أبو فراس الحمداني
ابو فراس الحمداني هو أبو فراس الحارث بن سعيد بن حمدان الحمداني التغلبي الوائلي، ولد سنة 320 هـ (932م). هو شاعر عربي من أسرة الحمدانيين , وهي أسرة حكمت شمال سوريا والعراق وكانت عاصمتهم حلب في القرن العاشر الميلادي .
حياته
كان ظهور الحمدانيين في فترة ضعف العنصر العربي في جسم الخلافة العباسية وهيمنة الفرسوالترك. فباشر الحمدانيون الحروب لدعم حكمهم وترسيخ سلطتهم، فاحتل عبد الله، والد سيف الدولة الحمداني وعم شاعرنا، بلاد الموصل وبسط سلطة بني حمدان على شمال سوريا بما فيها عاصمة الشمال حلب وما حولها وتملك سيف الدولةحمص ثم حلب حيث أنشأ بلاطاً جمع فيه الكتاب والشعراء واللغويين في دولة عاصمتها حلب.
ترعرع أبو فراس في كنف ابن عمه سيف الدولة في حلب ، بعد موت والده باكراً، فشب فارساً شجاعا شاعراً، وراح يدافع عن إمارة ابن عمه ضد هجمات الروم ويحارب الدمستق قائدهم وفي أوقات السلم كان يشارك في مجالس الأدب فيذاكر الشعراء وينافسهم ويغلبهم، ثم ولاه سيف الدولة مقاطعة منبج فأحسن حكمها والذود عنها. ولدية قصائد اراك عصي الدمع
أبو فراس في الأسر
كانت المواجهات والحروب كثيرة بين الحمدانيين والروم في أيام أبي فراس ، وفي إحدى المعارك خانه الحظ يوماً فوقع أسيراً سنة 347 هـ (959م) في مكانٍ يُعرف باسم "مغارة الكحل". فحمله الروم إلى منطقة تسمى خَرْشَنة على الفرات ، وكان فيها للروم حصنٌ منيع , ولم يمكث في الأسر طويلاً، واختُلف في كيفية نجاته، فمنهم من قال إن سيف الدولة افتداه ومنهم من قال إنه استطاع الهرب،
فابن خلكان يروي أن الشاعر ركب جواده وأهوى به من أعلى الحصن إلى الفرات، والأرجح أنه أمضى في الأسر ثلاث سنوات.
انتصر الحمدانيين أكثر من مرة في معارك كرٍ وفرٍ ، وبعد توقف لفترة من الزمن عاد القتال بينهم (بين الحمدانين وبين الروم) الذين أعدوا جيشاً كبيراً وحاصروا أبا فراس في منبج وبعد مواجهات وجولات كر وفر سقطت قلعته سنة 350 هـ (962م) ووقع أسيراً وحُمل إلى القسطنطينية حيث أقام نحواً من أربع سنوات، وقد وجه الشاعر جملة رسائل إلى ابن عمه في حلب ، فيها يتذمر من طول الأسر وقسوته، ويلومه على المماطلة في افتدائه.
ويبدو أن إمارة حلب كانت في تلك الحقبة تمر بمرحلةٍ صعبة لفترة مؤقتة فقد قويت شوكة الروم وتقدم جيشهم الضخم بقيادة نقفور فاكتسح الإمارة واقتحم عاصمتها حلب، فتراجع سيف الدولة إلى ميّافارقين، واعاد سيف الدولة قوته ترتيب وتجهيز وهاجم الروم في سنة 354 هـ (966م) وهزمهم وانتصر عليهم واستعاد إمارته وملكه في حلب ، واسر اعدادا يسيرة من الروم وأسرع إلى افتداء أسراه ومنهم ابن عمه أبو فراس الحمداني بعد انتصاره على الروم، ولم يكن أبو فراس ٍ يتبلغ أخبار ابن عمه، فكان يتذمر من نسيانه له، ويشكو الدهر ويرسل القصائد المليئة بمشاعر الألم والحنين إلى الوطن ، فتتلقاها أمه باللوعة حتى توفيت قبل عودة وحيدها.
تحريره من الآسر
تم افتداء وتحرير أبي فراس وبعد مضي سنةٍ على خروجه من الأسر , توفي سيف الدولة 355 هـ (967م) وكان لسيف الدولة مولى اسمه قرغويه طمع في التسلط، فنادى بابن سيده أبي المعالي، أميراً على حلب آملاً أن يبسط يده باسم أميره على الإمارة بأسرها، وأبو المعالي هو ابن أخت أبي فراس. أدرك أبو فراسٍ نوايا قرغويه فدخل مدينة حمص، فأوفد أبو المعالي جيشاً بقيادة قرغويه، فدارت معركةٌ قُتل فيها أبو فراس. وكان ذلك في ربيع الأول سنة 357 هـ (968م).
أشعاره
قال الصاحب بن عباد: بُدئ الشعر بملك، وخُتم بملك، ويعني امرأ القيس وأبوفراس.لم بجمع أبو فراس شعره وقصائده، إلا أن ابن خالويه وقد عاصره جمع قصائده فيما بعد، ثم اهتم الثعالبي بجمع الروميات من شعره في يتيمته، وقد طبع ديوانه في بيروت سنة 1873م، ثم في مطبعة قلفاط سنة 1900م، وتعتمد الطبعتان على ما جمعه ابن خالويه. وقد نقل وترجم بعض شعر أبو فراس إلى اللغة الألمانية على يد المستشرق بن الورد، وأول طبعةٍ للديوان كاملاً كانت للمعهد الفرنسي بدمشق سنة 1944م ويؤكد الشاعرالعراقي فالح الحجية في كتابه في الادب والفن يكاد يتفق النقاد ان أجمل قصيدة للشاعر هي قصيدة اراك عصي الدمع التي اخذت مكانها في الشهرة بين قصائد الغزل العربية .
  • يقول:

