محمد الصدر(قدس سره)
انه ليشق على التاريخ وهو يمر سريعا بدواليه القاسية التي لا تقف عند حاجز أن يتجاهل صروحا عصية على الزوال أو الاضمحلال. ولئن كان العظماء قد خُلدوا لا نهم اخترعوا الآلات أو التقنيات أو النظريات التي استفادت منها البشرية فائدة جمة,
فحري بمن يصنع الإنسان أو يبعثه من ركامه أو يبث فيه الأمل أن يبقى قبل كُل أولئك , لأن صنع الإنسان أسمى من أي صنع أخر. في مدرسة محمد بن عبد الله وعلي ابن ابي طالب وولدهما "سلام الله عليهم أجمعين"لا مكان للمتوانين او المسوفين الذين تخور عزائمهم عند الشدائد والأزمات. الهمة والثقة بالله مازالا مرتكزين عظيمين لهذه المدرسة الربانية فعلٌوُ محمد محمد صادق الصدر تلميذ معاصر لهذه المدرسة ,ومن قبله أبن عمه محمد باقر الصدر, وقفا أزاء بنيان منهار أتاه الباطل من القواعد فأحاله ركاما. ذلك البنيان هو طغيان العصر صدام في العراق الذي يحضن ثراه جسد علي والحسين وأبنائهم من العترة المطهرة...فلم تثنيه صعوبة المهمة وجسامتها عن إيمانه بضرورة صنع الإنسان وبعثه كما أراده الخالق.: وشاهد على عظمة هذه الشخصية الفذة أحداث غيرة مجرى التاريخ المعاصر في العراق شهدَ لها المبغض قبل المنصف .
وفي ظل تحولات خطيرة وكبيره عاشها العراق وأدخلته في ظروف الحصار والجوع والقمع الداخلي المتزايد ، تصدى الشهيد السيد محمد محمد صادق الصدر للمرجعية ولم يحسب أحد في حينه ان هذه المرجعية ستخلق ظاهرة تحول كبيره وستقود جهدا تغيريا للواقع العراقي وستهز هذا الواقع من جذوره ومن ثم توجد أنماطا جديدة من علاقة المرجع بالسياسة وعلاقته بالسلطة وعلاقة بآلامه وإصلاحا حوزويا واجتماعيا بالشكل الذي حصل
و بالاضافه إلى ذلك تكتشف آليات إصلاح واليات تواصل ومنظومة مفاهيميه لم تكن سائدة و متعارفه ، وتشكل إبداعا ذاتيا وخصوصيات لتجربة مرجعيته، وأضافت الى تجارب الفقيه الشيعي عبر التأريخ الثوري ،
إضافات معرفيه وفقهيه واضحة ، معززه بسلوكية ثوريه ، وخيار "فقهي" استشهادي له خصوصيته ووضوحه ، ولم يكن هذا التوصيف ممكنا لمرجعية الشهيد محمد الصدر إلا بعد تراكم سريع وربما غريب في سرعته لفعالية مرجعيته ميدانيه متسارعه ومتواصلة وشموليه ومتكاملة شقت طريقها وسط صعوبات بالغه ومتاعب جمة وإشكالات واعتراضات عادة ما ترافق المناهج الاصلاحيه المرجعية ، التي تشكل هزات عنيفة لواقع راكد تحول الى مايشبه الثوابت التي لا يمكن الخروج عليها ، خصوصا في بلد مثل العراق حكم إلى نمطيه معينه من علاقة المرجع بالسياسة منذ ثورة العشرين .
بعد هذه المقدمة القصيرة وقبل الخوض في فكره نتطرق إلى شيء من سيرة هذا الرجل العظيم الذي دخل التاريخ من أوسع أبوابه وأبى إلاإن يسجل اسمه في صفحة القديسين والشهداء الذين روت دمائهم شجرة الإسلام المحمدي الأصيل
قراءة ...
