اسطورة انمركار
تمهيد:
تعد اسطورة انمركار من اقدم الاساطير التي عرفت حتى الآن وانها اول نوع من انواع الشعر السياسي الذي يضم اول اشارة للمفاوضات الدبلوماسية وفض المنازعات بالطرق السلمية بين الاقطار المجاورة للعراق، مؤلفة بالشعر وباللغة السومرية، مدونة بالخط المسماري على عشرين كسرة من الطين، عدد ابياتها (637) بيتاً محفوظة الآن في المتحف الوطني باسطنبول. عثر عليها في خرائب (نفر) في قضاء عفك قرب الديوانية جنوب العراق- عند اواخر القرن التاسع عشر للميلاد، وعلى ما يظهر من اسلوبها انها تعود إلى ما بعد العصور –Early Post Sumerian Period- السومرية الاولى حكايتها تدور بين بطلين احدهما يسكن اورك- الوركاء- احدى مدن السومريين بالقرب من السماوة واسمه (انمركار) والاخر مجهول الاسم- مع الاسف الشديد- يسكن جنوب ايران في ولاية (ارتا) ولربما مقاطعة لورستان الحديثة وعلى ما يظهر ان بداية الملحمة مفقودة وقد انخرمت سطور الكتابة من الكسر الاخرى نتيجة للعوارض الطبيعية في الارض وما اصاب المكان الذي وجدت فيه من خراب، الا ان الملحمة وتكرار المقاطع على العادة في تأليف الشعر ونظمه، مكنتنا من فهم سياق القصة والتقريب بين اجزائها المفقودة.
فكرة الاسطورة:
تبدأ الاسطور بأبراز عظمة مدينة "اورك" وانها الموطن المقدس للالهة (ايننا) او (عشتار) ربة الحب والحرب والجمال وام قدماء العراقيين- وسيطرتها السياسية وتحكمها في الارض وتفوقها على البلدان المجاورة منها مقاطعة (ارتا) في جنوب ايران وان بطلها (انمركار) ابن (اوتو) اله الشمس الذي اراد بمشيئة اخته (انننا) ان يأمر اهل ارتا بتقديم الذهب والفضة واحجار الزورد لبناء معبد (آبسو) في مدينة (اريدو) جنوب العراق وقد ارشدته بأن يختار رسولا ينوب عنه ليفاوض حاكم (ارتا) بالطرق السلمية لتنفيذ ارداته. وعلى الرسول ان يكون قويا شديد البأس يتحمل مشاق السفر ويتمكن من عبور جبال (انشان) المتاخمة (لاروك) وانها على يقين ان اهل (ارتا) سيلبون الطلب.
فعل (انمركار) ذلك وانتخب رسوله، وقبل ان يسافر زوده برسالة يهدد بها ولاية (ارتا) وانه سيجعلها موحشة اذا لم ينصع حاكمها لمشيئته ويقدم الذهب والفضة والبرنز لبناء المعبد المقدس وعلى الرسول ان يردد تعويذة (انكى).
في الشدائد ويخبره ان (انكى) اله المياه والامطار والزوابع وضع السلطة في يده وان الذهب والفضة ومسالك الارض هي للاله (انليل) اله الهواء.
مضى الرسول من اروك حتى وصل ولاية ارتا بعد رحلة شاقة عبر فيها سبعة جبال وهناك سلم رسالة سيدة إلى حاكمها فكان نصيبها الرد لان الالهة الام انننا لم تكن ملكة لـ -اى- -أنا- في اروك وهي التي وعدت اخيها انمر كار بان ارتا ستخضع اليه وتقدم ما يريد قفل الرسول راجعا إلى اروك واخبر سيده انمركار فثار وارعد وهدد بالحرب والخراب على ما يظهر من صلب النص ان ولاية ارتا تشكو ندرة الطعام وان حاكمها اراد كمية من الحنطة بدل الذهب والفضة وان ارتا ستكون خاضعة لامره. ولكن انننا تعرف ذلك ولم تعترف لاخيها بالامر الواقع. وقامت المفاوضات على قدم وساق.
وذات مرة عاد الرسول إلى اروك كعادته وسلم الرد إلى سيده في بلاطه المحتشد وقبل ان يفضه صلى وقام ببعض الطقوس الدينية وبمساعدة الهة الحكمة السومرية (نيدابا) اخبر مستشاريه بان حاكم ارتا يريد الحنطة بدل الذهب والفضة فوافق رجاله وقرروا ارسال الحنطة إلى ارتا وان انمر كار سيرسل ايضا صولجانه وعصى السلطة بعد ان يقدم الذهب والفضة والعقيق وحجر اللازورد.
