سلام الله عليك يا سيدتي ومولاتي يافاطمة الزهرء
فالزهراء ممّن شهد الله لها بأنّها من الأبرار الذين يشربون من كأس كان مزاجها كافوراً، وممّن يوفون بالنذر ويخافون يوماً كان شرّه مستطيراً، وممّن يطعمون الطعام على حبّه، ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة وأنّهم إنّما يطعمون لوجه الله لا يريدون منهم جزاءً ولا شكوراً، وأنّهم ممّن صبروا في ذات الله وسبيل الله.. وأنّهم ممّن وقاهم الله شرّ ذلك اليوم العبوس القمطرير .. ولقّاهم نضرةً وسروراً، وجزاهم بما صبروا جنةً وحريراً.
ومن عظمة الزهراء (ع)كان رسول الله صلّى الله عليه وآله إذا قصده صاحب حاجة بعثه إلى دار الزهراء سلام الله عليهالعلمه أنها لاتردّ أحداً، وقصّة عقدها المبارك الذي تصدّقت به للمحتاج خير شاهد على ذلك، فضلاً عن قصّتها في إطعام الطعام على حبّه للمسكين واليتيم والأسير، وتصدّقها بثوب زفافها، وغير ذلك مما يطول المقام بذكره
فقد كانت دار الزهراء سلام الله عليها محطّ رحال لكلّ محتاج؛
كان نبي الله إبراهيم عليه السلامخليل الرحمن لأنه لم يرد سائلاُ ولم يطلب شيئاُ قط من غير الله تعالى
أما فاطمة الزهراء عليها السلام والتي غدت محبوبة الله ما يقصد دارها أحد وعاد يائساُ
وإن السائلين كانوا إذا يئسوا من كل مكان اتجهوا إلى دار فاطمة عليها السلام
-في بيتها
* وقد نُقل كان النبي (صلى الله عليه وآله) إذا قدم من سفر، قبّل نحر فاطمة وقال: منها أشمّ رائحة الجنة حيث كانت تحل مقام الام له حتى اسماها بام ابيها.
. فليس هنالك امرأة وصلت إلى ما وصلت إليه فاطمة الزهراء (ع) من الجمع في التعامل، والتنسيق بين المهام والواجبات العبادية والأسرية.
حيث انها عليها السلام أسوة حسنة للرجال قبل النساء فلنستلهم من الصديقة الطاهرة الهمّة والعزيمة في الوفاء بما عاهدنا الله تبارك وتعالى من الإيمان به وبما جاءت به رسله ونزلت به كتبه والعمل بما يحبّ ويرضى مما فيه صلاح الأمة وخيرها فإننا مساءلون غداً عن كل شيء
كمالم يُرى أعبد منها، فقد كانت تقف في محرابها حتى تتورم قدماها، وكانت حريصة على القيام بخدمة المنزل، وتبذل جهدها لتوفير الراحة لزوجها أمير المؤمنين (ع)
وما سمعنا أنها تنعمت بشيء من زينت الدنيا وإنما وجدناها كما وصفها زوجها أمير المؤمنين (عليه السلام)
(أنها نقلت الماء بالقربة حتى أثّر في صدرها، وطحنت بالرحى حتى مجلت يداها، وكسحت البيت حتى اغبرّت ثيابها، وأوقدت النار تحت القدر حتى دكنت ثيابها، فأصابها من ذلك ضرر شديد
-قال سلمان المحمدي (رحمه الله): (كانت فاطمة جالسة وبقدامها تدير الرحى تطحن بها الشعير، وعلى عمود الرحى دم سائل، والحسين في ناحية الدار يبكي،
: وهذه فضة قاغلت لها يا بنت رسول الله دبرت كفاك.
فقالت: أوصاني رسول الله (صلى الله عليه وآله) أن تكون الخدمة لها يوماً ولي يوماً، فكان أمس يوم خدمتها.
فطحنت شيئاً من الشعير.: فقالت: أنا بتسكيته أرفقأما أن أطحن الشعير أو أسكت لك الحسين...
قال سلمان: وقال سلمان المحمدي (رض) سمعت بالإقامة فمضيت وصليت مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) فلما انتهينا من صلاة وفرغت قلت لعلي (عليه السلام) ما رأيت فبكى وخرج، ثم عاد يبتسم، فسأله عن ذلك رسول الله (ص)فقال (ع) 1دخلت على فاطمة وهي مستلقية لقفاها والحسين نائم على صدرها وقدامها متورمتان. والرحى تدور من غير يد.
فتبسم رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقال يا علي أما علمت أن لله ملائكة سيارة في الأرض يخدمون محمداً وآل محمد إلى أن تقوم الساعة))
كما جاء في الروايات في شأن نزول سورة الدهر: (إن أمير المؤمنين (عليه السلام) جاء إلى يهودي وقال: هل لك أن تعطيني جزة من صوف تغزلها لك بنت محمداً بثلاثة أصوع من الشعير؟
قال: نعم.
فأعطاه، فجاء (عليه السلام) بالصوف والشعير، فأخبر فاطمة (عليها السلام) بذلك، فقبلت وأطاعت) إلى صاع فطحنته واختبزت منه خمسة أقراص )... إلى آخر الحديث).
