إليك ملخّص الجلسة الثانية والعشرين من سلسلة محاضرات سماحة الشيخ بناهيان في موضوع «الطريق الوحيد والاستراتيجية الرئيسة في النظام التربوي الديني» حيث ألقاها في ليالي شهر رمضان المبارك عام 1434هـ. في مسجد الإمام الصادق(ع) في مدينة طهران.
إن قبول أمر «ولي الله» علامة على صحة الإيمان والصدق في مخالفة الهوى
بعد أن اقتنع الإنسان بمجاهدة هواه وأن يقوم بجهاده وفق البرنامج الذي أعطاه ربّه والمقدّرات التي قدّرها له في سبيل إضعاف أنانيّته. هنا يقول الله له: «إذا أردت القضاء على أنانيّتك فلا يكفيك أن تتواضع لربّك وحسب، ولا يدلّ ذلك على طهارتك، وذلك لأن الإنسان كائن معقّد ومتشعّب الأبعاد، فلعلّه قد ترك في سويداء قلبه شيئا من الكبر. لذلك فأنا أرسل إليك وليّي ليأمرك. وعليك أن تتواضع له وتمتثل أمره. فإن خضعت لولاية وليّي وامتثلت أمره، يدلّ ذلك على صدق مدّعاك واستعدادك الحقيقي لمخالفة هواك من أجلي وبأمري».
إن أدوات فحص صحة إيماننا وصدق ادعائنا في مخالفة الهوى، هي سلسلة المراتب التي وضعها الله في نظام العالم. يعني أن وجوب طاعة الله ينزل درجة ويصل إلى رسول الله(ص) ثم منه إلى أمير المؤمنين(ص) وأئمة الهدى إلى الإمام الحجة المنتظر(عج). كما أن سلسلة المراتب هذه قد تمتدّ إلى درجات أنزل وتتبلور في أشكال أخرى كطاعة الأب والأم.
لا يمكن إلجام النفس عبر إطاعة الله المباشرة وحسب
لابدّ لنا من إلجام النفس وتجريدها من أنانيّتها وكبرها ونذلّ أنفسنا أمام رب العالمين. ولكن لا يمكن إنجاز هذا الهدف عبر إطاعة الله المباشرة وحسب. إذ لا سبيل لجميع الناس إلى استلام أوامر الله بشكل مباشر، ومن جانب آخر لا تُثبِت نفس الإنسان طهارتها عبر الطاعة المباشرة لله. لذلك قد جعل الله وليّه لنسمع له ونطيعه، كما قد وضع سلسلة مراتب بعده تنتهي إلى الوالدين الذين أوجب علينا برّهم وطاعتهم. يعني أن الوالدين هما يشكّلان جزء من هذه السلسلة، فبطاعتهما ـ في موارد الطاعة ـ يفتُر كبرنا وتذبل أنانيّتنا وتخشع نفسنا لله سبحانه.
يقول الإمام الصادق(ع): «ذَلِّلْ نَفْسَكَ بِاحْتِمَالِ مَنْ خَالَفَكَ مِمَّنْ هُوَ فَوْقَكَ» [الكافي/ج8/ص243] يعني سلّم إدارة مخالفة هواك إلى من هو فوقك. فعلى سبيل المثال يعتبر الزوج فوق الزوجة رتبة في نطاق ولايته عليها. فإن هذه المراتب موجودة في مختلف أبعاد الحياة الاجتماعية.
لابدّ أن تكون عمليّة إدارة أهواء النفس عن الطريق «الأعلى» الذي حدّده الله للإنسان
كلّنا نخضع لولاية من هو فوقنا. فعلى سبيل المثال إن والدينا فوقنا، لذلك لابدّ أن نسلّمهما قسما من عمليّة إدارة هوى نفسنا. لقد أكّد القرآن مرارا على لزوم الخضوع لمن هو فوقنا. فقال سبحانه: (وَ اعْبُدُوا اللَّهَ وَ لا تُشْرِکُوا بِهِ شَیْئاً وَ بِالْوالِدَیْنِ إِحْساناً) [النساء/36] وقال كذلك: (فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ) [الإسراء/23]. فلا يجوز أن نسيء التعامل معهما بحيث ينكسر قلبهما ويتألمان. فمقتضى هذا الإحسان والاحترام لهما هو أن نخالف الهوى على أساس مرامهما.