مضى الرسول هذه المرة من اروك ومعه شحنة الحنطة فاستقبله سكان ارتا بكل فرح وبكل سرور واخبروه انهم على استعداد لتقديم الذهب والفضة والعقيق وحجر اللازورد لبناء المعبد المقدس. الا ان حاكم ارتا استشاط غيظا لان صولجانه لم يصل إليه وانه لا يريد ان يكون خاضعا الخضوع التام لاروك قفل الرسول بسرعة إلى بلاده واخبر سيده انمركار بالامر فغضب وتشاءم وقرر الذهاب إلى غابة (شوسيما) التي تجلب (الضوء والظل) والتي يأتي منها الظل والضياء طلبا للنجدة.
وبعد عشر سنوات على هذه المفاوضات ارسل انمر كار رسوله الرابع فكان الفشل نصيبه لتعنت الجانبين وذات مرة وضع انمركار الصولجان في يده وتأهب للحرب ليقيم في ارتا. الا انه رجع إلى (شتامو) حيث وضح الامر وذكر ارتا يطلب فيه النزال والصراع معه او مع احد من رجاله الخمسين، فتساءل حاكم ارتا، ما نوع هذا الرجل المنتخب للنزال؟ اسود ام ابيض ام اسمر ام اصفر ام مرقط، او كل رجاله يظهرون مرة واحدة؟ عليه ان يفكر قليلا عندما يتكلم الا ان انمركار ارسل رسوله هذه المرة إلى حاكم ارتا وبيده هذه الشروط.
-يأمر انمركار حاكم ارتا للنزال وعليه ان يرسل احد محاربيه في ارتا.
يطلب انمركار من حاكم ارتا ان يعد له الذهب والفضة وقطع الحجارة إلى الالهة انننا في اروك.
-وسيهدد ويدمر ارتا اذا لم يعد حاكمها حجر الجبل ويبني ويزين معبد آبسو في اريدو. وقد دونها على رقيم طيني لان الرسول سيجد صعوبة في ترديدها.
اخذها الرسول ومضى بها إلى ارتا.. ولكن على حين غفلة ان الالهة السومرية (اشكور) آلهة المطر والزوابع جلبت لارتا بقولا وحنطة ففرح حاكم ارتا ورد الرسالة بكل شجاعة وامر الرسول المفاوض ان يرجع إلى اروك ويخبر سيده بذلك.
وهنا يتكسر النص ومن الصعوبة متابعة القصة. ولكن بعض الاشارات تخبرنا بان الالهة انننا قد احدثت الطوفان في ولاية ارتا فدمرها واحل بها الخراب. وان البطل انمركار لبس الخوذة وتحلى بجلد اسد والتف حوله ستة من اصحابه ولربما (تموز) والى هنا تنتهي الملحمة لان بقية السطور محطمة كثيرا ما يعتريها الغموض.
بعض الاستنتاجات
يستنتج من هذه الاسطورة ان المدن السومرية كانت في هذا الدور خاضعة لحكم الابطال الذين عاشوا في القرن الاول للالف الثالث قبل الميلاد كما عاش (جلجامش) و(لوكال بدا) وان هؤلاء الابطال قد ادانوا عواطفهم للشعراء والمنشدين ليدونوا اعمالهم بشكل قصص واساطير.. ويحتمل عندنا ان يكون البطل هذا هو الشاعر او الناظم نفسه.
يظهر ان مدينة اروك السومرية لها السيطرة العليا في جنوب العراق وانها في رخاء تام ولا ينقصها الا الذهب والفضة والحجارة النادرة.
ان ارتا من الناحية الجغرافية تحدها سلسلة من الجبال وانها تقع في الطريق المؤدي إلى مدينة انشان إلى الجنوب الشرقي من ايران.
-يحكم ارتا (بطل) او ملك الرئيس الاعلى في الولاية ويحتمل ان تكون هذه اول اشارة للحكم الملكي في جنوب ايران.
-يظهر ان ملوك سومر كانوا يستوردون الذهب الخام والفضة والحجارة النادرة من ايران علاوة على استيراده من شبه جزيرة العرب ايضا نظرا لتوفر المادة في تلك البقاع.
