بسم الله الرحمن الرحيم
ينتقل القرآن الكريم إلى أدب العطاء، فنجد فيما يخص الموضوع آية واحدة توجه المنفق إلى كيفية العطاء بما يضمن له ثواباً أكثر فيما لو كانت عطيته على النحو الذي بينته الآية الكريمة في قوله تعالى: ﴿إِن تُبْدُواْ الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاء فَهُوَ خَيْرٌ لُّكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنكُم مِّن سَيِّئَاتِكُمْ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾ سورة البقرة:271.
وطبيعي أن يكون العطاء الى المحتاج سراً أفضل من الاعلان به وذلك لأن صدقة السر تحقق أهدافاً ثلاثة بينما صدقة العلن لا تحقق إلا هذفاً وحداً.
أما الأهداف التي تحققها صدقة السر فهي:
أولاً: عطاء من المنفق إلى الفقير وإصَّال خيرٍ له، به يُسدُّ حاجته.
ثانياً: ان صدقة السر بعيدة عن الرياء إذ الرياء إنما يتحقق مع الإظهار والإعلان بالشيء، أما مع الإخفاء فلا معنى للرياء لعدم إطلاع أحد على العطاء غير الفقير، وبذلك تسلم عملية الإنفاق من الشوائب غير المحبوبة.
ثالثاً:إن صدقة السر تحفظ الفقير كرامته، ولا تجرح شعوره إذ الكثير من الناس لا يقبلون أن تهدر كرامتهم ولو كان ذلك من طريق الإحسان إليهم، فلا يريدون أن يعرف عنهم أنهم بحاجة وعَوَز ولذلك قالت عنهم الآية الكريمة: ﴿يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاء مِنَ التَّعَفُّفِ﴾. البقرة:273.
كل هذه المميزات لا نجدها متوفرة في صدقة العلن لأحتمال أن يصاحبها الرياء وفي الوقت نفسه قد يتضايق منها الفقير فيما لو كان غير راغبٍ بأن يفهم الناس عنه بأنه محتاج وفقير ـ هذا هو الفارق بين الصدقتين: صدقةِ السر، وصدقةِ العلن. مضافاً إلى أنه قد وردت أخبار كثيرة في فضل صدقة السر، وأنها تحقق أهدافاً عديدةً: منها: أنها تطفىء غضب الرب، وتطفيء الخطيئة، وتنفي الفقر وتزيد في العمر، وتدفع سبعين ميتةَ سوء، وتدفع سبعين باباً من البلاء. وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وآله قوله: سبعة يظلهم الله يوم لا ظل إلا ظله إلى أن قال: “ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لم تعلم يمينه ما تنفق شماله”.1
وهذا الرجل بهذه النفسية الطيبة يخفي عطاءه حتى لا يعلم به أحد، وهو واحد من السبعة الذين يظلهم الله يومن القيامة، وعطاؤه يطفيء غضب الرب ـ وفي الوقت نفسه ـ محبوب لله. هذا الرجل لماذا نال هذه الدرجات ؟ يأتي الجواب واضحاً بأنه حصل على كل ذلك لأنه ستر أخاه المؤمن، وحفظ له كرامته، ولم يجرح عواطفه. ومن الواضح أن الله يحب الساترين، ويمنحهم الثواب ويجزل لهم العطاء.
وقد سار أئمة أهل البيت عليهم السلام على هذا النهج، فكانوا يخفون عطاءهم فإذا ضرب الليل باجنحته، ولف المدينة بظلامه الدامس قاموا ليتفقدوا البؤساء، والمحتاجين يطرقون أبواب الفقراء ليوصلوا لهم الطعام، والكساء، والنقود.