أعلن مفتي مصر على جمعة تأييده التام للتطورات التي حدثت لدى الشيعة في عام 2008، فيما يبدو إشارة إلى الدراسات الشيعية التي دعت لمنع سبّ الصحابة على المنابر.
وأكد جمعة أنه "علينا الاعتراف بما تحرزه هذه الطائفة من تقدم يُمَكننا من التعاون معها في الوقت الحالي". مؤكدا أنه "لا حرج من التعبد على مذاهبها، فلا فرق بين سني وشيعي".
وقال في حوار مع "العربية.نت": إن الشيعة بطبيعتها طائفة متطورة، وهم يُسلّمون بذلك، باعتبارهم الواقع جزءا لا يتجزأ من فقههم، "ولكن هناك من ينقِّب في الكتب الشيعية القديمة، ويخرج علينا بالخلافات، وهذا خطأ جسيم".
واتهم من يقوم بذلك بالسعي "لتدمير العلاقات بين السنة والشيعة لخدمة أغراض أخرى هدفها تفتيت وحدة المسلمين والإضعاف من شأنهم لتسهيل تنفيذ المخطط الذي تم الإعداد له منذ فترة طويلة".
وكان كبار علماء الشيعة أكدوا -في العام الماضي، خلال ندوات ومؤتمرات- أن لعن الصحابة والخلفاء الراشدين، خصوصاً أبو بكر وعمر، وأم المؤمنين السيدة عائشة، ليس من المذهب الشيعي، وأنها أمور دخيلة قديمة، ليس لها وجود في الكتب الشيعية المعتبرة.
وقال مفتي مصر: إنه "يجوز التعبد بالمذاهب الشيعية ولا حرج، وقد أفتى بهذا شيخ الأزهر الراحل محمود شلتوت، فالأمة الإسلامية جسد واحد لا فرق فيه بين سني وشيعي، طالما أن الجميع يصلي صلاة واحدة ويتجه لقبلة واحدة".
وأضاف أنهم كانوا دائما جزءا لا يتجزأ من الأمة الإسلامية، لكنهم يشكلون أقلية لا تتعدى نسبتها 10% من إجماليّ عدد المسلمين.
عنتريات على حساب غزة
من جهة أخرى أكد جمعة أن ما حدث في غزة أثبت أن مصر والمملكة العربية السعودية كانتا على صواب في التوجهات والآراء والمفاهيم المشتركة التي توصلتا، من خلالها للضغط على إسرائيل لوضع حد لنهاية الأزمة.
وقال: إن إسرائيل مارست ما يعد في العرف الدولي نوعا من الإبادة الجماعية التي لا يقرها الشرع ولا القوانين الأممية، مستنكرا صمت الدول الأعضاء بمجلس الأمن على ما عاناه أهل غزة من سوء، وإحباط إسرائيل لكافة محاولات الدول الأعضاء الدائمين بوقف حمامات الدم. واستطرد: "إسرائيل أثبتت أنها مارست الهولوكوست، وكأنها تحتفل بالذكرى الستين لهذه المذابح الوحشية بأفعال مماثلة في فلسطين التي عانت من الانقسام العربي والداخلي أكثر من معاناتها بسبب الأعمال الوحشية الإسرائيلية".
وانتقد المفتي المصري ممارسة بعض العرب الخطب العنترية على حساب الأشلاء الفلسطينية في غزة. وقال "إن المجتمعين تفرقوا بين قمم متماثلة، مع أن الإسلام دعا إلى الاعتصام، وأن المفتاح الوحيد لحل كافة الأزمات والمشاكل يكمن في اللجوء إلى الوحدة.
وأشار إلى أهمية "البحث من جديد في بناء جدار الثقة وترتيب أوراق البيت العربي مرة ثانية، فهو بحاجة إلى الإصلاح، وذلك ليس بالأمر المستحيل".
مساحة مشتركة مع الآخرين
وعن أهمية الحوار مع الأديان الأخرى، قال جمعة: "شاركنا على مدار 30 عاما في الحوار، وأوجدنا مساحة مشتركة للتعاون. وقد تعاونّا بالفعل، وأقمنا جمعية لتطوير طباعة الخط العربي مع ألمانيا، وأقمنا مؤسسة لفن الزخرفة العربية، التي تعتمد على طراز العصر المملوكي، وساعدت مشاركتنا مع كل من كوريا وألمانيا في تطوير طباعة مصحف الملك فهد".
وتساءل: "من قال أنهم يرفضوننا بالكلية؟.. عندما نتحدث مع الشباب ندعوهم للتعاون مع "الآخر"، والتمسك بإيمانهم ودينهم، وتعليمهم كيفية استثمار المساحة المشتركة بينهم من أجل النهوض بالبشرية، وذلك يرجع إلى أن 97% من الدين الإسلامي قائم على التحلي بحسن الخلق، وهذا ما يجعل لدينا الكثير الذي نشترك فيه مع الحضارات الأخرى".
وأضاف: "عندما نتحدث عن الحوار بين الأديان، فإن ذلك يشمل الحضارة، وهذا يتطلب بدوره التعاون الكامل في مختلف المجالات، سواء كانت هذه المجالات اقتصادية أو سياسية أو اجتماعية أو علمية أو إنسانية. أنا أبحث عن المُشْتَرك، ولا يجب علي بصفتي عالم دين أن أسمح لهذه الاختلافات في الدين بأن تحرمني متعة المشاركة في مشروعات مشتركة".
وتابع جمعة: "أما بخصوص الاختلافات في الأديان، فهي غير خاضعة للمناقشة. أنا لا أدخل في مناظرة دينية، ولكن في حوار بين الأديان، والفرق بينهما عظيم، فالأخير يتبنى أسلوب البحث عن النقاط المشتركة مثل الأخلاق، والمصالح، والأمور الحياتية، الخ. أما المناظرة الدينية فهي تخضع لبحث أكاديمي دقيق لكل دين من الأديان، بعيدا عن الأضواء والإعلام".
وقال: "إننا نناقش الجانب الإنساني المشترك، ونناشد هؤلاء ممن يدينون بأديان أخرى أن لا يضعوا العوائق في طريق الوصول إلى أرض مشتركة، وذلك حتى يستفيد أولادنا وأحفادنا، ويعيشوا في سلام وتعاون وحب".