صفحة 6 من 14 الأولىالأولى ... 45 678 ... الأخيرةالأخيرة
النتائج 51 إلى 60 من 133
الموضوع:

الطريق الوحيد والاستراتيجية الرئيسة في النظام التربوي الديني، للأستاذ بناهيان - الصفحة 6

الزوار من محركات البحث: 108 المشاهدات : 6164 الردود: 132
جميع روابطنا، مشاركاتنا، صورنا متاحة للزوار دون الحاجة إلى التسجيل ، الابلاغ عن انتهاك - Report a violation
  1. #51
    صديق فعال
    تاريخ التسجيل: January-2013
    الجنس: ذكر
    المشاركات: 609 المواضيع: 210
    التقييم: 146
    آخر نشاط: 22/June/2017

    الطريق الوحيد والاستراتيجية الرئيسة في النظام التربوي الديني 7-2

    النقطة المقابلة لهذا المنهج هو أسلوب الشيطان

    ما هي النقطة المقابلة لهذا المنهج؟ النقطة المقابلة لهذا المنهج، هو أسلوب الشيطان، إذ أول ما يقوم به الشيطان هو أن يزيّن لك الدنيا ويحليها في مذاقك. فيتحدث معك عن الدنيا ولذاتها وحلاوتها وجمالها بالنحو الذي تشعر أن قد سبقك غيرك كثيرا في التمتع بهذه الدنيا والالتذاذ بها.
    وبطبيعة الحال إن أصبح انطباع الإنسان عن هذه الدنيا هو أن يستطيع أن يرتع فيها ويتمتع ويأكل ويشرب ويلعب مهما شاء، لا يستطيع عندئذ أن يقيّد نفسه بالدين. وإن قلت له: إن الدين لا يسمح لك بهذا النوع من اللذة، لا يقبل، وقد يتهجم عليك بشدّة. هذا هو أسلوب الشيطان إذ قال الله تعالى عن إبليس: (لأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأرْضِ)[الحجر/39]
    أما نحن فقد عملنا ضدّ الشيطان تماما، إذ قلنا إن الدنيا خربة وهي محل بلاء وعناء وتعب وألم. فقد تعلمنا هذا الأسلوب من أمير المؤمنين(ع) إذ عمل عكس الشيطان وأسقط الدنيا من عيننا.

    مقارنة بين الأسلوب الصحيح وأسلوب الشيطان

    عندما تعتبرون الدنيا مرّة، تبحثون عن الحلا، ولكن إن اعتبرتم الدنيا حلوة، سوف تجدون الدين مرّا. هذه معادلة واضحة أرجو أن تنتبهوا إليها. نحن بدأنا في أبحاثنا من مشاهدة الواقع ورأيناه مرّا. وكذلك إبليس يبدأ معنا من الدنيا ولكنه يكذب علينا ويزيّن الدنيا ويحليها في عيننا. فإذا استطاع أن يخدعك ويصور الدنيا حلوة، عند ذلك تجد الدين مرّا. بيد أنك إن وجدت الدنيا مرّة سوف تجد الدين حلوا، وشتان بين هذه الرؤيتين.
    ما هو دور الغزو الثقافي؟ دوره هو تزيين الدنيا. وما هو الفيلم الذي يفسّد الإنسان؟ هو ذاك الفيلم الذي يصوّر الدنيا أحلى من واقعها، وهو ذاك الفيلم الذي ينظر إلى مشاكل الدنيا ومرارتها كمشكلة طارئة استثنائية في الحياة، فيعالجون المشكلة في القصة وتنتهي آلامهم ومشاكلهم تماما وينتهي الفيلم بعاشوا عيشة سعيدة. ثم المشاهد المسكين ينتظر عشرات السنين حتى يصل في حياته إلى «عاشوا عیشة سعيدة» ولكنه مهما يحاول لايصل إلى شيء. فلماذا نخدع الناس بهذه الأفلام؟
    لم تكن نقطة عزيمتنا الإيمان، ولم نبدأ بالدين، بل قد انطلقنا من الدنيا ومن الإنسان، لا من الله سبحانه. وهذا هو الطريق الصحيح. ثم قد بدأنا بمرارة الدنيا لا بحلاوتها. ولم نأت نسوّد الدنيا ونشوّهها ليحلو الدين، كلا، بل هذا هو واقع الدنيا والإنسان يشاهد هذا الواقع إن لم يكن أعمى العين.
    نعم! هناك من يحاول أن يغض الطرف عن مرارة الدنيا، فهذه مشكلتهم، ولكن الواقع هو أن الدنيا مليئة بالمرارة والمحن. (وَ مَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ)[يس/68] إن الله ينسب هذا الفعل إلى نفسه ويقول نحن نفعل ذلك. وكذلك قال: (لَقَد خَلَقْنَا الإِنْسَانَ في كَبَدٍ)[البلد/4]. هذا هو فعل الله وهذا هو البرنامج الإلهي، إذ أراد أن يروّضك ويقوي عضلاتك في هذه الدنيا.

    مرور على ما سبق

    مما يؤيد هذا الأسلوب هو الروايات التي تدعو لمعرفة النفس، من قبيل ما روي عن أمير المؤمنين(ع) حیث قال: «من عرف نفسه فقد عرف ربّه»[غرر الحكم/ص588]. و قد كانت بعض أبحاثنا الماضية مرتبطة بمعرفة النفس. فقلنا: إن الإنسان ينطوي على رغبات مختلفة، فعندما يريد أن يختار شيئا من رغباته، لابدّ أن يذبح بعضها من أجل بعض أخر، ومن هنا يبدأ جهاد النفس.
    وقلنا: إن الرغبات الأقل قيمة وثمنا ظاهرة واضحة، والرغبات القيّمة خفيّة وكامنة في عمق روح الإنسان. فلابدّ لك أن تعفّ وتغض الطرف عن رغائبك السطحية لتصل إلى رغائبك العميقة.
    إن جهاد النفس جزء لا ينفك عن حياة الإنسان. فقد خلقت من أجل جهاد النفس وإلا لكنت حيوانا أو كنت ملكا. لابدّ لك أيها الإنسان أن تنتج قيمة مضافة، يعني أن تنتج الحسن لا مجرد أن تكون حَسَنا. فليس من الفنّ أن تكون حَسَنا، إذ هذا هو شأن الملائكة، بل لابدّ أن تصير حسنا. ولابدّ أن يكون هناك مانع في طريق صلاحك، والمانع هو أن تكون تكره بعض الصالحات وتحبّ بعض السيئات. إذن خُلقت حتى تصير صالحا لا تكون صالحا كالملائكة.
    لقد خلقت إنسانا وأصبحت إنسانا من أجل أن تحزّ رأس نفسك ومن اجل التضحية ومن أجل محاربة نفسك ومن أجل سحق رغائبك وأهوائك. ويعينك الله في حركتك هذه، إذ قد صمّم الدنيا على أن لا تجري رياحها بما تشتهيه سفينتك. فأنت تخالف هواك من جانب والله يخالفها من جانب آخر. فإن أردت أن تستقيل عن مهمّتك وتلبّي رغبات نفسك، سوف يتكفل الله بدلا عنك بمخالفة هواك فتزداد حياتك مرارة وصعوبة؛ (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكَا)[طه/124]. هذه هي خصيصة الإنسان وقد خلق في مثل هذه الأجواء ونحن لم نتحدث عن الدين بعد، بل إن خلقة الإنسان تفرض عليه هذا العناء في الحياة الدنيا. فإن حاولت قليلا وبعت فنّا تستطيع أن تثبت هذه الحقائق لنفسك عبر التجربة الميدانية أو بطريقة فلسفية أو من الناحية الفطرية.

    لابدّ للآباء والأمهات أن يلقنوا أولادهم هذه الحقيقة

    كان ينبغي لأمّنا أن تصارحنا منذ طفولتنا بهذه الحقائق حتى نعيها ونوقن بها. مثلا تقول: أي بنيّ! ويا حبيبي وعزيزي وحياتي! سوف تكبر وتتنازع مع بعض ويحصل لك سوء تفاهم وسوء هاضمة وسوء فهم وقد يسيء الظنّ بك أحد فسوف يحصل لك كل هذا. فإن انزعجنا من كلامها وقلنا لها: لا نريد أن تحدث لنا هذه المشاكل! تقول: لا عزيزي، فقد خلقك الله وأعطاك القدرة لتخوض بها صراعات ونزاعات مع نفسك وأهوائك ومشاكلك.
    هكذا تعاملوا مع أولادكم، فإن رجع ولدك من المدرسة باكيا بسبب أن ضربه أحد الأولاد، فلا تغضب كثيرا بل ابتسم وقل له: هذه هي المشكلة الأولى التي واجهتها في المدرسة، فسوف تكبر وترى مشاكل أكبر.
    لابدّ للطفل أن يواجه مشاكل في حياته، ويا حبذا لو تدربوه على تحمل المشاكل والمعاناة منذ أن يدخل في السابعة من عمره. فعلى سبيل المثال قولوا له: إن عشاءنا هذه الليلة خبز يابس! وفي مرة أخرى قولوا له: في هذه الليلة عليك أن تغسل جواريبك بنفسك، بالرغم من وجود الغسّالة. فبهذا الأسلوب يعني الشدة المطعّمة بالراحة والمحبة والحنان والعطف ينضج هذا الولد وتقوى البنت وسوف لا يضجر الأولاد من كل شيء ولأي نفص ومشكلة في حياتهم.