لم أعدُ فيه مفاخري
ومديح آبائي النُّجُبْ
لا في المديح ولا الهجاءِ
ولا المجونِ ولااللعبْ

  • هو صاحب البيت الشهير:

الشعر ديوان العرب
أبداً وعنوان الأدب

  • وفي قصيدة "أراك عصيّ الدمع" الشهيرة يقول:

أراك عصيّ الدمع شيمتك الصبر
أما للهوى نهيٌ عليك ولاأمر؟
بلى أنا مشتاق وعنـديَ لوعةٌ
ولكنّ مثلي لا يُذاع لهسـرُّ
إذا الليل أضواني بسطتُ يدَ الهوى
وأذللتُ دمعاً من خلائقهِالكِبْرُ
فان عشت فالإنسان لابد ميتاً
وان طالت الايام وانفسحالعمر
وفي بيت اخر من نفس القصيدة يقول:
ولا خير في دفع الردى بمذلة
كما ردها يوماً بسوءتهعمرو

  • ومن روائع شعره ما كتبه لأمه وهو في الأسر:

لولا العجوز بـمنبجٍ
ما خفت أسبابالمنيّـهْ
ولكان لي عمّا سألت
من فدا نفـس أبيّهْ

  • وفي قصيدة أخرى إلى والدته وهو يئن من الجراح والأسر، يقول:

مصابي جليل والعزاء جميلُ
وظني بأنّ الله سوفيديلُ
جراح وأسر واشتياقٌ وغربةٌ
أهمّكَ؟ أنّـي بعدهالحمولُ

  • وأثناء أسره في القسطنطينية بعث إلى سيف الدولة يقول:

بمن يثق الإنسان فيما ينوبه؟
ومن أين للحرّ الكريمصحاب؟

  • وقبل وفاته رثى نفسه بأبيات مشهورة موجهة إلى ابنته.

أبنيّتـي لا تحزني
كل الأنام إلى ذهابْ
أبنيّتـي صبراً جميلاً
للجليل مـن الـمـصابْ
نوحي علـيّ بحسـرةٍ
من خلفِ ستركِوالحجابْ
قولـي إذا ناديتني
وعييتُ عـن ردِّالجوابْ
زين الشباب أبو فراسٍ
لم يمتَّعْ بالشبـابْ

  • واجمل قصائده القصيدة الميمية التي ينصر فيها آل الرسول يقول:

الحق مهتضم والدين مخترم
وفي آل رسول اللهمنقسم
يا باعة الخمر كفو عن مفاخركم
لمعشر بيعهم يوم الهياجدم
إلى ان يقول:
يا للرجال اما للحق منتصر
من الطغاة وما للدينمنتقم
ثم يقول في مقطع جميل:
لا يطغين بني العباس ملكهم
بنو علي مواليهم وانزعموا
سطر بهامش
اتفخرون عليهم لا ابالكم
حتى كأن رسول اللهجدكموا
· ثم يقايس بين آل العباس وبين اهل البيت في مناقشة ومقارنة جميلة يقول مثلاً:
ليس الرشيد كموسى في القياس
ولا مأمونكم كالرضا لو انصفالحكم
تتلى التلاوة في ابياتهم سحراً
وفــي بيـوتكم الاوتـــاروالنغــــــــم
كانت مودة سلمان لهم رحماً
ولم تكـــــن بين نوح وابنهرحم


  • ثم يقول:

منكم عليه ام منهم وكان لكم
شيخ المغنيين إبراهيم إذا املهم
أبو فراس الحمداني (320- 357 ) هو الحارث بن سعيد بن حمدان، فارسأسرة بني حمدان وشاعرهم، ولد في الموصل ونشأ يتيما لأن ناصر الدولة صاحب الموصل،وهو أخ سيف الدولة كان قتل سعيدا والد أبي فراس، فكفله علي (سيف الدولة) الذي كانزوج أخته.
رأى سيف الدولة في أبي فراس دلائل النجابة والفروسية فجعله صاحب منبج،وأوكل إليه أمر الثغور في نواحيها لصد الروم أو هجمات الأعراب، فأبدى شجاعة فائقةوإقداما عظيما.
وفي سنة 348 أسرت الروم أبا فراس، ففداه سيف الدولة سنة 355. ويقال إنه أسر مرتين إحداهما سنة 348 والثانية سنة 351، وفي الثانية ذهبوا به إلىالقسطنطينية فأقام ينتظر فداء سيف الدولة له بمال وفير أو مبادلة بأسير عظيم فطالذلك حتى سنة 355. وبعد فداء أبي فراس ولاه سيف الدولة "حمص"، ولم يلبث أن توفي الأمير سنة 356 وتولى ابنه أبو المعالي تحت وصاية الوزير قرغويه، ولكن أمر السلطةدعا القريبين إلى الاقتتال قرب حمس، وانتهى الأمر بمصرع أبي فراس، وقبره معروف فيقرية "صدد" قرب حمص.
كانت نشأة أبي فراس وطفولته في ظل والدته التي حدبت علىرعايته، وتحت عطف زوج أخته سيف الدولة وتتلمذ على اللغوي الشهير ابن خالويه وغيره،كما شاهد أرباب القلم يفدون على بلاط سيف الدولة، واحتك بهم، ونبغ في الشعر، فتغزلووصف المعارك، وله في الأسر قصائد كثيرة مشهورة عرفت بـ"الروميات" تعتبر من أرقشعره وأجمله.
سخر أبو فراس شعره ليتحدث عن مشاعره وأحاسيسه، فقد كان وجدانيا يصفما يقع تحت بصره من حوادث ووقائع، وما يعتلج في صدره من آلام وآمال، ولأبي فراسمكانة عند مؤلفي الأدب، فقد قيل فيه: "بُدئ الشعر بملك وختم بملك، يعني امرؤ القيسوأبا فراس".
قصيدة الفداء
خرج ابن أخت ملك الروم إلى نواحي منبج في ألففارس من الروم، فصادف أبا فراس يتصيد سبعين فارسا، فقاتلهم حين لم يجد من لقائهمبدا بغير الفرار، فأصيب بسهم فأخذوه أسيرا، وطلب الروم فداء لأبي فراس إطلاق سراحأخي "بودرس" ابن أخت ملك الروم الذي كان أسيرا لدى سيف الدولة، فكتب إليه أبو فراسيحثه على الفداء:

