الطريق الوحيد والاستراتيجية الرئيسة في النظام التربوي الديني 1.25
إليك ملخّص الجلسة الخامسة والعشرين من سلسلة محاضرات سماحة الشيخ بناهيان في موضوع «الطريق الوحيد والاستراتيجية الرئيسة في النظام التربوي الديني» حيث ألقاها في ليالي شهر رمضان المبارك عام 1434هـ. في مسجد الإمام الصادق(ع) في مدينة طهران.
الهدف الرئيس من جهاد النفس هو إذلال النفس لربّ العالمين/ الفناء في الله يعني منتهى الذلّ لله سبحانه/ إن الحكمة من جميع الآلام والمحن في مسار جهاد النفس هي إذلال النفس للّه سبحانه
لقد انتهينا في الجسلة السابقة إلى العلاقة بين عنصر الحبّ وجهاد النفس. واحدة من الأهداف المهمّة في مسار جهاد النفس هو إذلال النفس لربّ العالمين. إن معنى إذلال النفس للّه هو أن لا تخضع لغيره أبدا. إن الخضوع والذلّ للّه هو الطريق الوحيد للعزّ مع غير الله عز وجل.
نحن نسجد مرّتين في كل ركعة من الصلاة فننحني بكل وجودنا ونعفّر وجوهنا للّه سبحانه. ولا نجد مثل هذه العبادة في باقي الأديان. نحن نسجد للّه ونفتخر بسجودنا، مع أن السجود لا يعبّر عن حالة جيّدة من حالات الإنسان، ولكن لأن إظهار الذلّ هذا، هو للّه عز وجل فنقوم به بكل فخر. إن الذلّ للّه أمر مهم ولابدّ من ممارسته.
تكبيرة الإحرام التي بها تبدأ الصلاة ولعلّها من أهمّ المواطن التي يجب أن نستحضر القلب فيها، هي في الواقع تعبّر عن كبرياء الله وتشير إلى ذلّنا في مقابل اللّه سبحانه. لابدّ لكل فردٍ منّا من تكرار هذا المعنى دائما؛ وهو أنه يجب عليّ أن أتذلّل للّه. يعبّر العرفاء عن هذا المعنى بالفناء في الله، والذي يعني منتهى الذلّ في مقابل ربّ العالمين.
إن أكثر المتكبّرين لا يصدّقون بأنهم متكبرون/ ينمو التكبّر يوميّا ولا يمكن استئصاله بسهوله
إن محاربة التكبّر لأمر مهمّ جدا، لأنه مرض خطر جدا قد يقضي على الإنسان في أول ظهور له. فعلى سبيل المثال إن إبليس قد عصى ربّه مرة واحدة فقط عن كبر، فهوى بهذه المرّة الواحدة؛ (وَ إِذْ قُلْنا لِلْمَلائِکَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلیسَ أَبى وَ اسْتَکْبَرَ وَ کانَ مِنَ الْکافِرینَ) [البقرة/34] وكذلك يعتبر القرآن المعرضين عن دعاء الله متكبّرين؛ (وَ قالَ رَبُّکُمُ ادْعُوني أَسْتَجِبْ لَکُمْ إِنَّ الَّذینَ یَسْتإَکْبِرُونَ عَنْ عِبادَتي سَیَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرینَ) [الغافر/60] وقد قال الإمام السجاد في شرح هذه الآية مخاطبا ربّه: «فَسَمَّیْتَ دُعَاءَكَ عِبَادَةً، وَ تَرْکَهُ اسْتِکْبَارا» [الصحيفة السجادية/ الدعاء 45] فعلى الرغم من هذا المصداق الذي حدّده القرآن من الكبر، ترى أكثر المتكبّرين لا يصدّقون بأنهم متكبّرون. وحريّ بالذكر أن الكبر ينمو يوميّا ولا يمكن استئصاله بسهولة.
الصلاة أهمّ برنامج تربوي في سبيل استئصال الكبر في مقابل الله/ لا يمكن القضاء على الكبر بإظهار الحبّ للّه وحسب
أهم برنامج تربوي يعين الإنسان على أن لا يكون في قلبه كبر في مقابل الله هو الصلاة، وأهمّ ذكر في الصلاة هو التكبير. فيجب عليك أن تحارب كبرك عن طريق تذكار كبرياء الله، وإلّا فلا يمكن القضاء على الكبر عبر إرسال رسائل الحبّ والعشق للّه وأن تقول له: «إلهي أحبك». إنّ طريق القضاء على الكبر هو أن يأتي متكبّر فيفني كبرنا وهذا المتكبّر هو الله فبكبره وبذكر كبريائه يزهق كبرنا.
من أهمّ أمنيّات الإنسان الفطريّة هي أن يكبر قدرا/ الطريق الصحيح إلى الرفعة والعظمة هو الاتصال بالكبير لا التكبّر/ إذا رأى الإنسان نفسه في غاية الصغر، عند ذلك يتصّل بالعظيم الكبير
من أهمّ أمنيات الإنسان الفطرية هي أن يكبر قدرا، وإنّ الله هو الذي أودع في وجود الناس حبّ العظمة والرفعة. قد يتجسّد الكبر أحيانا في حبّ المقام، حتى أن بعض الناس يفدون حبّ المقام بدنياهم وآخرتهم. إن حبّ المقام مظهر من مظاهر الكبر وهو آخر صفة تخرج من قلوب الصدّيقين. صحيح أن الكبر صفة سيئة ولكنه منطلق من نزعة فطرية غير أنها منحرفة. إن فطرتنا الإلهيّة تقتضي أن نودّ العظمة والرفعة، ولكننا إن استعجلنا في الاتجاه نحو العظمة والرفعة وسلكنا طريقا خاطئا لذلك، نصبح متكبّرين.
الطريق الصائب إلى الرفعة والعظمة هو الاتصال بالله الكبير المتعال. فإن لبّى الإنسان النزعة إلى الكبرياء المودعة في فطرته بغير صواب، يهوى في هاوية الكبر. بينما إذا لبّاها عبر طريق صائب، يتّصل بالله العظيم الكبير. إذا رأى الإنسان نفسه في منتهى الصغر سوف يتصل بالله العظيم، أما ليس ذلك بأمر هيّن، فهو بحاجة إلى سجود كثير وتذلّل طويل.
خمس خطوات من أجل التوجّه والتذلّل في الصلاة
توجَّه إلى ظاهر جسدك وهيأتك أثناء الصلاة، وانظر في أيّ هيأة يكون جسدك إن وقفت للصلاة. فانظر إلى هذا الخشوع! السجود هو نوع من أنواع الأدب فأدّه بشكل صحيح. فإذا أردت أن تتوجّه في الصلاة لابدّ لك أن تخطو هذه الخطوات؛ الخطوة الأولى: هي الالتفات إلى السلوك والأفعال. الخطوة الثانية: هي الالتفات إلى عبارات الصلاة. الخطوة الثالثة: هي التفكر في العبارات. الخطوة الرابعة: هي التأمل في العواطف ومشاعر الحبّ الكامنة في أذكار الصلاة بشكل عام. الخطوة الخامسة: التأمل في العواطف ومشاعر الحبّ الكامنة في كلّ ذكر من أذكار الصلاة بشكل خاص. إن هذه الخطوات تعيننا على التذلّل بين يدي الله. فليعلم أولئك الذين يطمحون إلى الرفعة والعظمة أن هذا طريقهم.