    يتبع إن شاء الله...


  2. #52
    صديق فعال

    الطريق الوحيد والاستراتيجية الرئيسة في النظام التربوي الديني 7-3

    نظرة من جديد إلى قواعد حياة الإنسان

    أقترح للإخوة الناشطين في هذه الجلسة أن يأخذوا منّي روايات أمير المؤمنين(ع) التي جمعتها في هذا الحاسوب، حيث تتحدث عن الدنيا ومحنها وشدائدها، ويستنسخونها ثم ينصبونها في مدخل المسجد، لتقرأوها وتخافوا جيّدا ولا تتصوروا أنّ عدد الروايات بهذا القدر التي قرأتها عليكم، بل هي أكثر من ذلك بكثير. هذه هي الدينا. فادرسوها جيدا واعرفوا في أي مكان تعيشون.
    نحن بدأنا في هذه الأبحاث من الواقع لنصل إلى نقطة منقذة باسم الإيمان وباسم الله سبحانه وباسم الدين. إلى هنا كنا بصدد تعريف منهجنا وأسلوبنا في البحث. وقد خرجنا بهذه النتيجة وهي أن لابدّ لنا في بادئ الأمر أن نشاهد الحقائق المُرّة في حياة الإنسان ووجود الإنسان.
    إن هذه الحقائق تخاطب الإنسان وتقول له: أيها الإنسان! إنك ومن أجل أن تستمرّ في الحياة مجبور على جهاد نفسك، ولا سبيل لأي إنسان أن يصل إلى كل رغباته وأهوائه. فهو مضطرّ إلى أن يضحي ببعض أهوائه ليستمر في حياته. فكلما كان اختيارك أفضل وتضحيتك أصوب، ستحظى بمزيد من الحيوية والروحية العالية.
    أرجو أن نصير هكذا ونحمل هذه الرؤية إلى آخر شهر رمضان؛ يعني عندما نصبح نفتش عما نضحي به وعندما نعدّ برنامجنا اليومي، ننظر إلى ما يجب أن نضحي به والأهواء التي لابدّ أن نتركها في ذلك اليوم. ونسأل الله أن يعيننا على ترك ما حددناه من أهواء. هكذا يجب أن ننظر إلى الحياة. فإن كانت هذه رؤيتكم وعشتم بهذا الأسلوب، سوف ينظر الله إليكم بعين الرحمة، وسوف تجدون حلاوة رحمته ولطفه.
    هذا هو شأنك وحالك أيها الإنسان، فإنّ إنسانيتك مرهونة بجهاد نفسك، فإن لم تجاهد نفسك بالشكل المطلوب، سوف تجاهدها فيما لا يعود لك فيه نفع ولا أجر ولا حاصل سوى الضرر والخسران. كما أن دنياك أيضا لا تنسجم مع رغباتك وأهوائك.
    اعلموا أيها الإخوة فإننا نكسب من الله في أوائل عمرنا، ثم نرجعها إلى الله في المرحلة التالية من عمرنا، فما يعطيه الله لنا في مقتبل العمر، يعود ليستوفيه منّا في الجزء الآخر. فكل ما منحك الله إياه، يسلبه منك. فإنه يذيقك لذائذ الدنيا ثم يحرمك منها حسب القواعد الكونية التي أسسها الله بنفسه. يقول لي بعض الإخوة: لماذا تتكلم بهذا الأسلوب المرّ؟ أقول لهم: لأن لا يجوز أن نكذب على بعض. إن طبيعة الإنسان هي أن تسقط أسنانه في الشيخوخة، فلم يعد يقدر على أكل الكثير من الطعام. ثم سوف يضعف جسمك وتعجز عن القيام بكثير من الأعمال. فأنت ذاهب إلى الشيخوخة شئت أم أبيت. فهل هذا الكلام كذب؟ وهل نريد أن ننظر إلى العالم كما ينظر البهائم حتى نغض الطرف عن هذه الحقائق الواضحة؟
    هناك رواية عن رسول الله(ص) تقول: «يَهْرَمُ ابْنُ آدَمَ وَ تَشِبُ‏ مِنْهُ اثْنَتَانِ الْحِرْصُ وَ الْأَمَل»[تحف العقول/ص56]، فما يشيب ويهرم هو الجسم وحسب، أما نفسك فتبقى في شبابها، ولكن عجز الجسم عن خدمتها وتلبية رغائبها. فإنك في أيام الكبر لا تزال تشتهي وترغب ولكن لا تستطيع على نيل ما تشتهيه. فماذا تريد أن تصنع في زمن هرمك وبحبّ من تريد أن تعيش تلك الأيام؟ فهل تريد أن تعيش في تلك الأيام خائبا حزينا مغموما ثم تدفن كل مشاعرك وتبتسم رغما على حزنك وقلبك الكئيب؟! وهل تريد أن تعيش حياة بلا حب وعشق وفارغة من الهيجان والحيوية؟ مع أن نفسك سوف تبقى شابة وسوف تطمع بكل هذا أكيدا. إذن فلنشاهد الواقع فإن منغصات العيش كثيرة فأرجو أن تحصوها.
    كان لنا في أيام المراهقة درس في الأخلاق، وكان الدرس يشبه ورشة عمل، فكنا نجلس في حلقة ونتحدث معا عن مسائل أخلاقية، ولعلّ نصفهم قد استشهدوا في جبهة الدفاع المقدس. كانت تنعقد جلساتنا كل مساء الخميس في مسجد صاحب الزمان في تقاطع عباسي، وأغلب الشهداء الذين استشهد بقصصهم وذكرياتهم دائما، هم شهداء تلك الجلسة.
    وكانت في زاوية المسجد غرفة يسكنها شيخ كبير جدا. لم يكن هذا الرجل الكبير خادم المسجد ولكنه كان ساكنا في تلك الغرفة منذ سنين. كان عندما يخرج من غرفته ويعبر من غرفتنا، نسمع صوت حذائه الذي كان ينجرّ على الأرض من شدة عجزه وشيخوخته. فأتذكر أن قلت لأصدقائي في تلك الجلسة: فلننظر إلى مستقبلنا. وأتذكر أن قال بعض الأصدقاء في تلك الجلسة لقد سقط التلّهي بالشهوات من أعيننا، فكانوا قد نظروا نظرة إمعان وتأمل إلى مستقبلهم وتصوروا عجزهم وضعفهم عن المشي. فكان هذا الرجل الكبير مغنما لنا إذ كل ما كان يخرج من غرفته ويمرّ من غرفتنا، ننصت لصوت مشيه، ونحدث أنفسنا أن انظري وشاهدي فسوف تنتهي أيام شبابك ولذتك وهذا هو مستقبلك.

    خير شبابكم من تشبه بالشيوخ

    لقد روي عن النبي الأعظم(ص) حیث قال:«خَيْرُ شَبَابِكُمْ‏ مَنْ تَشَبَّهَ بِالشُّيُوخِ، وَ شَرُّ شُيُوخِكُمْ مَنْ تَشَبَّهَ بِالشَّبَاب»[نزهة الناظر وتنبيه الخاطر/ص32]‏. لا تقرأوا هذه الرواية على المدلّلين في هذه الدينا، فإنهم يستهزؤون بها ويقولون: هل تريد أن نصبح شيوخا ونعجز عن كل شيء؟! فلا يستحق هؤلاء أن يكلمهم الإنسان، إذ لا أثر للفكر والوعي والفهم في سلوكهم، فلا يعرفون أن الإنسان إذا استطاع أن ينظر إلى فترة هرمه ومشيبه في أيام شبابه، عند ذلك سوف يترك اللعب والتفاهة في أيام الشباب، ويعيش عيشة تحافظ على شبابه إلى فترة مشيبه وشيخوخته. إنهم لا يعرفون ذلك ولا يمكن أن تكلمهم بمثل هذا الكلام.
    وفي المقابل «شر الكهول من تشبه بالشباب» فكان لابدّ لك أيها الشيخ الكبير أن ترى أيام عجزك ومشيبك منذ أيام شبابك وتوقن بهذه المرارة لتدع اللهو واللعب والتفاهة من أيام الشباب، ولكنك لم تدع حياة اللهو واللعب حتى بعد مضيّ عمرك وتنكّسك في الخلق.

