخيك على أحسنه)، وتقول: (إحمل فعل أخيك على سبعين محملا).. أي حاول أن تبرر لأخيك ما يقوم به، حتى أنهم قالوا: لو شممت رائحة الخمر من فم أخيك، قل: لعله تمضمض به ولم يشربه.. إلى هذه الدرجة، يريد الإسلام منا أن نعيش حالة الحصانة في أنفسنا.
إن من لم يحمل فعل أخيه على الأحسن، قد يقع في يوم من الأيام في ورطة وفي هتك مؤمن، فإذا تورط في هذه العملية، كأنه هدم الكعبة.. لأن المؤمن أشرف من الكعبة ورد عن الإمام الصادق (ع): (المؤمن أشرف من الكعبة)، وقد ورد أيضا: (المؤمن بنيان الله في الأرض)، فالذي يهدم هذا البنيان بكلمة، كأنه أعان على هدم الكعبة.
منقول من شبكة السراج