[IMG]file:///C:\Users\ali\AppData\Local\Temp\msohtmlclip1\01\cl ip_image002.png[/IMG]


عن الرسول الاعظم(ص)إن جبرائيل, الروح الأمين , نزل علي من عند ربي العالمين , فقال:
[IMG]file:///C:\Users\ali\AppData\Local\Temp\msohtmlclip1\01\cl ip_image006.gif[/IMG](( يَا مُحمدٌّ ! عليك بحسن الخلق , فإن سوء الخلق يذهب بخير الدنيا والاخرة ))((كتاب أمالي الصدوق ,عن الامام علي ابن موسى الرضا (ع) )) أوحى الله تبارك وتعالى الى بعض انبيائه: ((الخلق الحسن يذيب الخطيئة, كما تذيب الشمس الجليد))(( كتابالكافيللكلينيعن الامام جعفر ابن محمد الصادق(ص)) ((الخلق السيء يفسد العمل , كما يفسد الخل العسل,))(( كتابالكافيللكليني عن جعفر ابن محمد الصادق (ع) )) الرسول و مناقبه:____________________ لقد عنيت كتبالحديث والسيرة النبوية وكذلك الدراسات التاريخية الإسلامية ، بشمائل الرسولومناقبه ، ودرست بالتفصيل عاداته بل عمله اليومي ، ومنها ما أفردت لها فصولاًوأقساماً للتحدث عن مناقبه ، أو وضعت كتب مستقلة تناولت فيها عرف باسم الشمائلالمحمدية . . وكانت بدورها مجالاً للباحثين الغربيين والمستشرقين في دراساتهم ذلكالجانب الخلقي والخلقي للرسول. .
ويتحدث المستشرق ديسون عن اهتمامالباحثين الإسلاميين في سيرة الرسول ، يقول))ولقد راح الكتابالمسلمون يصفون نبيهم فما تركوا ناحية من صفاته وأخلاقه إلا عرفوا بها وأشارواإليها ))ديسون : نقلا عن كتاب الإسلام دين و عقيدة ، ص41 كان خلقه القران:______________________________ كانت سيرة الرسول وأخلاقهالكريمة ، تعكس واقع التزامه العقيدي ، فكان " خلقه القرآن " حسب قول أم المؤمنينالسيدة عائشة وهذا ما يؤكد مدى التطابق ما بين سيرته الحياتية وسلوكه مع مفاهيمالشريعة الإسلامية السصحة التي حملها للبشرية ، ولقد بحث المفكر الإسلامي مولانامحمد علي هذه القضية فقال :
))
كانت حياته اليومية صورة صادقةللتعاليم القرآنية ، لقد كان هو تجسيداً، إذا جاز التعبير ، لكل ما أوصى القرآنالكريم به . وكما أن كتاب الله دستور أخلاق سامية لإنماء ملكات الإنسان المتعددة ،كذلك فإن حياة الرسول معرض عملي لتلك الأخلاق كلها . وهكذا فإن لدى المسلم هادياًمن مزدوجاً : القرآن الكريم من الناحية النظرية ، وحياة الرسول كمثل كامل ))مولانا محمدعلي : حياة محمد و رسالته ، الرسول هو القدوة الحسنة والمثل الأعلىكان عليه الصلاةوالسلام في سائر مراحل حياته القدوة الإنسانية والمثل الأعلى والنموذج الأمثلللكمال ، لكل مسلم ، بل منبع الهداية للبشرية جمعاء ، فسيد المرسلين خلقه العظيمإمام البشر والمعلم الأول والقدوة الحسنة ، وقد جاء في القرآن الكريم : ) لقد كانلكم في رسول الله أسوة حسنة ( الأحزاب /21) وعند هذه النقطة يقول الكاتب الفرنسيالكسندر دوما))كان محمد معجزة الشرق لما في دينه من معالم ، وفيأخلاقه من سمو ، وفي صفاته من محامد(( .
فالرسول هو القدوةالأخلاقية الحسنة ، وهو القائل عن صدق : " إنما بعثت لأتهم مكارم الأخلاق " وكانطبيعياً أن تكون سيرته _عليه السلام _ كاملة ناصعة نقية ، معصومة عن الآثام . . . هذا . . ولقد رأى المفكر الإنكليزية جون أروكس بعصمة الرسول معياراً لعظمته ، يقول :))لم نعلم ان محمداً تسربل بأية رذيلة مدة حياته لذلك نراهعظيماً))جون أروكس : عظماء التاريخ ،ص 83.

الجدية والبعد عن العبث واللهو:____________________ لقد كانت السمةالأساسية في أخلاق الرسول الجدية والابتعاد عن اللهو والعبث ، في سائر مراحل حياته،. . . إذ لا يمكن أن يتم نشر رسالة الإسلام إلاً في إطار سيرة عملية جادة ، يقولتوماس كارليل : وما كان محمد بعابث قط ، ولا شاب شيئاً من قولهشائبة لعب ولهو . بل كان الأمر عنده أمر خسران وفلاح ، ومسألة فناء وبقاء . ولم يكمنه إزاءها إلا الإخلاص الشديد والجد المر . فأما التلاعب بالأقوال والقضاياالمنطقية والعبث بالحقائق فما كان من شأنه قط . وذلك عندي أفظع الجرائم إذ ليس هوإلا رقدة القلب ، ووسن العين عن الحق ، وعيشة المرء في مظاهر كاذبة ، وليس كل ما يستنكر من مثل هذا الإنسان هو أن جميع أقواله وأعماله أكاذيب ، بل إنه هو نفسهأكذوبة . ورأى خصلة المروءة والشرف _شعاع الله_ متضائلاً في مثل ذلك الرجل ،مضطرباً بين عوامل الحياة والموت ، فهو رجل كاذب. لا أنكر أنه مصقول اللسان ، مهذبحواشي الكلام ، محترم في بعض الأزمان والأمكنة ، لا تؤذيك بادرته ، لين المس رقيقالملمس ، كحمض الكربون تراه على لطفه سما نقيعاً ، وموتاً ذريعاً ))توماس كارليل : الابطال ،
براءةطبعه:_______________________ لقد اتسمت بساطة الخلق المحمدي ، في سائر مراحل حياتهبابتعاده عن الرياء والتصنع ، يعرف تماماً حق قدره ، فكان عظيماً في وقفته الشجاعة، وإرادته الصلبة ، وعزمه الذي لا يلين ، ماضياً أبداً إلى ما أرسل إليه . . . يقولتوماسكارليل :
((وإني لأحب محمداً لبراءة طبعه من الرياء والتصنع . ولقد كان ابن القفار هذا رجلاً مستقل الرأي ، لا يعول إلا على نفسه ، لا يدعي ماليس فيه . ولم يك متكبراً ، ولكنه لم يكن ذليلاً ضرعاً . فهو قائم في ثوبه المرقعكما أوجده الله وكما أراد . يخاطب بقوله الحر المبين قياصرة الروم وأكاسرة العجم ،يرشدهم إلى ما يجب عليهم لهذه الحياة وللحياة الآخرة . وكان يعرف لنفسه قدرها))المصدر السابق ، ص 85. كرم الأخلاق و حسن العشرة و صحة الحكم:___________ إن سجايا الرسولوأخلاقه التي كانت محط اهتمام الباحثين الإسلاميين ، استأثرت بدورها باهتمامالمستشرقين . يقول أستاذ اللغات الشرقية في جامعة جنيف المستشرق إدوار مونتيه ( 1856 _1927 ) في كتابه :" حاضر الإسلام ومستقبله " ، بأحثاً جماع خصاله وجميلسجاياه ونزاهة مقاصده وصحة أحكامه وطبيعته الدينية كمصلح عظيم يدهش الفكر ، ويثيرمكامن الإعجاب ، يقول مونتيه)) أما محمد فكان كريم الأخلاق حسنالعشرة ، عذب الحديث ، صحيح الحكم ، صادق اللفظ ، وقد كانت الصفة الغالبة عليه هيصحة الحكم ، وصراحة اللفظ ، والاقتناع التام بما يقبله ويقوله ، إن طبيعة محمدالدينية تدهش كل باحث مدقق نزيه القصد ، بما يتجلى فيها من شدة الإخلاص ، فقد كانمحمد مصلحاً دينياً ، ذا عقيدة راسخة ولم ينهض - إلا بعد أن تأمل كثيرا ، وبلغ سنالكمال _ بهاتيك الدعوة العظيمة ، التي جعلته من أسطع أنوار الإنسانية ، وهو فيقتاله الشرك والعادات القبيحة التي كانت عند أباء زمنه ، كان في بلاد العرب أشبهبنبي من أنبياء بي إسرائيل الذين كانوا كبارا جدا في تاريخ قومهم ، ولقد جهل كثيرمن الناس محمداً بخسوه حقه ، وذلك لأنه من المصلحين الذين عرف الناس أطوار حياتهمبدقائقها))مونتيه ، (حاضر الاسلام ومستقبله(.