    يتبع إن شاء الله...

  3. #53
    صديق فعال

    الطريق الوحيد والاستراتيجية الرئيسة في النظام التربوي الديني 7-4

    هل التغافل عن مرارة الحياة هو الأسلوب الصحيح؟

    كيف تحلو هذه المرارات؟ طيّب، هنا قد دخلنا في المرحلة الثانية من الموضوع. عندما ينظر الإنسان إلى المنغصات الكامنة في وجوده وإلى مرارة مصيره ودنياه، عند ذلك يكاد أن لا يطيق هذه الدنيا. طبعا لا يخلو النظر إلى مرارة الحياة من فائدة، فمثل هذا الإنسان سوف يتحمل الصعاب والمحن أسهل من غيره، ولكن سوف تفقد الحياة روحها ونورها ونشاطها وحيويتها في مثل هذه الأجواء. وهنا لابدّ أن نتحدث مع الإنسان وننقذه عن الطرق التي قد يسلكها في سبيل التخفيف من مرارة حياته.
    فنقول له: لا تغفل عن هذه المرارات ولا تزعم أنك تندق إن لم تتغافل عنها. ولا تنس الموت أيها الإنسان. فلعلك تقول: إن أجعل الموت نصب عيني دائما، يصفرّ وجهي وأفقد أملي وأكن كالميت بين الأحياء، ولكنك مخطئ في حساباتك. فليكن بعلمك أيها الإنسان أن المفرّ من هذه المرارات ليس بالتغافل عنها.
    إن الغفلة عن المرارات تهدم كيانك وتقضي عليك. فلابدّ أن تبني رؤيتك عن الحياة على أساس هذه المحن والمشاكل، وهذا ما يدل عليه الكتاب الحادي والثلاثون من نهج البلاغة الذي خاطب به ابنه الإمام الحسن(ع)، حيث افتتح كلامه فيه بذكر مصائب الدنيا ومراراتها.

    ما هو الطريق الأفضل في التعامل مع محن الدنيا؟

    ماذا يحدث إن لم تغفل عن مرارات الدنيا؟ إن روحك تصبو إلى ما هو حلو وتطلب اللذة، وتهشّ إلى التحرّر، وكذلك إنك تحظى بروح تحب العشق والغرام. فهي لا تطيق ظروف الدنيا ومعاناتها، ولكن دع يضيق صدرك من هذه الظروف التي تعيشها ومن هذه الدنيا التي حبست فيها. لتصل شيئا فشيئا إلى نقطة ومرحلة بودي أن أجسدها لكم قليلا في هذه الليلة. وسوف استعرض لكم في الليالي القادمة خط السير من نقطة الانطلاق إلى نقطة الهدف بشكل كامل.
    أخي العزيز! لا تغفل عن مرارات الدنيا، إذ ليس طريق مواجهة هذه المرارات هو التغافل عنها بل الطريق هو ذكرها على الدوام. إذا أردت أن تتغلب على هذه المرارات فاسعَ لتحصل على عشق بحيث ترغب أن تعاني وتذوق مرارات الحياة في سبيل من عشقته وأحبته وتلتذ بالمعاناة التي تعيشها في سبيله. لابدّ لك أن تصل إلى هذا المستوى وليس لك بدّ آخر وإلا فتُشقي نفسَك. إنك لا تستطيع أن تفرّ من المحن، فلا تنكرها وإلا تصبح أحمقا. ولا تستطيع أن تزيل المحن من حياتك، فإذا أردت أن تتعامل مع محنك بأحسن وجه، فابحث عن عشق سام وعال في حياتك لترغب في تحمل كل هذه المعاناة في سبيل حبيبك. وشتان ما بين من يرغب في تحمل المعاناة في سبيل حبّه، وبين من اقتنع بضرورة المعاناة فقال: لا بأس بمجيئ بعض المحن والمعاناة!
    متى يزدهر الإنسان؟ عندما يبلغ درجة حبّ المعاناة وتحمل الآلام في سبيل حبيبه، لا أن يصبر على المحن في سبيل الحبيب وحسب. لقد خلق الإنسان لهذه الحياة، وقد خلقكم الله وركّب روحكم وخلايا وجودكم ومشاعركم وكل الكائنات على أساس هذا النمط من الحياة. والإنسان الحقيقي هو من يرغب أن يعاني ويذوق المحن في سبيل الله. ولهذا عندما رأى إبراهيم أن لا يستطيع ذبح ابنه في سبيل ربّه، حزن وضاق صدره.
    ينبغي لك في هذه المرحلة أن ترغب في تلقّي المصائب والمظالم في سبيل الله وأن تعاني من الجوع في سبيله وأن تحزن في سبيله. ولا بأس أن تسأم الجوع وتشتهي الطعام فتناجي ربك وتسأله أن يرزقك طعاما لتشبع به من جوع، ولكن بعد أن شبعت أياما متتالية، سرعان ما يضيق صدرك ويحنّ فؤادك إلى أيام الجوع. إلى هنا يصل الإنسان. أمّا كيف يصل الإنسان إلى هذه المرحلة، فهذا ما يحتاج إلى بحث طويل، فأرجو أن لا يستعجل الإخوة.
    ما هو الطريق الأفضل الذي أودعه الله في فطرة الإنسان وحياته لمواجهة المشاكل والآلام؟ إن الطريق الأفضل لا هو الإنكار ولا هو الفرار، بل هو أن يرغب الإنسان في تحمل الآلام في سبيل الله.
    إن استطاع الإنسان أن يعشق الله، عند ذلك يحب المعاناة في سبيل الله بمختلف أنواعها، كالصوم وقلة الأكل وقلة النوم وقلة الكلام وقلة الراحة واستماع استهزاء الآخرين وغيرها. هذا شعور خاص لا أدري كيف أشرحه وأوضحه، ولكن من لم يجد في نفسه هذا الحب وهذا الشعور فهو لم يعرف نفسه ولم يعرف ربه ولم يعرف العلاقة بينه وبين ربه ولم يعرف شيئا قط.

    حوار افتراضي بين الله وبين عبده العاشق

    إنه حبّ نابع من أعماق قلب الإنسان وقد لا يقدر صاحبه على تعبير ما يجري في قلبه. لقد صحت فطرة هذا الإنسان فلا تناقشه ولا تسأله عن دليل، إذ إنه قد عشق الله وقد عشق المعاناة في سبيل الله. وهل تعلمون ما سوف يكون مصير هذا الإنسان؟ سوف يحتضنه الله ويقول له: «وأنا أحبك أيضا وأرزقك المحن والبلايا كما أحبت. لقد اخترتك لنفسي، وقدّرت لك البأساء والضرّاء، وأنت تعاني من أجلي، فما تريد عبدي بعد أن أصبحت حياتك كما تحبّ؟ أنت الآن تعاني من بعض المشاكل والآلام في حياتك، وهذا ما رغبت فيه أنت وأحبته أنت فعانِ إذن وتجرع البلاء. وأنا في المقابل أقدر لك المحن والبلايا على الدوام ولم أقصّر في ذلك. وأنت تتقرّب إليّ يوما بعد يوم بصبرك الجميل على هذه المحن والمشاكل، إذن ليس لك مشكلة بعد وعش سعيدا إلى آخر عمرك». ولكن بعد كل هذا لا يزال العبد حزينا خائفا. فإن سأله الله عن السبب، أجاب وقال: إلهي لا طاقة لي بحر نارك فماذا أفعل إن أدخلتني النار؟ فلا يزال هذا العبد يبكي ويبكي خوفا من نار جهنّم التي سعّرها جبّار السماوات والأرض. وهذا الخوف والبكاء أيضا من هواياته فدعه يبكي.
    أنا لا أفهم حقيقة هذا النوع من الحب والغرام، فهل تفهمونه أنتم؟! الشيء الوحيد الذي أدركه من هذا العشق أنه يختلف عن العشق الدنيوي الذي ناجم من الأنانية وحبّ الذات، بيد هذا الإنسان يحب أن يعاني ويتجرع البلاء في سبيل حبيبه. فمهما تحمل من عناء وبأساء وضراء لا يشعر بأنه قد وفّى حق حبيبه، فيبكي خوفا من نار جهنّم! فكيف تفسرون بكاء أمير المؤمنين(ع) الشديد من جهنّم؟! لقد روي عن أمير المؤمنين(ع) أنه قال: «الْقَلْبُ الْمُحِبُّ لِلَّهِ يُحِبُّ كَثِيراً النَّصَبَ لِلَّهِ وَ الْقَلْبُ اللَّاهِي‏ عَنِ‏ اللَّهِ‏ يُحِبُّ الرَّاحَةَ فَلَا تَظُنَّ يَا ابْنَ آدَمَ أَنَّكَ تُدْرِكُ رِفْعَةَ الْبِرِّ بِغَيْرِ مَشَقَّة»[مجموعة ورام/ج2/ص87].