إن لله العظمة والكبرياء وقد صوّر كبرياءه في القرآن. لقد مدح الله نفسه كثيرا في القرآن والإنسان المتكبّر لا يستحسن هذا الأسلوب من الله عز وجل. إن بعض الناس لا يعجبه الكلام عن تكبّر الله، ولكن لا ينبغي أن نعتبر تكبّر الله أمرا في مقابل رحمته، بل إن الغضب هو في مقابل رحمته. أما التكبر فلا تقابله صفة من صفات الله الأخرى. فلا يمكن أن نقول أن الله متكبّر ومتواضع. إذ أنّ الله ليس بمتواضع ولا يتنازل عن كبريائه.
الطريق الوحيد والاستراتيجية الرئيسة في النظام التربوي الديني 2.25
نحن لا ننفكّ عن صفة التكبّر لحظة
نحن نصبو إلى لقاء الله، ولكن لابدّ أن نعرف أنه إله كبير ومتكبّر. الصلاة تمرين للقاء الله وفي نفس الوقت تتضمّن طلبا للقائه. إن أعظم فعل في الصلاة وأكثرها قيمة هو السجود. وأهمّ فعل جدير بالتوجّه هو تكبيرة الإحرام. إن علاقتنا مع الله هي علاقة الذليل مع المتكبّر. طبعا ينمو التكبّر في وجودنا يوميّا ولذلك فلابدّ من القضاء عليه وتبديله إلى التذلّل عبر الصلوات اليوميّة. إن كثيرا من أمراضنا الروحية من قبيل الحسد والبخل والطمع وغيرها توجد في القلب تارة وتعدم تارة أخرى، أما الكبر فهو مشكلتنا الثابتة والدائمة.
إن أهمّ طموح نسعى إليه نحن البشر هو الطموح إلى الكبرياء والعظمة، ولكننا لا نرى هذا الطموح، كالسمكة التي تسأل عن الماء وهي في بطن البحر؟ فنحن لا ننفك عن التكبّر أو طلبه أو التحسّر عليه. ومن جانب آخر لابدّ أن نعرف أن الكبر هو أمّ الرذائل كلّها. ولذلك وجبت الصلاة التي هي برنامج لتذلل العبد إلى مولاه المتكبّر. إن درجات ذلّنا لله ليست بسواء، ولكن طوبى لمن كان أكثرنا ذلّا وتذللا لله سبحانه.
لابدّ لنا من التذلّل حتى نتناسب مع ربّ العالمين/ كيف يمكن الوصول من الحبّ إلى الذلّ؟/ إذا اشتدّ المحبّ حبّا للمعشوق يتذلّل إليه
كيف نستطيع في طريقنا في جهاد النفس أن نصل من الحبّ إلى الذلّ؟ من أجل الإجابة عن هذا السؤال يجب أن نعرف أن الغاية القصوى من جهاد النفس هي لقاء الله. ثم إن كبرياء الله مقدّمة على باقي مظاهره وجلواته، ولذلك فلابدّ لنا من التذلل حتى نتناسب مع كبرياء الله ونقدر على لقائه. لابدّ أن نقضي على أنانيتنا لنرتقي إلى درجة الفناء في الله. كلّنا يتمنى أن يكبر شأنا وقدرا ولكن لا يجوز أن نتعاظم بغير صواب أو أن نتوهّم العظمة، أو أن نسلك سبيلا غير مشروع لنيل هذه الغاية. فإنما أودعت فينا الرغبة في العظمة والرفعة من أجل أن نحبّ الله العظيم.
من العوامل التي تؤدّي بالإنسان إلى ذلّ عميق، الحبّ. فإن ترسّخ الحبّ، وامتدّ بجذوره في أعماق قلب المحبّ، ينذل المحبّ للحبيب. فالحبّ الذي لا يذلّك للحبيب ليس بحبّ عميق، بل هو حبّ مزيّف. إن من طبيعة الحب أن يذلّ العاشق للمعشوق حتى يتقبّل امتنانه.
إذا ذهبت إلى حرم أمير المؤمنين(ع) فذلّل له روحك وقلبك. فهكذا استطاع إمامنا الخميني(ره) أن يقف إلى جانب ضريح أمير المؤمنين(ع) لمدة خمس عشرة سنة يوميّا ويزوره بزيارة الجامعة الكبيرة. فانظروا كم كان الإمام الخميني(ره) يظهر التذلل لأهل البيت(ع).
أقصر طريق لجهاد النفس هو الاستعانة بأهل البيت(ع)/ إن حبّ أولياء الله يذلّل النفس للّه سبحانه
العشق يذلّ الإنسان. إذا رأى الإنسان نفسه فاشلا في جهاد النفس مهما حاول وسعى، فليعلم أن هناك طريق مختصر. إن هذا الطريق هو الاستعانة بحبّ أهل البيت(ع). إنّ أثر حبّ أولياء الله الذي هو أسهل من باقي أنواع الحبّ، هو أن يذلّ النفس للّه سبحانه. لأننا نحبّ الإمام علي بن أبيطالب(ع) من أجل الله، فعندما نحبّ أحدا للّه، فكأننا أحبنا اللهَ نفسه. «مَنْ أَحَبَّنَا فَقَدْ أَحَبَّ اللَّهَ» [أمالي الصدوق/476] نحن نحب أمير المؤمنين(ع) وكلّا من سادتنا المعصومين(ع) لأنهم أولياء الله. وعندما يكون حب أهل البيت(ع) هو العامل في إذلال نفسك للّه، يصبح جهاد النفس كشرب الماء.
يقول الإمام الصادق(ع): الصراط المستقيم هو أمير المؤمنين(ع)
لقد قال النبي الأعظم(ص): «لَا یُؤْمِنُ عَبْدٌ حَتَّى أَکُونَ أَحَبَّ إِلَیْهِ مِنْ نَفْسِهِ وَ أَهْلِي أَحَبَّ إِلَیْهِ مِنْ أَهْلِهِ وَ عِتْرَتِی أَحَبَّ إِلَیْهِ مِنْ عِتْرَتِهِ وَ ذَاتِي أَحَبَّ إِلَیْهِ مِنْ ذَاتِه» [أمالي الصدوق/ 335].
وكذلك قال الإمام الصادق(ع) في دعاء له مشيرا إلى قوله تعالى (اِهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيْمِ): «أَرْشِدْنَا إِلَى الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِیمِ أَرْشِدْنَا لِلُزُومِ الطَّرِیقِ الْمُؤَدِّي إِلَى مَحَبَّتكَ وَ الْمُبَلِّغِ إِلَى دِینِكَ وَ الْمَانِعِ مِنْ أَنْ نَتَّبِعَ أَهْوَاءَنَا فَنَعْطَبَ أَوْ نَأْخُذَ بِآرَائِنَا فَنَهْلِك» [معاني الأخبار للشيخ الصدوق/ 33].