دَعوتـُكَ للجَفــن القريـْــحِ المسهـَّــدِ
لــديّ، وللنـــوم القليــل المُشـــرَّدِ
ومـــا ذاك بُخــلا بالحيــــاةِوإنهــا
لأولُ مبــــذولٍ لأولِ مُــجـتـــــــدِ
وما الأسر مما ضقت ذرعابحمله
وما الخطب مما أن أقول له قـَـــدِ
وما زل عني أن شخصا معرضــا
لنبل العد ىإن لم يصب فكأنْ قـَـدِ
ولســـت أبالي إنْ ظفــرت بمطلبٍ
يكونُ رخيصًا أو بوسْــمٍ مُــــزوَّدِ
ولكنني أختــــار مـــوت بنــي أبي
على صهوات الخيل غيـــر موسدِ
وتأبى وآبـــى أن أمــــوتَ مـُـوسدًا
بأيدي النصارى موتَ أكمـــدَ أكبدِ
نضوت على الأيام ثـوب جــلادتي
ولكنني لـــم أنـض ثـــوب التجلــدِ
دعوتك والأبــواب ترتـــجُ دوننـــا
فكن خيــــرَ مدعــــوٍّ وأكرمَ منجدِ
فمثلك مــن يـُـدعى لكــلِّ عظيمــة
ومثلي منْ يفدى بكــــلِّ مُسـَـــــوَّدِ
أناديكَ لا أني أخافُ منالـــرَّدى
ولا أرتجيْ تأخيرَ يومٍ إلى غَــــــدِ
متى تـُخلفُ الأيامُ مثليلكـُــمْ فتى
طويلَ نجادِ السيف رحبَ المقلـَّـــدِ
متى تلدُ الأيـــاممثـلي لكــــم فتى
شديدًا على البأســـاءِ غيـــرَ مُلَهَّـــدِ
يطاعنُ عنأعـراضكم بلســـانـِـهِ
ويضربُ عنكمْ بالحســـامِ المُهنــَّـدِ
فما كلُّمنْ شاء المعالي ينــالهـــا
ولا كل سيَّارٍ إلى المجد يَهتــَـــدِي
وإنكللمولى الــذي بــكَ أقتـــدي
وإنك للنجمُ الــــذي بـــه أهتــَــدي
وأنتالذي عرَّفتني طـُــرقَ العلا
وأنت الــــــذي أهويتني كلَّ مقصدِ
وأنتالـــذي بلغتني كـــل رتبــة
مشيت إليهـــــا فوق أعناق حُسَّدي
فيا مُلبسيالنعمى التي جلَّ قدرها
لقد أخـْـلـَقـَتَ تلـك الثيــــابُ فجَـدِّدِ!

