لا تستطيع الدراسات التي قام بها الخبراء في علم الإجرام، أن تفصل بين الإجرام وتزلزل الحالة الاقتصادية للفرد أو المجتمع، بل تؤكد أنها تعود إلى أسس اقتصادية ينتج عنها عدم توفر مستلزمات الحياة الضرورية، أو عدم إمكانية إشباع الحاجيات الإنسانية.
وقد لوحظ وفقا للدراسات الإحصائية التي أجريت في إنجلترا، أن ثمة علاقة وثيقة بين عدد الأحداث المنحرفين وبين أوقات الأزمات الاقتصادية، كما لوحظ ارتفاع منسوب الانحرافات بين الأحداث الذين يقطنون المدن الكبرى عنها بين أولئك المقيمين في المدن الصغرى أو الأرياف، وذلك رغم ما هو حاصل في جميع دول العالم، من ارتفاع مستوى المعيشة في الأولى عنه في الأخيرة، والسبب الرئيسي في ذلك أن رباط الأسرة لديه الفرصة لكي يقارن بين المستوى المتدني الذي يعيشه وبين المستوى لدى أبناء الطبقة الأكثر رفاهية، وهو يلاحظ على مدى الأيام أن الحدث الذي يمكن من إشباع رغباته من الطعام الجيد والملابس الغالية، ويمنح إمكانية الترفيه عن نفسه بالذهاب إلى الأماكن الجميلة والأسواق والمنتزهات.. و.. وحينما يصل من المقارنة إلى أن هذه هي الطريقة المثلى للحياة، فإن أفكاره تتحول إما إلى الرثاء لنفسه، أو إلى الحقد والغيرة من الآخرين، مما يقود البعض إلى طريق الانحرافات المختلفة، وإليك دليلا على ذلك، الدراسات الميدانية التي قام بها الخبراء، والعلماء.
دراسات تؤكد تلك الحقيقة:
من السابقين في هذا الميدان الباحث الإيطالي (فورنا ساري) الذي أثبت في أبحاثه أن أكثر الطبقات فقرا في إيطاليا والذين يمثلون حوالى 60% من سكانها، يساهمون في تكوين 85% من المجرمين.
ويذهب الباحث الألماني في علم الإجرام (يري برس): أن الفقر يولد الجريمة، بدليل أن النظام الحالي للمجتمع قد أدى إلى ارتفاع منسوب الجرائم، وهذا النظام بطبيعته يجعل الطبقة الفقيرة هي الغالبة.
ويرى الدكتور (سيريل بيرت) أن الطبقة الغنية لا تمثل أكثر من 8% من سكان العاصمة البريطانية، وأن 37% منهم قد انحدروا من الطبقتين التاليتين اللتين تمثلان الفقراء المتوسطين، رغم أن هاتين الطبقتين تمثلان 22% فقط من سكان المدينة..
وترى الباحثة الغربية (مس ماري كارتير) في كتابها (الأحداث المنحرفون) أن المنحرفين ينقسمون إلى خمس مجموعات هي:
الأحداث المذنبون الذين يتميزون بالجسارة والجرأة، وهم أولئك الذين لفظهم المجتمع، ولم يعودوا يقيمون وزنا للقانون أو الإنسانية، ويرجع انحرافهم في الغالب إلى الطفولة المضطربة.
الأحداث الخطرون، وهم الذين تربوا في أحضان الجريمة، ودفعهم إليها آباؤهم أو المجرمون المحترفون، كأصحاب مدارس النشل وعصابات إفساد الأخلاق.
الأحداث الذين لم تكن لديهم ميول إجرامية، ولكن الإهمال الآثم الذي بدا من والديهم، والحاجة إلى الشعور الديني والتأثير الأدبي داخل المنزل يقودهم بالتدريج إلى الانحراف.
وترى مس كارتير، أن هذه الفئات الثلاثة من المنحرفين لا تنقاد إلى الجريمة بسبب الفقر والعوز، وأنهم إذا كانوا فقراء فإن للجريمة أحيانا علاقة بهذا الفقر.
الأحداث الذين قادهم الفقر والعوز فعلا إلى الانحراف، ولم تكف قوانين مساعدة الفقراء في إشباع حاجياتهم الاقتصادية، بسبب قصور المساعدة أو إهمال السلطات لمشاكلهم.
الأحداث الذين يعيشون هم وذووهم في فقر مدقع، ومع ذلك فإن لهم موارد مشروعة للمعيشة ولو أنها موارد تافهة.
وانتهت الباحثة من عرض هذه المجموعات وعلقت عليها بأنه يبدو بوجه عام أن الفقر والعوز من أهم الأسباب الرئيسية لجرائم الأحداث.
وقد لاحظ بعض الباحثين عام 1958م أن الإحصاءات تشير إلى وجود علاقة بين الفقر وبين الجريمة تصل إلى 45% وذلك بسبب عدم الرعاية الذي يلازم الحياة الفقيرة عادة، فالفقر قد يجعل الحدث قابلا للانحراف، ثم يتضافر بعد ذلك مع غيره من العوامل على إسقاط الحدث