وكذلك قال الإمام الصادق(ع) في حديث آخر له: «الصِّرَاطُ الْمُسْتَقِیمُ هُوَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ(ع)» [التفسير الصافي/ج4/ص384 , تأويل الآيات الظاهرة في فضائل العترة الطاهرة/ 31].
لقد أشار الله سبحانه في سورة الحمد بعد الآية المباركة (اِهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيْمِ) إلى أوليائه ليرى حالنا عند ذكرهم وموقفنا منهم. فعندما تقرأ هذا المقطع من سورة الحمد وتقول: (اِهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيْمِ * صِرَاطَ الَّذِینَ أَنْعَمْتَ عَلَیْهِم) لابدّ أن تكون متواضعا لأولئك الذين أنعم الله عليهم ولم يغضب عليهم، أي أهل البيت(ع).
إن بعض الناس ينزعجون ولا يرتاحون عندما يرون أن الله قد أنعم على غيرهم فيسألون الله معترضين أن: ماذا نصيبنا إذن ولماذا لم تنعم علينا؟! ولكننا في هذه الآية المباركة نسأل الله أن يهدينا صراطهم لا أن ينعم علينا بالنعم التي أنعمها عليهم. فالإنسان الذي يدعو بهذا الدعاء في الواقع قد تواضع لوليّ الله. وأنتم عندما تقرأون سورة الحمد في الواقع تتواضعون لأولياء الله. لقد أشار الله في هذه السورة إلى صراط أوليائه وفي الواقع قد نسب هذا الصراط إلى أوليائه لا إلى التقوى أو الفضائل الأخلاقية أو الحسنات أو الجنّة أو أيّ شيء آخر. وكأنه أراد أن نمرّ بوليّ الله أولا ليقيّم حالنا ووضعنا عند مشاهدة أفضلية وليّ الله على سائر العباد.
الطريق الوحيد والاستراتيجية الرئيسة في النظام التربوي الديني 1.26
إليك ملخّص الجلسة السادسة والعشرين من سلسلة محاضرات سماحة الشيخ بناهيان في موضوع «الطريق الوحيد والاستراتيجية الرئيسة في النظام التربوي الديني» حيث ألقاها في ليالي شهر رمضان المبارك عام 1434هـ. في مسجد الإمام الصادق(ع) في مدينة طهران.
العلاقة بين الحبّ وجهاد النفس من نافذة الإخلاص/ لا يستطيع العمل أن يقرّب الإنسان بدون الإخلاص
لم يكتمل بحثنا في العلاقة بين الحبّ وجهاد النفس بعد، وما زال بحاجة إلى المزيد من التأمّل. لقد دخلنا في الجلسة السابقة في موضوع الحبّ عبر موضوع ذلّ النفس في مقابل كبرياء الله سبحانه. أمّا في هذه الجلسة فسوف نقف عند موضوع الحبّ عن طريق مفهوم آخر باسم «الإخلاص» لكي نلقي نظرة أفضل إلى مسار البحث.
إن الأخلاص من المفاهيم البارزة في الدين. فقد قال أمير المؤمنين(ع): «الْإِخْلَاصُ غَایَةُ الدِّین» [عيون الحكم/ ص20] يعني أنّنا نريد أن نصل إلى هذه النقطة في آخر المطاف. ليس الإخلاص غاية الدين فحسب، بل محتاج إليه في بداية الحركة أيضا، إذ أن الله لا يقبل عملا غير خالص.
طيّب؛ ما معنى كون الله لا يتقبّل عملا بلا إخلاص؟ هل معناه أن العمل غير الخالص هو عمل واقعا ولكن الله لا يعجبه ولا يقبله؟ أو إن معناه هو أن العمل بغير إخلاص ليس بعمل أساسا ليدفع العبد إلى الله. لا يمكن أن تكون عمليّة قبول العمل أو رفضه على أساس الذوق أو قوانين اعتبارية. وأساسا لا يستطيع العمل بغير إخلاص أن يقرّب أحدا. بل إن العمل الخالص هو الذي يستطيع أن يترك أثرا وضعيّا في العالم ويغيّر موقعكم فيه ويصعد بكم إلى المقام الأعلى. كان المفترض في مسار جهاد النفس أن نذلّ النفس ونحقّرها في مقابل الله لا أن نقوم بأعمال صالحة لصالح النفس. السبب في عدم قبول العمل غير الخالص هو أن العمل غير الخالص ذاته لا يمكن أن يقبل، فكأن الإنسان لم يعمل شيئا إن كان عمله غير خالص.
إن ماهية حركة الإنسان التكاملية والهادفة إلى الدرجات العليا هي أن يعمل من بداية المطاف إلى نهايته على خلاف رغبة نفسه التي تحاول أن تمتلك كل شيء وتجرّ إليها كلّ مصلحة ولذّة. حتى أنّها تحاول أن تصادر الصلاة في أول الوقت لصالحها وتستخدم هذا السلوك أداة للحصول على بعض المكاسب. ولذلك يمتحننا الله أحيانا بأعمال أهمّ من الصلاة في أول الوقت ليرى هل سوف نبقى ملتزمين بوقت الصلاة أم سوف نقوم بذلك الفعل الذي هو أكثر ضرورة وله الأولوية عليها.
الأعمال الأكثر إخلاصا هي ما كانت بضررك لا لصالحك
أيّ الأعمال أكثر إخلاصا؟ هو ذاك العمل الذي كان بضررك لا لصالحك. يعني ينبغي أن يكون العمل بالنحو الذي يعزّز تذلّك للّه. إنّ شرط العمل الخالص هو أن لا يكون من أجل كسب قلوب الناس والجاه، إذ أن مثل هذا العمل في الواقع عمل للأنا ولصالح الأنا. عندما يقال أن الإخلاص يعني أن لا يكون عملك في سبيل إظهار الفضل للناس، فمعنى ذلك هو أن لا يكون العمل من أجلك. يتجسّد عدم الإخلاص في جرّ المصالح للنفس أما الإخلاص فهو العمل في سبيل الله.
نمطان للحياة: 1ـ رغبة النفس في امتلاك كلّ شيء وانتفاعها به 2ـ رغبة النفس في أن يمتلكها الله ويستعملها لأجله
إن لنا نمطين في الحياة. وبعبارة أخرى هناك رؤيتان عن الحياة تختلف أحدها عن الأخرى تماما وهما ساريتان في حياة الناس. بمقتضى الرؤية الأولى يسحب الإنسان كلَّ شيء إلى نفسه. فإن كانت هناك رغبة، فمحور رغباته كلّها نفسُه. والمعيار في ما يحبّه ويشتهيه هو ما كان لصالحه. ففي مثل هذه الحياة سوف تكون أنت المحور وتسعى لامتلاك كلّ شيء. إن هذه الرؤية على خلاف الإخلاص.
ولكن في الرؤية الثانية، ليست علّة الرغبات والمساعي كلّها امتلاكَ المصالح، بل أن يشتريك الله. فبمقتضى هذه الرؤية عن الحياة، أنت تحبّ أن تُجذب إليه لا أن تجذب كلّ شيء إليك. إن هاتين الرؤيتين على طرفي نقيض، وإن بعض الناس لا يبلغون أبدا لإدراك النموذج الثاني من الحياة.
