ــ ماذا تمثل الوثيقتان، وكيف يُمكِن أن تساهما في تطوير العملية السياسية؟
الجعفريّ: بسم الله الرحمن الرحيم
جاءت هذه المُبادَرة تعبيراً عن تراكم مُبرِّرات منذ زمن بعيد، وكانت بين فترات وأخرى تتمظهر على شكل اتفاق أو تعاقد، وفي هذه المرحلة لم تكن الأولى فقد سبقتها محاولات أخرى، وكان من الطبيعيّ أن نلتقي مع شعبنا مع اشتداد الأزمات المُتعدِّدة سواء كانت في الداخل العراقيِّ، أو من خلال وجود حالة تأزيم في الوضع الإقليميِّ يُمكِن أن تتغذى، وتغذي الواقع العراقيَّ؛ فجاءت ردّاً منطقياً يضاهي شدّة الأزمة على شكل التأكيد، والإصرار على وجود حلّ.
اليوم -بكلِّ تأكيد- ستُعزِّز، وتساهم في دفع الصفِّ الوطنيِّ نحو التلاحم، وتذكير بعض المسؤولين بمُختلِف مواقعهم في الدولة بمُمارَسة دورهم من الذين كانوا يشاركون في هذه المُبادَرة اليوم سواء كانوا أعضاء برلمان، أو السلطات الثلاث المعروفة، تُضاف إليهم السلطة الإعلامية، وكلّهم يُعبِّرون عن مفاصل الدولة؛ ومن ثم استمعوا إلى هذا الخطاب، ولم يكن تنظيراً للسِلْم الاجتماعيّ -وهو الأساس لكلِّ دولة يُراد لها أن تعيش حالة الاستقرار- كذلك تُوِّجت بميثاق شرف يُذكِّر بأنَّ الوطنية على المحكِّ العراقيِّ، وينبغي أن يتجنّب الجميع القضايا الحزبية، والشخصية، والأمور الجزئية، ويرتقوا إلى مستوى الهموم الأساسية، ويعمل، ويُكثّف جهوده، وإمكانياته؛ لتحقيق الأهداف الاستراتيجية المُعطّلة؛ إذن شكَّلنا نافذة أطلّت من مجموع هذه الرموز والشخصيات وأصحاب المواقع، وشهد الشعب بأمِّ عينه بأنَّ هؤلاء في الأزمات يجلسون سوية، يُنظّرون، ويخطبون، ويتحدَّثون، ويُصمِّمون، ويُوجَد مُشترَك وطنيّ بين الجميع.
الإخوة في البرلمان موجودون، والإخوة التنفيذيون كذلك، والسلطة القضائية، وعدد كبير من الشخصيات السياسية والإعلامية كانت موجودة.. هذا -في تقديري- مشهد مُتحضِّر، ومُتقدِّم، وأتمنى أن تُعمَّم مثل هذه التجربة على الدول المجاورة بخاصة التي تشهد اليوم إرهاصات حادّة.
ينبغي علينا أخذ هذه الآليات التي تتبنّى مُواكَبة الأحداث بردٍّ وطنيٍّ، وليس بمزيد من الاختلافات التي تُؤدّي إلى مردودات سلبية.
- ماذا بعد توقيع هذه الوثيقة، والنتائج المُتوخّاة منها في المُستقبَل، أو في المرحلة المقبلة؟
الجعفريّ: تحرير الوثيقة، والاتفاق على أنها وثيقة شرف، وتحديد المفاهيم للسِلْم الاجتماعيِّ تُشكِّل الأساس النظريَّ.
والأهمُّ من ذلك المصداقية، والتطبيق، ويُفترَض أن تُفعَّل الموادُّ التي جرى الاتفاق عليها، وأن يمارس الإخوة المُتصدّون كلّهم من دون استثناء دورهم في تطبيق هذه الموادِّ، وتحويلها من مُجرَّد ميثاق شرف، أو مُبادَرة سِلْم اجتماعيّ في حقل تواجُدهم في البرلمان، والحكومة، والسلطة القضائية، والإعلام وهكذا.