لابدّ أن تكون عمليّة إدارة أهواء النفس عن الطريق «الأعلى» الذي حدّده الله للإنسان. فعلى كلّ إنسان أن يرى من هو الذي جعله الله فوقه في سلسلة المراتب لكي يتّبعه. ولا شكّ في أنّ هؤلاء «الأعلَون» الذين تجب طاعتهم، قد حدّدهم الله على درجات مختلفة. فعلى سبيل المثال المرأة تخضع لولاية زوجها. وعلى الرجل أن يخضع لوالديه باعتبارهما فوقه. أما الذي صاحب الولاية المطلقة هو «وليّ الله الأعظم» وينوب عنه «الوليّ الفقيه».
يحكي الخضوع للأعلى درجة، عن مرتبة من مراتب سلامة النفس، وهو مدعاة للتواضع وزوال الكبر. ولكن يجب أن تعرف لأي «أعلى» تخضع؛ لمن جعله الله عليك وليّا، أم للطاغوت الذي فرض نفسه عليك فرضا، ولم يأمر الله بطاعته.
الإمام الصادق(ع): ذَلِّلْ نَفْسَكَ بِاحْتِمَالِ مَنْ خَالَفَكَ مِمَّنْ هُوَ فَوْقَكَ
لنرجع إلى حديث الإمام الصادق(ع) حيث يقول: «ذَلِّلْ نَفْسَكَ بِاحْتِمَالِ مَنْ خَالَفَكَ مِمَّنْ هُوَ فَوْقَكَ وَ مَنْ لَهُ الْفَضْلُ عَلَیْكَ؛ فَإِنَّمَا أَقْرَرْتَ بِفَضْلِهِ لِئَلَّا تُخَالِفَهُ» [الكافي/ج8/ص243] فعلى سبيل المثال للطبيب فضل على المريض ولابدّ للمريض أن يمتثل أمره. لذلك حسب ما نقل عن أطباء الإمام الخميني(ره)، كان سماحته قد سلّم أمره إليهم في القضايا الصحّيّة. إن هذه الخصلة هي من درجات روح الولاء والخضوع للأفضل. مع أن الطبيب ليس وليّا على الإنسان، ولكن من الناحية الأخلاقية نستطيع أن نقول: إن من يستنكف عن قبول رأي المتخصّص فهو متكبّر.
من لا يعرف لأحد فضلا فهو معجب برأيه
ثم يقول الإمام الصادق(ع) في تكملة حديثه: «وَ مَنْ لَا یَعْرِفْ لِأَحَدٍ الْفَضْلَ، فَهُوَ الْمُعْجَبُ بِرَأْیِهِ» [المصدر نفسه]. وسرّ هذا الكلام هو أن كلّنا سوف نواجه إنسانا أفضل في حياتنا لابدّ أن نعترف له بالأفضليّة ولا يخفى أن الاعتراف بأفضليّة الآخرين ليس بعمل هيّن على كل إنسان ولا يقوى عليه الجميع. فإن بعض الناس ومن أجل أن يخلّص نفسه من ثقل التواضع والخضوع، لا يعترف لأحد فضلا من الأساس، فمثل هذا الإنسان قد ابتلي بالعجب التي هي من أسوء الصفات.
وقد جاء في شرح أصول الكافي في ذيل هذه الرواية، أن المصداق الأتم والأكمل للأعلى هو أهل البيت وأئمّة الهدى(ع) أو ما نعبّر عنه بالولاية. ولكنّي توسّعت في ذكر مصاديق أخرى في سبيل فهم الآثار التربوية والأخلاقية الناتجة من إطاعة الأعلى.
إن لم نفوّض إدارة عمليّة مخالفة الهوى إلى وليّ الله، ستسقط بيد عدوّ الله الذي لا يرحم
إن لم يكن زمام إدارة عمليّة مخالفة الهوى في هذا الطريق بيد وليّ الله، ماذا يحدث؟ عند ذلك ستسقط إدارة مخالفة الهوى بيد عدوّ الله وعدوّنا الذي لا يرحم. يعني سوف يسلّط الله علينا أرذل خلق الله وهذه لقاعدة وسنّة إلهيّة.
إنّك إن لم تعط زمام إدارة مخالفة هواك بيد وليّ الله، سوف تُضطرّ إلى مخالفة هواك تحت إدارة أراذل العالم وليس لك طريق آخر.
يتبع إن شاء الله...