في النمط الأوّل من الحياة، إنما تفكّر بما ترغب فيه وما تشتهيه؟ ولكن في النمط الثاني لا تزال تسأل عن ما يحبّه الله وما يرضى به. إن هذين الاهتمامين والتفكيرين يعبّران عن رؤيتين وشعورين ونوعين من الحبّ، أحدهما يحاول جذب كلّ شيء إلى نفسه، والآخر لا يفكرّ إلا به عزّ وجل.
الطريق الوحيد والاستراتيجية الرئيسة في النظام التربوي الديني 2.26
الحبّ الأناني يهدف إلى امتلاك المحبوب والتضحية به من أجل المحبّ، بينما الحبّ غير الأناني يصبو إلى تضحية المحبّ في سبيل المحبوب/ تروّج الثقافة الغربية الحبّ الأناني/ الأفلام الغرامية الغربية تروّج الأنانيّة لا الحبّ
من هنا تظهر علاقة الحب مع الإخلاص وهي أن الحبّ الشديد الذي يذلّ الإنسان للحبيب هو ذلك الحبّ الذي يرغّبك في الانجذاب وفي أن تكون مملوكا، لا أن تجذب وتمتلك. إن الحبّ الشديد الذي أشار إليه القرآن في قوله تعالى: (وَ الَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ) [البقرة/ 160] من هذا النوع.
لو كان الناس قد أدركوا قبح الحبّ من النوع الأوّل بدقّة، لما رغب أحد بمشاهدة الأفلام الغرامية، ولاشمأزّ الناس من مشاهدة لقطات المحبّ الأناني عندما يحاول أن يمتلك حبيبه ويتمتّع به. تروّج الثقافة الغربيّة لغرام يسعى المحبّ فيه أن يصادر لصالحه كلَّ شيء، وقد دفعت هذه الرؤية الأسَرَ إلى هاوية عميقة من الأنانيّة، ولم تجلب لهم المحبة. بينما في المقابل يوصّي ديننا الإسلام الرجال بأن يراعوا رغبة أهلهم في الحياة ولا يكونوا أنانيّين في تقييم المضارّ والمصالح. فعلى سبيل المثال قال رسول الله(ص): «الْمُؤْمِنُ يأْکُلُ بِشَهْوَةِ عِيالِهِ، وَ الْمُنَافِقُ يأْکُلُ أَهْلُهُ بِشَهْوَتِه» [وسائل الشيعة/ ج21/ص542] تحاول الثقافة الغربية بشتّى الأساليب أن تحوّل المرأة والرجل إلى إنسانين إنانيّين بحيث كلّ يجرّ النار إلى قرصه.
السعي في سبيل أن لا تكون أنانيّا ولا تجعل نفسك محورا في كلّ شيء و لا تهدف إلى جرّ المصالح إلى نفسك هو تمرين الإخلاص. الحبّ القيّم هو ذلك الحبّ الذي يدفعك إلى امتلاك المحبوب وجرّ المصالح، ولكن قلّ من يفهم هذا الحبّ اليوم.
سرّ الحسد لوليّ الله/ الإنسان الأناني الذي يهدف إلى تملّك المصالح، لا يتحمّل أن يرى عبدا قد تفضّل الله عليه أكثر منه، فيحسده
ما الفرق بين الحبّ بغرض الامتلاك والتمتّع وبين الحبّ من أجل الانجذاب وبيع النفس إلى الله؟ إن لسان حال الإنسان الذي يحبّ الله ليجذبه ويشتريه هو أن يقول له: «فَوَ عِزَّتِكَ يَا سَيِّدِي لَوْ نَهَرْتَنِي مَا بَرِحْتُ مِنْ بَابِكَ وَ لَا كَفَفْتُ عَنْ تَمَلُّقِكَ» [مصباح المتهجد/ج2/ص586] كما يحمد الله على تفضّله وتنعّمه على غيره من أولياء الله فيقول: «اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ عَلَى مَا جَرَى بِهِ قَضَاؤُكَ فِي أَوْلِيَائِكَ، الَّذِينَ اسْتَخْلَصْتَهُمْ لِنَفْسِكَ وَ دِينِكَ، إِذِ اخْتَرْتَ لَهُمْ جَزِيلَ مَا عِنْدَكَ مِنَ النَّعِيمِ [1] الْمُقِيمِ، الَّذِي لَا زَوَالَ لَهُ وَ لَا اضْمِحْلَالَ، بَعْدَ أَنْ شَرَطْتَ عَلَيْهِمُ الزُّهْدَ فِي زَخَارِفِ هَذِهِ الدُّنْيَا الدَّنِيَّةِ وَ زِبْرِجِهَا، فَشَرَطُوا لَكَ ذَلِكَ، وَ عَلِمْتَ مِنْهُمُ الْوَفَاءَ بِهِ. فقَبِلْتَهُمْ وَ قَرَّبْتَهُمْ، وَ قَدَّمْتَ[2] لَهُمُ الذِّكْرَ الْعَلِيَّ وَ الثَّنَاءَ الْجَلِيَّ، وَ أَهْبَطْتَ عَلَيْهِمْ مَلَائِكَتَكَ، وَ كَرَّمْتَهُمْ بِوَحْيِكَ، وَ رَفَدْتَهُمْ بِعِلْمِكَ، وَ جَعَلْتَهُمُ الذَّرَائِعَ إِلَيْكَ، وَ الْوَسِيلَةَ إِلَى رِضْوَانِكَ.»[إقبال الأعمال/ج1/ص295]
أمّا في العشق الأرضي فلا يرضى العاشق بأن يقبل المعشوق على الآخرين، إذ لا يهدف العاشق إلّا إلى امتلاك المعشوق. أما الأمر يختلف تماما في عشق الله وعشق أهل البيت(ع)، وهنا يتّضح سر الحسد لوليّ الله. فالإنسان الأناني الذي ينتحل محبّة الله ولكنّه يهدف إلى تحقيق مصالحه ولا يحظى بالإخلاص، إذا رأى أن الله قد تفضّل وأنعم على عبدٍ غيره، ينزعج ويحزن ويقول لربّه بلسان حاله: «لقد جئتك وتعبّدت بين يديك وأطعتك، ثم أنت تتفضّل على غيري وتتحبّب إليه من دوني؟!» وهكذا يتغلغل الحسد في قلبه تجاه وليّ الله.
وكم قد حسدوا عليّا أمير المؤمنين(ع) بسبب هذه النفسيّات. إذ كان يتوقّع بعض المسلمين الذين قدّموا الحد الأدنى من الخدمات للإسلام وللنبيّ الأعظم(ص) أن ينضمّ النبي(ص) إلى تياراتهم وجماعاتهم. فعندما شاهدوا حبّ النبي(ص) لأمير المؤمنين(ع) واهتمامه الخاص به دون غيره، خرجت أضغانهم وحسدوا عليّا(ع). بينما لو كانوا بحبّون النبيّ(ص) لا لمصالحهم بل في سبيل أن يتقرّبوا إليه ويشتريهم ليكونوا عبيدا له لما كان ردّ فعلهم مثل هذا.