البساطة في حياة الرسول:_________________________
هذا ، وقد درسمولانا محمد على أخلاق الرسول وعاداته ، فألف البساطة والإخلاص قوام الخلق المحمدي، إذ أحب عليه السلام الفضيلة لذاتها ، وكانت لديه أخلاق سامية فطرية صميمة غيرمكتسبة ، وليس أدل على رفيع خصاله من نهجه الحياتي في تنفيذ أعماله بيده ، بعيداًعن التكلف والرياء ، يتسم كل ما قام به من أعمال وحركات ، وكذلك طريقة حياته ولباسهوعاداته بالبساطة . . .
وكانت تلك البساطة منسجمة مع طبعه الهاديالمفكر ، وهذا ما استدعى انتباه المؤرخ والمستشرق الأمريكي أورينج فقال في كتابه : "الحياة و الإسلام " :
((
كان النبي الأخير بسيطاً خلوقاً ومفكراًعظيماً ذا آراء عالية ، وإن أحاديثه القصيرة جميلة ذات معان كبيرة ، فهو إذاً مقدسكريم ))أورينج : الحياة و الاسلام. القناعة و الرضى و مسألة الشهرة:___________________
إذ حقيقة حياةالرسول ، وبساطة طبعه وسلوكه ، إذ دلت على شيء ، فعل تلك القاعة التي هي أقرب للزهدوالتقشف ، ابتعاداً عن أجواء الشهرة والجاه والسلطان التي غالباً ما تكوك وراء طموحعظماء التاريخ . . غير أن الرسول محمداً ما كان البتة بطامع بجاه ولا سلطان ، وإنماهدفه الأول والأخير نشر الدعوة الإسلامية وإعلاء كلمة الله ، فكان أن ترك الحياةالوادعة ، وعاش حياة كفاحية مريرة قاسية عرف فيها شظف العيش وقسوة الحاجة ، ولقد ردالمستشرق الإنكليزي صاحب كتاب : "الأبطال " على أولك الذين جهدوا في اتهام الرسول _عليه السلام _ بالمطامع الدنيوية التي كانت وراء دعوته ، فقال :
))
ويزعم المتعصبون والملحدون أن محمداً لم يكن يريد بقيامه إلاالشهرة الشخصية ومفاخر الجاه والسلطان . كلا و أيم الله ، لقد كان في فؤاد ذلكالرجل الكبير ابن القفار والفلوات ، المتوقد المقلتين ، العظيم النفس ، المملوءرحمة وخيراً وحناناً وبراً وحكمة وحجى وإربه ونهى ، أفكار غير الطمع الدنيوي ،ونوايا خلاف طلب السلطة والجاه ... ولحيف و تلك نفس صامتة كبيرة ، ورجل من الذين لايمكنهم إلا أن يكونوا مخلصين جادين . فينما ترى آخرين يرضون بالإصلاحات الكاذبةويسيرون طبق الاعتبارات الباطلة، إذ ترى محمداً لم يرض أن يتلفع بمألوف الأكاذيبويتوشح بمتبع الأباطيل ، لقد كان منفرداً بنفسه العظيمة بحقائق الأمور والكائنات ((.توماسكارليل : الأبطال ، ص 68-69.
الزهد و التقشف و الابتعاد عن الشهوات:_____________
فالخلقالمحمدي الذي هو خلق القرآن . يحيد عن العقيدة الإسلامية .. ولقد رد كارليلعلىأولك المتعصبين الحاقدين من المستشرقين الذين اتهموا الإسلام ورسول الإسلامبالشهوانية ، فالإسلام برأيه دين ينأى عن الشهوانية ، أما سيرة حياة الرسول التياتسمت بالبساطة والزهد والتقشف ، فأبعد من أن تخفى على باحث ، يقول :((وما كان محمد أخا شهوات برغم ما اتهم به ظلماً وعدواناً ، وشدما نجور ونخطيء إذا حسبناه رجلاً شهوياً ، لا هم له إلا قضاء مآربه من الملاذ، كلافما أبعد ما كان بينه وبين الملاذ أياً كانت ، لقد كان زاهداً متقشفاً في مسكنهومأكله ومشربه وملبسه وسائر أموره وأحواله ، وكان طعامه عادة الخبز والماء ، وربماتتابعت الشهور ولم توقد بداره نار ، وإنهم ليذكرون _ونعم ما يذكرون _ أنه كان يصلحثوبهويرفوه بيده ، فهل بعد ذلك مكرمة ومفخرة ؟ فحبذا محمد من رجل خشن اللباس خشنالطعام ، مجتهد في الله ، قائم النهار ساهر الليل ، دائب في نشر دين الله ، غيرطامح إلى ما يطمح إليه أصاغر الرجال من رتبة أو دولة أو سلطان ، غير متطلع إلى ذكرأو شهرة كيفما كانت ، رجل عظيم وربكم ، وإلا فما كان ملاقياً من أولئك العرب الغلاظتوقيراً واحتراماً ، وإكباراً وإعظاماً ، وما كان ممكنا أن يقودهم ويعاشرهم معظمأوقاته ثلاثاً وعشرين حجة ، وهم ملتفون به ، يقاتلون بين يديه ، ويجاهدون حوله ،لقد كان في هؤلاء العرب جفاء وغلظة وبادرة وعجرفة ، وكانوا حماة الانوف ، أباةللضيم ، وعري المقادة صعاب الشكيمة ، فمن قدر على رياضتهم وتذليل جانبهم حتى رضخواله واستقادوا ، فذلك وأيم الله بطل كبير ولولا ما أبصروا فيه من آيات النبل والفضللما خضعوا له ولا أذعنوا ، وكيف وقد كانوا أطوع له من بنانه ، وظني أنه لو كان أتيحلهم بدل محمد قيصر من القياصرة بتاجه وصولجانه لما كان مصيباً من طاعتهم مقدار ماناله محمد في ثوبه المرقع بيده ، فكذلك تكون العظمة ، وهكذا يكون الابطال )) توماس كارليل : الأبطال ، ص 83-84.
الرسول و المرأة:_________________________
هذا ، و قد حاولت الأقلام الاستشراقيةالمغرضة أن تنفث سمومها في رسول الإسلام حين ألصقت فيه تهمة الشهوانية وتهالكه علىالنساء . . يقول مونتجمري وات في كتاب محمد فيالمدينة))وهناك اتهام أوروبي مسيحي لمحمد بأنه شهواني أو أنه ، بلغة القرن السابع عشر ،الفظة « فحاش مسن » غير أن هذه التهمة تسقط إذا فحصناها على ضوء الأفكار السائدة فيعصر محمد . كان الفكر الإسلامي في أول ظهور الإسلام يميل إلى تضخيم شخصية النبيورفعها فوق مستوى البشر ، ويوجد حديث يقول ( إن محمداً قد أعطي من قوة الرجولة مايجعله يستطيع أن يقسم ليلته بين جميع نسائه ) .ولا شك أننا هنابصدد حديث موضوع لان الحديث العادي يقول بأن محمداً كان يخصص ليلة لكل واحدة مننسائه ،ونستطيع على كل حال أن نحكم من وراء ذلك على موقف بعض أتباع محمد منه . كانالمسلمون الاول سيئي الظن بالعزوبية ، وكانوا يعارضونها في كل مناسبة حتى الزهاد فيالإسلام كانوا عادة متزوجين ))مونتجمري وات : محمد في المدينة.

.هذا ، ويرد إميل درمنغهمعلىهجوم المستشرقين الذين يتناولون حياة الرسول الخاصة ، وعابوا عليه تعدد زوجاتهوشبقه الجنسي ، يقول :((وإن بعضهم يعيب محمداً في كثرة ميله إلىالنساء ، فإنه مما لا مشاحة فيه ، أن محمداً لم يكن شرهاً ولا فخوراً ولامتعصباًولامنقاداً للمطامع ، بل كان حليماً رقيق القلب عظيم الانسانية ))اميل درمنغهم : حياة محمد ، ص 183. ويناقش الباحث الفرنسي- المستشرق إتيين دينيه في كتابه : " محمدرسول الله " من يعيب على الرسول حبه النساء ، بقولهJ))كان محمديحب النساء ، وقد عاب عليه الكثير من الأعداء ذلك . وحقاً كان محمد رجلاً بكل ما فيالكلمة من معان خلقية ومادية ، ورجولته امتازت بالعفة التي لا تتعارض مع أسباباللذة البريئة المجردة من الدنس ، وعلى منواله سلك العرب الذين يمتازون حتى أيامناهذه بالعفة والحياء الخاليتين من كل تكلف ورياء ، لا كحياء المغالين في الدينوعفتهم المصطنعة المدعاةوإذا كان محمد قد عقد على ثلاث وعشرينزوجة فإنه لم يتصل إلا باثنتي عشرة منهن . أما الأخريات فتزوجهن لأسباب سياسية محضة، إذ كانت كل القبائل ترغب في شرف مصاهرته . وقد كثرت عليه الطلبات في شأن ذلكويروى أن عزة أخت دحية الكلبي ماتت من شدة الفرحة عندما نبئت أن الرسول قبل الزواجبها وقد كان الرسول يعطف على النساء جميعاً وحاول في كل مناسبة أنصافهن . فحرم أولما حرم وأد البنات ، تلك العادة القبيحة القاسية التي تحدثنا عنها فيها سبق . ثموضعحداً لتعدد الزوجات ، فجعل العدد الأقصى منهن أربعاً ، وزاد على ذلك أن نصحالمؤمنين بالتفكير في الآية : } . . . فانكحوا ما طاب لكم من النساء ، مثنى و ثلاثورباع ، فإن خفتم ألاً تعدلوا فواحدة.{ومن أحاديثه : « أبغضالحلال إلى الله الطلاق » . . . وأتبع ذلك بأن منح المرأة حق المطالبة بالطلاق إنلم يوف الرجل بوجباته الزوجية ))اتيين دينيه : محمد رسول الله ، 328-329. ))وبفضل تشريعاته الحكيمةأصبحت البنت البالغ تستشار قبل زواجها ، وأصبح المهر لا يعطى للأب بل للعروس نفسها، وقد وصف أعداء الإسلام تلك السنة الحكيمة بأنها : " شراء للمرأة " . وهم لميسمعوا ، فيها أظن ، ذلك الجواب المفعم الذي يمكن أن يرد به المسلمون عليهم حينايقولون لهم : إن المهر في بعض الأقطار الغربية يدفعه والد البنت إلى رجلها ! . . . وفوق ذلك ، فالمسلم مكلف بسائر حاجات البيت دون أن يكون له أي حق في التصرف في مالامرأته.
