يا أيّها المغرّد في الضحى أهواك إن تنشد وإن لم تنشد
الفنّ فيك سجيّة لا صنعة والحبّ عنك كالطبيعة سرمدي
فإذا سكتّ فأنت لحن طائر وإذا نطقت فأنت غير مقلّد
للّه درّك شاعرا لا ينتهي من جيّد إلا صبا للأوجود
مرح الأزهار في غنائك والشّذى وطلاقة الغدران والفجر الندي
وكأنّ زورك فيه ألف كمنجة وكأنّ صدرك فيه ألف مردّد
كم زهرة في السفح خادرة المنى سكنت على يأس سكون الجلمد
غنّيتها ، فاستيقظت وترنّحت وتألّقت كالكوكب المتوقّد
وجرى الهوى فيها وشاع بشاشة من لم يحب فإنه لم يولد
وكأنّني بك حين تهتف قائل للزهر : إنّ الحسن غير مخلّد
فاستنفدي في الحبّ أيام الصّبا واسترشديه فهو أصدق مرشد
واستشهدي فيه، فمن سخر القضا أن لا تذوقيه وأن تستشهدي!
يا فيلسوفا قد تلاقى عنده طرب الخلّي وحرفة المتوجّد
رفع الربيع لك الأرائك في الربى وكسا حواشيها برود زبرجد
أنت المليك له الضياء مقاصر وتعيش عيش الناسك المتزهد
مستوفزا فوق الثرى، منتقلا في الدّوح من غصن لغصن أملد
متزودا من كلّ حسن لمحة شأن المحبّ الثائر المتمرّد
وإذا ظفرت بنفحة وبقطرة فلقد ظفرت بروضة وبمورد
تشدو وتبهت حائرا مترددا حتى كأنك حين تعطي تجتدي
فكأنما لك موطن ضيّعته خلف الكواكب في الزمان الأبعد
وطن جميل كنت فيه سيّدا فمضى ودام عليك همّ السيّد
طورت عنه إلى الحضيض فلم تزل متلفتا كالخائف المتشرد
يبدو لعينك في العتيق خاليه وتراه في ورق الغصون الميّد
صور معدّدة لغير حقيقة كالآل لاح لمعطش في فدفد
فتهمّ أن تدنو إليه وتنئني حتى كأنك خائف أن تهتدي
وكأنه حلم يصحّ مع الكرى فإن انتهت من الكرى يتبدّد
كم ذا تفتّش في السفوح وفي الذّرى عنقاء أقرب منه للمتصيّد
يا أيها الشادي المغرّد في الضحى أهواك إن تنشد وإن لم تنشد
طوباك إنك لا تفكّر في غد بدء الكآبة أن نفكّر في غد
إن كنت قد ضيّعت إلفك إنني أبكي على إلفني الذي لم يوجد