ما هو تأثير الصوم على الإخلاص؟/ يترك الإنسان أثناء الصيام السعي لامتلاك المصالح وجرّها إلى نفسه
لقد قالت السيدة الزهراء(س): «فَجَعَلَ اللَّهُ...الصِّيامَ تَثْبِيتاً لِلْإِخْلَاصِ» [الاحتجاج/ج1/ص99] إذن على أساس ما قالته فاطمة الزهراء(س) إن ثمرة الصيام كسب الإخلاص، ولكن لابدّ أن نقف عند هذا المفهوم لنرى ما هي علاقة الصيام مع الإخلاص وكيف يؤثر الصيام على الإخلاص.
عندما تصوم وتمسك عن الطعام والشراب، يتسنّى لك القيام بالعمل الخالص. إن الصيام هو ترك أولَيات ما تشتهيها النفس بطبيعة الحال. إنك تترك أثناء الصيام السعي لامتلاك المصالح وجرّها إلى نفسك. وكسب الإخلاص هو شيء من قبيل أن يشتريك المحبوب ويجعلك عبدا لنفسه، لا أن تمتلك المحبوب وتنتفع به. ولا يخفى أن تحصيل الإخلاص ليس بعمل هيّن.
الساعة التي يمكن تجربة الإخلاص فيها بسهولة، هي الساعة التي نعيش فيها مشاعر الحبّ لأهل البيت(ع)
إن أهل البيت(ع) لفرصة استثنائية في تحقيق الإخلاص، إذ حتى الأنانيّين من الناس قادرون على حبّ أهل البيت(ع) نوعا ما. والسبب في ذلك هو أن حبّ أهل البيت(ع) يحرق القلب وفي أوج الحبّ لا يبقى منك شيء بل تفنى في المحبوب. فالساعة التي يمكن تجربة الإخلاص فيها بسهولة، هي الساعة التي نعيش فيها مشاعر الحبّ لأهل البيت(ع). إنك تستطيع أن تعيش الإخلاص في مجالس مصيبة الحسين(ع) وذكر مصائب أهل البيت(ع)، فإنك في تلك الساعة لا تفكّر بمصالحك بل تحترق لغيرك. ففي ذلك الحال الذي أنت تبكي فيه على الحسين(ع) مثلا، إن أخبروك بثواب هذا البكاء لا تبالي كثيرا، وتقول: لم أبك الآن للحصول على الثواب ولا أبكي من أجل أن أحصل على شيء، بل أريد أن أكون للحسين(ع) ولأطفاله.
الطريق الوحيد والاستراتيجية الرئيسة في النظام التربوي الديني 1.27
يجب أن يكون أثر صيام شهر رمضان لمدّة ثلاثين يوما، التواضع وذلّ النفس/ غاية «الطاعات والعبادات وجهاد النفس» هي ذلّ النفس في مقابل الله/ لماذا يجب أن نذلّ أنفسنا في مقابل الله؟
إليك ملخّص الجلسة السابعة والعشرين من سلسلة محاضرات سماحة الشيخ بناهيان في موضوع «الطريق الوحيد والاستراتيجية الرئيسة في النظام التربوي الديني» حيث ألقاها في ليالي شهر رمضان المبارك عام 1434هـ. في مسجد الإمام الصادق(ع) في مدينة طهران.
تحتاج الأدوية المعنوية إلى المعرفة والنيّة الخالصة حتى تؤثر بخلاف الأدوية المادّية/ يجب أن نعرف أن الصلاة بصدد إذلال النفس في مقابل الله وتضعيف كبرنا أمامه
لا يحتاج الدواء إلى «معرفة» أو «نية» في سبيل أن يترك مفعوله في جسم الإنسان؛ يعني أولا لسنا بحاجة إلى أن نعرف ماذا تفعل حبّة الدواء في جهاز جسمنا، وثانيا لا داعي إلى استعمال الدواء بنية التئام الحلق مثلا. إذ يترك الدواء أثره في جسم الإنسان على أيّ حال، سواء أكنّا عارفين بتفاصيل أثر الدواء ونوينا الشفاء عند الاستعمال أم لا. بينما تحتاج الأدوية المعنوية التي تشفي روح الإنسان ومن أجل تأثيرها إلى المعرفة والنية الخالصة بخلاف الأدوية المادّية.
فعلى سبيل المثال، الصلاة شفاء ووقاية لكثير من أمراضنا بل لجميع الفحشاء والمنكر بشكل عام؛ (إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَ الْمُنْکَرِ) [العنكبوت/45]. ولكن إذا أرادت هذه الصلاة مع كل عظمتها أن تترك أثرها علينا، فيقتضي ذلك معرفتنا ونيتنا المخلصة أيضا.
إن اطلّعنا بشكل دقيق على حقيقة أثر الصلاة على روحنا، وكانت نيتنا في مسار هذا التأثير، عند ذلك ستكون الصلاة مؤثرة فينا واقعا. يجب أن نعرف أن الصلاة تسعى لإذلالنا في مقابل الله ولتضعيف كبرنا وأنانيتنا، ثم ننوي ذلك وندعو لتحقّق هذا الهدف ونقول: «إلهي أريد أن أزداد تواضعا وذلّا بين يديك وأن يضعف كبري عبر هذه الصلاة». فإننا إن أردفنا إلى الصلاة مثل هذه المعرفة والنيّة، سوف نتقرّب إلى الله.
لا يستطيع الإنسان أن يسير في هذا الطريق إلا بعد أن عرف ماذا يفعل أولا، ونوى ما عرفه ثانيا. السبب الذي جعل ديننا يحثّ على التدبر والتعقّل ومعرفة النفس والتفقه والفهم الدقيق بهذا القدر، هو أن للمعرفة أثرا وضعيا ولا تخلو عن الفائدة أبدا.
لا ينبغي أن نمرّ من المفاهيم الرئيسة الدينية التي اهتمّ بها الدين مرور الكرام، بل ينبغي أن نفكّر لماذا اهتمّ الدين بهذا الموضوع بهذا القدر؟ ليس من الجميل أن يعطّل الإنسان قدرة فهمه في مجال إدراك الدقائق الدينية ثم يصرفها في اللعب والقضايا التافهة.
نحن كما نخاف من السرطان، يجب أن نخاف من عدم استيعابنا العميق للمفاهيم الأساسية الدينية/ قال رسول الله(ص): أُفٍ لِکُلِ مُسْلِمٍ لَا يجْعَلُ فِي کُلِ جُمْعَةٍ يوْماً يتَفَقَّهُ فِيهِ أَمْرَ دِينِهِ وَ يسْأَلُ عَنْ دِينِهِ
نحن كما نخاف من السرطان، يجب أن نخاف ونخشى من عدم استيعابنا العميق للمفاهيم الأساسية الدينية، لأنه عند ذلك سيقع الإنسان في أخطاء فادحة قهرا ومن دون مشيئة.
مع الأسف إن بعض المتديّنين والثوريّين لم يحظوا بالعمق المعرفي وقد توقفوا في مستوى ثابت من المعارف الدينية وهم يزعمون أنهم يعرفون كل المفاهيم الدينية. فعلى سبيل المثال إن بعضهم يحملون فهما سطحيا عن مفهوم التقوى الأساسي والعميق ويتصوّرون أنه لا يتجاوز هذا المفهوم العظيم عن نطاق «اجتناب الذنوب»، ولا يتطلّعون إلى كسب فهم أعمق عمّا عرفوه.
