؟
يعتبر الغضب أحد أشكال السلوك الإنساني الطبيعي والذي يحدث لكل منا، طالما بقي في حدوده الطبيعية المعقولة. وكثيراً ما يؤدي هذا الغضب إلى العنف، ويحدث الغضب عادة بصورة متُفاوتة ومختلفة بين البشر، بحسب طبيعة كل شخص، وطبيعة الموقف الذي تعرض له. ويعتمد الاختلاف في هذا السلوك على عوامل متنوعة، منها: ما هو اجتماعي، ومنها ما هو نفسي، أو اقتصادي، كما قد ينتج السلوك العنيف من هذه العناصر مجتمعة. وقد يصدر الغضب والعنف عن شخص أو جماعة، ويتراوح هذا السلوك بين سلوك في حدوده الطبيعية، وبين سلوك خارج الإطار المقبول بكل العوامل والمقاييس.
كما يعتمد أيضاً مقدار العنف والغضب على عدة عوامل أخرى، منها: المواقف التي تؤدي إلى حدوث هذه المشاعر، وكذلك الفروقات الشخصية بين الناس، والعوامل النفسية التي تُرافق عملية الغضب أو العنف وغيرها.
الاندفاع في الغضب قد يقود إلى القتل:
من بين العوامل التي تُحدد مقدار العنف والغضب عند الناس: الاندفاع خلال حالات الغضب. فالبعض يعانون من الشخصية الاندفاعية، فنجدهم سريعي الغضب، ويندفعون بشكل متهور، مما يقودهم إلى عنف مُبالغ فيه.
وقد يندم هؤلاء الأشخاص على اندفاعهم، ولكن بعد فوات الأوان.
وقد نشرت العديد من الوسائل الإعلامية حوارات مع أشخاص ارتكبوا جرائم قتل أو عنف، أودت بهم إلى السجن أو الإعدام، وكان السبب أنهم قاموا بجرائمهم خلال نوبات الاندفاع التي رافقت حالة الغضب لديهم، دون تفكير منهم أو رويّة، ولكن بعد حدوث الجريمة نجدهم يندمون ويحاولون التكفير عن أخطاءهم. لذلك فإننا ننصح أصحاب الشخصيات الاندفاعية، بعدم حمل الأسلحة الخطيرة أبداً، لأنهم قد يقومون بأعمال عنف أثناء نوبة غضب لا تستحق استخدام العنف أبداً.
هل يمكن أن تسبب ردات الفعل كل هذا العنف؟
من العوامل التي تُحدد مقدار العنف والغضب عند الناس: ردة الفعل. فهناك أشخاص تتملكهم ردات فعل قاسية على أعمال بسيطة، وكثيراً ما تتميز ردّة الفعل هذه بالعنف الشديد، وقد تكون هناك بعض التبريرات لانفعالاتهم، ولكن لا ترقى لأن تكون ملائمة لردود أفعالهم المبالغة فيها، حتى إن بعض هؤلاء الأشخاص قد يرتكبون أفعالاً حمقاء، تتصف بالبشاعة. كأن نجد شخصاً يتجاوز بسيارته سيارة أخرى، فيقوم الآخر بملاحقته ومضايقته، وقد يصل الأمر إلى حد الاعتداء عليه بالضرب المبرح، وبعض هذه الحالات البسيطة، تنتهي باستخدام الأعيرة النارية، فقد يقتل هذا الإنسان الشخص الذي أخطأ بحقه حتى وإن كان هذا الخطأ بسيطاً، ولكن بعد أن يهدأ ويعود إلى صوابه، ويُراجع ما قام به، يجد أن ردة فعله كانت مُبالغ بها جداً.
التعوّد على العنف يولّد العدوانية مع الجميع:
من الأسباب التي تؤدي إلى العنف: التعوّد على العنف والعدوانية، فثمة أشخاص تعودوا على هذه الممارسات العدائية، فنجدهم مستعدين دائماً للعنف والاعتداء على الآخرين، دون حساب لما يترتب على هذه العنف من تبعات أو عقوبات. وهؤلاء الأشخاص لديهم مشاكل شخصية، ويشكو البعض منهم من اضطرابات حقيقية في شخصيتهم، تجعلهم عرضة للمشاكل دائماً.
والتعود على العنف لا يقتصر على مواقف معينة بالنسبة لهؤلاء الأشخاص، بل إن المقربين منهم يكونون عرضة للعنف أيضاً قبل غيرهم، فالزوج الذي اعتاد على العنف كثيراً ما يكون عنيفاً مع زوجته وأولاده. ورغم ما قد تُسببه هذه العدوانية والعنف للشخص العنيف، إلا أنه لا يتعظ مما حدث له سابقاً، وربما يُكرر ممارساته العدوانية. لذلك فإنه كثيراً ما يقع في مشاكل مع القانون ويتعرض للعقاب.
الغضب لا تصلح معه القيادة:
بعض الأشخاص لا يستطيعون السيطرة على نوبات الغضب التي تجتاحهم، ويصبحون في حالة هياج شديد؛ لدرجة أن شخصياتهم تتغير تماماً خلال نوبات الغضب هذه، ويتحوّلون فجأة من أشخاص هادئي الطباع، متزني السلوك والحديث، إلى عاصفة تدمّر كل من حولها، ويُحدثون مشاكل إضافية وأزمات كبيرة، حتى وإن كان السبب تافهاً أو بسيطاً، إلا أنهم لا يستطيعون السيطرة على مشاعرهم وغضبهم، فيتحوّلون إلى أشخاص خطيرين، لا يستطيع أحد التنبؤ بما يمكن أن يفعلونه. وهذا النوع من الشخصيات لا يصلح للقيادة أو تولي مناصب هامة، حيث يدمّر في لحظة ما بناه في سنوات، ويؤثر سلباً على من يعملون تحت إدارته.
العلاج السلوكي للغضب والعنف:
يعتمد العلاج السلوكي للغضب والعنف على تغيير سلوك الفرد بصورة مدروسة، وهو أحد أهم العلاجات النفسية التي يُعتمد عليها في علاج كثير من الاضطرابات النفسية، خاصة اضطرابات القلق والرهاب، والاضطرابات السلوكية. وهناك اضطرابات نفسية أثبت العلاج السلوكي تفوقاً فيها على العلاج الدوائي، مثل الوسواس القهري.
لكن المشكلة في العلاج السلوكي هو قلة المُتخصصين فيه بشكلٍ جيد، وكذلك كلفته التي تفوق كثيراً العلاج الدوائي، والذي يكون متوفراً لدى المرضى في أي وقت، ولا يحتاج إلى أن يقوم المريض بالذهاب إلى العيادة أو المشفى الذي يعمل به الشخص الُمتخصص في العلاج السلوكي. وهذا العلاج يساعد كثيراً في علاج نوبات الغضب والعنف، خاصةً إذا تم تدارك الأمر من بدايته، أي منذ الصغر في مرحلة الطفولة.