ومنح الرسول المرأة كذلك حق في الميراث- . وحقها به : نصفحق الذكر ، وذلك لأن المرأة لا تدفع مهراً كالرجل وليس مكلفاً بحاجات البيت )) اتيين دينيه : كتاب محمد رسول الله ، ص328-
ومن جهته ناقش العقاد في كتابه « عبقرية محمد » آراء المستشرقينفيها خص علاقة الرسول بالمرأة ، وفند مزاعمهم عن انسياقه وراء رغباته الجنسيةونزواته . . فالرسول برأيه هو أولا يقيم علاقات طبيعية مع المرأة وثانياً هو طبيعيبحبه المرأة يقول :
))
ونحن قبل كل شيء لا نرى ضيراً على الرجلالعظيم أن يحب المرأة ويشعر بمتعتها ، هذا سواء في الفطرة _ لا عيب فيه ، وهذهالنفس السوية يمكننا أن نفهمها بجلاء حين نرى أن المرأة لم تشغله عما تشغل المرأةالرجل المفرط في معرفة النساء عن مهام الأمور والقيام بالأعباء الجسام . . فمهماقال هؤلاء فلن يستطيعوا أن ينكروا أن محمداً قد حقق ما لم يحققه بشر قبله ولا بعده، لم يشغله عن هذا شيء ، لا امرأة ولا غير امرأة ، فإن كانت عظمة الرجل قد أتاحت لهأن يعطي الدعوة حقها ، ويعطي المرأة حقها ، فالعظمة رجحان وليست بنقص ، وهذاالأستيفاء السليم كمال وليس بعيب ))عباس محمود العقاد : كتاب عبقرية محمد ،
ودلت الدراسات المنصفةعن حياة الرسول أن زواجه من نسائه كان بعيداً عن الاستلام للنزوات الجنسيةوالانغماس باللذة ، على عكس ما ذهب إليه المستشرقون المغرضون يقول العقادJ))قال لنا بعض المستشرقين إن تسع زوجات لدليل على فرط الميولالجنسية ، قلنا إنك لا تصف السيد المسيح بأنه قاصر الجنسية لانه لم يتزوج قط . فلاينبغي أن تصف محمداً بأنه مفرط الجنسية لأنه جمع بين تسع نساء ))عن المصدر السابق ، ص 156 وإلى جانب الناحية الاجتماعية الأخلاقية ، كانت ، سياسية في زواجهيقول مولانا محمد على :((م إن بعض الأسباب السياسية أفضت أيضاًإلى زواج الرسول من بعض نسائه . فزواجه من جويرية مثلاً كان نعمة عظمى على قومها . إنه لم يضع حداً لعداوة بني المصطلق المريرة فحسب ، ولكنه شدهم إلى المسلمين برباطمن الصداقة قوي أيضاً ، وفوق هذا ، فقد كان من النتائج المباشرة لذلك الزواج إطلاقسراح مئات الأسرى من أبناء تلك القبيلة . فهل كان غرضه من هذا الزواج شيئاً آخر غيرالغرض الديني ؟ وكذلك كان اليهود ألد أعداء الإسلام في بلاد العرب . وقد حاولالرسول أن يتألف قلوبهم أيضا من طريق البناء بامرأة من نبيلاتهم . ولكن حقد اليهودأثبت هذه المرة أنه أقوى من أن يتأثر بإجراءات الرسول الاسترضائية ، لقد أصروا علىعداوتهم ، ولم يكنوا في أيما يوم عن إنزال الأذى بالإسلام . ومع ذلك فقد بذل الرسولقصارى جهده لتألفهم . وكانت ميمونة أرملة أيضاً ، وكانت تنتسب إلى قبيلة معادية ،برغم أن الظروف التي قادت إلى زواجها من الرسول كانت مختلفة بعض الشيء ، . كانتأختها قد تزوجت العباس ، عم الرسول ، ومن هنا لم تكد تعرض على الرسول الزواج منهاحتى وجد نفسه غير قادر على الرفض ، )) مولانا محمد علي .. حياة محمد و رسالته ،

بل إن زواج الرسول من رملة بنتأبى سفيان _حسب رأي العقاد_ كان إنسانياً سياسياً ، فقد تم بدافع النجدة الإنسانية .. والأمل في أن يكسب أبا سفيان إلى صفه " عسى أن يهديه ذلك إلى الدين" . و بمايعطف في قلبه و يرضي من كبريائه))عباس محمودالعقاد : عبقرية محمد وكتب المفكر المصري واصفباشا بطرس غالي ، في مؤلفه : " فروسية العرب المتوارثة" رداً على افتراءات بيرونضدالرسول و تعصبه الفاضح :
((
كان محمد يحب النساء ويفهمهن ، وقل عملجهد طاقته . لتحريرهن ، وربما كان ذلك بالقدوة الحسنة التي استنها إضافة للقواعدوالتعاليم التي وضعها ، وهو يعد بحق منأكبر أنصار المرأة ، إن لم يكن عظيمالاحترام والتكريم لهن ، لم يكن ذلك خاصاً منه بزوجاته ، بل كان ذلك شأنه مع جميعالنساء على السواء )) واصف باشا بطرس غالي : فروسيةالعرب المتوارثة. ويخلص مولانا محمد علي إلى توضيح أنتعدد الزوجات في الإسلام استثناء للقاعدة ، وليس قاعدة ثابتة ، هدفها إصلاح المجتمع، وصون الأخلاق ، وأن زواج الرسول بأكثر من واحدة جاء انسجاماً مع رسالة حياتهالأخلاقية والدينية)):ومن هنا نرى أن زيجات الرسول كلها كانتتستهدف غرضاً أخلاقياً باطناً . فقد نشأت في حياته ظروف لم يكن في ميسوره تجاهلها،انسجاماً منه مع رسالة حياته الأخلاقية والدينية ، أن يقصر نفسه على زوجة واحدة ،لقد كان خير البشرية مرهوناً بسلوك هذه السبيل ، فلم يحجم عن سلوكها . وإنما قضزهرة حياته ، بل القسم الأعظم من كهولته ، في كنف امرأة مفردة ، مظهراً بذلك أنالزواج من واحدة هو القاعدة في الأحوال السوية . حتى إذا تهدد الخطر طهارة النساءوعفافهن ، ومس الأمر وضعهن الاجتماعي، لم يتقاعس عن الأخذ بالبديل الأوحد _أعنيتعدد الزوجات _ ولكن علينا أن لا ننسى أن ذلك كان مجرد استثناء للقاعدة قصد بهمواجهة حالات شاذة ، وليس القاعدة نفسها ))مولانا محمد علي : حياة محمد و رسالته ،
ومن هنا ، نجد أنالتهم الاستشراقية التي تلصق بالرسول الشهوانية ، تتهاوى أمام النقد ، وتتساقط أمامالحقائق التاريخية . . بل إن رسالة الإسلام كانت خيراً للمرأة إذ جعلتها صنواًللرجل ، وعماداً للأسرة ، وأعطتا الحقوق القانونية والاقتصادية وعززت مكانتهاالاجتماعية . . فرسالة الإسلام العالمية التي حملت الخير ، وحققت العدالة والمساواةلأبناء المجتمع الواحد ، والإخاء بين الشعوب المختلفة حري بها أن تكون حاملة الخيروالعدل للمرأة ، وعملت على المحافظة على عفتها ، يقول الباحث والروائي الألمانيويلكي كولنز ، في كتابه : « جوهرة القمر » :لقد جاء محمد بصيانةالنساء وحثهن على العفاف ، وحذر من السير على خلافهما ، مشيراً إلى ما في هذين منالنقص والخسة ، وكم لمثل هذا من نظير في شريعته السامية ))ويلكي كولنز : جوهرة القمر نكرانذاته:____________________________ وكان الرسول في سيرته الحياتية معروفاً بنكران الذات ، وتضحيتهبثروته في سبيل العقيدة ، يقول المؤرخ الأمريكي واشنطونإرفنج:
كان الرسول في كل تصرفاته ناكراً ذاته ، رحيماً بعيداً عنالكبير في الثراء والمصالح المادية ، فقد ضحى بالماديات في سبيل الروحانيات.واشنطونارفنج : نقلا عن كتاب روح الدين الاسلامي ، ص 438)).وما أرسلناك إلاً رحمة للعالمين))
إن الخلق المحمدي الذيهو خلق القرآن ، قد طبع بالرحمة والطيبة ، لا سيما وأن الله بعثه لينقذ البشرية منضلالها ، ويكون هاديها إلى خير سبيل ، حاملاً لها الرحمة والخير . . . يقولالمستشرقالأسباني جان ليك ( 1822-1897) في كتابه : " العرب " مؤكداً هذه الحقيقة :
وحياة محمد التاريخية لا يمكن أن توصف بأحسن مما وصفها الله نفسهبألفاظ قليلة ، بين بها سبب بعث النبي (محمد) )وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ( .