كثير من الناس وللأسف الشديد لا يتعبون أنفسهم للحصول على فهم عميق عن الدين وهذا أمر سيئ جدّا. قال رسول الله(ص): أُفٍ لِکُلِ مُسْلِمٍ لَا يجْعَلُ فِي کُلِ جُمْعَةٍ يوْماً يتَفَقَّهُ فِيهِ أَمْرَ دِينِهِ وَ يسْأَلُ عَنْ دِينِهِ» [المحاسن/1/225].
إن بعض الناس ـ وللأسف ـ لا يخصّصون وقتا كافيا لفهم الدين مكتفين بمستوى فهمهم العامّي عن الدين. ولكن هذه السطحية في الفهم إما ستؤدي إلى فرار الشخص نفسه عن الدين، وإما يسوقه إلى ممارسة بعض الأعمال التي تبعد أشخاصا آخرين عن الدين. وفي الواقع سوف يحاسبهم الله ويسألهم عن الذكاء الذي منحهم أين صرفوه وفي أيّ طريق بذلوه؟! إن بعض الأشخاص يصرف فاهمته وذكاءه في دراسته وفي الجامعة فقط، ويصرفها البعض في اللعب والمرح وقضايا أخرى دون أن يستخدموها في الدين.
الطريق الوحيد والاستراتيجية الرئيسة في النظام التربوي الديني 2.27
الدين من قبيل القضايا التنويرية وهو خاصّ بالأذكياء وأهل الفهم والمعرفة/ الابتعاد عن الدين يعني الحماقة والسفاهة والعامّية
الدين من قبيل القضايا التنويرية وهو خاصّ بالأذكياء وأهل الفهم والمعرفة. فعلى سبيل المثال كشفت دراسة ميدانية في إحدى البلدان، أن أكثر المستبصرين والذين تشرّفوا بالدخول في مذهب أهل البيت(ع) هم من خريجي الجامعات وذوي الشهادات الجامعية. الابتعاد عن الدين يعبّر عن حالة من الحماقة والسفاهة والعامّية. فكلّ من يخالف الدين فإنما يدلّ على حماقة في داخله. وهكذا قيّمهم الله سبحانه فقال: (ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يعْقِلُون) [المائدة/58]
إن خطر المتدينين الجهلة على الدين أكثر من خطر غير المتدينين/ إن خطر المتدينين الجهلة بقدر خطر المنافقين/ كل معاناتنا وآلامنا بسبب ما نراه من جهالة بعض المتدينين
ليس النزاع الرئيس في العالم بين المتديّن وغير المتديّن، وإنما بين الذين يعلمون والذين يشعرون وبين الذين لا يعلمون ولا يشعرون. ليس النزاع بين الثورييّن وغير الثوريّين، بل إنما هو نزاع قائم بين الفهم وعدم الفهم، ويا لها من معاناة يتجرّعها الدين من جانب بعض المتديّنين الذين ليسوا من أهل الفهم والمعرفة. فإن هؤلاء قد يسيئون إلى الدين بجهلهم الممزوج ببعض النزعات الإيجابية.
لقد طرقت أسماع بعض المتديّنين بعض المفاهيم الدينية ولكنها لم تدخل في أعماق قلوبهم، فهم يشعرون ويدّعون بأنهم يعرفون الدين كلّه! فأحيانا تكون أخطاء هؤلاء المتدينين واشتباهاتهم أضرّ على الدين من معاصي غير المتديّنين.
يقول أمير المؤمنين(ع): «قَطَعَ ظَهْرِي رَجُلَانِ مِنَ الدُّنْيا رَجُلٌ عَلِيمُ اللِّسَانِ فَاسِقٌ وَ رَجُلٌ جَاهِلُ الْقَلْبِ نَاسِكٌ هَذَا يصُدُّ بِلِسَانِهِ عَنْ فِسْقِهِ وَ هَذَا بِنُسُکِهِ عَنْ جَهْلِهِ فَاتَّقُوا الْفَاسِقَ مِنَ الْعُلَمَاءِ وَ الْجَاهِلَ مِنَ الْمُتَعَبِّدِينَ أُولَئِكَ فِتْنَةُ کُلِّ مَفْتُونٍ فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ص يقُولُ يا عَلِيُّ هَلَاكُ أُمَّتِي عَلَى يدَيْ کُلِّ مُنَافِقٍ عَلِيمِ اللِّسَان» [الخصال/ج1/ص69]و كذلك قال: «قَطَعَ ظَهْرِي اثْنَانِ عَالِمٌ فَاسِقُ يصُدُّ عَنْ عِلْمِهِ بِفِسْقِهِ وَ جَاهِلٌ نَاسِكٌ يدْعُو النَّاسَ إِلَى جَهِلِهِ بِنُسُکِه» [غررالحكم/245 , مجموعة ورام/ج1/ص82]
ومع الأسف قلّما يلتفت إلى خطر الفئة الثانية، أي المتدينين الجهلة، في حين أن أحاديث أهل البيت(ع) تبيّن أن الصدمات التي يلحقها هؤلاء بالمجتمع تماثل صدمات المنافقين. وقد تجرّعنا آلاما كثيرة من جانب هاتين الفئتين. فبرأيكم ما هي أسباب مشاكل مجتمعنا الآن؟ كل ما نعاني منه فبسبب جهالة بعض المتديّنين وحماقتهم. فإن جهالة هؤلاء المتنسّكين تجتمع شيئا فشيئا وإذا بها تنجر إلى الانحراف والانشقاق.
الدين ظاهرة معقّدة جدّا وليس مجرد مفاهيم بسيطة نسمعها مرّة واحدة ثم نتقنها وينتهي كل شيء بلا حاجة إلى تعمّق وتفكّر. بل إنما هو بحاجة إلى دقّة وتعمّق. لا يحتاج الدين إلى متخصصين نراجعهم وحسب، بل يجب على جميعنا فردا فردا أن نسعى للحصول على فهم عميق تجاه الدين.
قال علي(ع): ذلّل نفسك بالطاعة/ حاسب نفسك وانظر هل قد ازدادت ذلّا بعد الطاعة أم لا؟
في تكملة موضوع جهاد النفس نقف عند رواية عن أمير المؤمنين(ع) حيث قال: «ذَلِّلْ نَفْسَكَ بِالطَّاعَةِ» [عيون الحكم/ ص255]. فإن أطعت الله ولم تجد نفسك قد ازدادت ذلّا لله فلم تطع الله في الواقع، بل قد أطعت هوى نفسك، أو كانت شريكة في الطاعة على الأقل. مثلا رأيت أن هذه الطاعة تنسجم مع هواك فاخترتها، لتلبّي رغبة نفسك وتطيع ربك في نفس الوقت.
