آفات الاعتراض
وبالطبع فقد يقترن الاعتراض على الوضع الموجود مع كل إيجابياته، ببعض الآفات كأيّ أمر آخر. وبالإمكان أن تكون هذه الآفات خطيرة للغاية سيما في المجتمعات الممهّدة للظهور.
1.الغلو والمبالغة في الاعتراض
واحدة من آفات الاعتراض، الغلوّ والمبالغة في الاعتراض. وهذا يعني التفريط في تقدير سوء الأوضاع، وعدم رؤية الوجوه الإيجابية، حتى الوصول إلى اليأس والقنوط الذي بإمكانه أن يُعدّ آفة مستقلة للاعتراض. إنّ المبالغة في الاعتراض بالإضافة إلى أنها تزرع في الإنسان الروح السلبية والحِدّة في الأخلاق وتُشوّه الصورة الجميلة لـ«الاعتراض في مسار الانتظار»، بإمكانها أن تتسبّب التسرّع في العمل وهدم الوجوه المطلوبة الموجودة. فلابد من اتّقاء هذه الآفات.
الشباب أكثر من غيرهم عرضة لهذه الآفة
والشباب أكثر من غيرهم عرضة لهذه الآفة. ففي الأغلب عندما يدور الحديث عن الاعتراض على الوضع الموجود، سرعان ما تتورّط الروح المثاليّة والمتسارعة للشباب بآفة «الغلو». يقول الإمام الصادق (ع): «احْذَرُوا عَلَی شَبَابِکُمُ الْغُلَاةَ لَا یُفْسِدُوهُمْ.»[1] لماذا يجب الحذر من إيجاد العلاقة بين الشباب والغلاة؟ لأن الشابّ بصورة طبيعية يميل إلى الغلو، والحضور في جمع الغلاة ينمّي هذا الميل بسرعة ويسوقه إلى الفساد. وفي بعض الأحيان إذا أراد الشابّ أن يبالغ في مشاهدة النقاط السلبية للوضع الموجود ويسعى مفرّطاً للاعتراض عليه، قد يقوم بإجراءات تعسفية أو يُصاب بالإحباط.
2. اليأس من الوصول إلى الوضع المنشود
الآفة الأخرى للاعتراض على الوضع الموجود، هي اليأس من الوصول إلى الوضع المنشود الناتج عن عدم مشاهدة الأرضيات والاستعدادات المتوفرة في الوضع الموجود. وقد تحلّ المصائب والنوائب بالإنسان بحدٍّ تغلق بوجهه جميع المنافذ وتسوقه إلى وادي اليأس والقنوط. ولكن لنعلم أنّ الله سبحانه قد وفّر في أسوء الحالات أيضاً فرصاً للخروج من المآزق والأزمات، فلابد من البحث عنها واغتنامها.
3. السلبية المطلقة والعبثية
والآفة الأخرى للاعتراض على الوضع الموجود، هي السلبية المطلقة التي تؤول إلى العبثية. فلا ينبغي أن نعتبر الوضع الموجود سيئاً على الإطلاق مهما كانت الظروف. ولا ينبغي أن نعتبر جميع الناس أشقياء بالكامل؛ أو نزعم أن جميع الأشقياء غير قابلين للهداية. فإن أسهل وفي نفس الوقت أبعد رؤية عن العقل، هو الإطلاق في النظرة السلبية للمجتمع والوضع الموجود، حيث لا تحتاج إلى أية دقة وعقلانية، وهي علامة على غلبة بعض الأحاسيس السطحية. فإن المتثاقل في ميدان التحليل ومن خلال تلخيص كلّ شيء في النظرة المطلقة، يرى كل شيء فاسداً.
أهمیة منشأ وأساس الاعتراض
إن آفات وأضرار الاعتراض في كثير من الأوقات ناجمة عن منشأ باطل. فلو لم يستند الاعتراض على أساس صحيح، لا يصل الانتظار أيضاً إلى نهاية جيدة وقد يزول في وسط الطريق؛ أو أنه يستمر خطأً بعد الوصول إلى الوضع المنشود أيضاً، وهذه أسوء من الصورتين السابقتين. كما أنّ بعض المنتظرين المعترضين على الوضع الموجود، يستمرون على اعتراضاتهم الوهمية حتى بعد ظهور الإمام أيضاً ويتسببون له الأذى.