وقد برهن بنفسه على أن لديه أعظم الرحمات لكل ضعيف ، ولكل محتاجإلى المساعدة ، كان محمد رحمة حقيقة لليتامى والفقراء وابن السبيل والمنكوبينوالضعفاء والعمال وأصحاب الكد والعناء ، وإني بلهفة وشوق لأن أصلى عليه وعلى أتباعه((.جان ليك : العرب ،
رقته و سماحة طبعه:____________________________ وإلى جانب بساطته وزهده وبعده عنالشهوات كان _عليه الصلاة والسلام _ء رقيق مع الآخرين يعامل أصدقاءه باحترام وتقدير، مع لين عريكة وسهولة جانب ، ولطف ودماثة هي ملازمة لبطولته وشجاعته وكريم أخلاقهالتي لا تعرف التصنع ولا التكلف ، تلك الصفات التي اعترف بها الأعداء قبل الأصدقاء . يقول المستشرق البريطاني لين بول ( 1652 _17 19 ) في مؤلفه : "رسالة في تاريخالعرب " متحدثاً عن سجايا الخلق المحمدي:((إن محمداً كان يتصفبكثير من الصفات كاللطف والشجاعة ، وكرم الأخلاق ، حتى إن الإنسان لا يستطيع أنيحكم عليه دون أن يتأثر بما تطبعه هذه الصفات في نفسه ، ودون أن يكون هذا الحكمصادراً عن غير ميل أو هوى ، كيف لا وقد احتمل محمد عداء أهله وعشرته سنوات بصبروجلد عظيمين ، ومع ذلك فقد بلغ من نبله أنه لم يكن يسحب يده من يد مصافحه حتى لوكان يصافح طفلاً ، وأنه لم يمر بجماعة يوماً من الأيام رجالاً كانوا أم أطفالا دونأن يسلم عليهم ، وعلى شفتيه ابتسامة حلوة ، وبنغمة جميلة كانت تكفي وحدها لتسحرسامعيها ، و تجذب القلوب إلى صاحبها جذباً ، وقد كان محمد غيوراً ومتحمساً ، وماكانت حماسته إلا لغرض نبيل ، ومعنى سام ، فهو لم يتحمس إلا عندما كان ذلك واجباًمفروضاً لا مفر منه ، فقد كان رسول من الله ، وكان يريد أن يؤدي رسالته على أكملوجه ، كما أنه لم ينس يوماً من الأيام كيانه أو الغرض الذي بعث من أجله ، دائماًكان يعمل له ويتحمل في سبيله جميع أنواع البلايا ، حتى انتهى إلى إتمام ما يريد(لين بول : رسالة في تاريخ العرب ؟(نقلا عن كتاب روح الدينالاسلامي ، ص 438 وأما الكاتب الإنكليزي السير وليم موير فيتناول في مؤلفه : " حياه محمد " سجايا الرسول وشمائله ولين عريكته وتعامله مع الأطفال ، فيقول: ))ومن صفات محمد الجليلة الجديرة بالذكر ، والحرية بالتنويه ،الرقة و الاحترام ، اللذان كان يعامل بهما أصحابه ، حتى أقلهم شأناً ، فالسماحةوالتواضع والرأفة والرقة تغلغلت في نفسه ، ورسخت محبته عند كل من حوله ، وكان يكرهأن يقول لا ، فإن لم يمكنه أن يجيب الطالب على سؤاله ، فضل السكوت على الجواب ،ولقد كان أشد حياء من العذراء في خدرها ، وقالت عائشة رض الله عنها ، وكان إذا ساءهشيء تبينا ذلك في أسارير وجهه ، ولم يمس أحداً بسوء الا في سبل الله ، ويؤثر عنهأنه كان لا يمتنع عن إجابة الدعوة من أحد مهما كان حقيراً ، ولا يرفض هدية مهداةإليه مهما كانت صغيره ، وإذا جلس مع أحد أياً كان لم يرفع نحوه ركبته تشامخاًوكبراً ، وكان سهلاً لين العريكة مع الأطفال ، لا يأنف إذا مر بطائفة منهم يلعبونأن يقرئهم السلام ، وكان يشرك غيره في طعامه ))وليم موير : حياة محمد (نقلا عن كتاب "بطلالابطال" ، عبد الرحمن عزام
رجاحةعقله:_________________________________
ويتناول الباحث و المؤرخ – الفرنسي كاردفو ( 1872-1933 ) جانببساطة الرسول ولين عريكته وسهولة خلقه مقروناً برجاحة العقل واتزان التفكير فيقولفيكتابه :" العرب :ومن المعروف عن _محمد_ أنه مع أميته كانأرجح الناس عقلاً ، وأفضلهم رأياً ، دائم البشر ، مطيل الصمت ، لين الجانب ، سهلالخلق ، يكثر الذكر ويقل اللغو ، يستوي عنده في الحق القريب والبعيد ، والقويوالضعيف ، يحب المساكين ، لا يحقر فقيراً لفقره ، ولا يهاب ملكاً لملكه ، يؤلفأصحابه ولا ينفرهم » ويساير من جالسه أو قاومه ، ولا يحيد عمن صافحه حتى يكون الرجلهو المنصرف ، يجلس على الارض ، ويخصف النعل ، ويرقع الثوب ))
رقه قلبوأخو الإنسانية العظيم:_________________________ إذ رقة قلب رسول الله مشهودة له فيسيرته الحياتية ، وكان فؤاده يتفطر حزناً على إخوانه في الإنسانية للفساد الواقعينبه ، "والقرآن الكريم يشهد على ذلك حين يقول } ولعلك باخع نفسك إلا يكونوا مؤمنين { (26/3) ولقد عني عناية بالغة بمصلحة أتباعه وخيرهم .
ويتناولالمفكر الإنكليزي توماس كارليل في كتابه : " الأبطال " جوانب من حياة الرسول تظهررقة قلبه ومحبته لأصدقائه و رحمته ، وأنه كان أخاً للإنسانية جمعاء ، يقول :((وكانت آ خر كلماته تسبيحاً وصلاة ، صوت فؤاد يهم بين الرجاءوالخوف أن يصعد إلى ربه . ولا تحسب أن شدة تدينه أزرت بفضله ، كلاً بل زادته فضلاً، وقد يروى عنه مكرمات عالية ، منها قوله حين رزىء بغلامه : « العين تدمع ، والقلبيوجع ، ولا نقول ما يسخط الرب » . ولما استشهد مولاه زيد ( بن حارثة ) في غزوة " مؤتة " قال محمد : " لقد جاهد زيد في الله حق جهاده ، ولقد لقي الله اليوم فلا بأسعليه " ولكن ابنة زيد وجدته بعد ذلك يبكي على جثة أبيها ، وجدت الرجل الكهل الذي دبفي رأسه المشيب يذوب قلبه دمعاً ! فقالت : " ماذا أرى ؟ " ، قال : " صديق يبكيصديقه " . مثل هذه الأقوال وهذه الأفعال ترينا في محمد أخا الإنسانية الرحيم ،أخانا جميعاً الرؤوف الشفيق ، وابن أمنا الأولى وأبينا الأول ))توماس كارليلي : الابطال ، ص 84-85.
لو كانت رقة قلب الرسول و رحمته و خصاله الاخرى المتسمة بالانسانيةتنطبق على مصداقية قوله : « الخلق كلهم عيال الله » ؟ يقول جان ليك في كتابه : " العرب))" :ما أجمل ما قال المعلم العظيم ( محمد) ( الخلق كلهم عيال الله وأحب الخلق إلى الله أنفعهم لعياله )) جانليك : العرب ، ص 43.