مشكلتنا هي أن نفسنا لا تدعنا نطيع الله وحده، بل نطيع الله والنفس معا. فلا يتقبل الله عبادتنا وطاعتنا حسب القاعدة لأنه لا يتخذ شريكا. كأن الله يقول لنا: «إن لم تقدر على استحضار النية الخالصة في جميع أعمالك، فاستحضرها في بعض أعمالك وطاعاتك على الأقل ولتكن بعضها لأجلي فقط، يعني قم بالطاعة التي لا ترغب بها نفسك ولا تكن بحيث تنتقي الأفعال المنسجمة مع هواك وحسب»؛ «سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ع يقُولُ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ أَنَا خَيرُ شَرِيكٍ مَنْ أَشْرَكَ مَعِي غَيرِي فِي عَمَلٍ عَمِلَهُ لَمْ أَقْبَلْهُ إِلَّا مَا کَانَ لِي خَالِصاً» [الکافي/2/295] و «أَنَا خَيرُ شَرِيكٍ فَمَنْ عَمِلَ لِي وَ لِغَيرِي فَهُوَ لِمَنْ عَمِلَهُ غَيرِي» [وسائل الشيعة/ج1/ص72]
لماذا يجب أن نذلّ أنفسنا في مقابل الله؟/ يجب أن تكون نتيجة الطاعة ازدياد ذلّ النفس لله
إن أردت أن تعرف أن ما قمت به من طاعة كانت لله واقعا ولم يكن لنفسك شراكة فيه، فحاسب نفسك وانظر هل قد ازدادت النفس ذلّا لله بعد القيام بالعمل وأداء الطاعة أم لا؟ كيف تكون النفس إذا ذلّت؟ ستكون في مقابل الله كبعض الأذلّاء في هذه الدنيا والذين يهينون أنفسهم أمام الآخرين أو يتسوّلون في الطرقات. فلابدّ أن تصبح النفس هكذا في مقابل الله. لابدّ أن نرى هل نستطيع أن نذلّ أنفسنا في مقابل الله سبحانه، أم أننا أذلاء في مقابل شهوات النفس الدانية؟
لماذا يجب أن نذلّ أنفسنا في مقابل الله عز وجل؟ لأننا نريد أن نلقى الله ولا سبيل لمن لم يذل في مقابل الله إلى ساحة قربه.
الطريق الوحيد والاستراتيجية الرئيسة في النظام التربوي الديني 3.27
يجب أن يكون أثر صيام شهر رمضان لمدّة ثلاثين يوما، التواضع وذلّ النفس/ غاية «الطاعات والعبادات وجهاد النفس» هي ذلّ النفس في مقابل الله/ لماذا يجب أن نذلّ أنفسنا في مقابل الله؟
الآن وبعد أن انتهينا إلى نهاية شهر رمضان، إذا أردنا أن نعرف مدى صحة طاعتنا في هذا الشهر، فلابد أن نرى هل قد ازددنا تواضعا وذلّا لله أم لا؟ هل ازددنا خوفا وخشية من الله أم لا؟ فعلى سبيل المثال هل أصبحنا نخاف الله إذا أردنا تأخير صلاتنا قليلا؟
يجب أن تكون نتيجة هذه العبادات والطاعات بعد ثلاثين يوما في شهر رمضان هي ذلّ النفس والخشوع. كما أن الهدف الرئيس من طاعة الله وعبادته وجهاد النفس هو ذلّ النفس. يجب أن تذلّ النفس في مقابل الله وتخشع له. فإن قبح الذل في أي مكان آخر وأمام أي شخص آخر، فإنه يحلو ويجمل في مقابل الله.
من الأعمال الرائعة التي تعيننا على ذلّ النفس وتمنحنا هذا الشعور هو أن نهتمّ بقبول الطاعة أكثر من أدائها. فقد قال أمير المؤمنين(ع): «کُونُوا بِقَبُولِ الْعَمَلِ أَشَدَّ اهْتِمَاماً بِالْعَمَل» [مجموعة ورام/ ج1/ ص64]
فالآن وبعد ما صمنا شهر رمضان كلّه وأدينا بعض العبادات، يجب أن نقلق على قبول أعمالنا ونهتمّ بذلك أكثر من اهتمامنا بأداء الأعمال وأن نلتمس الله أن يقبل أعمالنا. عند ذلك سوف تذل نفسنا إذ أن الاهتمام بقبول العمل يحكي عن أننا لم نغترّ بأعمالنا.
كل ما يقوم به الإنسان في سبيل إذلال النفس، تستخدمه النفس كرأسمال للعجب
لماذا بعد عنائنا وصومنا خلال ثلاثين يوما، يجب أن نزداد جهدا وسعيا من أجل قبول صيامنا وأعمالنا؟ لأن نفس الإنسان تنطوي على مرض باسم «العجب» و «الأنانية»، بحيث كلّ ما يقوم به الإنسان ليذلّها، تستخدمه كرأسمال للإعجاب بنفسها. فهي تحاول أن تستعمل نفس الأعمال التي أنجزتها لإذلالها كأداة للعجب والطغيان! هذا «العجب» من الأمراض المستعصية التي يصعب معالجتها جدّا.
فعلى سبيل المثال، عندما تأمر نفسك بالسجود لله، تتمرّد في البداية ولا تطيع، ولكنك إن استطعت أن ترغم أنفها وتفرض عليها السجود، بمجرّد أن ترفع رأسك يتغيّر لحنها و تبدأ بالتفاخر والتباهي بفعلها وسجودها. وهذا هو العجب.
الاعتذار من الذنب أهمّ من اجتنابه/ إذ أن الاعتذار يذلّ النفس
لماذا الاعتذار من الذنب أهم من اجتنابه؟ إذ أن الاعتذار من الله يذلّ الإنسان في مقابل الله، ويحظى هذا الذل والخشوع بأهمية كبيرة لدى الله، وهو أفضل بكثير من أن نجتنب الذنوب ثم نصاب بالعجب والغرور بسبب تورعّنا عن الذنب. ولذلك أحيانا يترك الله عبده المؤمن ليذنب خوفا عليه من العجب، إذ يعلم الله سبحانه أن الذنب أفضل لعبده المؤمن من العجب؛ «إنَّ اللَّهَ عَلِمَ أَنَّ الذَّنْبَ خَيرٌ لِلْمُؤْمِنِ مِنَ الْعُجْبِ وَ لَوْ لَا ذَلِکَ مَا ابْتُلِي مُؤْمِنٌ بِذَنْبٍ أَبَداً» [الكافي/ج2/ص313]
إن لم نسأل الله ونلتمسه أن يقبل أعمالنا، سوف تذهب كل طاعاتنا في هذا الشهر هباءً
بإمكانكم الآن أن تشاهدوا أثر الاهتمام بقبول الأعمال على روحكم ونفوسكم. فالتمسوا الله وتذلّلوا إليه وقولوا: «إلهي أسألك وأتوسل إليك أن تتقبّل شهر رمضان هذا! صحيح أن طاعاتي كلّها كانت غير جيّدة ورديئة، ولكني ألتمسك أن تقبلها ولا تردّها». ثم انظروا ماذا يحصل في أرواحنا بهذه المناجاة القصيرة؟ التذلل والنور. فما إن تبدأ بالالتماس والإلحاح على الله ليقبل أعمالك تزداد صفاء ونورا.وفي المقابل إن خلت أعمالنا من هذا الإلحاح والالتماس سوف تذهب كل طاعاتنا ومناجاتنا في هذا الشهر هباءً ونخرج من هذا الشهر بأيدٍ خالية.