    يتبع إن شاء الله...



  4. #54
    صديق فعال

    الطريق الوحيد والاستراتيجية الرئيسة في النظام التربوي الديني 7-5

    إن الله هو صاحب القرار في تعيين نوعية المعاناة التي نعيشها من أجله

    بعد أن عشق الإنسان ربّه ورغب في تحمل البلاء من أجله، لم يعطَ حق اختيار البلاء بل الله هو صاحب القرار في تعيين نوعية المعاناة التي لابدّ أن يعيشها من أجله. ولا شك في أن هذا القانون عامّ يشمل جميع الناس ولا العشاق فقط.
    أيّها السادة! هل تريدون أن تتصدقوا؟ أجيبوني بنعم. إن كنتم تريدون أن تتصدقوا فاسمحوا لي أن آتي بيوتكم وأختار بنفسي البضاعة لتتصدقوا بها، فهل توافقون على ذلك؟! من المؤكّد أنّكم لا توافقون على ذلك إذ تريدون أن تتصدقوا بما تشاءون لا بما يختاره غيركم. ولكن الله سبحانه يمتحنكم ويقدر لكم المشاكل كيف ما يشاء، وهو يعرف جيدا كيف يبتليكم ويفرض عليكم المحن والمشاكل، إنه يعرف ثغرات حياتكم ويعرف نقاط ضعفكم، وأحيانا يأخذ إسماعيلكم أضحيةً.
    طبعا إن الله أرحم الراحمين وهو يراعي قابليتنا وإيماننا، فلا يخف منكم أحد، إذ نحن غير مؤهلين لمثل هذه الامتحانات الصعبة، فلا تقلقوا على مستقبلكم وما سوف يفعله الله بكم. وقد سبق أن قرأت عليكم تلك الرواية التي تقول: «لَوْ لَا إِلْحَاحُ هَذِهِ الشِّيعَةِ عَلَى اللَّهِ فِي طَلَبِ الرِّزْقِ لَنَقَلَهُمْ مِنَ الْحَالِ الَّتِي هُمْ فِيهَا إِلَى‏ مَا هُوَ أَضْيَقُ‏ مِنْهَا»[الكافي/ج2/ص264]
    إن الله قد سمح لشخص واحد أن يتجرع البلاء إلى آخره، وهو الحسين(ع)، ولم يعط هذه الفرصة لأحد آخر أبدا. لم يسمح لإبراهيم الخليل(ع) أن يتجرع البلاء بشكل مباشر ولم يسمح لشخص آخر أبدا ولكنه قد سمح للحسين(ع). فأنت الذي تعشق الحسين(ع) وبودك أن تفدي بروحك من أجل الحسين(ع) هل تعلم لماذا أخذ الحسين(ع) من قلبك هذا المأخذ؟ وهل تعرف سبب حبك الشديد هذا للحسين(ع)؟ لأن فطرتك وذاتك تتلهف للحسين(ع) إذ أن الحسين قدوة إنسانيتك وقد جسد الإنسانية بأروع صورها، وهي ليست إلا حب تجرع البلاء من أجل الله، وأنت مفطور على هذا الحبّ، فلابدّ أن تحبّ الحسين(ع).

    كيف نصل إلى هذا المقام؟

    هناك طريقان:
    الطريق الأول هو هذا الكلام الذي تحدثنا به في جلساتنا الماضية. اعترف بمرارة الدنيا لتقدر على التجافي عنها ولئلا تصرف كل همك بإصلاحها. طبعا لا بأس أن يقوم الإنسان بإصلاح دنياه بمقتضى تكليفه، ولكن لا تصرف وجودك في هذه الدنيا البالية. دعها فإنها لا تصلح بشكل كامل. ارفع همتك عن مستوى هذه الدنيا وطهّر قلبك عن التعلق بها وصدّق بمرارتها ولا تصادق من أهلها أحدا ولا تأنس بأحد من أهلها، دعها ولا تفتش عن راحتك وقرارك فيها. هذا هو الطريق الأوّل.
    أما الطريق الثاني فهو عقد القلب بالله سبحانه، فدرّب نفسك شيئا فشيئا على عشق الله. وقد جعل الله سبحانه المعصومين الأربعة عشر تسهيلا لحبّه. فإن صعب عليك حبّ الله وعشقه، فاعشق الحسين(ع) لتصل عن طريق عشقه إلى عشق الله. واللطم على الصدور في هذا المسار يمثل سلوكا عرفانيا رائعا. فهو شعار ورمز لمن أحبّ أن يتحمل البلاء في سبيل الحبيب.
    إني آسف عليكم جدا إذ لم تدركوا أيام الجبهة والدفاع المقدّس. فلأنقل لكم بعض المشاهد التي عشتها هناك بصفة إنسان شاهد وحسب. كنا نعيش ساعات وأياما تحت قصف القنابل والرصاص، ومن كثرة الشضايا والقنابل والرصاص كنّا نشعر بأنا تحت المطر وكان مطرا من نور. فعندما تنتهي تلك الأيام ونشعر بالأمان ينقبض قلبنا ونشعر بأنه قد اسودّ لقلة البلاء. وقد سمعتم كثيرا أن الشباب المجاهدين عندما كانوا يرجعون إلى مدنهم كان يضيق صدرهم. إذ أن فطرة الإنسان تتلهف للبلاء والشدّة في سبيل الحبيب والمعشوق.

    ما هو الأسلوب الأفضل في التعامل مع نعم الله؟

    إن هذا الإنسان الذي يلتذّ في البلاء، إذا أنعم الله عليه وخفف عنه البلاء يمتلئ نورا ويصل إلى أوج اللذة وينغمر في حالة الشكر لله. أتذكر أحد المجاهدين في أيام الجبهة كان لا يستطيع أن يأكل شيئا بعد انتهاء الحملة ورجوع القوات إلى الوراء. فسألته عن السبب، فقال: «إني كنت أحصي ديوني لله تحت قصف القنابل في المعركة وكنت أشعر بالخجل والدين لله، فكيف بي الآن وأنا في حالة الأمان الذي أشعر فيه بتصاعد ديوني لله سبحانه؟ وقال: ما زال صدري ضائقا من كثرة ديوني لله فهل أكثّرها؟» كان بودّه أن يضحي من أجل الله ويتقطع قطعة قطعة في سبيل الله، لا أن يأكل ويتنعّم ويتمتّع. فقلت له: أما تسمّي باسم الله قبل الطعام؟ قال: بلى. فقلت: إذن كلْ الطعام إذ لا يتشدّد الله بهذه الدرجة، والله يحب أن يتمتع عبده بنعمه. بعد ذلك كان يجلس على مائدة الطعام ويناجي ربه قليلا ويبكي قليلا ثم يأكل جيدا. فكان يأكل إرضاء لربّه كالولد الذي يأكل ما طبخت له أمه لتفرح أمّه. إن مثل هؤلاء يستطيعون أن يأكلوا من أجل الله فقط، أما الباقي فيأكلون مثل البهائم. لا يستطيع أحد أن يأكل من أجل الله، بل الكل يأكلون تلبية لنفسهم. وإنما الإنسان الذي يتحبب إلى الله في خضمّ البلاء، هو الذي يعرف كيف يتمتع بنعم الله.

    صلى الله عليك يا أبا عبد الله

    إن عشّاق الله يودّون أن يتلقّوا البلاء في سبيل الله، ولكنّ الله لم يسمح لأحد أن يتجرع كأس البلاء إلى آخره إلا الحسين(ع)، فقد أعطاه الحرية الكاملة لتحمل البلاء وكانت تأتي البلايا على الحسين(ع) واحدا بعد الآخر في يوم عاشوراء. هناك قاعدة تقول: كلما ازداد الإنسان نورا ومقاما وقربا من الله، ازداد حظا من هذا النوع من البلاء. فبما أن الحسين(ع) كان يزداد نورا ومقاما كلما كان يقترب من ظهور عاشوراء وعصر عاشوراء كان يزداد بلاؤه وتشتدّ مصائبه.
    لقد استشهد أصحاب الحسين(ع) جميعا وبقي وحيدا، فأخذ يودّع أهله وعياله في الخيام وينزل إلى الميدان. في هذه اللحظات إذا كان ينزل بلاء على الحسين(ع) يفترض أن يكون أصعب من جميع المصائب التي تلقّاها من الصبح لحدّ ذاك الوقت. أنتم أيها الشباب قد لا تستطيعون أن تفهموا شدّة هذا البلاء باعتباركم لم تصبحوا آباءً، ولكن الآباء ولا سيما أولئك الذين لهم بنات صغار، وخاصة إذا كانت بنتهم في التاسعة أو العاشرة من عمرها يدركون شدّة هذه المصيبة نوعا ما. بعد أن ودّع الحسين(ع) النساء جميعا وأراد أن ينطلق إلى الميدان جاءته بنته سكينة وقالت له: «ردّنا إلى حرم جدّنا» إن هذه الكلمة بوحدها تكاد أن تقطع فؤاد الأب الغيور الذي لا سبيل له إلا أن يترك بناته بين قوم سفلة مجرمين.

