مقدمة :

يشكل الفكر الإسلامي السياسي أحد أبرز السياقات المهمة في المجتمعات العربية والإسلامية، خصوصاً بعيد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم حيث حرص المسلمين من جهة المهاجرين على الفور بترشيح الصحابي الجليل أبو بكر الصديق ومن الأنصار على ترشيح الصحابي سعد بن عبادة أحد رموزهم المعروفة، وجرت فيما بينهم انتخابات حرة نزيهة انتهى بها المطاف إلى أن ترجح كفة أبو بكر الصديق بنسبة أكبر، ومن هذه الحادثة بدأت الانطلاقة الفعلية للفكر الإسلامي السياسي والذي تمثل أساساً وضابطاً مهماً في طريقة تعيين واختيار حاكم شرعي فعلي يمثل الشعب والبلاد على أسس صحيحة بعيدة عن الاستبداد بالرأي أو محاولة التفرد بالقرار وهذا يمثل جوهر السياسية الشرعية بالمنظور الإسلامي.

محور :-

  • تعريف الفكر السياسي الإسلامي.
  • العلاقة بين مفهومي الشرع والفقه.
  • أثرها في العصر الحديث.
  • نموذج من الفكر السياسي في العصر الوسيط
  • النشـــــــــــــــــــأة جون لوك


تعريف الفكر السياسي الإسلامي.

عملية تعريف الفكر السياسي الإسلامي ليس عملية موضوعية بشكل مطلق فهو كغيره من الحقول المعرفية الاجتماعية يصعب تحديده وضبطه اسماً ومسماً ضبطاً جامعاً مانعاً نظراً لما يكتنف هذا التعريف من صعوبات يضاف لهذا أن علوم الأمة بحكم علاقتها التكاملية تتأبى على وضع الفواصل القاطعة والجامعة بصورة يصعب معها الادعاء باستئثار علم معين واختصاصه بموضوع معين بشكل مطلق وإذا كان الفكر لابد له من مفكرين فإن كثيراً من شوامخ الفكر السياسي الإسلامي كانت لهم إبداعاتهم وريادتهم في علوم أخرى بصورة يصعب أن نشدهم إلى هذا الحقل ونخصهم به فقد كانوا دائما يوصفون بالفلاسفة والفقهاء والمحدثين.

العلاقة بين مفهومي الشرع والفقه

ويستدعي هذا ضرورة ضبط العلاقة بين مفهومي الشرع والفقه وبين مفهوم الفكر عامة والفكر السياسي خاصة لما لذلك من أثر على تحديد حقل الفكر السياسي افسلامي ضيقاً واتساعاً إن الفكر السياسي الإسلامي يصعب فهمه حقلاً معرفياً دون فهمه مصطلحاً معرفياً سياسياً مركباً لابد من فهمه من خلال التوقف عند كل مفردة من مفرادته الثلاث لمعرفة كيف تأتلف وتتكامل لتكون المفهوم فيه (أي الفكر)







أثرها في العصر الحديث

سقوط الخلافة كان فجيعةً حقيقية، بدا بعدها أن هناك تماهياً بين الخلافة والإسلام، وأن «الأمة» (القومية) توضعُ في مواجهتهما، لذا كان من الطبيعي أن تتجه الأنظار لوضع الشريعة (الإسلام) في الواجهة، وليس «الأمة» حيث اتجهت «الأمة» في وعيهم للتماهي مع الدولة الوطنية العلمانية الجديدة.
كانت الأولوية لدى النخب الإسلامية والوطنية لمكافحة الاستبداد، ثم الاستعمار، ثم للحفاظ على الهوية في وجه تيارات التغريب والاستلاب والغزو، ولهذا فإن التحرير الثقافي والفكري الذي اقتضاه زوال الخلافة لم يتجه إلى اعتبار مبدأ سيادة «الأمة» بديلاً لمؤسسة الخلافة أو لاهوتها بل استبدل بلاهوت الخلافة تدريجياً قدسية القرآن، وهو معنى قول حسن البنا: القرآن دستورنا.


