قال تعالى في كتابه الكريم ((إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ))فاطر: 10..
لابد لكلّ عمل أياً كان صاحاً أم طالحاً أن يكون مبدأه العلم والاعتقاد القلبي، وهذا العمل يتناسب وحجم العلم والاعتقاد به..
لذلك يكون هذا العمل على درجات يتناسب مع درجات ومراتب العلم لدى العامل، فكلّما كان العلم خالصاً لوجهه تعالى وخالياً مما يشوبه من الشوائب كلّما أصبح أكثر قرباً من الله سبحانه وتعالى والعكس بالعكس..
نعود للآية الكريمة أعلاه فنقول بأنّ الكلم الطيب هو ذلك الايمان والاعتقاد الحق الذي يكون في قلب العبد، فكلّما كانت نفس الانسان مطمئنّة مسلّمة لله سبحانه وتعالى كانت أقرب لله تعالى، وهذا القرب هو الذي عبّر عنه تعالى بالصعود اليه وهو تعبير لطيف يناسب المقام، وكما أسلفنا يكون هذا القرب على درجات بقدر خلوص النفس له تعالى وابتعادها عن مغريات الدنيا وحطامها وبذلك تتعدد المراتب والدرجات من شخص الى آخر تبعاً لذلك الخلوص ((يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ))المجادلة: 11..
أما العمل الصالح فقد عبّر عنه سبحانه وتعالى بالرفع، وهذا يعني انّ العامل الصالح يرتفع عن مشتهيات هذه الدنيا وملذاتها وزينتها وزخرفتها، وكلّما كان العمل خالصاً لوجهه تعالى كلّما ارتفع أكثر ورفع بقدره الكلم الطيّب..
لذلك كان من اللازم أن يتناسب العمل مع حجم العلم والاعتقاد القلبي، فكان الصعود والارتفاع بقدر العمل المبذول المخلص، لأنّ ما كان إيماناً وإعتقاداً حقاً كان لابد أن يكون العمل مطابقاً لهما لأنّ العمل فرع العلم، فيكون العمل ناتجاً عن ذلك العلم، فقد جاء في تفسير القمي برواية أبي الجارود، عن أبي جعفر عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: ((إن لكل قول مصداقا من عمل يصدقه أو يكذبه، فإذا قال ابن آدم وصدق قوله بعمله رفع قوله بعمله إلى الله، وإذا قال وخالف عمله قوله، رد قوله على عمله الخبيث وهوي به إلى النار))، وكلّما زاد ذلك العمل وتكرّر كلّما أصبح مترسخاً في النفس فزاد ذلك العلم والاعتقاد إرتفاعاً، فتسمو النفس وتزداد قرباً من العليّ الأعلى، وعلى هذا تكون الكلمة الطيبة والعمل الصالح كالجناحين للمؤمن يحلّق بهما سمواً وارتفاعاً في ساحة القدس الالهية، وكلّما قوي هذان الجناحان كلّما أرتفع أكثر وصار أقرب وأقرب ((وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ))الأنعام: 132..
وقد أشار أكثر المفسرين الى أنّ الفاعل في كلمة (يرفعه) هو العمل الصالح، فيكون الرافع هو العمل الصالح والمرتفع هو الكلم الطيّب..
وهناك أراء أخرى لعلّ أشهرها ثلاثة، الأول ما قدّمناه، والثاني هو عكسه أي انّ الكلم الطيّب هو الرافع والعمل الصالح هو المرفوع، والثالث هو انّ الضمير يعود الى الله سبحانه وتعالى فيكون المعنى هو انّه تعالى هو الذي يرفع العمل..
وما ذكرناه (أي الرأي الأول) هو الأقرب لكونه أسبق الى الذهن..
وقد أشار البعض الى بعض مصاديق هذه الآية الكريمة، وانّ من أوضح وأجلى المصاديق هو ما ورد في روايات أهل البيت (عليهم السلام)..
فقد ورد في:-
الكافي الكليني - (1 / 632)
علي بن محمد وغيره، عن سهل بن زياد، عن يعقوب بن يزيد، عن زياد القندي، عن عمار الاسدي، عن أبي عبدالله عليه السلام في قول الله عزوجل: " إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه " ولايتنا أهل البيت - وأهوى بيده إلى صدره - فمن لم يتولنا لم يرفع الله له عملا..
مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول - العلامة المجلسي - (8 / 101)
قال علي الرضا عليه السلام:" إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ" قول لا إله إلا الله محمد رسول الله علي ولي الله، وخليفة محمد رسول الله حقا وخلفاؤه خلفاء الله" وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ" علمه في قلبه بأن هذا صحيح كما قلته بلساني..
وخير ما نختم به موضوعنا هو ذكر هاتين الآيتين الكريمتين اكمالاً له..
((إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا))الكهف: 30..
((فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا))الكهف: 110..