محبة الأصدقاء:________________________________________ أما الباحث الإسلامي مولانا محمد علي فيتحدث عن جوانبالرحمة في حياة الرسول ومحبته أصدقاءه ، يقول))وكان الرسول يحبأصحابه حباً جماً . وكان إذا ما صافح أحداً منهم لم يسحب يده إلا بعد أن يسحبهاصاحبه . وكان لا يلقى الناس إلا بوجه باسم . وفي رواية عن جرير بن عبد الله أنه لميمر النبي إلا وعلى وجهه ابتسامة . وكان في بعض الأحيان يمازح أصحابه ويداعبهممداعبات بريئة . وكان يتحدث إليهم تاركاً نفسه على سجيتا غير مصطنع أيما تحفظ قديوقع في نفوسهم أنه أسمى منهم مقاماً . . ، ولم يكن ليمتدح أو يثني على نفسه البتة .وكان يحمل أولاد أصحابه بين يديه ويحتضنهم . وكانوا يوسخون ملابسه في بعض الأحيان، وكان أيما مسحة من الاستياء لم تكن لتطيف بوجهه . وكان يكره الاغتياب ويحظر علىزائريه أن يذموا أحداً من أصحابه ، إذ كان _كما قال _ حسن الظن بهم جميعاً . وكانيبدأ أصحابه إذا لقيم ، بالسلام ، ويبدأهم بالمصافحة أيضاً . وكان يناديهم أحيانابأسماء التحبب تعبيراً عن مودته لهم . وكان لا يصادقه أحد منهم إلا رعى صداقتهوقدرها حق قدرها . وكان أبو بكر خليله وصفيه حتى اللحظة الاخيرة . وكان من دأبالرسول أن يتذكر _في تأثر غض _ وفاة خديجة وإخلاصها ، حتى بعد انقضاء سنوات طويلةعلى وفاتها . وكان زيد ، عبده المعتق ، شديد التعلق به إلى حد جعله يؤثر البقاء فيكنفه على الذهاب مع أبيه إلى مسقط رأسه . وكان يتغاضى عن مناحي الضعف عند الناسولايلمح إليها مجرد إلماح . وحتى إذا وقف في المسلمين خطيباً تحدث عن الوسيلة إلىالتخلص من عيب معين من غير أن يدع أيما امرىء يشعر أن الرسول يشير إليه ، )) مولانا محمد علي : حياة محمد و سيرته ، رحمته بالأعداء:_________________________________________ والحديث عن سماحة الرسول ومحبته أصدقاءه ،لا بد أن يقود إلى موقف الرسول من الأعداء . . فالرحمة والسماحة هما سمتان طبيعيتانفي جبلته تبرزان في تعامله مع أصدقائه أو أعدائه . يقول مولانا محمد على))وسماحة الرسول نحو أعدائه يعز نظيرها في تاريخ العالم . فقدكان عبد الله بن أبي عدواً للإسلام ، وكان ينفق أيامه ولياليه في وضع الخطط لإيقاعالأذى بالدين الجديد ، محرضاً المكيين واليهود تحريضاً موصولاً على سحق المسلمين . ومع ذلك فيوم توفي عبد الله دعا الرسول ربه أن يغفر له ، بل لقد قدم رداءه إلى أهلهكي يكفنوه به . والمكيون الذين أخضعوه وأصحابه ، دائماً وأبداً ، لأشد التعذيببربرية منحهم عفواً عاماً . وفي إمكان المرء أن يخيل المعاملة التي كان يجدر بفاتحدنيوي النزعة أن يعاملهم بها . ولكن صفح الرسول كان لا يعرف حدوداً . فقد غفر لهمثلاثة عشر عاماً من الاضطهاد والتآمر . وكثيراً ما أطلق سراح الأسرى في سماحة بالغة، رغم أن عددهم بلغ في بعض الأحيان ستة آلاف أسير . وفي رواية عن عائشة أنه لمينتقم في أيما يوم من الأيام من امرىء أساء إليه . صحيح أنه أنزل العقوبة ببعضأعدائه في أحوال نادرة جداً ، وفي فترات جد متباعدة . ولكن تلك الحالات كانت تطوىكلها على خيانات بشعة قام بها أناس لم يعد الصفح يجدي في تقويمهم وإصلاحهم . والحقأن ترك أمثال هؤلاء المجرمين سالمين غانمين كان خليقاً به أن يني استحسان الأذىوالتشجيع عليه . والرسول لم يلجاً إلى العقوبة قط حيثما كان ثمة مجال لنجاح سياسةالصفح كرادع إن لم نقل كإجراء إصلاحي . ولقد أسبغ عفوه على أتباع الأديان جميعاًيهود ، ونصارى ، وؤثنيين ، وغيرهم _ إنه لم يقصر إحسانه على أتباع دينه فحسب.مولانا محمد علي ، ص 269-270.
الرحمة و العنف ____________________________________: غير أن موقف الرسول من الأعداء لا بدأن يقود عملياً ، إلى مناقشة المواقف التي تفرض على القائد فرضاً فتدفعه إلى الشدةالتي يراها البعض قسوة وعنفاً ، . . فالرسالة الإسلامية هذه النبتة التي نشأت فيمناخ عدائي لا يمكن أن تظهر كدوحة جبارة دون أن تكون على مواقف جدية في مواجهةالعنف المضاد ، في إطار المجابهة بين قوتين أو أحياناً القيام بأعمال رادعة تمنعتآمر الأعداء و تزيل أخطارهم المستقبلية ، يقول توماس كارليل :
(ولم تخل الشعوب الشديدة التي وقعت له مع الأعراب من مشاهد قسوة ، ولكنها لم تخلكذلك من دلائل رحمة وكرم وغفران . وكان محمد لا يعتذر من الأولى ولا يفتخر بالثانية . إذ كان يراها من وحى وجدانه وأوامر شعوره ، ولم يكن وجدانه لديه بالمتهم ولاشعوره بالظنين)توماسكارليل : ص 85. ومن العجب أن بعض المستشرقين الحاقدين ألصقوابالرسول تهمة القسوة والجبن .. فكان أن انبرى من صفوف رجالاتهم من عرفوا حقيقةالخلق المحمدي ، وطبيعة الرسالة الإسلامية السمحة ليدافعوا عن الرسول ، وينافحوا عنالرسالة ، مظهرين بطلان ما نفثته أقلام الحاقدين ، ومن بين أولئك المنصفين الذينقدروا الرسول حق قدره المؤرخ المستشرق الفرنسي سيديو الذي أعطى الحضارة الإسلاميةحقها، يقول :
)
من التجني على حقائق التاريخ ما كان من عزو بعضالكتاب إلى محمد القسوة والجبن. فقد نسي هؤلاء أن محمداً لم يأل جهداً في إلغاءعادة الثأر الموروثة الكريهة التي كانت ذات حظوة لدى العرب ، كحظوة المبارزاتبأوروبة فيها مضى . وكأن أولئك الكتاب لم يقرأوا آيات القرآن التي قضى محمد فيهاعلى عادة الوأد الفظيعة . وكأنهم لم يفكروا في العفو الكريم الذي أنعم به على ألاأعدائه بعد فتح مكة ، ولا في الرحمة التي حبا بها ، كثيراً من القبائل عند ممارسةقواعد الحرب الشاقة ، ولا إلى ما أبداه من أسف على بعض الأمم الشديدة ، وكأنهم لميبصروا أن الأمة أم القبائل العربية كانت تعد الانتقام أمراً واجباً وأنها ترى منحق كل مخلص أن يقتل من غير عقاب من يكون خطراً عليها ذات يوم . . . وكأنهم لميعلموا أن محمداً لم يسئ ، استعمال ما اتفق له من السلطان العظيم ، قضاء لشهوةالقسوة الدنيئة ، وأنه لم يأل جهداً _في الغالب _ في تقويم من يجور من أصحابه ،والكل يعلم أنه رفض _بعد غزوة بدر_ رأي عمر بن الخطاب في قتل الأسرى ، وأنه عندماحل وقت مجازاة بني قريظة ترك الحكم في مصيرهم لحليفهم القديم سعد بن معاذ ، وأنهصفح عن قاتل عمه حمزة ، وأنه لم يرفض قط ما طلب إليه من اللطف والسماح.سيديو : (نقلا عن كتاب الإسلام بين الإنصاف والجحود ، ص 134
ليس الإرهاب من الخلق المحمدي:___________________ ولقد رد العقاد في كتابه : " عبقرية محمد " على أولئك المستشرقين الذين ادعوا أن الإسلام لم ينجح بغير الوعيدوالوعود أو غير الإرهاب بالسيف والإغراء بلذات النعيم ومتعة الخمر ، والحور العين ،بقوله ):أي إرهاب وأي سيف ؟(إن الرجل حينيقاتل من حوله إنما يقاتلهم بالمئات والألوف . . وقد كان المئات والألوف الذيندخلوا في الدين الجديد يتعرضون لسيوف المشركين ولا يعرضون أحداً لسيوفهم ، وكانوايلقون عنتاً ولإ يصيبون أحداً بعنت ، وكانوا يخرجون من ديارهم لياذاًبأنفسهموأبنائهم من كيد الكائدين ونقمة الناقمين ، ولا يخرجون أحداً من داره .
فهم لم يسلموا على حد السيف خوفاً من النبي الأعزل المفرد بينقومه الغاضبين عليه ، بل أسلموا على الرغم من سيوف المشركين ووعيد الأقوياءالمتحكمين ، ولما تكاثروا وتناصروا حملوا السيف ليدفعوا الأذى ، ويبطلوا الإرهابوالوعيد ، ولم يحملوه ليبدأوا أحداً بعدوان أو يستطيلوا على الناس بالسلطان .