أمـا لِـجَـمـيـلٍ عِنْدكُنَّثَوابُ
ولا لِـمُـسـيءٍ عِـنْـدَكُنّ مَتَابُ
إذا الـخِـلُّ لَـمْيَـهْجُركَ إلا مَلالةً
فَـلَـيْـسَ لهُ ، إلا الفِرَاقَ ، عِتابُ
إذا لـمأجـد مـن خُـلَّةٍ ما أُرِيدُه
ُ فـعـنـدي لأُخْـرى عَزْمَةٌ وَرِكابُ
ولـيـس فِراقٌ ما استطعتُ
فإن يَكُنْ فِـراقٌ عـلـى حَـالٍ فليس إيابُ
صَـبـورٌ ولـو لـم يـبقَ مني
بقيةٌ قَـؤُولٌ وَلـوْ أنَّ الـسيوفَ جَوابُ
وَقُـورٌ وأحـداثُ الـزمانِ
تَنوشني وَلِـلـمـوتِ حـولي جِيئةٌ وَذَهَابُ
بِـمـنْ يَـثِـقُ الإنسانُ فيما يَنُوبهُ
ومِـنْ أيـنَ لِـلحُرِّالكَريم iiصِحابُ
وقـدْ صَـارَ هـذا الناسُ إلا
قَلَّهُمْ ذِئـابٌ عـلـىأجْـسَادِهنَّ ثِيابُ
تَـغَـابـيـتُ عن قومٍ فَظَنواغَباوةً
بِـمَـفْـرِقِ أغـبانا حصًى iiوَتُرابُ!
ولـو عَـرفـونـي بَعْضَمَعرِفَتي بِهمْ
إذاً عَـلِـمـوا أنـي شَهِدتُ وغابوا
إلـى الله أشـكـوأنـنـا بِمنازلٍ
تَـحـكَّـمَ فـي آسـادِهنّ كِلابُ
تَـمُـرُّ الـلـياليلَيْسَ لِلنَّقْعِ مَوْضِعٌ
لَـديَّ ولا لِـلـمُـعْـتَفِين جَنَابُ
ولاشُـدَّ لـي سَرْجٌ على مَتنِ سابحٍ
ولا ضُـرِبـتْ لـي بِـالعراءِ قِبابُ
ولا بَـرقـتْ لـي فـي اللقاءِ قواطعٌ
ولا لـمـعـتْ لي في الحروبِ حِرابُ
سَـتَـذكـر أيـامـي نُميرٌ
وَعَامرٌ وكـعـبٌ ، عـلى عِلاتها ، وكِلابُ
أنـا الـجـارُ لا زادي بَطِيءٌ
عَليْهِمُ ولا دونَ مـالـي فـي الحَوادثِبَابُ
ولا أطـلـبُ الـعَوراءَ مِنها أُصِيبها
ولا عـورتـي لِـلـطـالبينَتُصابُ
بَني عَمِّنا ، ما يَفْعَلُ السيفُ في
الوغى إذا قـلَّ مِـنْـهُمَـضـرِبٌ وَذُبابُ
بَـنـي عَـمِّنا ، نحنُ السَّواعِدُوَالظُّبَا
وَيُـوشِـكُ يـوماً أن يكونَ ضِرابُ
ومـا أدَّعِـي مـايَـعـلَمُ الله غَيرهُ
رِحَـابٌ عَـلِـيٍّ لِـلـعُفاةِ رِحابُ
وأفـعـالـهُلِـلـراغـبـين كَرِيمةٌ
وأمـوالـهُ لـلـطـالـبين نِهَابُ
ولـكـنْنَـبَـا مِـنهُ بِكَفِّيَ صَارمٌ
وأظـلـمَ فـي عَـيْـنَيَّ مِنهُ شِهابُ
وأبـطـأَ عَـنِّـي والـمـنايا سريعةٌ
وَلِـلـمـوتِ ظِـفْرٌ قد أطلَّ ونابُ
فـإن لـم يَـكـنْ وِدٌ قَـرِيبٌ تَعُدُّه
ولا نَـسَـبٌ بـيـن الرجَالِقِرابُ
فـأحـوطُ لـلإسلام أنْ لا
يُضِيعني ولـي عَـنْـهُ فِـيـهِ حَوْطةٌوَمَنابُ
ولـكـنـنـي راضٍ على كلِّ
حالةٍ لِـنَـعْـلَـمَ أيَّالـخُـلَّتينِ سَرابُ
ومـا زِلـتُ أرضـى بـالقليل
محبةً لَـدَيْـهِ ،ومـادون الكثير حِجابُ
وأطـلُـبُ إبـقـاءً على الوُد أرضَهُ
وذِكـرىمِـنـي في غيرها وطلابُ
كـذاكَ الـوِداد الـمحضُ لا يرتجى لهُ
ثـوابٌ ،ولا يُـخـشى عَليهِ عقابُ
وقدْ كُنتُ أخشى الهجرَ والشمْلُ جَامِعٌ
وفـيكُـلِّ يَـوْمٍ لُـقْـيَةٌ وخِطَابُ
فـكـيـف وفيما بيننا مُلْكُقَيْصَرٍ
ولِـلْـبَـحْرِ حولي زَخْرَةٌ وَعُبَابُ ?
أَمِـنْ بَـعْـدِبَذْلِ النفس فيما تُرِيدُهُ
أثـابُ بِـمُـرِّ الـعَتبِ حِينَ أُثابُ
فـلـيـتـك تـحلو والحياةُ مريرةٌ
ولـيـتـك تـرضى والأنامُ غِضابُ
ولـيـتَ الـذي بـيني وبينك عَامرٌ
وبـيـنـي وبـيـن العالمين خَرابُ
إذا صـحَّ مِـنـكَ الوِدُّ فالكُلُّ هَيّنٌ
وكُـلُّ الـذي فـوقَالتُّرابِ تُرابُ


لقد وقفت أتأمل كثيرا وأنا اقرأ من قصائده
انه نموذج للشعرالعربي الأصيل، الذي يعبر عن وجدان عاشق فارس ، يعتز بنسبه العريق ، وتسري في عروقهدماء عربية أصيلة جعلته دائم الفخر والاعتزاز بنفسه ومكانته ، ولم لا ؟ وهو الشاعرالفارس الأمير سيف الدولة أمير حلب ، أشهر أمير عربي خلده شاعر العربية الكبير)) المتنبي )) في سيفياته التي قالها وهو في جواره، يصف وقائعه ، ويسجل أحداث زمانه .

هل عرفتموه انه الشاعر العربي الكبير أبو فراس الحمداني ، ولد بالموصل ،قتل أبوه وهو لا يزال طفلا صغيرا ، فتربى على يدي عمه وزوج أخته سيف الدولة، نشأأبو فراس على الفروسية والأدب ، ثم قلده سيف الدولة الإمارة على (( منبج وحران )) وأعمالها وهو لا يزال حديث السن حيث كان عمره آنذاك لا يتجاوز السادسة عشر ، وكانيصطحبه عمه في المعارك، وما كان أكثرها ، ضد الرومانيين الطامعين في الوطن العربيالذي تفتت بانحلال الدولة العباسية ، وقدر لدولة الحمدانيين ولسيف الدولة أن يكوناالقلعة الوحيدة الصامدة في وجه الدولة البيزنطية ، وان يكونوا الدرع الواقي للثغورالعربية في مواجهة أعظم دول ذلك الزمان .