نموذج من الفكر السياسي في العصر الوسيط
النشـــــــــــــــــــأة جون لوك

ولد أعظم فلاسفة العصر أثراً في رنجتون بالقرب من برستول، في نفس العام الذي ولد في سبينوزا. ونشأ وترعرع في إنجلترا التي قامت فيها ثورة دامية وقتلت مليكها، وأصبح الصوت المنادي بثورة سلمية وعصر يسوده الاعتدال والتسامح، ومثل التسوية الإنجليزية في أحكم صورة وأفضلها. كان أبوه محامياً بيوريتانياً ناصر مع شيء من التضحية قضية البرلمان، وشرح لابنه نظريتي سيادة الشعب والحكومة النيابية، وبقي لوك مخلصاً لهذه الدروس مؤمناً بها، شاكراً معترفاً بفضل أبيه في تعويده على الرصانة الدروس مؤمناً بها، شاكراً معترفاً ليدي ماشام عن والد لوك أنه:- سلك معه في صغره نهجاً تحدث عنها الابن فيما بعد في استحسان بالغ. ذلك أنه كان قاسياً عليه بإبقائه في رعب شديد منه، وعلى أبعد منه، حين كان صبياً. ولكنه كان يخفف من هذه القسوة شيئاً فشيئاً حتى استوى جون رجلاً، آنس منه رشداً ومقدرة فعاش مع صديقاً حميماً(104).
ولم يقر لوك لمعلميه بمثل هذا الفضل. وفي مدرسة وستمنستر أرهق باللاتينية واليونانية والعبرية والعربية، ومن الجائز أنه لم يسمح له بشهود إعدام شارل الأول (1649) في ساحة قصر هويتهول القريب من المدرسة، ولكن هذه الحادثة تركت أثراً في فلسفته. وعوقت اضطرابات الحرب الأهلية التحاقه بكلية كريست في أكسفورد حتى بلغ العشرين من عمره. وهناك درس أرسطو مصوغاً في قوالب سكولاسية باللاتينية، كما درس مزيداً من اليونانية، وبعض الهندسة والبلاغة، وكثيراً من المنطق وعلم الأخلاق، لفظ معظمها فيما بعد، على انها عتيقة مهجورة موضوعاً. غير مستساغة ولا مقبولة شكلاً. وبعد حصوله على درجة الماجستير (1658) بقي بكليته باحثاً في الدراسة العليا، يدرس ويحاضر. ووقع لبعض الوقت في غرام "سلبني عقلي(105)"، ثم استرد عقله وخسر عشيقته. ولم يتزوج لوك قط، مثله في ذلك مثل كل فلاسفة هذا العصر تقريباً- ماليرانش، بل، فونتنل، هوبز، سبينوزا، ليبنتز. ونصحوه بالالتحاق بإحدى وظائف الكنيسة، ولكنه تردد وقال: "إذا رقيت إلى مكان قد لا أستطيع أن أملأ فراغه فإن الهبوط منه لن يكون إلا سقوطاً مروعاً يسمع له دوي شديد(106)".
وفي 1661 مات والده بالسل، تاركاً له ثروة ضئيلة ورئتين ضعيفتين. ودرس الطب ولكنه لم يحصل على درجة فيه إلا في 1674. وفي الوقت نفسه قرأ ديكارت، وأحس بسحر الفلسفة حين تحدثت في جلاء ووضوح. وساعد روبرت بويل في تجاربه المعملية، وملأه الإعجاب بالمنهج العلمي. وفي 1667 تلقى دعوة للحضور والإقامة في قصر إكستر ليكون طبيباً خاصاً لأنطوني آشيلي كوبر الذي سرعان ما أصبح أرل شافتسبري الأول، وعضو الوزارة أيام شارل الثاني، ومنذ هذا التاريخ إلى ما بعده، وعلى الرغم من احتفاظه رسمياً بمنصبه في أكسفورد حتى 1683، وجد لوك نفسه غارقاً في خضم السياسة الإنجليزية حيث شكلت أحداثها ورجالاتها أفكاره.