فلم تكن حرب من الحروب النبوية كلها حرب هجوم ولم تكن كلها إلاحروب دفاع وامتناع.
أما الإغراء بلذات النعيم ومتعة الخمر والحورالعين ، فلو كان هو باعثاً للإيمان ، لكان أحرى الناس أن يستجيب إلى الدعوةالمحمدية هم فسقة المشركين وفجرتهم ، وأصحاب الترف والثروة فيهم ، ولكن طغاة قريشهم أسبق الناس إلى استدامة الحياة واستبقاء النعمة . فإن حياة النعيم بعد الموتمحببة إلى المنعمين تحبيبها إلى المحرومين ، بل لعلها أشهي إلى الأولين وأدنى ،ولعلهم أحرص عليها وأحن ، لأن الحرمان بعد التذوق والاستمرار أصعب من حرمان من لميذق ولم يتغير عليه حال .
لم يكن أبو لهب أزهد في اللذة من عمر. ولم يكن السابقون إلى محمد أرغب في النعيم منالمتخلفينعنه))عباس محمود العقاد : عبقرية محمد ص 35-36. و بعد أن وقفنا عند المفكر العربي عباس محمود العقاد عنالرسول ونفي ما جاء به المستشرقون من اتهامات مغرضة ، ونظرات مجحفة ، وأقاويل باطلةنقف عند رد الباحث الإنكليزي توماس كارليل على تلك الفرية التي تذهب إلى أن الإسلاملم ينتشر إلا بحد السيف ، يقول هذا الكاتب المنصف))ولقد قيلكثيراً في شأن نشر محمد دينه بالسيف ، فإذا جعل الناس ذلك دليلاً على كذبه ، فشد ماأخطأوا وجاروا ، فهم يقولون ما كان الدين لينتشر لولا السيف ، ولكن ما هو الذي أوجدالسيف ؟ هو قوة ذلك الدين ، وأنه حق . والرأي الجديد أول ما ينشأ يكون في رأس رجلواحد ، فالذي يعتقده هو فرد _فرد ضد العالم أجمع _، فإذا تناول هذا الفرد سيفاًوقام في وجه الدنيا فقلما والله يضيع . وأرى على العموم أن الحق ينشر نفسه بأيةطريقة حسبما تقتضيه الحال ، أو لم تروا أن النصرانية كانت لا تأنف أن تستخدم السيفأحياناً ، وحسبكم ما فعل شارلمان بقبائل السكسون ، وأنا لا أحفل كان انتشار الحقبالسيف أم باللسان أو بأية آلة أخرى ، فلندع الحقائق تنشر سلطانها بالخطابة أوبالصحافة أو بالنار ، لندعها تكافح وتجاهد بأيديها وأرجلها وأظافرها فإنها لن تزمإلا ما كان يستحق أن يهزم ، وليس في طاقتها قط أن تقضي على ما هو خير منها ، بل ماهو أحط وأدنى . فإنها حرب لا حكم فيها إلا الطبيعة ذاتها ، ونعم الحكم ما أعدل وماأقسط ، وما كان أعمق جذراً في وأذهب أعراقاً في الطبيعة ، فذلك هو الذي ترونه بعدالهرج و المرج والضوضاء والجلبة نامياً زاكياً وحده .
أقول الطبيعةأعدل حكم، بلى ما أعدل وما أعقل وما أرحم وما أحلم ، إنك تأخذ حبوب القمح لتجعلهافي بطن الأرض ، وربما كانت هذه الحبوب مخلوطة بقشور و تبن وقمامة وتراب ، وسائرأصناف الأقذاء ، ولكن لا بأس عليك من ذلك ، وألق الحبوب بجميع ما يخالطها من القذىفي جوف الأرض العادلة البارة فإنها لا تعطيك إلا قمحاً خالصاً نقياً ، فأما القذىفإنها تبلعه في سكون و تدفنه ، و لانذكر عنه كلمة ، وما هي إلا برهة حتى نرى القمحزاكياً يهتز كأنه سبائك الإبريز ، والأرض الكريمة قد طوت كشحاً على الأقذاء وأغضت ،بل إنها حولتها كذلك إلى أشياء نافعة ، ولم تشك منها شجواً ولا نصباً . وهكذاالطبيعة في جميع شؤونها ، فهي حق لا باطل ، وهي عظيمة وعادلة ورحيمة حنون ، وهي لاتشترط في الشيء ، إلا أن يكون صادق اللباب حر الصميم ، فإذا كان كذلك حمته وحرسته ،أو كان غير ذلك لم تحمه ولم تحرسه ، فترى لكل شيء تحميه الطبيعة روحاً من الحق ،أليس شأن حبوب القمح هذه والطبيعة هو ، وا أسفاه ، شأن كل حقيقة كبرى جاءت إلى هذهالدنيا أو تجيء ، فيها بعد ؟ أعني أن الحقيقة مزيج من حق وباطل نور في ظلام ،وتجيئنا الحقائق في أثواب من القضايا المنطقية و نظريات علمية من الكائنات ، لايمكن أن تكون تامة صحيحة صائبة ، ثم لا بد من أن يجيء يوم يظهر فيه نقصها وخطأهاوجوهرها فتموت وتذهب ، نعم يموت ويذهب جسم كل حقيقة ، ولكن الروح تبقى أبداً ،ويتخذ ثوباً أطهر ، وبدناً أشرف ، وما يزال يتنقل من الأثواب والأبدان ، من حسن إلىأحسن وجيد إلى أجود ، سنة الطبيعة التي لا تتبدل . نعم إن جوهر الحقيقة الكريم حيلا يموت ، وإنما النقطة الهامة والأمر الوحيد الذي يعرض في محكمة الطبيعة ومجلسقضائها هو هل هذا الروح حق وصوت من أعماق الطبيعة ؟ وليس بهام عند الطبيعة ما نسميهنقاء الشيء ، أو عدم نقائه ، وليس هو بالسؤال النهائي ، ليس الأمر الهام عندالطبيعة حينا تقدم اليها أنت لتصدر حكمها فيك ، هو أفيك أقذار وأكدار أم لا؟ وإنماهو أفيك جوهر وروح صدق أم لا؟ أو بعبارة تشبيية ليس السؤال الهام عند الطبيعة هوأفيك قشور أم لا؟ بل أفيك قمح ؟ أيقول بعض الناس إنه نقي ، إنىأقول له : " نعم نقي " نقى جداً ولكنك قشر ، ولكنك باطل وأكذوبة وزور وثوب بلا روح ، ومجرد اصطلاح وعادة، وما امتد بينك وبين سر الكون وقلب الوجود سبب ولا صلة ، والواقع أنك لا نقي ولاغير نقي ، وإنما أنت لا شيء والطبيعة لا تعرفك وإنها منك براء ))توماس كارليل : الابطال ، ص 76-
غير أننا فيها يتعلق بفيالإرهاب . . عن الخلق المحمدي ، أنالنضالالبطولي الإنساني للرسول إن دل على شيء فعلى عظمة النبي وقوة شخصيته وصبرهالعظيم . فما أبعده عن الضعف والجبن والقسوة والإرهاب . . لقد كان قوي الكبير فيجميع مواقفه ، جمع الرحمة إلى الحزم ، واللين إلى الثبات ، حتى تمكن أن ينشر رسالةربه التي صدع بها ، يقول الكاتب ميخائيل طعمة في مقالة له نشرتها جريدة الكرمل التيكانت تصدر في حيفا قبل الاحتلال الصهيوني:))لو لم يكئ خلق محمدعظيما لانقلب عليه محيطه ، ولو لم يكن خلق محمد عظيماً لضعف أمام ما اعترضه منالعقبات ، ولرأى نفسه مضطراً إلى مجاراة محيطه ، ولما قوي على إحداث ما أوجده منالانقلاب العظيم ، فبدل الضلال بالهدى ، والجهل بالعلم ، والهمجية بالمدنية )) ميخائيل طعمة : جريدة الكرمل.
العفو عد المقدرة:____________________ ويقودنإ مبعث رحمة الرسول بالاعداء ، ونفي سمة الارهاب عن الخلق المحمدي ، إلى تناول جانب عملي في أخلاق الرسول ، وهوعفوه عن أعدائه عند المقدرة .