أنا أعتقد أنَّ ذلك شيء أساسيّ، ومُهِمٌّ، وفي الوقت نفسه علينا أن نأخذ هذه المُبادَرة للاتساع لشخصيات كثيرة رُبَّما لم تكن اليوم موجودة؛ كي تُتمِّم، وإن كانت الباقة اليوم مُلوَّنة بمجموعها، واستطاعت أن تمثل مجموع الشعب العراقيِّ، ولكننا لا يُمكِن أن نغضَّ النظر عن أهمية وجود الشخصيات الأخرى التي تُكمِّل هذه الشخصيات؛ لذا نحن أمام مهمتين، الأولى: تفعيل هذه الموادِّ، وتحويلها إلى واقع ملموس في المُؤسَّسات، والثانية: الحرص على ديموميتها، واستقطاب بقية العناصر التي أبدت بعض التحفّظ لسبب أو آخر من الالتحاق بنا حالياً، لكنَّ ذلك لا يُخرجها عن كونها عناصر وطنية يُمكِن أن تساهم إلى جانب العناصر التي اشتركت هذا اليوم في تعزيز الصفِّ الوطنيّ.
- المراقبون يرون أنَّ التطوُّر في العملية السياسية، ومنها وثيقة الشرف جاءت بعد إجماع السياسيين على موقف مُوحَّد من الأحداث السورية.. كيف يُمكِن توضيح الرسائل التي تُمثّلها هذه المُبادَرة بالضبط؟
الجعفريّ: من دون شك أخذت هذه المُبادَرة التطوُّرات على الساحتين الإقليمية والمحلية، وسبق أن كانت هناك مُبادَرة قبل بضعة أيام دعا لها الأخ رئيس الوزراء، وضمَّت عدداً من الشخصيات السياسية المختلفة جلسوا، وراقبوا، وقيَّموا الظرف الإقليميَّ المُتصاعِد بخاصة في أجواء قرار الولايات المتحدة الأميركية بتوجيه ضربة، أو قرار الرئيس الأميركي (أوباما) بتوجيه ضربة.. درسوا هذه القضية؛ إذن لا يُمكِن التفكيك في الأزمة بين أفقها الإقليميِّ، وأفقها المحليِّ الوطنيّ، وأعطوا أيضاً سلسلة من التصوُّرات لمُواجَهة هذه الضربة - إذا احترق بيت في أحد الأحياء يتداعى له الجيران من الجوانب كافة لإطفائه بدوافع إنسانية، ولتجنّب امتداد الحريق إلى البيوت الأخرى- فكيف بك إذا كانت الضربة تُهدِّد دولة على الحدود العراقية؟!
العراقيون دون غيرهم يُدرِكون ماذا تعني الضربة بمثل هذه الأسلحة الفتاكة؛ لأنهم يملكون ثقافة حسّية، وعاشوا حرب الخليج الأولى، والثانية، والثالثة؛ لذا شمَّروا عن ساعد الجِدِّ، وشجبوا منذ وقت مُبكِّر بأنَّ الحرب لا يُمكِن أن تُشكّل حلاً للمُشكِلة مهما كانت أسبابها؛ لذا رفضناها بقوة، كما أننا لا يُمكِن أن نمنع تداعيات الحرب لو كانت قد حصلت في سورية فإنها ستجرُّ بذيولها ومشاكلها على الدول المجاورة، ومنها العراق في الصدارة؛ لأنَّ هناك تماسّاً جغرافياً، وتداخُلاً مُجتمَعياً وعشائرياً بين الدولتين.
الردُّ هذا اليوم -في تقديري- يُساهِم في تعزيز الحالة الوطنية عموماً في دول الجوار بخاصة في سورية.
العدالة الاجتماعية، واستتباب الأمن لا يتجزّآن؛ لذا لا يُمكِن أن نُبضِّع المُمارَسات السلمية والعدالة، وحتى مفهوم الديمقراطية؛ كي لا نقع بما وقعت به الدول الغربية حين فصَّلت الديمقراطية على أساس قدر وطنيٍّ على بلدانهم.
نحن نعتقد أنَّ الجانب الإنسانيَّ من الديمقراطية هو قدر إنسانيّ؛ لذا يهمُّ كلَّ شعوب العالم مادام يُعبِّر عن إرادة الشعوب، ويستخدم أبناء الشعب لتطبيقه، ويستهدف تحقيق الأهداف التي يُريدها الشعب؛ إذن لا يُمكِن التفكيك بينها.
هذه الخطوة اليوم ساهمت -بشكل واضح- في تقديم دفعة نحو الاستقرار ليس في العراق فقط، وفي الوقت نفسه إشارة إلى كلِّ شعوب المنطقة بأنَّ السِلْم الاجتماعيَّ يُمكِن أن يزحف من بلد إلى بلد، وتتعزَّز وحدته، كما يبعث رسالته إلى شعوب المنطقة بأننا لا نُجزَّئ بذلك.
التصريحات التي أدلى بها الدكتور إبراهيم الجعفريّ رئيس التحالف الوطنيِّ العراقيّ لقناة العراقية الفضائية