النقطة المقابلة لهذا المنهج هو أسلوب الشيطان
ما هي النقطة المقابلة لهذا المنهج؟ النقطة المقابلة لهذا المنهج، هو أسلوب الشيطان، إذ أول ما يقوم به الشيطان هو أن يزيّن لك الدنيا ويحليها في مذاقك. فيتحدث معك عن الدنيا ولذاتها وحلاوتها وجمالها بالنحو الذي تشعر أن قد سبقك غيرك كثيرا في التمتع بهذه الدنيا والالتذاذ بها.
وبطبيعة الحال إن أصبح انطباع الإنسان عن هذه الدنيا هو أن يستطيع أن يرتع فيها ويتمتع ويأكل ويشرب ويلعب مهما شاء، لا يستطيع عندئذ أن يقيّد نفسه بالدين. وإن قلت له: إن الدين لا يسمح لك بهذا النوع من اللذة، لا يقبل، وقد يتهجم عليك بشدّة. هذا هو أسلوب الشيطان إذ قال الله تعالى عن إبليس: (لأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأرْضِ)[الحجر/39]
أما نحن فقد عملنا ضدّ الشيطان تماما، إذ قلنا إن الدنيا خربة وهي محل بلاء وعناء وتعب وألم. فقد تعلمنا هذا الأسلوب من أمير المؤمنين(ع) إذ عمل عكس الشيطان وأسقط الدنيا من عيننا.
مقارنة بين الأسلوب الصحيح وأسلوب الشيطان
عندما تعتبرون الدنيا مرّة، تبحثون عن الحلا، ولكن إن اعتبرتم الدنيا حلوة، سوف تجدون الدين مرّا. هذه معادلة واضحة أرجو أن تنتبهوا إليها. نحن بدأنا في أبحاثنا من مشاهدة الواقع ورأيناه مرّا. وكذلك إبليس يبدأ معنا من الدنيا ولكنه يكذب علينا ويزيّن الدنيا ويحليها في عيننا. فإذا استطاع أن يخدعك ويصور الدنيا حلوة، عند ذلك تجد الدين مرّا. بيد أنك إن وجدت الدنيا مرّة سوف تجد الدين حلوا، وشتان بين هذه الرؤيتين.
ما هو دور الغزو الثقافي؟ دوره هو تزيين الدنيا. وما هو الفيلم الذي يفسّد الإنسان؟ هو ذاك الفيلم الذي يصوّر الدنيا أحلى من واقعها، وهو ذاك الفيلم الذي ينظر إلى مشاكل الدنيا ومرارتها كمشكلة طارئة استثنائية في الحياة، فيعالجون المشكلة في القصة وتنتهي آلامهم ومشاكلهم تماما وينتهي الفيلم بعاشوا عيشة سعيدة. ثم المشاهد المسكين ينتظر عشرات السنين حتى يصل في حياته إلى «عاشوا عیشة سعيدة» ولكنه مهما يحاول لايصل إلى شيء. فلماذا نخدع الناس بهذه الأفلام؟
لم تكن نقطة عزيمتنا الإيمان، ولم نبدأ بالدين، بل قد انطلقنا من الدنيا ومن الإنسان، لا من الله سبحانه. وهذا هو الطريق الصحيح. ثم قد بدأنا بمرارة الدنيا لا بحلاوتها. ولم نأت نسوّد الدنيا ونشوّهها ليحلو الدين، كلا، بل هذا هو واقع الدنيا والإنسان يشاهد هذا الواقع إن لم يكن أعمى العين.
نعم! هناك من يحاول أن يغض الطرف عن مرارة الدنيا، فهذه مشكلتهم، ولكن الواقع هو أن الدنيا مليئة بالمرارة والمحن. (وَ مَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ)[يس/68] إن الله ينسب هذا الفعل إلى نفسه ويقول نحن نفعل ذلك. وكذلك قال: (لَقَد خَلَقْنَا الإِنْسَانَ في كَبَدٍ)[البلد/4]. هذا هو فعل الله وهذا هو البرنامج الإلهي، إذ أراد أن يروّضك ويقوي عضلاتك في هذه الدنيا.