يقول المستشرق البريطاني لين بول فيمؤلفه : " درسالة في تاريخ العرب ":
))
إن ما تصف به ( محمد ) منالصبر واحتمال المكاره ، والعمو عند المقدرة ، لبرهان لنا واضح على أنه كان صادقآإذ يقول : ) لا اكراه في الدين ( ( 2/256) فمحمد ذو يقين راسخ وقوة عزم هاثله.لين بول : رسالة في تاريخالعرب. ))ويتناول الكاتب الإسلامي مولانا محمد علي مسألة العفو فيأخلاق الرسول ، ما تشكله من جانب هام في شخصيته ، يقول :
))
وكانالعفو جوهرة أخرى بالغة الإشعاع في شخصية الرسول . لقد وجدت فيه تجسدها الكامل . ولقد أوصاه القرأن الكريم بـ( أن يأخذ بالعفو ويأمر بالمعروف ويعرض عن الجاهلين ).ولقد جاءه تفسير ذلك من لدنه تعالى . على هذا النحو : ( صل منقطعك ، وأعط من حرمك ، واغفر لمن أساء إليك ). والحق أن هذه الوصية ( تبق عندالرسول حرفاً ميتاً أو موعظة رخيصة . لقد عاش وفقها حتى في أحرج المواقف . وفيمعركة أحد ، عندما جرح وسقط على الأرض ، سأله أحد الصحابة أن يستنزل اللعنة علىالعدو ، فأجاب : ( أنا لم أبعث لعاناً للعالمين ، ولكن بعثت هاديا ورحمة . . اللهماهد قومي فإنهم لا يعلمون ). وذات مرة جذبه بدوي طارحاً دثاره حول عنقه ، وحين سئلالرسول لم لم يعامله بالمثل أجاب قائلاً : إنه لا يرد على الشر بالشر أبداً . وليسمن ريب في أن ما أظهره عند فتح مكة من عفو كريم شيء يعز نظييه في تاريخ العالم كله . كان المشركون قد بذلوا كل جهد يمكن تصوره للقضاء على الإسلام واغتيال الرسول . ولكنه لم يوجه إليهم أي كلمة تعنيف على هذه الجرائم الرهيبة كلها . لقد أسبغ عفوهالجزيل حق على أعداء من مثل إبي سفيان الذي لم يدخر وسعاً في العمل على إيذاءالإسلام ، وعلى زوجته هند التي لم تتورع عن مضغ كبد حمزة على نحو بربري شنيع ))مولانا محمد علي : 273-274 أما الباحث الإنكليزي ولير موير فقد تحدث عن معاملة رسول الله ،أعداءه تلك المعاملة التي اتسمت بالرحمة والعفو، حين فتحه مكة ، يقول ))وعامل حتى ألد أعدائه بكل كرم وسخاء حتى مع أهل مكة ، وهمالذين ناصبوه العداء سنين طوالاً ، وامتنعوا من الدخول في طاعته ، كما ظهر حلمهوصفحه في حالتي الظفر والانتصار ، وقد دانت لطاعته القبائل التي كانت من قبل أكثرمناجزة وعداء له )) وليمموير : حياة محمد. يقول مارسيل بوازار في كتابه : " إنسانيةالإسلام " موضحاً نضال الرسول ومنافحته عن المجتمع الإسلامي الجنيني ، ورحمته وعفوهعندالمقدرة))وبالرغم من قتاليتهومنافحته ، فقد كان يعفو عناالمقدرة ، لكنه لم يكن ليلين أو يتساح مع أعداء الدين . ويبدو أن مزايا النبيالثلاث ، الورع والقتالية والعفو عند المقدرة ، قد طبعت المجتمع الإسلامي في إبانقيامه ، وجسدت المناخ الروحي للإسلام الاتباعي ، ولا تنفك الأحاديث الشريفة والسيرةالنبوية تصور في الأذهان كرم الرسول و تواضعه ، كما تصور استقامته ونقاءه ولطفهوحلمه . وكما يظهره التاريخ قائداً عظيماً ملء ، قلبه الرأفة ، يصوره كذلك رجل دولةصريحاً قوي الشكيمة (ديمقراطياً) ))مارسيل بوزار : انسانية الاسلام ، امضاء عزيمتهوثباته علىالمبدأ:_______________ والحديث عن أخلاق الرسول لا بد أن يستدعى وقفة عند مضاءعزيمته ، ووقوفه بثبات ورسوخ دفاعاً عن العقيدة ، يقول توماس كارليل :
))
ولان رجلاً ماضي العزم لا يؤخر عمل اليوم إلى غد . وطالما كانيذكر يوم « توك » إذ أبى رجاله السير إلى موطن القتال ، واحتجوا بأنه أوان الحصيدوبالحر ، فقال لهم : الحصيد؟ إنه لا يلبث إلا يوماً . فماذا تتزودون للآخرة ؟وامحر؟ نعم إنه حر ، ولكن جهنم أشد حراً . وربما خرج بعض كلامه تهكماً وسخرية . إذيقول للكفار ، : ستجزون يوم القيامة عن أعمالكم ويوزن لكم الجزاء ، ثم لا تبخسونمثقال ذرة ))توماس كارليل : الابطال ، ص 85.
.ويقول مولانا محمد على))انتراجم الرسول ، التي كتبها أصدقاء له وأعداء على حد سواء ، لتجمع كلها على الإعجاببعزمه الراسخ وثباته الذي لا يتزعزع ، في أشد المحن قسوة . كان اليأس والقنوط لايعرفان إلى قلبه سبيلاً ، فعلى إلرغم من أن المستقبل المظلم والمقاومة العنيدة كانايكتنفانه من أقطاره جميعاً فإن إيمانه بالنصر النهائي لم يهن لحظة واحدة . لقد عجزتأعتى عاصفة من عواصف الشدائد عن أن تزحزحه عن موقفه قيد شعرة . كان من دأبه أن يتخذللأمر كل عدة ممكنة ، وأن يصطنع للنجاح كل وسيلة متيسرة ، ثم يتوكل على الله . ولمتكن صروف الزمان و تقلبات الأيام لتقوى على إخماد عزيمته . فلم تكد تنقضي على كارثةأحد الرهيبة أربع وعشرون ساعة ليس غير حق انطلق مطارداً العدو .وبكلمة ، فقد كانقلبه ، مهما قست المحن ، متوهجاً أبداً بإيمان راسخ بأن الحق لا بد أن ينتصر في آخرالشوط ))مولانا محمد علي : ص 276-177. خلوص في النية و انصاف بالحكم وحفاظ علىالذمامهذا ، وإن محمداً المناضل الصامد والنبي الملهم ، والقائدالسياسي والمشرع العظيم عرف عنه دائماً خلوص انية وانزاهة في الحكم والانصاف ،وحفظه الذمام ، يقول المستشرق والفيلسوف الفرنسي إدوار مونتيه ، في كتابه : « العرب » :عرف محمد بخلوص النية و الملاطفة و انصافه في الحكم ونزاهةالتعبير عن الفكر والتحقق ، وبالجملة كان محمد أزكى و أدين وأرحم عرب عصره ، وأشدهمحفاظا على الذمام فقد وجههم إلى حياة لم يحلموا بها من قبل ، وأسس لهم دولة زمنيةودينية لا تزال إلى اليوم))ادوراد مونتيه : العرب.
الصدق والأمانة:__________________________ نسي لاتيس (1847-1909) في مقالة لهنشرتها مجلة الهلال المصرية عن أمانة الرسول وصدقه في نضاله في سبيل نشر الرسالة ،ما جعله يحقق معجزة إشادة أول دولة إسلاميةJ))إن محمدا كانمشهورا بالصدق منذ صباه ، حتى كان يلقب بالأمين ، وما زال يسهر لحياة دينه والعربحتى مات ، وما مات حتى أسس ديناً وأقام دولة ))لاتيس (نقلا عن مجلة الهلال ، ج 3 ، جزء 8). أما المستشرقالفرنسي إميل برينغهام (1857-1924) فقد حاول أن يرسم صورة للرسول بالقلم ، إذ تقصىسائر مراحل حياته ليس في الكتب وحسب بل من روح الحضارة التي غرسها في نفوس أتباعه ،فكتب يقول في كتابه : « الشرق والإسلام » :(( إنني أردت أن أصورمحمداً صورة مطابقة للواقع على قدر الإمكان كما فهمتها كما قرأتها عنه في الكتب ،وكما رأيتها في أرواح أتباعه الحية ، إلى أن قال : فنشاً معتمداً على نفسه ، يرجحاليها في الكبيرة والصغيرة ، ويجهد ويعمل لحسب حياته من عرق جبينه ، إذ لم يكن ذاثروة تكفيه مؤنة السعي ، فكانت ثروته عند نشأته ، صدقه وأمانته ونزاهته وإخلاصه ،وتلك لعمر الله الكبير الثروات وأغلاها ، تلك كانت صفأته محمد في وسط منحل لا يعرفأخلاقاًولإنبلاً ))اميل برينغهام : الشرق و الاسلام. ويتحدث الكاتب الإنكليزي توماس كارليلعنطبع الرسول المفكر وسداد أخلاقه ويقدم صورة قلمية عنه ، مظهراً مزاياه الخلقيةوالخلقية » التي ينبع منها النبل والشهامة والصدق ، يقول :ولوحظعليه منذ فتائه أنه كان شاباً مفكراً » وقد سماه رفقاؤه الأمين ، أي رجل الصدقوالوفاء ، الصدق في أفعاله وأقواله وأفكاره » وقد لاحظوا أن ما من كلمة تخرج من فيهإلا وفيها حكمة بليغة ، وإني لاعرف عنه أنه كان كثير الصمت ، يسكت حيث لا موجبللكلام ، فإذا نطق فما شئت من لب وفضل وإخلاص وحكمة ، لا يتناول غرضاً فيتركه إلاوقد أنار شبهته ، وكشف ظلمته ، وأبان حجته ، واستثار دفينته ، وهكذا يكون الكلاموإلا فلا .