ولكنه يؤسر في إحدى معارك سيفالدولة مع الروم ، وينقله الروم الى القسطنطينية، ويظل في الأسر اربع سنوات ، ويقالانها كانت سبع ، توالت رسائل ابي فراس الحمداني الى سيف الدولة يطلب بها مفاداته . ويختلف المؤرخون في سبب بطء سيف الدولة وتراخيه في مفاداته ، على أي اطلق سراح ابيفراس الحمداني بعد ان افتداه ابن عمه ، فولاه سيف الدولة امارة حمص ، ثم مات سيفالدولة بعد عام واحد . فقامت الحرب بين ابي فراس وأمير حلب الجديد ابي المعالي سيفالدولة وابن اخت ابي فراس نفسه .. وتنتهي الحرب بمقتل ابي فراس الحمداني قرب حمص ،وينتهي معه طموحه وفخره وفروسيته..

ولأبي فراس ديوان من الشعر القوي الجزل ،العذب الأنغام ، الصادق العطفة والتصوير ، يسجل فيه تاريخ حياته ويصور فروسيتهويفخر بمآثر أسرته ، ومن بين هذا الديوان اشتهرت رومياته ( القصائد التي قالها وهولا يزال في الأسر ) وهذه القصائد هي التي تكشف عن مدى شكواه وعمق حزنه .

لكنقصيدة واحدة من قصائد ابي فراس الحمداني يتاح لها من الذيوع مالا يتاح لبقية قصائده، تلك هي مطولته (( أراك عصي الدمع )) التي تصور ادق التصوير لوجدان هذا الشاعرالفارس ، الذي يذوب رقة وعاطفة ولكن في شموخ وكبرياء واعتزاز ، ومن خلال نفس ابيةترفض كل ذلة ومسكنة ، ولا تعرف الا الإباء والجرأة والإقدام .
فالشاعر الذي يذوبوجدا وهياما في مواقف الحب والصبابة ، لا يحني رأسه ، ولا يدوس على كرامته ، لكنهدائما شامخ أبي ، شأنه في حروبه ومعاركه مع الخصوم والاعداء

هذه القصيدةالتي اشتهرت عندما دخلت التاريخ ، ورددتها الألوف ، معجبة بعاطفة الشاعرالفارس ، وكبريائه وشممه ، وفنه الشعري المقتدر ، وصياغته العذبة القوية .. هذهالقصيدة هي التي سوف نتوقف عندها الآن قراءة وتذوقا وتأملا .......



يقول شاعرنا الكبير ابي فراس الحمداني في قصيدتهالمشهورة

))
اراك عصي الدمع((
أراك عصي الدمع شيمتك الصبر
أماللهوى نهي عليك ولا أمر
بلى ،أنا مشتاق وعندي لوعة
ولكن مثلي لا يذاع لهسر
إذا الليل أضواني بسطت يد الهوى
وأذللت دمعا من خلائقه الكبر
تكاد تضيءالنار بين جوانحي
إذا هي أذكتها الصبابة والفكر
معللتي بالوصل والموتدونه
إذا بت ظمآنا فلا نزل القطر
حفظت وضيعت المودة بيننا
وأحسن من بعضالوفاء الغدر
وما هذه الأيام إلا صحائف
لأحرفها ، من كف كاتبها ،بشر


بنفسي من الغادين في الحي غادة
هواي لها ذنب ، وبهجتهاعذر
تروغ إلى الواشين في ، وإن لي
لأذنابها عن كل واشية وقر
بدوت وأهليحاضرون ، لأنني
أرى أن دارا لست من أهلها قفر
وحاربت قومي في هواك ،وإنهم
وإياي ، لولا حبك ، الماء والخمر
فإن يك ما قال الوشاة ولم يكن
فقديهدم الإيمان ما شيد الكفر


وفيت وفي بعض الوفاء مذلة
لإنسانة في الحيشيمتها الغدر
وقور ، وريعان الصبا يستفزها
فتأرن أحيانا كما أرنالمهر
تسائلني : من انت ؟ وهي عليمة
وهل بفتى مثلي على حاله نكر
فقلت لها : لو شئت لم تتعنتي
ولم تسألي عني ، وعندك بي الخبر
فقالت : لقد أزرى بكالدهر بعدنا
فقلت : معاذ الله ، بل انت لا الدهر
وما كان للأحزان لولاكمسلك
الى القلب ، لكن الهوى للبلى جسر
وتهلك بين الهزل والجد مهجة
إذا ماعداها البين عذبها الهجر
فأيقنت أن لا عز بعدي لعاشق
وأن يدي مما علقت بهصفر
وقلبت أمري لا أرى لي راحة
اذا البين أنساني الح بي الهجر
فعدت إلىالزمان وحكمها
لها الذنب لا تجزي به ولي العذر

