وقف على ناصية الشارع يتأمل ركام بيتها .
تجمعت غيوم دموعه وكادت تمطر عيناه .. أبتلع صراخه ، أراد البكاء في أعماقه فقط.
منذ أن ودعها و أهله و حمل سلاحه لا يعلم عنها شيئاً ، أحياناً يصلي أن تكون لاجئة في مكان ما ..
و أحياناً يسرقه الحنين رغماً عنه و يجد نفسه قريباً من بيتها ، يبتسم بألم إذا رأى نوراً يرقص من نافذتها ، جوعه القاسي للإطمئنان عليها يصبح أقل ببضع جرعات .
يصارع نفسه كثيراً كي لا يبحث عن وجهها بين الشهداء دون جدوى ، وفي كل مرة يخرج من بين الجثث ببعض الأمل و الكثير من الخوف و الحنين و الألم ...
ها هو البيت الذي حَـلُما معاً أن يزوره هو و أهله ؛ ذات يوم قريب ؛ قد أصبح ركاماً.
حان وقت الإنسحاب.
يتملكه رعب حقيقي للمرة الأولى لا يعرف ماذا يفعل ؟
يسمع أصوات الطائرات ، صوت رتلاً من دبابات ، طلقات رصاص قريبة واضحة. إلا أصوات رفاقه لا يسمعها ؛ تحوم من حوله و أبداً لا تدخل إلى أذنيه .
يشعر بأنه مغروسٌ في الأرض .
يحاول التقدم ، تشله فكرة أن يراها جثة تحت الركام .
يحاول الإنسحاب ، تقتله فكرة أن يدير ظهره إليها و يركض، تاركاً إياها تحت الحجارة ... وحدها .
" رح نرجع بالليل أو بكرا ، يلا " واساه صديقه و لأول مرة ... يحتضنه .
" وعد و حياة الله رح نرجعلا" و وسط وابل من الدعوات جره من كتفه و أجبره على الإنسحاب ...