وقد رأيناه طول حياته رجلاً راسخ المبدأ ، صارم العزم ،بعيد الهم ، كريماً براً رؤوفاً نقياً فاضلاً حراً ، رجلاً شديد الجد مخلصاً ، وهومع ذلك سهل الجانب لين العريكة ، جم البشر والطلاقة ، حميد المعشر حلو الإيناس ، بلربما مازح وداعب . وكان على العموم تضيء وجهه ابتسامة مشرقة من فؤاد صادق ، لأن منالناس من تكون ابتسامته كاذبة ككذب أعماله وأحواله ، هؤلاء لا يستطيعون أن يبتسوا . وكان محمد جميل الوجه ، وضيء الطلعة ، حسن القامة ، زاهي اللون ، له عينان سوداوانتلألآن ، وإنى لأحب في جبينه ذلك العرق الذي كان ينتفخ ويسود في حال غضبه (كالعرقالمقوس الوارد في قصة القفازة الحمراء لوالترسكوت ) ، وكان هذا العرق خصيصة في نبيهاشم ، ولكنه كان أبين في محمد وأظهر . نعم ، لقد كان هذا الرجل حاد الطبع ناريالمزاج ، ولكنه كان عادلاً صادق النية ، كان ذكى اللب شهم الفؤاد ، لوذعياً كأنمابين جنبيه مصابيح كل ليل بهيم ممتلئا ناراً ونوراً ، رجلا عظيما بفطرته ، لم تثقفهمدرسة ولا هذبه معلم ، وهو غني عن ذلك كالشوكة استغنت عن التنقيح ، فأدى عمله فيالحياة وحده في أعماق الصحراء ))توماس كارليل : الابطال : ص 67-68. ولكن رغم ما اتصف به النبيمن صفات الكمال الخلقي ، كان هناك عدد من المتشرقين بدافع التعصب الأعمى والحقدالطائفي الدفين الذي هو وليد الحروب الصليبية ، دأبهم تشويه صورة الرسول و تروىالحقائق التاريخية . . فنهد لهم المستشرق الفرنسي ميسمر للرد عليهم مسفهاتلكالأقاويل ، داحضاً تلك التخرصات في كتابه : « العرب في عهد محمد » ، وذهب إلى الرأيبأن كل من ينكر صدق محمد هو كاذب سفيه لا يتحدث بوحى من ضمره ونعما ذلك المنصف الذييقولJ))ان من تسافه و انكر صدق محمد فقد بت بهذه المسألة دون انيحلها ، و حمل ضميره مسؤولية المكابرة ، و رمى بنفسه الى نهاية سيئة ، إذ ليس منوحي الضمير الحر ما يقارفه أولئك المغرضون على محمد الذي اتصف بكل صفات الكمال((.ميسمر : العرب في عهد محمد : ترجمة فؤاد بطرس – 1922. عظيم في أخلافه وسيد الأنبياء في شريعته:_______________ كان الرسولعظيماً في اخلاقه إنساناً وقائداً ونبياً ، لا ينطق عن الهوى . . ويرى المندوبالفزنسي على سورية ولبنان مكسيم ويغان ، أنه القدوة الحق بأخلاقه وشريعته ، هذا وقدقال في خطبة له القاها في بيروت عام 1925 بمناسبة ذكرى عيد المولد النبوى))مهما احتفل المسلمون بعيد ميلاد محمد فهو قليل ، لأنه جاءهمبدين هو فوق الأديان ، وهو في نفسه كبير، وفي أخلاقه عظيم ، وفي شريعته سيدالأنبياء، فعلى المنصفين أن يحتفلوا بالذكرى عظماء التاريخ، وفي طليعتهم محمدالرسول العربي القائد الأعلى لتحقيق شريعة الله على الأرض ، و تركيزها في صدورالناس ))ويغان مكسيم : نقلا عن كتاب محمدعند علماء الغرب وإنك لعلى خلق عظيم:_______________________ ليس بوسعنا هنا أننستعرض سائر شمائل النبي محمد من جوده الذي لا حدود له ، وتهذيه الرفيع ، وشجاعتهالنادرة ، وحيائه الجم الذي يقرب من خفر العذارى . . وفي أسلوب تعامله مع الاخرين . . . إلاً أنا ندرك من الخطوط العريضة لمناقبه أنه اجتمعت فيه سائر الصفات الحميدة ،ومكارم الأخلاق ، كما ينطبق عليه وصف !لقرآن الكرم إياه بقوله تعال :) وإنك لعلىخلق عظيم( محمد المثل الكامل:______________________________ ويتحدث اللورد هيدليعناخلاق الرسول راداً تهم الافتراء والتزوير التي حاولت المساس بمصداقية أخلاقهوعظمته .ليس في وسع الإنسان ، في الحقيقة ، إلا أن يعتقد أنمدبحبي وناسجي هذه الأفتراءات لم يتعلموا حتى ولا أول مبادىء دينهم ، وإلا لمااستطاعوا أن ينشروا في جميع أنحاء العالم ، تقاير معروفاً لديهم أنها محض كذبوافتراء .إن تعالير القرآن قد نفذت ومورست خلال حياة محمد الذي _سواء في أيام تحمله الألم وا.ضطهاد ، أو في زمن انتصاره ونجاحه _ أظهر أشرف الصفاتالخلقية التي لا يتسنى لمخلوق آخر إظهارها .
فكل صفات الصبر والثباتفي عصره كانت و ترى أثناء الثلاث عشرة سنة التي تألمها في مجاهداته الأولى بمكة . ولم يشعر في كل زمان هذا الجهاد بأى تزعزع في الثقة بالله ، وأتم كل واجباته بشمم وحمية.
كانمثابراً ، لا يخشى اعداءه لانه كان يعلم بانه مكلف بهذهالمأمورة من قبل الله . ومن كلفه بهذا العمل لن يتخل عنه..
وقدأثارت تلك الشجاعة التي لا تعرف الجفول _تلك الشجاعة التي كانت حقاً إحدى ميزاتهوأوصافه العظيمة _ إعجاب واحترام الكافرين ، وأولئك الذين كانوا يشتهون قتله . . . ومع ذلك فقد تنبهت مشاعرنا ، وازداد إعجابنا به بعد ذلك في حياته الأخيرة ، أيامانتصارهبالمديية ، عندما كانت له القوة والقدرة على الانتقام ، واستطاعته الأخذبالثأر ولم يفعل ، بل عفا عن كل أعدائه .العفو والإحسان والشجاعة ،ومثل هاتيك الصفات ، كانت ترى منه في كل تلك المدة ، حتى إن عدداً عظيماً منالكافرين اهتدوا إلى الاسلام عند رؤية ذلك.
عفا بلا قيد ولا شرط عنكل هؤلاء الذين اضطهدوه وعذبوه ، آوى إليه كل الذين كانوا قد نفوه من مكة ، وأغنىفقراءهم وعفا عن ألد أعدائه ، عندما كانت حياتهم في قبضة يده وتحت رحمته ...!
تلك الأخلاق الربانية التي أظهرها النبي الكريمم ، اقنعت العرببأن حائزها يجب أن لا يكون إلا من لدن الله ، وأن يكون رجلاً على الصراط المستقمحقاً ، وكراهيتهم المتأصلة في نفوسهم ، حولتها تلك الأخلاق الشريفة إلى محبة وصداقةمتينة. محمد المثل الكامل: ________________________________ ونحن نعتبر أننبي الاسلام الكريم ، ذو أخلاق متينة ، وشخصية حقيقية ، وزنت واختبرت في كل خطوةمن خطا حياته ولم ير فيها أقل نقص قط .
وبما أننا في احتياج إلىنموذج كامل يفي بحاجاتنا في خطوات الحياة ، فحياة النبي المقدس تسد تلك الحاجة . حياة محمد كمرآة أمامنا تعكس علينا التعقل الراقي ، والسخاء والكرم ، والشجاعةوالإقدام ، والصبر والحلم ، والوداعة والعفو ، وباقي الاخلاق الجوهرية التي تكونالإنسانية نرى ذلك فيها بألوان وضاءة . . خذ أي وجه من وجوهالآداب تتأكد بأنك تجده موضحاً في إحدى حوادث حياته .ومحمد وصل إلىأعظم قوة ، وأتى إليه مقاوموه ووجدوا منه شفقة لا تجارى، وكان ذلك سبباً في هدايتهم.. اللورد هيدلي : ( نقلا عن اتيين دينيه : محمد رسول الله فضائل مجسمة لا نظير لها:______________________ وفي الختام نرى أن ماذهب إليه المستشرق الإنكليزي السير وليم موير في كتابه : « حياة محمد » هو خير مايمكن أن نختم به النظرة الاستشراقية المنصفة لأخلاق الرسول وشمائله ، إذ يقول)) :وباختصار فإنه مهما ندرس حياة النبي محمدنجدها على الدوامعبارة عن كتلة فضائل مجسمة مع نقاء سريرته وخلق عظيم، وستبقى تلك الفضائل عديمةالنظير على الإطلاق في جميع الأزمان : في الماضي وفي الحاضر والمستقبل ))وليم موير : حياة محمد .