فلا تنكريني يا ابنةالعم ، انه
ليعرف من انكرته البدو والحضر
ولا تنكريني ، إنني غير منكر
إذازلت الأقدام ، واستنزل الذعر
وإني لجرار لكل كتيبة
معودة أن لا يخل بهاالنصر
وإني لنزال بكل مخوفة
كثير الى نزالها النظر الشزر
فاظمأ حتى ترتويالبيض والقنا
وأسغب حتى يشبع الذئب والنسر
ولا أصبح الحي الخلوف بغارة
ولاالجيش ، ما لم تأته قبلي النذر
ويا رب دار لم تخفني منيعة
طلعت عليها بالردىأنا والفجر
وحي رددت الخيل حتى ملكته
هزيما ، وردتني البراقعوالخمر
وساحبة الأذيال نحوي لقيتها
فلم يلقها جافي اللقاء ولا وعر
وهبتلها ما حازه الجيش كله
ورحت ولم يكشف لأبياتها ستر
ولا راح يطغيني بأثوابهالغنى
ولا بات يثنيني عن الكرم الفقر
وما حاجتي بالمال أبغي وفوره
إذا لمأصن عرضي فلا وفر الوفر

أسرت وما صحبي بعزل لدى الوغى
ولا فرسي مهرولا ربه غمر
ولكن إذا حم القضاء على امرئ
فليس له بر يقيه ولا بحر
وقالأصيحابي : الفرار أو الردى؟
فقلت : هما أمران احلاهما مر
ولكنني أمضي لما لايعيبني
وحسبك من أمرين خيرهما الأسر
يقولون لي بعت السلامة بالردى
فقلت : أما والله ، ما نالني خسر
وهل يتجافى الموت عني ساعة
إذا ما تجافى عني الأسروالضر ؟
هو الموت فاختر ما علا لك ذكره
فلم يمت الانسان ما حيي الذكر
ولاخير في دفع الردى بمذلة
كما ردها يوما بسوءته عمرو
يمنون أن خلو ثيابي ،وإنما
علي ثياب من دمائهمو حمر
وقائم سيف فيهمو اندق نصله
وأعقاب رمح فيهقد حطم الصدر


سيذكرني قومي إذا جد جدهم
وفي الليلة الظلماء يفتقدالبدر
فإن عشت ، فالطعن الذي يعرفونه
وتلك القنا والبيض والضمر الشقر
وإنمت فالإنسان لا بد ميت
وإن طالت الأيام وانفسح العمر
ولو سد غيري ما سددتاكتفوا به
وما كان يغلو التبر لو نفق الصفر
ونحن اناس لا توسط بيننا
لناالصدر دون العالمين أو القبر
تهون علينا في المعالي نفوسنا
ومن يخطب الحسناءلم يغلها المهر
أعز بني الدنيا وأعلي ذوي العلا
وأكرم من فوق التراب ولا فخر