فإذن، نحن نريد أن نصل إلى هذه الدرجة، من امتلاك الامتياز الأعظم في كل ما نقوم به: عبادة، وخدمة، وتثقيفاً،
.فكانت السيده فاطمه عليها السلام مطيعه لزوجها طاعه تامه لا تثقل عليه بالطلبات ابدا وترضى منه باليسير من المال والطعام لانها تعيش الاخره في قلبها وعقلها فلم تكن الدنيا لها نصيب في فاطمه عليها السلام ولذلك قال الامام علي عليه السلام مااغضبتها يوما ولا اغضبتني
ومن تلك الاخلاق التي تحلوا بها هي الصبر ، الذي نستلهمه من هذا المقطع الذي سندرجه فيما يلي من قصه سبق ان ذكرناها كامله في سيرة الامام علي عليه السلام:
عن أبي سعيد الخدري ، قال : أصبح علي ( عليه السلام ) ذات يوم ساغباً ، فقال : يا فاطمة ، هل عندك شئ تطعميني ؟
قالت : والذي أكرم أبي بالنبوة ، وأكرمك بالوصية ما أصبح عندي شئ يطعمه بشر ، وما كان من شئ أطعمك منذ يومين إلا شيء كنت أؤثرك به على نفسي وعلى الحسن والحسين .
قال : أعلى الصبيين ! ألا أعلمتني فآتيكم بشيء ؟
قالت : يا أبا الحسن ، إني لأستحي من إلهي أن أكلفك ما لا تقدر .
فخرج واثقا بالله حَسِن الظن به ، فاستقرض ديناراً ، فبينا الدينار في يد علي ( عليه السلام ) إذ عرض له المقداد0000الخ
وهي الزوجة الصالحة المتكاملة وقد شهد لها بذلك أمير المؤمنين (عليه السلام) حين سألته وهي توصي في ساعاتها الأخيرة: (يا ابن العم ما عهدتني كاذبة أو خائنة أو خالفتك منذ عاشرتني) فكان جوابه (عليه السلام): (معاذ الله أنت أبرّ وأوفى وأتقى من أن أوبّخك بمخالفتي)
وقد جمعت (سلام الله عليها) بسؤالها كل أسباب الخلافات التي تحصل بين الزوجين وتؤدي إلى انهيار بيت الزوجية
وهي المصونة العفيفة، روى الإمام الباقر (عليه السلام) قال: (تقاضى علي وفاطمة إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في الخدمة فقضى على فاطمة بخدمة ما دون الباب وقضى على عليٍ بما خلفه، قال: فقالت فاطمة فلا يعلم ما داخلني من السرور إلا الله بإكفائي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) تحمّل رقاب الرجال
والزهراء عليها السلام لم تطلب أي شئ طيلة السنوات التسع التي عاشتها في بيت الإمام علي عليه السلام حتى عندما كانت على فراش المرض وسألها الإمام عليه السلام أن تطلب شيئاُ وفي آخرالأمر قالت : لايحبذ أن تطلب الزوجة شيئاُ من زوجها فربما لم يتمكن من الإتيان به فيخجل .. ولكنه أقسم عليها فطلبت رمان
وهي الأم التي تعين ولديها سبطي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وسيدي شباب أهل الجنة وتيسّر لهم سبل الكمال، ففي كتاب مفاتيح الجنان أنها كانت توفّر لهما قسطاً من الراحة في النهار ليتقويا على إحياء الليل بالعبادة خصوصاً في ليالي العشر الأواخر من شهر رمضان بالعبادة
-وهي القدوه في بر الوالدين
روي ان النبي صلى الله عليه واله كان يصلي عند البيت الحرام في بداية البعثه وابو جهل واصحابه ينضرون اليه وكان بقربهم ذبائح فقال ابوجهل من منكم يقوم الى رفث هذه الذبائح ويجعلها على كتف محمد؟ فقام رجل وقال انا فانبعث اشقى القوم فلما سجد النبي صلى الله عليه واله وضعه على كتفه ولطخوه بهذه النجاسات والنبي صامد يتم صلاته وهم يضحكون عليه وفي هذه الاثناء اقبلت فاطمه عليها السلام اليه فطرحته عنه ثم اقبلت على ابي جهل واصحابه فوبختهم حتى خجلوا منها وهكذا كانت ترافق ابيها
تحمّلت مع أبيها (صلوات الله عليهما) وهي في السنين الأولى من عمرها أذى قريش فكانت تواسيه وتسلّيه وترفع عنه الأذى وتحمّلت معه (صلى الله عليه وآله وسلم) المعاناة والألم والجوع في شِعب أبي طالب ثلاث سنين حين فرضت قريش على بني هاشم ومن آمن برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) مقاطعةً اقتصادية واجتماعية وعزلتهم في الشعب، وما انتهت هذه السنوات العجاف إلا بوفاة عضدي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وركنيه عمّه أبي طالب وزوجته خديجة فسمي عام الحزن فعاشت الزهراء (عليها السلام) اليتم وفقدان هذه الأم العظيمة وهي لم تكمل ثمان سنين