عمل السيد محمد الصدر من خلال حركته الإصلاحية على تقديم الحركة الفكرية الإسلامية التحررية بعقل متنور ليصحّ قولنا إنّناجزء منها ، وكان ينظر إلى الشباب المسلم الواعي من خلال دراسته للواقع بحاجة إلى قطاف جديد لشجرة طيبة عرفناها منذ أمدبعيد ؛ وهي متجددة الأغصان بفضل فكر العالم الواقعي والقائد الرسالي,
• السيد محمد محمد صادق الصدر الذي توّج ميزان الفكر الإسلامي بأفكاره المتجددة ومن بعد ذلك بدمه الزاكي ودفع شبهات تشويه المظهر الإسلامي من خلال تقديم الحلول المنطقية للازمات الإنسانية والوقوف بوجه الأفكار المعادية التي اتفقت على ضرب الإسلام في الصميم ، وحارب السيد الشهيد الصدر الفكر المعادي للإسلام من خلال مؤسساته الثلاث المتصدية :___
مؤسسة الحكّام الظلمة المتمثل بصدام ومن لف لفه ؛
ومؤسسة الصليب المتمثلة بأمريكا وحلفائها التي دفعت بالفكر إلى اتجاهات إلحادية؛ وسخّرت الشعوب لصالح تنفيذ غاياتها المتمثلة بمشروع العولمة وتبعية العالم الى أفكارها؛
والمؤسسة اليهودية المتمثلة بإخطبوط الهالة الإعلامية مع حلفائها, التي سعت إلى تشويه الحقائق ومحاربة الإسلام بوسائل شتّى.
لذلك كان الخطاب الرسالي للسيد الصدر من خلال موئلفاته وخطاباته موجهاً إلى الأمة لتوعيتها بخطورة المرحلة ، وكان من خصائص مدرسته الجمع بين المنهج الواقعي المغير والوجدان الإنساني ليحصل الاطمئنان النفسي بالفكر الإصلاحي في ضوء المعطيات البرهانية المتطابقة مع وجدان الأمة ويتمثّل ذلك بنقل رسالة الحوزة الناطقة من مخاطبة الجماهير عن طريق الوكلاء إلى الخطاب المباشر من قبله فضلاً عن المؤلفات في اختصاصات مختلفة وأعلن السيد محمد محمد صادق الصدر أنّ حركته الإصلاحية هي حركة الشباب المسلم الواعي على منهج أبي الأحرار الإمام الحسين بن علي (عليه السلام)
• ورأى أنّ تغيير للواقع الظالم لا يتمّ إلّا من خلال الشعوب وتوعيتها لواقعها المعاش , والتغيير عنده لا يعني استعارة النموذج الغربي وإنّما هي إعطاء دور للإسلام المتحضر في قيادة الأمة والثورة على الطواغيت والنفعين حتى الإسلاميين منهم ورفض التعامل معهم وتوجيه النصح لهم , وتوجبه الأمة والنصح لها.
• وقد عبر السيد الشهيد بهذا الخصوص ((وانما امشوا على النظام لكي تحصلوا على النتائج، وإذا مشينا بهذا الممشى فنعرف أن الجواب ليس خاصاً بالحواريين، وانما طبعاً عام لكل الناس لكل الخلق بمعنى من المعاني أو لكل البشر أو لكل الأجيال لا أقل، انه لا تحصلون على الموائد الخاصة إلاّ بالتقوى، ولن تحصلوا على التقوى إلا بالأيمان، وهذا ينبغي أن يكون صحيحاً، ولن تحصلوا على الأيمان إلاّ بالإسلام، وهذا أيضا ينبغي أن يكون صحيحاً وليس أكثر من ذلك.))(1)
• أمّا التجديد في البحث الفقهي فقد أخرج السيد الصدر مكنونات العبادات ونزل بها الى الشارع والواقع المعاش وجعلها محركيتاً ومفتاحاً لتقويم السلوك الاجتماعي والديني للأُمة لأنّ طريق الحلال بيّن وطريق الحرام بيّن؛فأراد أن تتجنب الناس العمل بالاستثناءات دفعاً للشبهات.وذكر السيد الشهيد في هذا الامر((أولا: العبادة الشخصية, وهذا موجود طبعا لكل واحد منا على مستوى الواجبات, وعلى مستوى المستحبات, وعلى مستوى المكروهات, سنقول إن المحرمات كلها توصلية على العين والرأس, ولكنها مع ذلك إن تركت قربة الى الله, أيضا هي عبادة, وإذا كانت المسألة اكثر طبعا, القدم الآخر إننا نجعل أعمالنا بنية, كما في الرواية , الرسول يقول لأبي ذر : (اجعل كل عملك بنية), أي قربة الى الله سبحانه وتعالى حتى الأكل وشرب الماء, مثلا زيارة الصديق إذا كانت ليست بنية توقف, لا حاجة الى العمل الذي ليس بنية, لأنه فيه طلب للدنيا, كله بنية وإلا فلا, أو انه من قبيل الدقة الأخرى انه (إذا كنت لا ترى الله فهو يراك), فأنت دائما باستمرار اذكر الله بهذا المعنى, ( فان لم تكن تراه فهو يراك ) وهو فوقك ومسيطر عليك ومدبر لأمرك... الخ، إن لم تكن تخاف جهنم، ربما جملة منهم يثقون بطاعاتهم على العين والرأس، ولكنه (تنافسوا في درجات الجنان) يوجد بها رواية انه : (كلكم في الجنة، ولكن تنافسوا في درجاتها) فهل واحد منا يتنافس في درجات الجنان، وهل أن درجات الجنان تنال بهذا الذي نحن فيه حاشا لله هذا ليس عدلاً، ربما رحمة بدون استحقاق جل جلاله ممكن أن يعطيها، إما الاستحقاق غير موجود, الا أن نغير من أنفسنا تغييراً جذريا بطبيعة الحال.
