كيف يفكر من يُتم مبكرا، سواء من كان أبوه ينتمى لجهاز الشرطة أو جماعة الإخوان، فى الأحداث التى أعقبت عزل محمد مرسى، وما هو أثر ذلك النفسى؟.قامت «المصرى اليوم» بمعايشتين لبيتين مصريين، أحدهما به أب شهيد من الشرطة، وآخر من الإخوان، فى البيتين هناك أطفال هم «الضحايا» الحقيقيون، فهم يدربون على كراهية الطرف الذى قتل والدهم، وسينشأون عليها، لتنبت لنا مجتمعا مليئا بالرغبة فى الانتقام من كل ما ينتمى للشرطة والقوات المسلحة، إذا كان اليتيم إخوانيا، أو الكراهية لكل المنتمين للتيار الإسلامى، إذا كان والد اليتيم من جهاز الشرطة.«هدى» ابنة الطبيب الإخوانى: بابا استشهد فداءً للشرعية.. وهكمل المشوار اللى بدأهكان الطريق إلى منزل الشهيد د. ياسر طه، بقرية المنايل التابعة لمركز الخانكة- محفوفا بمشاعر متناقضة: ما بين الألم، والتحفظ، والريبة. «إنتوا أول حد يجيلنا من الصحافة».. تقول زوجته شيرين التى اتشحت لباسا أسود، وامتلأت عيناها بحزن شديد، حاولت جاهدة إخفاءه فى عبارات ترحيبها بنا. عند مدخل البيت استقبلتنا الطفلة «ندى» ذات السنوات العشر، ارتقينا السُلم خطوة خلف الأخرى. تتابع إخوتها الأربعة: «هدى»11 سنة و«آية» و«آلاء» توأمتان، 7 سنوات، و«محمد» 5 سنوات، لينتهى الطابور الصغير بـ«سارة»، 11 شهراً.. كانت تلك عائلة الشهيد الدكتور ياسر طه الذى كان من أوائل الذين سقطوا خلال أحداث الحرس الجمهورى فى 8 يوليو الماضى. تقول الزوجة: «الدكتور ياسر كان بيتعامل معانا بما يرضى الله، وكان متميزا فى كل النواحى أخلاقيا ودينياً، ومهنياً كان شاطر فى شغله كطبيب فى الكيمياء الحيوية، وكنت دايما بأحمد ربنا عليه، وكانت الناس كلها بتحبه».
ابن شهيد كرداسة: «ماعيطتش لما شفت أبويا مقتول فى القسم عشان مافيش راجل بيعيط»على بعد 30 كيلومتراً من العاصمة يمكن ملاحظة حالة الحداد العامة تسود مساكن الشرطة بمدينة الفردوس، يستقبلك أحد عقارات المدينة بلافتة صغيرة تعلن «هنا منزل المقدم الشهيد إيهاب أنور، الدور الثالث، شقة 313»، عقارب الساعة تعود إلى يوم الأربعاء 14 أغسطس الماضى يوم مقتله بأيدى التيار الإسلامى. شريط الأحداث يمر أمام عينيها، تزداد حدة البكاء مع توارد الذكريات، تستحضر داليا سمير، زوجة شهيد مذبحة قسم كرداسة، تفاصيل تلك الليلة التى قضتها مع أطفالها أدهم، 12 عاماً، وأنس 8 أعوام، بين شاشة التليفزيون والهاتف، حتى انقطاع الاتصال مع والدهما. «ادعولى».. كانت هى آخر كلمات المقدم الشهيد إيهاب أنور، «48» عاماً، الذى يعمل بقطاع الأمن المركزى، قبل مغادرته إلى مدينة كرداسة، لقضاء ساعات الخدمة الأسبوعية، وتروى «داليا»: «استيقظت على خبر فض اعتصامى رابعة والنهضة، فاتصلت بإيهاب وقالى متخافيش»، ظلت «داليا» تتابع الأوضاع خارج القسم وتنقلها لزوجها الذى فقد الاتصال بالخارج، حتى آخر اتصال بينهما فى الثانية عشرة ظهراً: «قالى فى حركة غير طبيعية فى البلد، أنا شكلى هقابل ربنا النهارده وسألنى أفطر ولا أكمل صيام، وبعدها طلب منى أقرأ له سورة يس، وأكد لى أنه طلب إغاثة وقوة وأنهم مش معاهم غير قنابل غاز أوشكت على الانتهاء»، ثم انقطع بعدها الاتصال.د. محمد المهدى فى تحليله النفسى لأسرتى الشهيدين: أدهم متناقض.. وهدى لديها وعى سياسى.. وزوجة الإخوانى تظهر التماسك على حساب مشاعرهاالدكتور محمد المهدى رئيس قسم الطب النفسى، بكلية طب دمياط جامعة الأزهر، الذى شاهد فيديوهات اللقاء مع الأسرتين، يوضح لـ«المصرى اليوم» التحولات النفسية والمفاهيم التى ترسخت لدى أسرتى وأبناء الشهيدين المقدم إيهاب أنور، والدكتور ياسر طه، والمفاهيم التى ترسخت لدى أبنائهم، بعد تعرض كل أسرة لظروف واحدة تمثلت فى فقد الأب. عن أسرة شهيد الشرطة يقول الدكتور محمد المهدى: «زوجته داليا تلقائية فى التعبير عن مشاعرها، لم تتوقف عن البكاء إلا قليلاً، يهون عليها رحيل زوجها أنه شهيد، مثلما خفف ذلك على الطفلين أدهم، وأنس فقد والدهما، ويشعرهما بالفخر والاعتزاز رغم لوعة الحزن». ويوضح: «الزوجة تحمّل الإخوان مسؤولية قتل زوجها بشكل صريح، أما الأبن الأكبر أدهم فيبتسم ابتسامة طفولية بريئة تختفى بعد لحظة قصيرة، تحل محلها علامات حيرة وتشوش وحزن تناسب مرحلته العمرية، ويذكر أشياء تجعلنا نفهم حالة الارتباك التى يعيشها وتناقض المشاعر بداخله، هذه الحيرة تظهر نتيجة عدم تصديقه أن الناس الذين كان يحبهم يمكن أن يقوموا بهذا العمل العنيف الدموى». «أما أنس فنظراته حادة ومركزة وشخصيته قوية رغم صغر سنه، تمثل ذلك فى رفضه وإصراره على عدم رغبته فى أن يعمل ضابط شرطة فى المستقبل، ولا يستشعر بأبعاد الموقف نظراً لسنه الصغيرة، ولا يعرف من قتل أبوه ولا يعرف شيئاً عن الإخوان أو الشرطة، ولم يتعرض لشحن فكرى أو معنوى فى أى اتجاه»
المصدر : المصري اليوم