وأنقذ لوك، الطبيب، حياة شافتسبري حيث أجرى له عملية بارعة لاستئصال ورم خبيث (1668). وساعد في المفاوضات لإتمام زواج ابن شافتسبري، وسهر على زوجة ابنه أثناء الوضع، وأشرف على تعليم حفيده، خليفته في الفلسفة. ويذكر هذا الحفيد، إرل شافتسبري الثالث أن:
مستر لوك حظي بتقدير كبير لدى جدي، حتى وأنه وقد عرف بالتجربة أنه عظيم في الطب، رأى أن هذا جانب صغير من جوانب عظمته، وشجعه على الاتجاه بأفكاره إلى منحى آخر، ولم يسمح له بمزاولة الطب إلا في أسرته أو من قبيل العطف أو الرحمة بصديق حميم. وهيأه لدراسة المسائل الدينية والمدنية التي تهم البلاد، وكل مل يتصل بمهمة الوزير في الدولة. وقد أحرز في هذا نجاحاً كبيراً حدا بجدي إلى أن يتخذ منه صديقاً يسأله المشورة في أية قضية من هذا النوع.
ولمدة عامين (1673- 1675) اشتغل لوك سكرتيراً لمجلس التجارة والزراعة (المستعمرات) الذي كان يرأسه شافتسبري. وساعده على وضع دستور لكارولينا التي أسسها شافتسبري وكان أكبر ملاك الأرض فيها. ولم تطبق هذه "النظم الأساسية" في المستعمرة بصفة عامة، ولكن حرية الضمير التي تضمنتها هذه النظم لقيت قبولاً حسناً إلى حد كبير لدى المستوطنين الجدد(108).
ولما تخلى شافتسبري عن مهامه السياسية 1675 جال ولك ودرس في فرنسا حيث التقى هناك بفرانسوا برنييه الذي أظهره على فلسفة جاسندي التي وجد فيها رفضاً معقولاً "للأفكار الفطرية" وهي مقارنة عقل الطفل الذي لم يولد باللوح النظيف الخالي من أي شيء، والجملة المأثورة التي نقلت فيما بعد عبر القنال الإنجليزي: "ليس ثمة شيء موجود في العقل إلا كان موجوداً أولاً في الحواس".
وفي 1679 عاد لوك إلى إنجلترا وإلى شافتسبري، ولكن الأرل زج بنفسه أكثر فأكثر في غمار الثورة، فآوى لوك إلى أكسفورد حيث أستأنف الدرس والبحث. وأثار القبض على شافتسبري وهربه من السجن ثم فراره إلى هولندا شبهات الملكيين حول أصدقائه. وانبث الجواسيس في أكسفورد للقبض على لوك متلبساً بما يمكن أن يكون أساساً لتقديمه إلى المحاكمة(109). فلما أحس بالخطر وتنبأ باعتلاء عدوه جيمس الثاني عرش إنجلترا، فإنه كذلك لجأ إلى هولندا (1683). على أن ثورة دوق مونموث القصيرة الأجل التي ماتت في مهدها (1681) استنفرت الملك جيمس الثاني إلى أن يطلب من الحكومة الهولندية تسليم خمسة وثمانين لاجئاً إنجليزياً بتهمة اشتراكهم في المؤامرة لقلب عرش الملك الجديد. وكان من بينهم لوك، فاختبأ وأتخذ اسماً زائفاً. وبعد سنة أرسل إليه جيمس عرضاً بالعفو عنه ولكنه آثر البقاء في هولندا. وأقام في أوترخت وأمستردام وروتردام، حيث لم يستمتع بصداقة الإنجليز اللاجئين فحسب، بل سعد كذلك بصداقة العلماء الهولنديين مثل جين لي كلرك وفيليب فان لمبروخ، وكلاهما من زعماء اللاهوت الإرميني المتحرر. وفي هذا الوسط وجد لوك تشجيعاً كبيراً لآرائه في سيادة الشعب والحرية الدينية. وهناك كتب "بحث في العقل الإنساني"، والمسودات الأولى لأبحاثه في التعليم والتسامح الديني.