مرور على ما سبق
مما يؤيد هذا الأسلوب هو الروايات التي تدعو لمعرفة النفس، من قبيل ما روي عن أمير المؤمنين(ع) حیث قال: «من عرف نفسه فقد عرف ربّه»[غرر الحكم/ص588]. و قد كانت بعض أبحاثنا الماضية مرتبطة بمعرفة النفس. فقلنا: إن الإنسان ينطوي على رغبات مختلفة، فعندما يريد أن يختار شيئا من رغباته، لابدّ أن يذبح بعضها من أجل بعض أخر، ومن هنا يبدأ جهاد النفس.
وقلنا: إن الرغبات الأقل قيمة وثمنا ظاهرة واضحة، والرغبات القيّمة خفيّة وكامنة في عمق روح الإنسان. فلابدّ لك أن تعفّ وتغض الطرف عن رغائبك السطحية لتصل إلى رغائبك العميقة.
إن جهاد النفس جزء لا ينفك عن حياة الإنسان. فقد خلقت من أجل جهاد النفس وإلا لكنت حيوانا أو كنت ملكا. لابدّ لك أيها الإنسان أن تنتج قيمة مضافة، يعني أن تنتج الحسن لا مجرد أن تكون حَسَنا. فليس من الفنّ أن تكون حَسَنا، إذ هذا هو شأن الملائكة، بل لابدّ أن تصير حسنا. ولابدّ أن يكون هناك مانع في طريق صلاحك، والمانع هو أن تكون تكره بعض الصالحات وتحبّ بعض السيئات. إذن خُلقت حتى تصير صالحا لا تكون صالحا كالملائكة.
لقد خلقت إنسانا وأصبحت إنسانا من أجل أن تحزّ رأس نفسك ومن اجل التضحية ومن أجل محاربة نفسك ومن أجل سحق رغائبك وأهوائك. ويعينك الله في حركتك هذه، إذ قد صمّم الدنيا على أن لا تجري رياحها بما تشتهيه سفينتك. فأنت تخالف هواك من جانب والله يخالفها من جانب آخر. فإن أردت أن تستقيل عن مهمّتك وتلبّي رغبات نفسك، سوف يتكفل الله بدلا عنك بمخالفة هواك فتزداد حياتك مرارة وصعوبة؛ (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكَا)[طه/124]. هذه هي خصيصة الإنسان وقد خلق في مثل هذه الأجواء ونحن لم نتحدث عن الدين بعد، بل إن خلقة الإنسان تفرض عليه هذا العناء في الحياة الدنيا. فإن حاولت قليلا وبعت فنّا تستطيع أن تثبت هذه الحقائق لنفسك عبر التجربة الميدانية أو بطريقة فلسفية أو من الناحية الفطرية.
لابدّ للآباء والأمهات أن يلقنوا أولادهم هذه الحقيقة
كان ينبغي لأمّنا أن تصارحنا منذ طفولتنا بهذه الحقائق حتى نعيها ونوقن بها. مثلا تقول: أي بنيّ! ويا حبيبي وعزيزي وحياتي! سوف تكبر وتتنازع مع بعض ويحصل لك سوء تفاهم وسوء هاضمة وسوء فهم وقد يسيء الظنّ بك أحد فسوف يحصل لك كل هذا. فإن انزعجنا من كلامها وقلنا لها: لا نريد أن تحدث لنا هذه المشاكل! تقول: لا عزيزي، فقد خلقك الله وأعطاك القدرة لتخوض بها صراعات ونزاعات مع نفسك وأهوائك ومشاكلك.
هكذا تعاملوا مع أولادكم، فإن رجع ولدك من المدرسة باكيا بسبب أن ضربه أحد الأولاد، فلا تغضب كثيرا بل ابتسم وقل له: هذه هي المشكلة الأولى التي واجهتها في المدرسة، فسوف تكبر وترى مشاكل أكبر.
لابدّ للطفل أن يواجه مشاكل في حياته، ويا حبذا لو تدربوه على تحمل المشاكل والمعاناة منذ أن يدخل في السابعة من عمره. فعلى سبيل المثال قولوا له: إن عشاءنا هذه الليلة خبز يابس! وفي مرة أخرى قولوا له: في هذه الليلة عليك أن تغسل جواريبك بنفسك، بالرغم من وجود الغسّالة. فبهذا الأسلوب يعني الشدة المطعّمة بالراحة والمحبة والحنان والعطف ينضج هذا الولد وتقوى البنت وسوف لا يضجر الأولاد من كل شيء ولأي نفص ومشكلة في حياتهم.
يتبع إن شاء الله...