والقدم الآخر في العبادة هذا أيضا موجود ما مضمونه: انه اجعل الباطن والظاهر كله مكرساً لله, حتى أفكارك مكرسة لله, وحتى قلبك وحبك وبغضك وكراهتك وميلك كله مكرسا لله سبحانه وتعالى, فهل سيد محمد الصدر وزيد وعبيد هكذا، أو لا طبعاً يكونون من المتقين ((وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ))[1]، أما إذا لم يكن متقياًَ فليس له عاقبة, طبعاً أنا معبر بهذا التعبير أكثر من مرة انه يغسل بالحمام الحار, ثم يدخل الى الجنة حتى ينظف, لا يجوز أن يدخل الجنة وسخا, فهل يرضى واحد منا أو غيرنا أن يدخل في جهنم مقدمة للجنة كأنما خلةٌ في عقله, أو قصور في تفكيره أكيدا, مضافا الى انه لا يتحمل من جهنم ولا طرفة عين, يستغيث ولا يغاث على كل حال.))
وأيضا هذا مايطلبه السيد الصدر من المسئول في أي موقع كان ليقرر بمسؤولية وضمير حي؛على وفق نظرة كُلية للواقع بلا تجزيء واختيار الطريقة المناسبة من الواقع المعاش للاستدلال في أيّ موضوع؛
ويرى أنّ على أي مسؤل أن يقرأ الواقع المعاش بمعزل عن ت التأثيراث والمصالح لأي جهة كانت كما هو بدء بحركته الإصلاحية , ليُكوّن فكراً ورأياً واضحاً يتخذ من خلاله قراراً لا يُضيّع به المستضعفين والمظلومين،
• وفد ذكر في هذا الجانب بقوله (قدس سره)(( فمن هذه الناحية طبعاً مسؤولية الطالب ــ أي سائل حرمان السائل هلاك: (إذا صدق السائل هلك المسئول) بما فيهم الأصناف والحصص كلها, إذا صدق السائل وحرمته, أي حرمته من حاجته الحقيقية, إما أن تطرده بهذا الشكل, وإما لا أن تعطيه خزفا بدل المال ــ بالرمز ــ أن تعطيه باطلا بدل الحق أيضا حرمته, حقه أن تقربه الى الله نفسيا أو عقليا أو علميا أو أي شيء, فأنت أبعدته عن الله من حيث تعلم, (بَلِ الإِنسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ )[ ] حينئذٍ تكون قد غششته, ما هو الفرق بين خلط الحليب بالماء !, أو خلط الحق بالباطل!, أو خلط العلم بالجهل!, نفس الشيء, بل هذا أقذر بملايين المرات (حبيبي).
من ذاك الطرف يقال : (لان يهدي الله ــ طبعاً هو صحيح يقال ــ لان يهدي الله بك رجلاً واحداً خير مما طلعت عليه الشمس, أو خير لك من حمر النعم)[ ] كيف؟ إنه أعطيته الحق, أو أقصى ما تعرف من الحق جزاك الله خيراً. أنا لا أقول: انه يمكن للإنسان أن يعطي اكثر من مستواه لا، ما ممكن ، لكنه الموجود عندك أعطيته، الفقير يعطي درهماً والغني يعطي مليون درهماً (كل واحد ومدت أيده)[ ].
هذا أيضا عقلياً ومالياً واجتماعياً أيضا بهذا الشكل, ومن الطرف الآخر يقال ماذا ؟ (لان يُضِّل الله بك رجلا واحدا) ذاك يهدي الله هذا يضل, فماذا تكون النتيجة؟ طبعا هي الحكمة لا تقول شيئا هنا لكنه تحذر طبعا بها (جرت حبل)[ ].
والإضلال دقي, كما أن الشرك دقي, قد يكون حتى في مرحلة كفاية الأصول, قد يكون حتى في مرحلة المكاسب, قد يكون حتى في فروع الدين, قد يكون حتى في أصول الدين, قد يكون حتى في المفاهيم الحوزوية, أو المفاهيم الاجتماعية, أي شيء إضلال ولو قليل.))(6)