أبوفراس الحمداني - 93-968

أبو فراس الحمداني (932-968) : هوالحارث بن سعيد الحمداني. شاعر وفارس وأمير عربي. ولد في الموصل (العراق) ومات قربحمص (سوريا). قتل أبوه 935 فرباه ابن عمه وزوج أخته، سيف الدولة الحمداني، أميرحلب. نشأ على الفروسية والأدب، وتنقل في مدن الجزيرة والشام. قلده سيف الدولة إمارةمنبج وحران وأعمالهما، وكان حينئذ في السادسة عشرة من عمره. اصطحبه سيف الدولة فيغزواته ضد البيزنطيين، فوقع في الأسر عام 962. أمضى في الأسر أربع سنوات كتب خلالهاأشهر قصائده التي عرفت "الروميات". ولاه سيف الدولة على حمص، ولما مات سيف الدولةوقعت الحرب بين ابنه أبي المعالي وأبي فراس، فقتل قرب حمص. له ديوان من الشعرالجيد، العذب الأنغام، المألوف الألفاظ، الذي يسجل تاريخ حياته ويصور فروسيته ويفخربمآثره. تنافس مع المتنبي في مدح سيف الدولة خلال إقامته في بلاطه في حلب.
أبو فراس الحمداني) شاعراً وجدانياً من الطراز الاول. وللمقارنة بينالشاعرين العملاقين (أبو الطيب المتنبي) و(ابوبكر محمد بن عمار) وكلاهما كانمغامراً من الطراز الأول وكلاهما يطمع في امارة او ولاية وكلاهما كانا ذاتيان فيشعرهما وكلاهما فقد ذاته قتيلاً فابن عمار فقد راسه بيد زعيمه وراعيه ملك اشبيليهالمعتمد بن عباد وفقد المتنبي رأسه على يد فاتك الاسدي بثار على حقد دفين وهجاءمفجع؟ وكلاهما كان معتداً بنفسه اشد الاعتداد مما دفع بالناقد الاسباني الاستاذالدكتور ( اميليو غارسيا غوميز) إلى القول عن ابي الطيب المتنبي حيث يقول: ( .. منالصعب ان نجد في الأدب العالمي كله شاعراً اشد اعتزازاً بفنه من المتنبي وحتى لونحينا الفخر جانباً وهو عادة عربية تنحدر من اصول بدوية وقد لا يستسيغها ذوقناالغربي فسوف نلتقي بشاعر الكوفة على الدوام محلقاً في السماء ملتهب الكبرياء نبويالفطرة احياناً مما يبرر اطلاق اسم ( المتنبي) عليه.. لقد تنبأ ابو الطيب بالامتدادالجغرافي غير المحدود لشهرته، انها ستضرب في الخافقين: وتعللني فيك القوفي وهمتيكأني بمدح قبل مدحك مذنب ولكنه طال الطريق ولم ازل افتش عن هذا الكلام وينهب فشرَّقحتى ليس للشرق شرق وغرَّب حتى ليس للغرب مغرب اذا قلته لم يمتنع من وصوله جدار مقلىاو خباء مطنب(3) وعلى هذا النحو من الوضوح والاعتداد يصرح بل حتى يقول ويؤكد بأنشعره يجب ان يكسف كل شعر عربي سبقه: لا تجسر الفصحاء تنشدها هنا بيتاً ولكني الهزبرالباسل ما نال اهل الجاهلية كلهم شعري ولا سرحت بسحري بابل رابعاً: ويستقر ( ابوالطيب المتنبي) اخيراً في بلاد سيف الدولة الحمداني صاحب (حلب) فيجد قبله كوكبةعظيمة من الشعراء والكتاب والنقاد والفلاسفة والعلماء كماي جد في زعيم (حلب) وجهاًعربياً ذكياً باسلاً يحارب اعداء الاسلام والعروبة من الصليبيين .. وهنا يجب السيرعلى الطريق بحذر فالاشواك كثيرة فالملك عربي الوجه واليد واللسان وديوانه الشعر يعجبالشعراء، ومنهم قائد حملات سيف الدولة على دولة بيزنطة الشاعر الرومانسي الموهوبابو فراس الحمداني ولكن المتنبي بحر زاخر من الشعر وذو ملكة وموهبة شعرية تهزبمديحها المشاعر هزاً.. وهذا ما دفع بأبي الطيب المتنبي إلى القول في زهو ظاهر وقدكان ذلك يوم عيد الاضحى من العام 342 هـ الموافق لابريل من العام 954م وبين يدي سيفالدولة الحمداني زعيم العروبة بحلب وذلك عندما اعلن اعتداده بشعره فقال: وما الدهرالا من رواة قلائدي اذا قلت شعراً اصبح الدهر منشداً فسار به من لا يسير مشمراًوغنى به من لا يغني مغرداً اجزني اذا انشدت شعراً فإنما بشعري اتاك المادحون مردداًودع كل صوت غير صوتي فإنني أنا الصائح المحكي والآخر الصدى وعلى هذا النحو منالاعتداد بالنفس وبالموهبة الشعرية التي منحها الله تعالى له نراه يخاطب القلوبوالاسماع وامام سيف الدولة الحمداني ذاته وذلك من خلال هجوم عنيف شنه على خصومه منالشعراء وعلى الدساسين الذين يتحركون في بلاد سيف الدولة يقول: يا أعدل الناس الافي معاملتي فيك الخصام وأنت الخصم والحكم اعيذها نظرات منك صادقة ان تحسب الشحم فيمن شحمه ورم وما انتفاع اخي الدنيا بناظره اذا استوت عنده الانوار والظلم انا الذينظر الاعمى إلى ادبي واسمعت كلماتي من به صمم انام ملء جفوني عن شواردها ويسهرالخلق جراها ويختصم (5) ويعقب الاستاذ الدكتور ( اميليو غارسيا غوميز) المستشرقالاسباني الشهير على أبيات المتنبي السابقة بقوله: (كيف نفسر هذا التعالي المفرط فيالكبرياء من شاعر أجير تحكمه قوانين العرض والطلب والبيع والشراء وأشد الوان الخضوعخجلاً..). وردنا على العلامة الناقد والاديب ( غوميز) يسير وبدهي حيث اغفل هذاالناقد الفحل ذات الشاعر اغفالاً تاماً فما كان ابو الطيب شاعر استجداء فقط بل كانشاعر مجد معنوي اشقاه ايما شقاء..!! وذلك واضح من سيرة وحياة شاعر الكوفة ابي الطيبالمتنبي.