    ألا لعنة الله على القوم الظالمين


  5. #55
    صديق فعال

    الطريق الوحيد والاستراتيجية الرئيسة في النظام التربوي الديني 8-1

    إليك ملخص الجلسة الثامنة من سلسلة محاضرات سماحة الشيخ بناهيان في موضوع «الطريق الوحيد والاستراتيجية الرئيسة في النظام التربوي الديني» حيث ألقاها في ليالي شهر رمضان المبارك عام 1434هـ. في مسجد الإمام الصادق(ع) في مدينة طهران.




    مرور على ما سبق/نحن بصدد كشف برنامج لحياة وعبادة أفضل

    نحن بصدد كشف برنامج لحياة وعبادة أفضل. ولابدّ لهذا البرنامج أن يكون كفوء كما لابدّ أن يكون عمليّا وأن يكون مؤثرا ومفيدا في نفس الوقت، وبالإضافة إلى ذلك ينبغي أن يتصف بشمولية وأن يكون شاملا لجميع الناس، لا المؤمنين فقط دون غيرهم. فإن كان البرنامج برنامجا عمليا صحيحا لتحقيق حياة وعبادة أفضل، لابدّ أن يكون مشتركا بين الصالحين وغير الصالحين من الناس. ونحن نصبو إلى كشف برنامج جادّ وعميق وصائب ليحسّن حياتنا لا عبادتنا فقط، فإنّ تحسين الحياة مقدمة لتحسين العبادة.

    ما هي مواصفات البرنامج الجيد

    ما هي مواصفات البرنامج الجيد؟ من مواصفاته هي أن يكون ذا محور واحد. فإن البرنامج التي يجعل الإنسان أمام مئة محور وعمل لا يؤدي إلى نتيجة؛ من قبيل ما لو كان البرنامج عبارة عن مجموعة من الأعمال والوصايا المتناثرة في ضرورة الصبر ووجوب الصدق وحسن التواضع وكراهية البخل وقبح الحسد وحرمة الحرص وأهمية العبادة وضرورة صلة الرحم وحرمة أكل الحرام إلى غيرها من الحسنات والسيئات. فإن هذا ليس ببرنامج، بل مجموعة من الأوامر والنواهي غير المنتظمة وغير المبرمجة. بيد أن هذه الوصايا لها نظام وهيكلية لابد من كشفها وإعطائها للناس، لكي تكون حياتهم على أساس برنامج منتظم.
    من مواصفاته الأخرى هي أن يكون مستوحى من القرآن والروايات، وأن يكون منسجما مع أحاديث أهل البيت(ع)، فلا يمكن أن نبدع برنامجا من جيبنا. و من جانب آخر يجب أن يكون متناسبا مع وجود الإنسان، وحقائق حياة الإنسان. فلا يمكن أن يكون البرنامج بلا علاقة مع ما تحدثنا عنه في تعريف الإنسان وهويته وماهيته.

    لقد خلق الإنسان من أجل جهاد داخلي روحي، أي مجاهدة الأميال والرغائب

    على رأس الخصائص التي يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار في تعريف الإنسان هي: «أن الإنسان قد خلق بأميال ونزعات مختلفة ومتضاربة، وبمقتضى هذه النزعات المختلفة غالبا ما يقف أمام طريقين أو أكثر في مراحل حياته، ولهذا قد منح الإنسان حقّ الاختيار وأصبحت اختياراته الصائبة ذات قيمة». وأما باقي خصائص الإنسان من قبيل قدرته على تحصيل العلم فهي قد منحت له لكي تمكنه من الاختيار الصائب.
    فعندما يقف الإنسان في مقام اختيار إحدى رغباته من بين مختلف الرغائب، لابدّ له من أن يضحّي ببعض هذه الرغبات في سبيل بعض أخر. ومن هنا يبدأ موضوع جهاد النفس. ولهذا ندّعي أنّ عنصر «جهاد النفس» يمثل أحد عناصر تعريف الإنسان. يعني أن الإنسان هو كائن خلق من أجل جهاد داخلي وروحي، أي مجاهدة رغائبه. وقد قامت هذه المعركة بسبب وجود نزعات وأميال مختلفة في داخل الإنسان، ولو لا هذا الاختلاف والتعارض لكان الإنسان مَلَكا أو حيوانا.

    لقد أودع الله في قلب الإنسان نوعين من الرغائب: 1. الرغائب السطحية والرخيصة، ولكنها جليّة 2. الرغائب العميقة والقيّمة ولكنها خفيّة

    وفي سبيل أن يتحقق جهاد الإنسان لأهوائه بشكل صحيح، قد أودع الله في قلب الإنسان نوعين من الرغائب: إحداها هي الرغائب العميقة والقيمة ولكنها خفيّة، والأخرى هي الرغائب السطحيّة والرخيصة ولكنها جليّة. إن هذين النوعين من الرغائب ليست سواء، بل إن الرغائب الجيدة والقيّمة أقوى من الرغائب الرخيصة أو التي لا قيمة لها، ولكن بسبب خفائها لابدّ للإنسان أن يعبر من رغباته السطحية والرخيصة ويضحي بها في سبيل الوصول إلى الرغائب العميقة والقيّمة.
    فلو كانت الرغائب الجيّدة والعميقة ظاهرة في داخل الإنسان، لكان الناس جميعهم قد اختاروا هذا النوع من الرغائب لقوتها في قلب الإنسان، ولما حصل جهاد النفس قط. ولهذا فقد أخفى الله هذه الرغائب الشديدة في أعماق قلب الإنسان، وأظهر الرغائب الضعيفة لكي تتوفر أرضية جهاد النفس.
    في السنين السبع الأولى من عمر الإنسان تتبلور الرغبات السطحيّة، وتلك المرحلة هي وقت تجربة هذه الرغائب، فقد أوصانا الإسلام أن نجعل الطفل أميرا في البيت وندعه وشأنه يفعل ما يشاء، لتتبلور رغباته السطحية، فلابدّ أن يجرّب هذه الرغبات ويذوق طعمها قدر المستطاع ليعرف الطعم الحلو ويذوق الراحة ويأنس بالمحبة والحنان. كما تتبلور في وجوده الأنانية ويظهر في السنة الثالثة من عمره الحسد أيضا. ثم بعد سنتين يحاول أن يقلّد الكبار ويلبس ملابسهم لتكون علامة على بوادر حبّ العظمة وحبّ الكِبَر وحب المقام.

    يزعم البعض أن رغباتهم الرخيصة والسطحيّة أشدّ من غيرها وإن مخالفتها صعب جدا

    إن هذه الرغبات التي يتعرف عليها الطفل في السنين السبع الأولى من حياته، ليست برغبات سامية بل هي رغائب سطحية يميل إليها الإنسان كما يميل إليها الحيوان وجميع الحيوانات يدركون هذه الرغبات ويتحركون على أساسها وليس لهم شأن سواها ولا يفهمون شيئا وراءها. إن هذه الرغائب السطحية تظهر نفسها كرغائب شديدة، ولكنها ليست بشديدة. فإن هذه الرغائب السطحية التي تجربها وتعيشها لا تقدر على إمتاعك كثيرا إذ أنها سطحيّة ولم تمتدّ بجذورها إلى أعماق قلبك.
    يزعم البعض أن رغباتهم الرخيصة والسطحية أشدّ من غيرها في وجودهم وإن مخالفة هذه الرغائب عمل عسير جدا. بينما إن يبدأوا بجهاد هذه الرغائب، سوف يلتذون بهذا الجهاد شيئا فشيئا وسوف لا يعيرون قيمة لهذه الرغبات السيئة والسطحية. لقد خفي تحت محيط وجود الإنسان سلسلة جبال مرتفعة جدا ولكنها غير ظاهرة، فهناك محلّ استقرار رغباتك الثقيلة جدا ولا سبيل لكشفها إلا بالغوص والغور في أعماق هذا المحيط.
    ما هو الطريق للوصول إلى الرغبات الأعمق؟ هل الطريق هو أن يعمد الإنسان إلى عشق الله في أول خطوة؟! كلا. الخطوة الأولى هي أن تذبح رغباتك السطحية. فحاول أحيانا أن لا تأكل الطعام المحبذ لك، بل كل خبزا مع لبن. فابدأ بمنازعة نفسك ومخالفتها في رغباتها السطحيّة. تمرّن على جهاد النفس حتى تموت سبعين مرة في اليوم من شدة الجهاد. ولا تنطق بكل ما رماه هواك إلى لسانك، فكف عن الكلام بكثير مما يحلو لك التحدّث به، حتى إن كان ظاهر الكلام جيدا أو كان بصيغة نصح الآخرين أو إرشادهم، إذ أحيانا نلبّي شهوتنا في الكلام عبر ما يسمى بالكلام اللطيف والنصائح النافعة.