إن أساس الاعتراض عند البعض، هو الروح السلبية فيهم لا التعقّل والنزوع إلى الحق. وأمثال هؤلاء، وإن يلتحقون بجمع المعترضين والمنتظرين الحقيقيين بسهولة، ولكنّهم يخرجون من صفوفهم بأدنى ما يواجهونه من امتحان وتعقيد، وأكثر ما يظهر منهم إلى العيان هو الأخلاق السيئة لا العقيدة الراسخة.
عدم رؤية الوجوه الإيجابية في الثورة، نموذج من آفات الاعتراض
ومن المصاديق المهمة لآفات الاعتراض، هي أنّ البعض في هذا النظام المقدس والثورة المباركة، عبر نكران هذه النعمة العظيمة المتاحة، وبذريعة الاعتراض على الوضع الموجود وانتظار الفرج، يتغافلون عن الوجوه الإيجابية السارية في مجتمعنا الإسلامي ولا يكترثون بمسألة التمهيد للفرج. فهم لا يفرّقون بين الاعتراض على النقائص والعيوب وبين الاعتراض على الانحرافات والمُضلّات، وعلى أثر شدّة سوء الفهم يقعون في أحضان الظالمين وناهبي العالم.
إزالة الآفات: المنتظر المعترض يغتنم كل فرصة
المسألة المهمة في إزالة الآفات عن الاعتراض هي أن يستطيع المعترض مشاهدة الطريق الموصل إلى الوضع المنشود واغتنام كل فرصة تؤدي إلى المحبوب؛ لا أن يُعرض عن هذه الفرصة العظمية التي أُتيحت عبر دماء الشهداء المنتظرين ويصرخ بصرخة الاعتراض المطلق في مجرى الانتظار. فإنّ المنتظر المعترض يعتبر خدمة نظام الجمهورية الإسلامية المقدس رغم كلّ بُعده عن الحكومة المهدوية، واجبة كالخدمة تحت راية الإمام، ويرى الثورة الإسلامية طريقاً للوصول إلى ساحل النجاة.
الثورة الإسلامية في إيران، طريق إلى الفرج
كما صرّحت بذلك الرواية الواردة عن رسول الله (ص): «یَخرُجُ ناسٌ مِن المَشرِقِ فَیُوطِّئُونَ للمَهدِيِّ سُلْطانَهُ.»[2] وقد أشار الإمام الخميني (ره) والإمام الخامنئي في أقوالهم مراراً إلى هذا المعنى. فعلى سبيل المثال، يقول الإمام الخميني (ره) في النصف من شعبان الأخير من عمره الشريف: «ليعلم مسؤولونا بأن ثورتنا غير محدودة بإيران. ثورة الشعب الإيراني مبدأ لانطلاق ثورة كبرى في العالم الإسلامي تحت لواء الإمام الحجة – أوراحنا فداه – ونسأل الله أن يمنّ على المسلمين وكلّ أهل العالم وأن يجعل ظهوره وفرجه في العصر الحاضر.»[3] فكيف سيعشق المعترض والمنتظر الحقيقي مثل هذه الثورة ويحتضنها؟
يتبع إن شاء الله ...
[1]. الأمالي للشیخ الطوسی، ص650.
[2]. میزان الحکمة، باب «الثَّورَةُ الإسلامِيَّةُ فِي الشَّرقِ»، ح2366، نقلاً عن کنز العمال، ح38567. وأيضاً کشف الغمة ج2، ص477 مع اختلاف قليل في النص: «یَخْرُجُ أُنَاسٌ مِنَ الْمَشْرِقِ فَیُوطِئُونَ لِلْمَهْدِيِّ یَعْنِي سُلْطَانَهُ»، ويقول المحدث الإربلي (693 هـ) صاحب کشف الغمة في نهاية هذا الحديث: «هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ رَوَتْهُ الثِّقَاتُ وَالْأَثْبَاتُ أَخْرَجَهُ الْحَافِظُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ مَاجَةَ الْقَزْوِينِيُّ فِي سُنَنِهِ».
[3]. صحیفة الإمام، ج21، ص327.