وتكثر الدسائس والوشايات ضد ابي الطيب في بلاط سيف الدولة ويدخلفي مضمار الخصومة اعلام للنقد والادب والشعر وعلى رأسهم دونما ريب الناقد الفيلسوفالكندي الذي اشمأز من تعالي المتنبي ولعل اخطر خصوم ابي الطيب بعد صلفه وكبريائهالقائد والشاعر ( ابو فراس الحمداني الذي تملكه الغضب من تدليل سيف الدولة له وكأنالمتنبي عرض بأبي فراس مما اغضب عليه زعمي حلب غضباً عظيماً جعله يضربه على وجههبالدواة مع ان سيف الدولة الحمداني كان يقدر لابي الطيب مدائحه فيه والتي اشتملتعلى ثلث ديوان ابي الطيب الضخم ولقد احب المتنبي سيف الدولة الحمداني حباً عظيماًبحيث كان يرى فيه المنقذ للعروبة والاسلام ولذا نجد في قصائد المتنبي الرائعةومدائحه الممتازة في سيف الدولة الحمداني كانت سجلاً لانتصارات بطل عربي مغوار هوسيف الدولة الحمداني لقد صنع سيف الدولة الحمداني سجلاً رائعاً وفريداً جعله بحقاشهر قائد وزعيم عربي على مر التاريخ حيث جعل منه بطلاً من طراز رفيع. سادساً: وغادر ابو الطيب اطار احلامه ومنزع رغبته غادر (حلب) وزعيمها الباسل راعيه سيفالدولة غادر الشام نحو مصر موجع القلب باكياً لقد اصبحت المسافة واسعة بين زعيمالعروبة آنذاك سيف الدولة وبين ابي الطيب وفي مصر يمم وجهه نحو بلاد ( كافور) الذياصبح زعيماً لمصر بعد ما سحب الحكم الطفل الاخشيدي.. كافور ذلك المعلم الذي وصل إلىالسلطة بذكائه ودهائه واريحيته لقد صار بعدما غضب على المتنبي امام الآبقين بهاالفحر مستعبدا والعبد معبودا. لقد احس شاعر العروبة الاكبر بالفارق الهائل بين بلادالحمدانيين بحلب وبين بلاط كافور.. بالقاهرة وعز عليه ان يمدح خصياً وان ييممبآماله وشوه عبدا اسود بعد ما كان تحت انظار ملك عربي حر ولذا كانت مدائح المتنبيفي كافور الاخشيدي اشبه بالهجاء بل بالضحك والسخرية السوداء لذا نجد مدائح المتنبيلغير سيف الدولة الحمداني لعباً بالافكار وبالصفات وكأنه يخاطب دمى بلهاء وهذا مافطن له الناقد الاسباني الكبير (اميليو غارسيا غوميز) عبر هذا التقرير الرائع الذييقول فيه: (واخيراً يجب ان لا ننسى التوتر العنيف والثورة الداخلية التي كانالمتنبي يعاني منها، حين يستسلم للمديح، ان قصائده في مدح سيف الدولة وحده يمكن انيقال عنها انها وليدة مشاعر حقة، وقالها صادق الاحساس لقد رأى دون ما شك في حلبالوسيم الشجاع كل ما تمنى هو نفسه ان يكون، زعيم عربي، يقيم دولة على تخوم الصحراء،وفي صراع مستمر مع البيزنطيين يجمع في بلاطه آخر بلاط اسلامي متوهج على مستوى بغدادفي اجمل ايامها، نخبة من صفوة الادباء الممتازين، اما قبله فقد احتقر المتنبي كلرخيص يزعم لنفسه رعاية الاداب والفنون، كان يرى في اي واحد منهم مجرد سلم يصعد عليهإلى الدرجة التالية فلما استوى على قمة مجده ازداد لهم احتقاراً سواء في مصر او فيفارس كان الحنين يحثه والطموح يدفعه، واهداف محددة تقوده فإذا اخفق دونها هربوتجاوز المدائح السابقة ذات الهجاء اللاذع الملتهب ولكنه كان يملك من عظمة الروحقدراً كافياً يجعله يحتفظ دائماً بكبريائه كمدائحه في فاتك صديقه وراعيه وقد توفيفي مصر دون ان يحقق كل أمانيه او عندما كان يظهر مشاعره وافكاره الشخصية دون اي املفي عطاء او جزاء، لم يخرج المتنبي سليماً معافى من تجربة المديح المرعبة بل خرجمنها منتصراً وكان المنتصر هو كبرياء الشاعر فيه). سابعاً: لقد كان ابو الطيبالمتنبي عالي الصوت لدى شعراء الاندلس وملوكها العلماء والشعراء فلقد اعترض المتوكلبن الافطس (زعيم مملكة بطليوس في عصر ملوك الطوائف بالاندلس على شعراء بلاطه فلقدكان اعجابه كبيراً بشاعر الكوفة ابي الطيب المتنبي وكان يطلب من شعرائه ان يكونواله مثل المتنبي لسيف الدولة الحمداني مما كان يدفع بالوزير الشاعر (ابن عبدون) إلىالسخرية من طلب ابن الافطس ويقول سنكون: اذا تشابهت الرؤوس والمناكب؟ يشير إلىبربرية ابن الافطس. كما كان يطلق على ابن دراج الفسطلي متنبي الاندلس مع ان ابندراج شاعر مديح من طراز فريد الا انه ايضاً شاعر وجداني رفيع المستوى. كما كان ملكاشبيلية (المعتمد بن عباد) الشاعر العملاق يعجب بشعر المتنبي وكان يعرض بعض ابياتهللنقد التحليلي المنهجي. لقد هبت رياح ابي الطيب المتنبي الشعري على شعراء الاندلسحتى رأينا الشاعر ابن هانئ الاندلسي يلقب بمتنبي المغرب؟ واذا كان شعراء الاندلسوملوكها العلماء والشعراء معجبين بابي الطيب المتنبي فكذلك نجد النقاد الاندلسيينكابن بسام والفتح بن خاقان وابن سعيد المغربي وابن الابار القضاعي يشيرون إلىالمتنبي باحترام ولنا ان نستشهد على المنزلة الرفيعة التي كانت للمتنبي بالاندلسنأخذ رأي الشاعر الناقد ابو عمار بن شهيد في المتنبي عبر كتابه النقدي المذهل ( التوابع والزوابع) حيث يقول: ( .. فقال لي زهير: ومن تريد بعد؟ قلت له خاتمة القومصاحب ابي الطيب، فقال: اشدد له حيازيمك وعطر له نسيمك وانثر عليه نجومك، وآمال عنانالادهم إلى طريق فجعل يركض بنا وزهير يتأمل اثار فرس لمحناها هناك فقلت له، ماتتبعك لهذه الاثار؟ قال هي اثار فرس حارثة بن المغلس صاحب ابي الطيب وهو صاحب قنص،فلم يزل يتقراها حتى دفعنا إلى فارس على فرس بيضاء.. وبيده قناة اسندها إلى عنقهوعلى رأسه عمامة حمراء قد ارخى لها عذبة صفراء فحياه زهير فاحسن الرد ناظراً منمقلة شوساء، قد ملئت تيهاً وعجباً فعرفه زهير قصدي والقى اليه رغبتي فقال: بلغنيانه يتناول قلت: للضرورة الدافعة والا فالقريحة غير صادقة والشفرة غير قاطعة). واخيرا نلتقي مع ابي الطيب المتنبي مع هذا النص الجميل الذي اشم منه حقاً ابداعالمتنبي وقرارة وجدانه مع هذا النص المتوتر العاطفة والموسيقي المعنى والمبنى ..