قصص قصيــــرة
الغائــــــــــب
سقطت الملعقة من يده، كسّرت صمتا انسكب على المائدة، قام معتذرا، خرج إلى الشرفة ليحلق بشروده وييمّم وجهه شطر ضفاف الحنين..!
بحسِّ رفيقة العمر أدركتُ أن حلّ خيط العقدة متعلق بين أصابعي، كلمة الفصل مربوطة بلساني،والخلاص من - الوجوم - الذي حلّ منذ بداية العام ضيفا ثقيلا، دون سابق دعوة أحال دفء البيت صقيعا سيذوب بقراري..!
بقلب راجف، أمسكت كف تمثال، جسدا بلا روح:
- سأختصر وأخفف من معاناة انشطار قلبك إلى نصفين.. تقاسمنا معا لقمة الحياة في الغربة، ونعمنا بعافية اقتران عربي وأجنبية، تشاركنا، تبادلنا المعرفة، ذبتُ في عالم لغة الضاد، عقيدتك، ترابط العائلة، واندمجت أنتَ في مجتمع الحقوق والقانون والديمقراطية، شكّلنا ثنائيا كان قدوة، واليوم قلبك تمرّد ويخشى البوح حرصا على مشاعري ..
اذهب. استعد حبك الأول فالواجب يناديك...
قبل أن أكمل حديثي، كانت حقيبة سفره قد أغلقتْ، تذكرة السفر حجزت، ضمّني مودّعا:
-انتظريني… سأعود.
بلهفة، أتابع نشرات الأخبار المتلاحقة، لعلّ الكاميرا تصافح وجها بين حشود جماهير غفيرة...
منطــــــــــق
كعاصفة موسمية هبّت حول السرير، أزاحت الغطاء عن وجهي، وبصوت غاضب يخلو من نعومة ألفتها: أي كسول أنت وأي بليد، الشباب يفترشون الساحات، يرفعون الشعارات، يطالبون بالتغيير، وأنت تغط في نوم عميق.
- الأمر لا يعنيني، ولا يهمني من يثور ويغضب ..!
- أليست لك مطالب وحرية تنشدها؟ ألا تشاهد الأخبار؟
- مطالب ! لماذا؟ ابن مسؤول كبير، أقيم في فيلا خدماتها خمس نجوم، وظيفة مغرية، رصيد في البنك، سيارة حديثة، سهر، سفر ...
- وإن كان، ألا تؤازر الشباب في حركة الإصلاح، ومحاربة الفقر والفساد، وإيجاد الحلول لشعب مسحوق، جائع، يسعى للعيش الكريم؟
- أمي.. تمهلي، تمتعي بأيامك وبما تملكين، فربما تلك المطالب غدا تتحول ضدك وأصابع الاتهام تتجه إليك: "من أين لكِ؟"، وتقودك خلف القضبان، والاعتصام في الميادين والدواوير قد يصبح قلادة تلف حبل مشنقة حول عنقك، فيفتر حماسك بعد أن تجرّدي من رفاهية نعمت بها سنوات طويلة، وأنت تعلمين أن هناك من يعيش تحت خطوط الفقر والحياة الدنيا، بينما مساعداتك لا تتعدى حدود التباهي بخدمات اجتماعية تنشر صور المحسنة الكبيرة لتنافس أسماء سيدات المجتمع المخملي في العمل الخيري.
دعيني أكمل نومي في فراش وثير قبل أن يسحب من فوقي الغطاء.
وكأن على رأسها الطير تسمّرت لحظة في مكانها، وقبل أن تصل كفها إلى شفتي لأطبع قبلة مصالحة سحبتها بنزق رمتني بالوسادة، خرجت مسرعة تقلّب الكلام في رأسها، وتعيد حساباتها...
فضـــــــــــــــول
توقفتُ عن الهتاف وتابعت الصبية الوحيدة، ذات الملامح الأسيوية، وهي ترفع لافتة: " أوقفوا الحروب"، تكفكف دمعها، تتلفت كأنها تبحث عن مفقود في مسيرة احتجاجية للجاليات العربية. تزحف نحو إحدى السفارات منددة بالعنف، مطالبة بالحرية ووقف سفك الدماء، قتل الأرواح البريئة وتشريد العائلات.
بنخوة العربي دنوت حذرا أستأذن في المساعدة، طرحت عليها عشرات الأسئلة في دقيقة، رمقتني في ضيق من قطعت خلوته:
- جذوري ليست عربية، علمانية، لست مندسة أو عميلة، أسمع عن بلادك، لم أزرها، أشاهد ما يجري عبر الأخبار والصحف، أكره الظلم، أمقت الحروب، أناضل من أجل حرية الشعوب، أشارك في المسيرات تطوعا... لعل صوتي يصل.. لأنني خُلقت إنسانة، أيها الفضولي.