إن ذلّ النفس هدف الإطاعة، فإن لم نصل إلى هذا الذلّ بعد الطاعة، نعرف أن طاعتنا كانت غير صحيحة
إن ذلّ النفس هدف الإطاعة، فإن أطعنا الله ولم نصل إلى هذا الذلّ، ينكشف أن طاعتنا كانت ذات خلل. ما يحفظ الإنسان هو الذلّ بين يدي الله. إن ضجيج الإنسان إلى الله بعد الصلاة والإلحاح عليه أن يتقبّل صلاته هو الذي يحفظ الإنسان، ولولا ذلك جدير بالصلاة نفسها أن تفسد الإنسان. إذ لولا هذا السؤال الملحّ، لاقتحم العجب قلب الإنسان.
ففي هذه الأيام ونحن على وشك انتهاء شهر رمضان يجب أن نفعل أمرين: 1ـ نلتمس الله أن يتقبّل طاعاتنا 2ـ أن نستغفر من طاعاتنا وعباداتنا وأن نقول: «ربّنا! اغفر لنا نقصان عباداتنا وطاعاتنا فإنها لم تكن بمستوى شأنك ومقامك. فتغاض عن هذه العبادات ولا تحاسبنا عليها». إن هذه الأعمال سوف تجعلنا نعيش حالة الذل والانكسار بين يدي الله إن شاء الله.
الطريق الوحيد والاستراتيجية الرئيسة في النظام التربوي الديني 1.28
إن هوى النفس عدوّ للعقل وكذلك عدوّ للعشق/ إن رُشّت بذور اتباع الهوى في المجتمع يمت العشق/ النساء أول المتضرّين من السفور/ إن جهاد النفس يهدي الإنسان إلى العقل، وبعد ذلك يقوده إلى العشق ومنه إلى الإخلاص في آخر المطاف/ إن لذّة مسيرة الأربعين أمتع من أي جلسة طرب وعيش
إليك ملخّص الجلسة الثامنة والعشرين من سلسلة محاضرات سماحة الشيخ بناهيان في موضوع «الطريق الوحيد والاستراتيجية الرئيسة في النظام التربوي الديني» حيث ألقاها في ليالي شهر رمضان المبارك عام 1434هـ. في مسجد الإمام الصادق(ع) في مدينة طهران.
ما معنی «لنستعن بالعقل على السيطرة على عواطفنا» بشکل دقيق؟
كثيرا ما يقال يجب أن نستعين بالعقل على عواطفنا أو أن نسيطر على إحساساتنا ونتغلب عليها. وقد تستبدل بالعقل مفاهيم أخرى كالفكر والعلم والإيمان. إن أصل هذا الكلام صحيح ولكن قد أخطأ الكثير في فهمه. فليس معنى هذا الكلام الدقيق والصحيح هو المتبادر إلى أذهان الكثير من الناس.
إذا يقال: يجب أن تستعينوا بالعقل والإيمان والعلم والفكر على مخالفة أهوائكم، فمعناه الدقيق هو أنه يجب أن توقظوا نزعاتكم ورغباتكم الحسنة بالعقل والعلم والإيمان، ثم تستعينوا بهذه الرغبات الحسنة على الأهواء السيئة. فإن العقل والإيمان والعلم والفكر كلّها مدعاة إلى صحوة الرغبات الحسنة وتنشيطها.
العقل موقظ الرغبات المثلى في الإنسان ومعزّزها/ يحظى العقل بقوّة يدير بها أهواء الإنسان
نحن بصدد تضييق رغباتنا السيئة والسيطرة عليها. فمن أجل تحقيق ذلك لا سبيل لنا سوى الرغبات الحسنة التي هي إما مودعة في فطرتنا وهي بحاجة إلى التفعيل والازدهار، أو أنها موجودة وناشطة بالفعل ولابد من إدارتها. العقل هو موقظ الرغبات المثلى في الإنسان ومعزّزها. فإنكم سوف تقضون على الأهواء السيئة عن طريق هذه الرغبات الحسنة.
يحظى العقل بقوّة يدير بها نزعات الإنسان. كما أنّ أنبياء الله جاءوا ليخاطبوا نبيّنا الباطني وهو العقل. والعقل هو القوّة التي تدير مختلف الأهواء والرغبات الكامنة في داخلنا. فتهدينا قوّة العقل دائما نحو الرغبات الأسمى ويشير علينا بأن نختار أفضل رغبة ونلبّيها.
يضيء العقل الطريق ويعرّفنا على الرغبة المثلى
عندما نتمرّض ويصف لنا الطبيب دواء مرّا، يجب أن نشرب الدواء بالرغم من كرهنا وعدم رغبتنا. فنحن هنا في الواقع قد جاهدنا هوى النفس بالعقل، فنحَّينا «كره شرب الدواء» على جانب، إذ قد شخّص العقل أن «حبّ الصحة والحياة» رغبة أسمى وأمثل. فنحن في مثل هذا الموقف أصبحنا في الواقع بين رغبتين متعارضتين: إحداهما هي حب عدم شرب الدواء المرّ، والأخرى حبّ الصحة والحياة. فهنا يأتي العقل ويضيء الطريق ويعرّفنا على الرغبة الأسمى، فنشخصّها ونختارها.
يهدينا العقل إلى الرغبات القيّمة واختيار أفضل الخيارات. ولذلك إذا ذهب أحد إلى محلّ بيع الألبسة لشراء قميص، واختار أقدم القمصان وأقبحها وأقلّها تناسبا وأغلاها في نفس الوقت، يتّهم بفقدان العقل عندئذ.
دور العلم هنا إتحاف الإنسان بالمعلومات، أما العقل فهو الذي يقوم بإدارة مختلف الرغبات ويفضّل أفضل الخيارات على غيرها، ويعين الإنسان لتلبية أفضل الرغبات وأسماها.
بإمكان العقل اليوم وحتى العقل التجريبي أن يدافع عن أكثر القيم
نحن الآن نعيش في زمن أصبح الدفاع عن القيم فيه عقليّا أكثر من كونه عقديّا. فحاجتنا الأولى هي التمتّع بالعقل بمختلف أنواعه وأشكاله من عقل المعاش والعقل السياسي وغيره. فإن كنّا في زمن ننطلق فيه من العقائد في الدفاع عن الثورة، فقد أصبحنا اليوم ندافع عن أكثر قيم الثورة على أساس العقل، وحتى العقل التجريبي. فعلى سبيل المثال كان العقل التجريبي في العقود الماضية عاجزا عن فهم فساد الديمقراطية الغربيّة، فكنّا ندّعي فسادها بالاستناد إلى الآيات والروايات، أو كنّا نحذّر من السقوط فيما لا يرضى به الله عبر الذهاب وراء الديمقراطية الغربية. أما الآن فقد نما العقل البشري وبإمكانه أن يثبت فساد الديمقراطيّة الغربية. وقد أصبحت جرائم الديمقراطية الغربية الآن بمرأى الجميع ولا تحتاج مشاهدتها إلى العين المسلّحة.