    يتبع إن شاء الله...


  6. #56
    صديق فعال

    الطريق الوحيد والاستراتيجية الرئيسة في النظام التربوي الديني 8-2

    إن أهل جهاد النفس يجدون لذة في حياتهم لا يجدها أهل الفسق والفجور

    إن مخالفة النفس أمر صعب في الظاهر، إذ تريد أن تخالف رغبة ونزعة ظاهرة، ولأنّها ظاهرة تشعر بأنّها رغبة شديدة، وهذا ما يجعلك تعتبر مخالفة هذه الأهواء أمرا عسيرا. ولكن هذه المخالفة في الواقع هي من أجل الوصول إلى الرغائب الخفيّة التي هي أعمق وأمتع وألصق بالفؤاد. ولهذا عندما نبدأ في هذا الجهاد ونخطو بعض الخطوات إلى الإمام ونذوق شيئا من رغائبنا العميقة، عند ذلك ندرك أن هذه المخالفة ليست بصعبة أبدا.
    إن ماهيّة العسر والألم هو أن يكون الشيء مخالفا لهوانا وإنّ ماهيّة اللذة والسرور هو أن يكون الشيء موافقا لهوانا. إذن فعندما يقوم أحد بمخالفة أهوائه السيئة ويصحّي رغباته الجيّدة ويلبّي نزعاته العميقة والقيّمة، يشعر بلذّة لم يذقها أهل الفسق والعصيان في حياتهم قط.
    إن عبادة الله يمثّل نزعة عميقة وممتعة جدا في وجود الإنسان. وإنه أقوى وأمتع بكثير من الميل إلى الشهوات، ولكنه أخفى من حبّ الشهوات. فمن هذا المنطلق إن من يلبي رغبته في عبادة الله ويرضي ربّه، يتمتع بلذة لن يجدها من يقوم بإرضاء هوى نفسه أبدا. فعلى سبيل المثال، من الذي يشعر بلذّة أقوى؛ هذا الذي يسبّ ويشتم إرضاء لهواه، أم الذي يسيطر على لسانه إرضاء لربّه؟ فلا شك في أن لا قياس باللذة التي يجدها الثاني تجاه لذّة الأوّل. وأيّهما أشدّ لذة؛ من يقابل السوء بالسوء والانتقام إرضاء لهوى نفسه، أم من يعفو عن الناس إرضاء لربّه؟

    كل من تزداد لذته بعلاقته بالله، يزداد بالمقابل أجرا من الله

    واللطيف هو أن الذي يحظى بمزيد من اللذة وأقواها بسبب إرضاء الله في حياته، يُفترَض أن يزداد دَيْنا لله بسبب زيادة اللذة التي عاشها في حياته، ولكنّ الله يزيده أجرا ويرفع درجاته في الجنان. إنّ من لطف الله وكرمه هو أن كلما ازداد الإنسان انتفاعا من الله، يزداد نصيبه من الله في الجنة. يعني كل من عاش لذة أشد وأقوى في ظلّ علاقته مع الله في هذه الدنيا، يزداد أجرا منه سبحانه وتعالى. غيّر رؤيتك عن الله، فإن الله لم يرد منك أن تضحّي برغباتك ولذاتك في سبيله، بل أراد أن تضحي بلذاتك السطحية والقليلة في سبيل لذاتك العميقة والشديدة!
    عندما تطبخ أمّ لولدها طعاما، كلّما التذّ الولد بطعام والدته وأكل من الطعام أكثر، تزداد الأمّ فرحا. ولا شكّ في أن الله الذي خلق الأمّهات، هو أرحم بعباده منهنّ جميعا.

    الإنسان الذي يجاهد نفسه لم ينجز شيئا

    لا ينبغي للإنسان الذي يجاهد نفسه، أن يعتبر نفسه قد أنجز شيئا خارقا وقام بعمل شاقّ، إذ أن اللذة التي يجدها في خضمّ جهاد نفسه، لن يجدها الفسقة وشرابو الخمر أبدا. فهو لم يكن يطلب اللهَ شيئا بهذا الجهاد، بل يزداد دَينا له، إذ قد لبّى رغبات قلبه العميقة وحظى بمزيد من اللّذة، وقد نال ما يميل إليه ويرغب فيه واقعا، وبعد كل هذا سيثيبه الله بالجنة لكونه قد لبّى رغباته الحقيقية! وهذا من لطف الله، فلا ينبغي أن نتوهم بأننا قد أنجزنا شيئا كبيرا.

    إن الذين يجاهدون أنفسهم يلتذون في حياتهم أكثر من أهل الفسوق والفجور/ إن مخالفة النفس إرضاء للنفس في الواقع

    إن أهل الفسق والفجور لا يعيشون لذة أولئك الذين يقومون بتلبية رغباتهم العميقة والفطرية والخفية ولا يشعرون بسرورهم، إذ أن مخالفة النفس هي إرضاء للنفس في الواقع، وهي عبارة عن العبور من أميال النفس السطحية لتلبية الرغائب العميقة والجيّدة في النفس.
    سألني أحد الإخوة وقال: «ألا يتعقّد الإنسان نفسيّا فيما إذا جاهد نفسه ليل نهار وحرمها عن لذّاتها؟». قلت له: بالتأكيد! فإن أدمن الإنسان على مخالفة نفسه وهواه يتعقّد نفسيا ويبتلى بمرض في أعصابه وتضعف قواه وقد يحقد على الناس ويصاب بستين مرض آخر! ولكن إنّ مخالفة النفس، ليست مخالفة جميع أبعاد النفس، بل إنما هي مخالفة الجانب السطحي والرخيص منها، وفي نفس الوقت الذي تجاهد فيه هذا البعد من النفس، تلبّي رغبة رائعة وعميقة جدا في نفسك.
    يقول الرسول الأكرم(ص): «النَّظَرُ سَهْمٌ مَسْمُومٌ مِنْ سِهَامِ إِبْلِيسَ فَمَنْ تَرَكَهَا خَوْفاً مِنَ اللَّهِ أَعْطَاهُ إِيمَاناً يَجِدُ حَلَاوَتَهُ‏ فِي‏ قَلْبِهِ‏»[جامع الأخبار/ص145]. وقال (ص): «النظر إلى محاسن‏ النّساء سهم من سهام إبليس فمن تركه أذاقه الله طعم عبادة تسرّه»[مستدرك الوسائل/ج14/ص271]. فإن غضّ أحد النظر وترك اللذة ولم يجد تلك اللذة العميقة وطعم العبادة فليعلم أن لم يكن غضّه البصر في سبيل الله وإلا لوجد هذه اللذة.

    في سبيل كشف رغائبنا العميقة والكامنة ولا سيما رغبتنا في عبادة الله، لابدّ لنا أن نضحي بأهوائنا ورغائبنا السطحية

    في سبيل أن نكشف رغبتنا العميقة والكامنة المتمثلة بحب عبادة الله، لابد أن نجاهد رغائبنا السطحية والتافهة وأن نضحّي بها في سبيل الرغائب العميقة، أي لابدّ أن نقف أمام شهواتنا وأهوائنا. وعليه فلابد أن نخاطب ربنا في سجّادة الصلاة ونقول له: «إلهي! أنا الآن أسير بيد رغباتي السطحيّة ولا أدرك لذة عبادتك، ولكني سمعت أن هناك حقائق وراء هذه الظواهر فصدقت نبيّك، وأنا الآن أصلّي بين يديك بلا أن أشعر بلذة الصلاة...»
    أساسا إن الصلاة تمثّل جهادا للنفس، إذ ليس فيها جذابيّة في بداية الأمر، وعادة ما نحاول أن نصلّي ونتمّ الصلاة تأدية للواجب وحسب، ولكن من أجل أن نرغم أنف نفسنا ونحارب أهواءنا، ينبغي أن نصلي باطمئنان وهدوء وبدون استعجال. فكلما أردت أن تستعجل في صلاتك وتكملها بسرعة، أبطئ في صلاتك وكرّر أذكارك لتلوي عنق نفسك وتقعدها في مكانها.
    أتذكر في زمن كنّا نصلي خلف آية الله الشيخ الأراكي(رضوان الله عليه) حيث كان يصلّي في مسجد صغير جدا في جوار ضريح السيدة المعصومة(ع)، ولكن كانت صلاته طويلة جدّا ولا تقاس بصلاة الشيخ بهجت من حيث طولها. فكانت صلاته ترغم أنف النفس. فمن كان يريد أن يلوي عنق نفسه، كان يصلي خلفه. فإذا وجدتم إماما يصلي صلاة طويلة، اقصدوه بعض الأيام وصلّوا خلفه لتخالفوا بتلك الصلاة نفوسكم وترغموا أنفها.

