ماهية حكمة الموت والحياه ....ان افتتاح جميع العلوم الحقيقيه هو في معرفة الانسان نفسه ...وان الانسان مجموع من جوهرين متباينين احدهما الجسد الجسماني .والاخر هو النفس الروحانيه.....وكان جوهر النفس اشرف من جوهر الجسد ..صار علم الانسان بجوهر النفس واحوالها اشرف من علمه بجوهر الجسم واحواله ....
ان جميع الحيوانات تكره الموت وتحب الحياه ..وان كثير من العقلاء يقولون انالموت حق ...وفي ذلك حكمه ولا يدرون ما تلك الحكمه ....ويحتجون بقوله تعالى ( هو الذي خلق الموت والحياه ليبلوكم ايكم أحسن عملآ ) ولا يدرون معنى قوله تعالى وما المراد في ذلك ....ثم انهم مع اقرارهم بذلك كلهم يحبون الحياة ويكرهونالموت ...ثم يذمون الحياة عند تنغيص العيش ويتمنون الموت عند الشدائد ....هذا الجسد وما هو عليه من اتقان البنيه واحكام الصنع ...وكيفية ابتدائه من النطفه وتتميمه في الرحم ونشوئه في ايام الصبا ..وتكميله في ايام الشباب ..وتنضيجه في ايام الكهوله ..فيرى انه في غاية الكمال والحكمه والصواب والاتقان .....ثم اذا تفكر في ايام الشيخوخه وفي ذهاب قوته وتغييرات رونقه وادبار ونقصانه ثم هدمه بالموت وتغيره بعد ذلك بالانتفاخ والنتن وفساده ....ثم كيف يبلى في التراب ..فمن اجل ذلك احتجنا ان نذكر الموت والحياه ..
اذا فكرنا في حال الولاده وكيف ينقلب الرحم وما تلقاه الوالده من الجهد والشده .. فانه يرى شيئآ جديدآ الا وهو هذا العالم ..وبعدها ينتقل الجنين في فسحة هذا العالم وما يستانف الطفل من العمل في مستقبل العمر من لذة العيش والتمتع بنعيم الدنيا ...وقدر الله ان ينجيه من ذلك المكان الضيق المظلم ..فيرى ان الحكمه والصواب كان في الخروج من هناك ...لك يا اخي ان تعتبر لتعلم ان حال النفس مع الجسد كحال الجنين في الرحم ...وان حالها بعد الموت كحال الطفل بعد الولاده ..لان موت الجسد ولادة النفس ..وكذلك ولادة الطفل ليست سوى خروجه من الرحم وولادة النفس ليست هي شيئآ سوى مفارقة النفس الجسد ...والحمد لله رب العالمين