ولم يفتّ ذلك في عزيمتها وإرادتها في نصرة أبيها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ومؤازرته بل أغدقت عليه من العواطف والحنان والرحمة ما عوّضه عن أمه وزوجته حتى سمّاها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بـ(أم أبيها) فكان (صلى الله عليه وآله وسلم)
يجد عندها قلب الوالدة الرحيمة الودودة وأنس الخليل المؤالف
وهي المتابعة لتعاليم أبيها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وتوجيهاته وهمومه أولاً بأول فكانت كلما يعود ولداها الحسن والحسين (عليهما السلام) من مسجد جدهما رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) تسألهما عما حدث من نزول وحي أو صدور أمر أو جواب مسألة وغيرها
-----------------------------------
-عبادتها
وهي العابدة التي تزهر في محرابها أنساً بلقاء ربها؛ قال الإمام الحسن (عليه السلام): (رأيت أمي فاطمة قامت في محرابها ليلة جمعتها فلم تزل راكعة ساجدة حتى اتضح عمود الصبح وسمعتها تدعو للمؤمنين والمؤمنات وتسمّيهم وتكثر الدعاء لهم ولا تدعو لنفسها بشيء، فقلت لها: يا أماه لمَ لا تدعين لنفسك كما تدعين لغيرك؟ فقالت: يا بني الجار ثم الدار
فهنا يتّضح كيف كانت تعمل الصدّيقة على أن يكون المجتمع مرتبطاً روحياً بحيث لا ينسى أحدهم الآخرين في أفضل الأوقات وهي ساعة الارتباط بالله عزّ وجل والتوجه إليه فهل اقتدينا بماتعمل
رسول الله (ص): أما ابنتي فاطمة فإنها سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين، وهي بضعة مني، وهي نور عيني، وهي ثمرة فؤادي، وهي روحي التي بين جنبيّ، وهي الحوراء الإنسية، متى قامت في محرابها بين يدي ربها جلّ جلاله ظهر نورها لملائكة السماء كما يظهر نور الكواكب لأهل الأرض، ويقول الله عزّ وجلّ لملائكته: (يا ملائكتي انظروا إلى أَمتي فاطمة سيدة إمائي قائمة بين يديّ ترتعد فرائصها من خيفتي وقد أقبلت بقلبها على عبادتي، أُشهدكم أني قد أمنت شيعتها من النار.
وهي المبادِرة لعمل كل ما يرضي الله ورسوله ويريده الله ورسوله وإن لم يصدر به أمر وإنما تندفع إلى العمل بمجرد علمها بإرادة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) له؛ (دخل عليها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) للسلام عليها بعد قدومه من سفرٍ له وفي عنقها قلادة من ذهب كان اشتراها لها علي بن أبي طالب من فيء وغنيمة أصابها فقال لها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): يا فاطمة لا يقول الناس إن فاطمة بنت محمد تلبس لباس الجبابرة فقطعتها وباعتها واشترت بها رقبة فأعتقتها فسُرَّ بذلك رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)
-(بارك الله لقوم جُلّ آنيتهم من الخزف)
روي ان جهاز الزهراء كان كالتالي 1-شئ من العطر والثياب 2-فراشان حشو احدهما من الليف والاخر من الصوف 3-اربع متكئات -4-حصير-5-رحى لطحن الحبوب -6-قربه لشرب الماء-7-قدر كبير لغسل الثياب-8- بساط من الجلد 9-فرش حجرة النوم كان من التراب الناعم-10-نصب خشبه من الحائط الى الحائط لوضع الثياب عليها-11-منشفه واحده-12-منخلا لنخل الدقيق
ومع هذا فقد كانت (سلام الله عليها ) غنية في نفسها قريرة العين بحالها لانها تولعت بالقيم المعنوية للاسلام التي نادى بها أبوها لقد سمعته يقول لها: (يا فاطمة أصبري على مرارة الدنيا لتفوزي بنعيم الاخرة) وشاهدته لم يملك شيئاً ولم يدخر لنفسه شيئاً من الغنائم كان يتنكر لكل مظاهر الغنى ويواسي المساكين وكان زوجها نسخة طبق الاصل من أبيها لذلك كانت زاهدة في حياتها ولم تحفل بزخارف الدنيا ولهوها ومظاهرها
فكان الصبر على البلاء والشكر لرب السماء من ابرز صفاتها ولاتسأل أحداً غيره فقد سمعت أباها ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يقول:
(ان الله اذا أحب عبداً ابتلاه فإن صبر اجتباه وان رضي اصطفاه)
ولقد سمعته يقول لعلي: (يا علي من عرضت له دنياه وآخرته فاختار الآخرة على الدنيا فله الجنة) لذلك كان سعيها وكل اهتمامها منصب على تحصيل تلك الدار اما هذه الدار فهي دار التسابق في الخير والتعاون على البر والتكافل في ميدان الحياة الاجتماعية لذلك كانت روحي فداها مصدر خير واشعاع على الامة فقد صاغتها هذه القيم السامية صياغة وقدمتها مثلاً أعلى للامة لتنحو نحوها...