    يتبع إن شاء الله...

  7. #57
    صديق فعال

    الطريق الوحيد والاستراتيجية الرئيسة في النظام التربوي الديني 8-3

    أحيانا يصبح جهاد النفس في سبيل النفس

    ليكن بعلمك أخي أن بعض الناس يجاهدون أنفسهم من أجل النفس، فلا تخرّب جهادك. من قبيل من يمسك نفسه عن السبّ والشتم حفاظا على سمعته، أو من يترك حب الغضب تلبية لحبّ المقام في نفسه. فعلامة هذا الإنسان هي أنه مهما تأدب وحسّن أخلاقه وجاهد نفسه، لا يرغب في الصلاة، إذ لم يكن جهاد نفسه في سبيل الله.

    إن جهاد النفس هو مراعاة النفس في الواقع، ومخالفة اللذّات هو نيل اللذات في الواقع، ولكن لذة عميقة وغزيرة


    عندما يتجه الإنسان نحو الحسنات ورغباته العميقة، ويجاهد أهواءه السطحية في هذا المسار، سيذوق لذة هذا الجهاد بلا ريب، وإن الله يذيقنا هذه اللذة بسرعة. أساسا إن جهاد النفس هو مراعاة النفس في الواقع، ومخالفة اللذات هو نيل اللذات في الواقع، ولكن لذة عميقة وغزيرة لا سطحية وقليلة. ولهذا إن بعض الناس يحرصون على العبادة، فتراهم يجلسون في المسجد منتظرين وقت الصلاة، فهم يجاهدون أنفسهم ويعيشون لذة حقيقية في حياتهم.

    إن حقيقة حياة الإنسان هي اختيار خير الرغائب مما هي أدنى عن طريق «العقل»/ العقل قوة لاختيار خير الرغائب


    إذن هكذا يمكن أن نعرّف حياة الإنسان: «اختيار الرغائب الأفضل من الرغائب الأدنى»، ويتم هذا الاختيار عبر قوة في وجود الإنسان باسم العقل. لمّا خلق الله العقل أعطاه زمام الإنسان إذ به يُعبَد. «الْعَقْلُ‏ مَا عُبِدَ بِهِ‏ الرَّحْمَنُ‏ وَ اکْتُسِبَ بِهِ الْجِنَان»[هدایه الأمة/ج1/ص4].
    يختلف العقل عن العلم، ولهذا عندما يسيء الإنسان في اختيار رغائبه ويختار الخيار الأدنى يقال له: أنت عديم العقل، وعندما يصيب الاختيار ويختار الخيار الأفضل يقال له: أنت إنسان عاقل.
    لقد خلق الإنسان ليختار من مجموع الخيارات، ولولا ذلك لما استطاع أن ينتج قيمة مضافة. ولابدّ للاختيار أن يكون من بين نوعين من الرغائب؛ رغبة أشدّ ولكنها كامنة، ورغبة أضعف ولكنها ظاهرة. وإن الرغائب الضعيفة والظاهرة يعني هذه الأهواء والشهوات هي التي تحجز الإنسان عن كشف رغباته العميقة والكامنة. لذلك ينبغي للإنسان أنّ يدمن على محاربة أهوائه النفسانية ورغائبه السطحية والواضحة ويضحّي بها ليصل إلى رغباته العميقة والفطريّة. وإنّما يستطيع الإنسان أن ينجز هذا الإنجاز بالعقل. العقل هو الذي يحذرنا من الاغترار بالرغبات الظاهرية، وهو الذي يشجعنا على الاهتمام بالرغبات العميقة فإنها أكثر لذة. ويقول لنا: دع هذه النزعات السطحية لتكشف رغباتك العميقة.

    لماذا لا يتضرع المذنبون إلى الله؟


    لماذا لا يتضرع المذنبون إلى الله؟ لأنهم يخافون من الله بشدّة، ويتصورون أن الله بصدد الانتقام منهم. إنهم قد تنكروا لله وظنوا أن الله قد تنكر لهم أيضا.
    ما هو انطباعكم عن الله وأنتم تتوبون إليه من ذنوبكم وتخافون منه؟ لماذا يضيق صدركم وتتوبون من ذنوبكم؟ هل تعتذرون إلى الله لأنكم لم تمتثلوا كلامه والآن تخافون أن يعاقبكم عقابا عسيرا؟ وهل أنكم تتوبون إليه مخافة سوطه؟ وهل تنظرون إلى الله كخصم قوي لا يمكن منافسته؟ في حين أن الله قد أراد أن تلتذوا أكثر في حياتكم، وأراد أن تفعّلوا رغباتكم الفطرية، ولهذا ولأنكم قد أضررتم بأنفسكم وحرمتم أنفسكم من مزيد اللذة، لم يرض منكم وغضب علیکم، فإنه لم يرض منا لشدّة حبه لنا. والآن فهو لا يريد أن يضربكم بل يريد أن ترجعوا إليه.
    يقول الإمام الباقر(ع): «إِنَّ اللَّهَ تَبَارَکَ وَ تَعَالَى أَشَدُّ فَرَحاً بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ مِنْ رَجُلٍ أَضَلَّ رَاحِلَتَهُ وَ زَادَهُ فِی لَیْلَةٍ ظَلْمَاءَ فَوَجَدَهَا فَاللَّهُ أَشَدُّ فَرَحاً بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ مِنْ ذَلِکَ الرَّجُلِ بِرَاحِلَتِهِ حِینَ وَجَدَهَا». [الكافي/ج2/ص435] فلابدّ أن نرجع ونعيد بناءنا المعرفي بالله وبالإنسان والحياة من جديد.
    إلهنا سبحانك أن تكون محتاجا إلينا فلماذا تفرح بهذه الشدة عند توبتنا؟! إلهنا أنت الذي قال في وصفك الإمام السجاد(ع): «الحمد لله الذي تحبب إلي وهو غني عني» فلماذا تفرح بتوبتنا إلى هذا الحد؟ إنه أراد أن نزداد لذة في الدنيا لنزداد قابلية للتنعم في يوم القيامة وعند لقاء الله. إنه أراد بهذه الأحكام أن نتعطش إلى اختيار الخيار الأفضل ولتكون الدنيا مقدمة للتمتع والالتذاذ بلقاء الله بعد الموت وفي يوم القيامة وفي جنات الخلد. فكان البرنامج الإلهي لنا هو أن ننتعش بذكر الله وجمال الله في الدنيا، ثم يدعونا إليه، لنتمتع باللذة الكاملة عند لقائه.

    صلى الله عليك يا أبا عبد الله


    إن جهاد النفس يتخذ منحى آخر في مراحله المتقدمة، فكلما كان يشتدّ الأمر بالحسين(ع) ويقدم الأضحية واحدا بعد الآخر كان يشرق لونه وتهدأ جوارحه وتسكن نفسه، فيقف الإنسان حائرا أمام قلب الحسين(ع) عاجزا عن فهمه ووصفه.
    أنا أريد أن أخاطب الحسين(ع) وأقول له: يا أبا عبد الله! عندما ودّعت علي الأكبر، أما قدّمته أضحية لله سبحانه؟ ونحن نعلم كم أنت تحب أن تقدم ضحايا في سبيل الله. فما هذا البكاء عليه أمام الأعداء حتى أوشكت بالموت حين وضعت خدك على خده؟!
    اسمحوا لي أن أجيب بكلمة واحدة. ألا تحترق أكبادكم إذا جاء أحد ومزّق أمامكم صورة النبي الأكرم(ص)؟! كان علي الأكبر أشبه الناس خلقا وخلقا ومنطقا برسول الله(ص)، وإذا به رآه مقطعا بسيوف القوم...