اخيرا لا بد ان لهذه الاسطورة نسخاً اخرى مماثلة لم تكتشف بعد كما حدث في اكتشاف عدة نسخ مماثلة من الملحمة الشهيرة جلجامش في مختلف مدن العراق القديمة.اسطورة الملكة الآشورية سميراميس
هذه اسطورة الملكة الاشورية سميراميس التي يعرفها قدماء العراقيين باسم (رسمى رمات) كثيرا ما ترد اخبارها في التاريخ الاشوري عرضا بشكل اسطورة اقرب إلى الحقيقة.. و(سمى) تعني محبوبة و(رمات) حمام، فيكون اسمها (محبوبة الحمام) وقصة حياتها فريدة اقرب إلى الخرافة، تزوج ابوها سرا من معبودة سماوية، او جنية لطيفة مقدسة صارت حديث الناس في البلد فحاولت عبثاً ان تستر العار الذي لحقها لانها تزوجته سرا فقررت الذهاب إلى الصحراء حينما دنت إلى وضع ابنتها سميراميس.
فتركتها هنا بعد ولادة مؤلمة، وكان من حسن حظ الطفلة ان تلتف حولها الطيور من كل صنف ونوع، فقامت بتغذيتها طوال عام واحد ثم عثر عليها الرعاة بطريق الصدفة فشبت بين احضانهم لطيفة فارعة الجمال، وقد شاهدها احد الضباط الاشوريين العظام (مينونيس) الذي كان حاكما في سورية فشغف بها حبا وتزوجها وكان هذا الضابط يصطحبها في كل معركة و غزوة حربية يقوم بها.
فأصبحت ذات ميول عسكرية تجيد فنون القتال في الحرب، وكانت تساعد الجنود في المعارك وتدلهم على نقاط الضعف والاقتحام حتى ذاع صيتها في البلاد، فأحبها الملك الاشوري ووقع بها، فكان ينعم عليها الهدايا، وذات يوم أمر زوجها الضابط ان يتنازل عنها ويتركها له ويزوجه من ابنته "سوزان" الا ان الضابط "مينوس" ابي ان يتنازل عن محبوبته سميراميس وذات مرة عاد الملك الاشوري وهدده بقسوة وحاول ان ينزل به العقاب ويفقأ عينيه، فانصاع الضابط رغم ارادته وسلمه حبيبة القلب والزوجة المخلصة سميراميس.
وتروى الاسطورة ان الضابط فضل الانتحار فمات ثم اتلفت جثته وبعد ذلك تزوج الملك الاشوري منها ونادى باسمها امبراطورة على مملكة اشور، ولكن سميراميس كانت حزينة دوما تبكي زوجها الضابط في السر. وفي رواية اخرى يقال ان سميراميس طلبت من الملك الاشوري زوجها بان تحكم وتمارس السلطة ولو لاربعة ايام، فانصاع لها الملك وقلدها السلطان، ولكن سرعان ما دست اليه السم فمات واستولت على العرش واصبحت وصية لابنائه الاربعة.
ومما يقال انها قامت باصلاحات عظيمة وفتوحات واسعة وصلت بغزواتها حتى صحارى (ليبيا) وشواطئ الهند. ثم شيدت (بابل) بعد انتصاراتها واقامت لها اسواراً منيعة ثم انشأت على نهر الفرات قنطرة تعبر من تحت الماء. وكذلك قامت بتشييد هيكل فخم للاله (ببلوس) ابي زوجها الاول (مينونيس) الذي كان الاغريق يخلطون بينه وبين الاله (جوبتر) ومما يذكر ان الحدائق المعلقة في بابل التي ذكر عنها (داريوس) انها من عمل امير من نسل الملكة سميراميس حبيبة الشعب الاشوري، ومن الجدير بالذكر ايضا ان سميراميس لم تتزوج بعد وفاة زوجها الملك خوفا لضياع زمام الحكم من يدها، ومما يقال عنها انها اختفت سرا واستحالت إلى (حمامة) فحزن عليها الشعب الاشوري، حتى انهم صاروا يقدسون كل الحمام لان روح سميراميس قد حلت به، ويحكى ان الملكة سميراميس امرت بأن يحفر على قبرها بعد الممات هذا القول العجيب:
ان الطبيعة خلقتني امرأة ولكن اعمالي ساوتني باشجع الرجال، فلقد جلست على عرش نينوى الذي يمتد ملكه شرقا إلى نهر (هينامانيس) وجنوبا إلى بلاد البخور والمر. وشمالا إلى حدود بلاد الساس وسوجديان. ولم يتح لاشورى قبلي ان يرى البحار اما انا فرأيت منها اربعة لم يمخر احد لبعدها وجعلت الانهر تجرى حيث اريد، في كل مكان نافع، فاصبحت الارض كثيرة الخصب، وكذلك انشأت القلاع والحصون المنيعة، وشققت بحديدي في الصخور طرقا ومسالك لمركباتي لم تقع عين حي، حتى الحيوانات المفترسة على مثلها ومع ذلك لم تمنعني هذه المشاغل من ان آخذ قسطي ايضا من اللهو والحب.
منقول