    ألا لعنة الله على القوم الظالمين


  8. #58
    _______
    الأمـہٰــيہٰـر
    تاريخ التسجيل: February-2014
    الدولة: Lille, France
    الجنس: ذكر
    المشاركات: 2,497 المواضيع: 115
    صوتيات: 2 سوالف عراقية: 0
    التقييم: 408
    مزاجي: Good
    موبايلي: ايفون 14
    آخر نشاط: 25/April/2024
    مقالات المدونة: 14
    شكرااا

  9. #59
    صديق فعال
    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة PRÏNCE مشاهدة المشاركة
    شكرااا
    شكرا جزيلا لكم
    تقبلوا تحياتي

  10. #60
    صديق فعال

    الطريق الوحيد والاستراتيجية الرئيسة في النظام التربوي الديني 9-1

    إليك ملخص الجلسة التاسعة من سلسلة محاضرات سماحة الشيخ بناهيان في موضوع «الطريق الوحيد والاستراتيجية الرئيسة في النظام التربوي الديني» حيث ألقاها في ليالي شهر رمضان المبارك عام 1434هـ. في مسجد الإمام الصادق(ع) في مدينة طهران.

    بودّي في هذه الجلسة أن ألخّص مجمل ما ذكرناه في الجلسات السابقة وأستعرض ما خرجنا به من نتائج، لكي يطّلع عليه الإخوة الذين لم يرافقونا من الأول، وكذلك يحصل الإخوة الذين تابعونا من بداية الأبحاث على صورة واضحة عن مجمل ما طرحناه في الليالي الماضية. لابدّ لنا في هذا البحث أن نطوي ثلاثة مراحل، ونحن لم نطوِ عبر الجلسات الماضية إلا المرحلة الأولى منه.

    1ـ نحن بحاجة إلى برنامج واحد للحياة والعبادة

    نحن ومن أجل أن نحظى بحياة وعبادة أفضل، بحاجة إلى برنامج جيّد. وأساسا نعتقد أن البرنامج الذي يحسّن حياتنا من شأنه أن يحسّن عبادتنا أيضا. وبالعكس، إن البرنامج الذي يحسّن عبادتنا يحسّن حياتنا أيضا.
    لابدّ أن يكون هذا البرنامج نافعا لجميع الناس بلا فرق بين المتديّن وغيره، فإذا لم يكن الإنسان متدينا، ينبغي لهذا البرنامج أن يعينه على تحسين حياته، وإن كان متديّنا يعينه على عبادته. ولهذا فمثل هذا البرنامج يهيّئ الأرضيّة لتحاور المتديّنين مع غير المتدينين، كما أن كثيرا من رواياتنا قد اتخذت هذا الخطاب في أسلوبها، يعني أنها قد أشارت إلى أساليب وآداب في الحياة بغض النظر عن الدّين والإيمان، حتى إذا لم يرد أحد أن يعمل بمفادها بدافع ديني، يعمل بها بدافع تطوير حياته.

    2ـ يجب أن يكون البرنامج متناسبا مع «تركيبة وجود الإنسان» و «ظروف الحياة الطبيعية»

    يجب أن يكون البرنامج متناسبا مع «تركيبة وجود الإنسان» و «ظروف الحياة الطبيعية». فلا ينبغي أن يكون البرنامج خياليّا وبلا علاقة مع هويتنا الإنسانيّة وتركيبتنا الوجودية. وبالإضافة إلى ذلك لابدّ لهذا البرنامج أن يكون منسجما مع خصائص حياة الإنسان والسنن التي تتحكم في عالم الوجود.
    فعلى سبيل المثال إحدى خصائص الحياة الدنيا هي أنها كلّما تعطي الإنسان شيئا تسترجعه منه، فإن أعطته الشباب أو الصحّة لا تبقيه على حاله بل تعود إليه وتسلبه ما منحته في الماضي. هذه من طباع الدنيا. وكذلك الدنيا لا تخلو من مشاكل ومنغّصات، فلابدّ أن يؤذيك أحد في حياتك، إما زوجك وإمّا جارك وإما أن تلتقي بعابر مارّ يؤذيك. إن درب الحياة الدنيا لا يخلو من الأشواك ولا فائدة لعقد آمال القلب وأمانيه بعيش خالٍ من المشاكل والمنغّصات. إذن لابدّ أن يكون البرنامج على أساس هذه الميزة في الحياة الدنيا.
    مع الأسف إن أكثر مناهجنا الدينية المدوّنة قد تم تنظيمها بغض النظر عن خصائص الحياة. وأساسا أحد المواضيع التي نعاني من الضعف فيها هو معرفة الحياة. بينما هناك قسم كبير من آيات القرآن قد تصدت لتبيين خصائص الحياة.

    3ـ أهم رأسمال الإنسان قلبه، أي موطن أمياله/إن أميال الإنسان تمثل الطاقة المحركة لنشاطه

    أهم رأسمال الإنسان قلبه الذي هو موطن أمياله ونزعاته. ففي الواقع إن أميالنا ونزعاتنا تمثل أهم رأسمالنا. فإن نزعاتنا هي التي تربط علاقتنا بالحياة وتدفعنا بالطاقة للحركة والنشاط، ففي الواقع إن أميال الإنسان تمثّل الطاقة المحرّكة في وجوده. إن سلطان روح الإنسان قلبه والقلب هو مقرّ الأوامر والإيعازات وهو الذي يأمر الإنسان بالتحرك والنشاط في سبيل سدّ احتياجاته.

    4ـ من أهم خصائص الإنسان هو تعارض نزعاته/هناك تضارب في ذات الإنسان

    من أهمّ خصائص قلب الإنسان أي مقرّ نزعاته هي أنه ينطوي على أميال ورغائب متضاربة، وليس للإنسان بدّ سوى أن يختار بعض هذه الأميال ويكفّ عن بعض أخر، وبطبيعة الحال سوف يواجه متاعب ومصاعب ومحن في هذا المسار. نحن لم نولد برغبة واحدة بل قد ولدنا برغبات مختلفة ومتنوّعة، فإن اتجهنا لأيّ من هذه الرغبات سوف نقعد عن الأخرى. فمن هذا المنطلق هناك نزاع وتضارب دائم في ذات الإنسان بين مختلف نزعاته المتعارضة.
    ينطوي الإنسان على أهواء مختلفة وإن بعضها متضادة ومتعارضة مع بعض وهناك عداء في ما بينهم. ولهذا فإن في ذات الإنسان تضاربا ونزاعا وعليه فدائما هناك ضحايا في ذات الإنسان، إذ لا سبيل له سوى أن يضحّي ببعض رغباته في سبيل بعض أخر.
    إن هذا التضارب يبعث في ذات الإنسان حيرة لا مناص منها، إذ هو يحبّ جميع «رغباته»، ولكن ليس بوسعه أن ينال جميعها، فيضطر إلى أن يختار بعضا منها دون الباقي. ثم إن عمليّة الاختيار تحتاج إلى تضحية، وهي بمعنى العبور من إحدى الرغبات في سبيل الوصول إلى رغبة أخرى، إذ لا مجال للحصول على جميع الرغائب معا. إذن لا يخلو ذات الإنسان من الحلاوة والمرارة معا.

    5ـ هناك نوعان من الرغبات في وجود الإنسان: 1ـ الرغبات السطحيّة والظاهرة وهي بالفعل و2ـ الرغبات العميقة والخفيّة وهي بالقوّة

    هناك رغبتان عامّتان في وجود الإنسان؛ 1ـ الرغبات السطحية والظاهرة وهي بالفعل 2ـ الرغبات العميقة والخفية وهي بالقوّة. وعادة ما تسمى الفئة الأولى بالرغبات الغريزية وتسمّى الثانية بالرغبات الفطريّة. وإن النزاع القائم في وجود الإنسان هو بين هذين النوعين من الرغبات.
    وإن تبدو الرغبات السطحية أشدّ وأقوى في بادئ الأمر ولكن النزعات والأميال العميقة هي الأقوى. إن اللذة التي يعيشها الإنسان بعد ما يلبّي رغباته العميقة والكامنة كثيرة جدا ولا تقاس باللذة القليلة والمحدودة الحاصلة بعد تلبية الرغبات السطحية.

    6ـ يبدأ الإنسان بتجربة الرغبات السطحية ولكن لا يقف عندها

    يبدأ الإنسان بتجربة الرغبات السطحية ولكنه لا يشبع بها، فلا يشعر إنسان بالرضا بعد تمتعه بالرغبات السطحية بل لا يزال حائرا ويبحث عن لذة من نمط آخر تشبع روحه.
    في الواقع لا يقنع إنسان بتلبية رغباته السطحية ومهما تمادى في التمتع بهذه الرغبات يزداد إصرارا وولعا بتجربة المزيد من اللذة إذ لم تستقر روحه ولم يشعر بالرضا. وذلك لأنه لم يلتفت إلى رغباته الحقيقية والعميقة التي لا تقنع النفس إلا بها.

    يتبع إن شاء الله...


صفحة 6 من 14 الأولىالأولى ... 45 678 ... الأخيرةالأخيرة
تم تطوير موقع درر العراق بواسطة Samer

قوانين المنتديات العامة

Google+

متصفح Chrome هو الأفضل لتصفح الانترنت في الجوال